السيدة أميني نود أن تحدثينا عن نفسك في بداية الحوار.
أنا مريم أميني. وُلدت سنة 1957. حصلت على ليسانس في الرياضيات و علم الحاسوب.
هل أنت من طهران؟
أجل!
من أين بطهران؟
أمير آباد. عشت في ذلك الحي أكثر.
حدثينا حول معرفتك بالسيد مرتضى.
قبل الزواج، عرفنا بعضنا لعدة سنوات. لقد كنت أعرفه. منذ سن الخامسة عشر حتى التاسعة عشر، وتُوجت هذه المعرفة بالزواج بعد عشرين عاما.
وكيف كانت العائلتين؟ هل كانتا موافقتين على هذا الزواج؟
لقد كانت عائلتي مخالفة، لكن بالنسبة لي كان واضحا أن هذه الحياة المشتركة يجب أن تبدأ.
لم أكن قادرة على أن أتخيل شكلا آخر للحياة.
لماذا؟
لأن مرتضى كان منذ البداية مبتغاي ومرادي. تبادل الكتب الجيدة، المشاركة في الخطابات والأمسيات الموسيقية في كلية الفنون الجميلة حيث كان يدرس، في الحقيقة لقد كان الدليل المكتمل بالنسبة لي.
هذه الحالة، أي كونه مرادك، إلى متى استمرت في حياتك؟
لقد بقيت دائما. لقد كانت هذه علاقتنا الأساسية في الحياة. بالطبع أحيانا كان شكل هذه الحالة يتغير بسبب التبدلات الفكرية. فقد تغيرت ميوله بشكل كامل بعد الثورة. ونتيجة ذلك، فقد أثرت تلك التبدلات فيَ أنا. لكن علاقتنا استمرت هكذا حتى استشهاده. حتى أنني بعد ذلك وجدت فرصة كي أعود و أنظر إلى صلة جديدة معه و أرى ماذا يمكنني أن أصمم بعد ذلك اليوم.
هل نظرت؟
أجل! لقد وجدت صلة جديدة بيننا بعد شهادته. لقد كتب مرتضى في إحدى مقالاته التي كتبها بعد وفاة الإمام، هناك جملة يقول فيما معناه: "لقد غاب عن هذه الدنيا والآن وقع العبء على عاتقنا" أنا أشعر بهكذا ثقل تماماً. قبل هذا كان يأخذ بيدي ويحملني إلى الجنة. ليس بالإجبار، فقد كان هناك رغبة داخلية. لم أكن أشعر بثقل العبء كثيرا.كان يحدث كل شيء بكل سهولة لكن بعد شهادة مرتضى كان علي أن أبدأ من جديد. كالولادة مجددا. أشكر الله كثيرا. وما أكبر من هكذا نعمة هيأها لإنسان أن يكون له فرصة للحياة مع إنسان هو قبلة كل رغباته ويرى فيه كل ما يريده من الحياة، ويجد في عمق هذا الإنسان وهذه الحياة فرصة للتأمل والتفكير.
يقول مرتضى: "إن الشهداء لا يموتون، بل يحيون" ليست هناك فرصة للجميع كي يعيشوا ويشعروا بهذه الحياة. والآن لا أعرف كم أنا في هذه الطريق وكيف أطويها بهذا العبء الثقيل. أي أنني فزت بمرتضى مرة أخرى وأشكر الله كثيرا على ذلك.
حبذا لو تحدثينا عن تجربتك الطويلة معه إلى حد ما.
لقد بدأت هذه الحياة الجميلة منذ سن الصبا. فقد كانت مكانته عندي تعلو يوما بعد يوم أكثر من أي شخص آخر. لقد كان مرتضى شكلا لكل الأشخاص الذين كنت أبحث عنهم في حياتي. كان يملأ لي مكان كافة أفراد الأسرة فكان كل حياتي.
كم كان فرق العمر بينك والسيد مرتضى؟
عشر سنوات.
السيدة أمينة يمكننا القول أن حياتكما المشتركة كانت على ثلاث مراحل. قبل الثورة، بعد الثورة وبعد الشهادة.
اسمحي لنا أن نبدأ من زواجكما. متى أتى السيد مرتضى يطلب يدك للزواج؟
ليس هناك شيء خاص يمكني ذكره. كان عاديا للغاية. كانت خطبتنا عام 1977 وتزوجنا في تموز عام 1980. فقط يمكنني أن أقول أن زواجنا مقارنة بظروف ذلك اليوم كان بسيطا جدا.
هل قمتما بالتسوق؟
اشترينا كنزة وتنورة بيضاء لي. وبدلة رسمية بيضاء لمرتضى.
هل كان هناك مهر وشروط أخرى؟
أجل! لكني يومها خرجت من الغرفة، لأنني لم أكن أرغب بسماع ذلك. لقد كان كل شيء ضمن الأعراف والتقاليد.
هل وصلت في الحقيقة إلى أمنيتك؟
أجل!
وكذلك السيد مرتضى؟
أجل!
يبدو أنه تحمل وصبر الكثير حتى بلغ مبتغاه.
أجل! كانت تشتد هذه العلاقة يوما بعد يوم ولم تنقص شدتها بعد الزواج. كان مرتضى متعلقا بي وبالأبناء بشدة. كان يظهر تعلقه هذا خلال السنتين الأخيرتين ويعبر عنه. كل ذلك كان نتيجة لأفكاره. كان يغير طريقته. كلما كنا نقترب من شهادته، دون مبالغة، كنت أشعر أننا كنا نعود إلى سنين حياتنا الأولى. على كل حال فقد كان في إظهار رغبات مرتضى نوع من الشكر. لم يكن تعبيره عنها منفصلا عن شكره لله. فكلما كان يشتد حبه لله اشتد حبه لأسرته أكثر فأكثر. في لحظات حياته الأخيرة، لم أكن برفقته لكن كان يقول أبناء الفتح أنه في لحظاته الأخيرة كان يعبر عن رغباته.
حدثينا من فضلك عن أوضاع السيد مرتضى أيام الثورة.
سأتحدث عن خاصية واحدة تربط مرحلتين من حياة السيد مرتضى أي حياته قبل الثورة وبعدها حتى الشهادة. عندما كنت أعرف مرتضى، كان يبحث عن الحقيقة. كانت التغيرات السياسية – الاجتماعية وحتى الفنية والأدبية الكبيرة والصغيرة قبل الثورة، تجعل بحوثة دون إجابة، لكن رغبته كانت كبيرة للعثور على الحق والحقيقة في بحوثه تلك. لقد كان يجهد في هذا الأمر حتى أنه كان يهمل نفسه. في بحوثه تلك عانى الكثير. وجرب الكثير. هذه التجارب هي التي جعلت الإمام يعرفه عندما تعرف عليه. لقد وجد في ذات الإمام المبارك الشيء الذي كان يبحث عنه لسنوات. لم تكن في قلبه ذرة من الحقد عما عاناه كي يشكوه للإمام. وعندما عرفه، كان قد بلغ هدفه. وبمعنى واحد فقد وصل إلى الحقيقة. لذلك فقد أفنى نفسه في سبيل هذه الحقيقة.
كيف كان يعبر السيد مرتضى عن هذه الحقيقة؟
لقد كانت كل حياته رهن الثورة. كان يقول بنفسه ذهبنا لنشارك في الحرب فوضعوا في يدنا آلة تصوير. لم يختلف الأمر. لقد كان بكل وجوده رهنا للثورة وكان يقوم بكل ما كان يوكل إليه. لم نكن نراه أيام الحرب في البيت إلا نادرا. مرة كل عدة ليالي. كانت الحرب تسيطر على أفكاره.
لو تسمحين لنا سيدة أميني أن نعود إلى الأيام الأولى من حياتك المشتركة مع السيد مرتضى! ماذا فعلت كي تبدأ هذه الحياة؟
في شارع آمل بشارع شريعتي استأجرنا بيتا صغيرا. أقمنا فيه ما يقارب السنة الواحدة. وُلد أول أبنائنا في ذلك البيت. وبعد عدة أشهر ولأننا لم نكن نستطيع دفع الأجرة، انتقلنا إلى بيت والد مرتضى في شارع مطهري. كان ذلك سنة 1979. وبقينا في ذلك البيت لثلاث سنوات. ثم اشترينا بيتا بمساحة خمسة وسبعين مترا في قلهك وتراكمت علينا الديون والقروض. والآن صار عندنا ثلاثة أبناء. كان مكاننا صغيرا وضيقا. كان مرتضى يريد أن يبقى قريبا من أبيه وأمه ليساعدهما. لذلك قمنا ببيع البيت وعدنا مرة أخرى إلى بيت والده واشترينا الطابق الأول وسكناه حيث بقينا هناك حتى استشهاد السيد مرتضى.
أود أن تحدثينا عن مشاعر السيد مرتضى، يوم أنجبت الابن الأول لكما.
كانت ردة فعله دينية. لم أره لكن والدته أخبرتني أن مرتضى كان في الغرفة يسجد لله شاكرا وكتب اسم الطفل وتاريخ ميلاده في آخر القرآن.
من أين بدأت معرفة السيد مرتضى بالسينما؟
كان قبل الثورة يتابع أفلام المهرجانات باستمرار وكان محبا للسينما. عندما ذهب إلى الجهاد أعد الكثير من الأفلام الوثائقية، منها مسلسل من إحدى عشرة حلقة باسم "الحقيقة" ووثائقي آخر باسم ستة أيام في صحراء تركمن، وكلاهما كانا من الأفلام الوثائقية الجيدة في تلك الأيام.
هل كان يتحدث بشيء حول عمله في البيت؟
لا! لكنه كان يبدي رأيه في بعض الأفلام وينتقدها بشكل دقيق.
في المحافل العائلية ماذا كان حديثه أكثر الأوقات؟
على الأغلب، كنا نحن من نحدثه. عما يحدث خلال اليوم، حتى عن زيارات الأقارب وهو كان يصغي إلى حديثنا هذا. لكلامي وكلام أبنائنا. أذكر ذلك عندما أُقيم مؤتمر سينما ما بعد الانقلاب وكان هو أحد المحاضرين فيه، لقد حدث سوء تصرف معه في ذلك الحفل. أنتم تعرفون أنه لدينا مدعين كثيرون وفي المقابل لدينا القليل من المتعلمين في هذا المجال. يومها عندما عاد إلى البيت لم ينبت ببنت شفة. وبعد ذلك قرأت بنفسي كتاباته في مجلة "سورة سينما" قصة تلك الليلة ومؤخرا أخذت شريطه من "قصة الفتح" ورأيت فلمه. يا له من محيط عجيب صمد مقابله وعبر عما في داخله في جو مخالف له تماما! وكان ينصت بكل هدوء إلى جميع اعتراضاتهم التي لا أساس لها والتي كانوا يطرحونها بشكل غير محترم. عندما رأيت الفلم عرفت حينها صعوبة تحمل ذلك الجو، والسيد مرتضى عندما أتى إلى البيت لم يظهر عليه أبدا أنه قضى ساعات عدة في هكذا مكان. أنتم تعرفون أن معاناة السيد مرتضى كانت تكمن في الجهل الذي كان يسيطر على السينما في البلاد من جهة، والمدعون الكُثر من جهة أخرى.
لهذا السبب ربما تكون السينما اليوم لدينا لا تزال عاجزة أمام أن تتناسب مع مجتمعنا وتعبر عنه.
هكذا. كان يسعى مرتضى لأن يقرب السينما من القيم والثقافة الأصيلة لهذه الأرض. لم يكن هذا عملا سهلا. إن لم يحدث هذا التحول الفكري في السينما اليوم فإنه لن يكون أمرا سهلا في المستقبل، وربما سيكون أكثر صعوبة أيضا.
من الأمور التي اشتهر بها السيد مرتضي هي أدبه...
وهذا أيضا بمضي الأيام اتخذ صُورا مختلفة. بالتزامن مع الثورة وأحداثها اليومية، طرأ تغير وتبدل على أسلوب حياته في كافة نواحيها. لم يكن ذلك على طريقة تعامله مع عائلته ومن حوله، لكن أسلوبه تغير.ربما لفترة معينة لم يكن ليشارك في مثل هذا المؤتمر الذي حدثتك عنه. أو أنه كان من المتوقع أن يكون له مشادة مع أولئك الناس. لو حدث ذلك قبل وقوعه بعدة سنوات، لكان أسلوبه غير هذا. لا يمكن القول أن أدبه كان أقل قبل ذلك. وكأن شكل أدبه هو الذي تغير.
لقد أشرت إلى الصورة الدينية للسيد مرتضى. متى شعرت أن هذه الصورة استقرت في وجدانه واستحكمت؟
برأيي لقد كانت الميول الدينية ترافقه منذ البداية وذلك ما كان يحثه على البحث والدراسة للعثور على الحق والحقيقة. وعندما رأى تلك المساحة المضيئة والمشعة، لم أر فيه بعدها ترددا. فقد أدرك تماما أنه ما إن يرى الحق يعرفه. لأنه لم يكن منذ البداية. وعندما عرف، انتهى الأمر. وكأنه عثر على الحقيقة المبتغاة.
سأحدثك عن أمر يساعد في فهم هذا الموضوع. كان قد مر على الثورة عدة أعوام عندما أقلع مرتضى عن التدخين. كان دليله على هذا الأمر أن إمام الزمان يراقب كافة أعمالنا وتصرفاتنا. في هذه الحالة كيف لي أن أدخن في حضرته؟ وهكذا أقلع عن التدخين كليا. إن كان هذا الأمر يتعلق بشخص آخر فربما يتناول سيجارة يوما ما. لكن بالنسبة لمرتضى فيبدو هذا الأمر مستحيلا. لأن إرادته نابعة من إرادة الحق. كان يجب أن ندرك يومها أنه سيكون يوما شهيدا.
لقد كان السيد مرتضى رجلا مثقفا. من أين بدأت مطالعاته؟ ماذا كان يقرأ أكثر الأحيان؟
لقد قرأ قبل انتصار الثورة جميع الأعمال الفلسفية والفنية تقريبا. أذكر بعض الأسماء التي كان يتحدث عنها كثيرا أمثال داستايوفسكي ونيتشي. كتب في مقالة له حول كامكو وداستايوفسكي أنهما أحيا الفلسفة، لم يطالعاها فقط أو تحدثا عنهاً. أعتقد أن مرتضى كان أيضاً كذلك؟ يمكن أن نقول عن الكثير أنهم مثقفين لكن مرتضى عاش جو تلك الأيام وأعمالها الفلسفية ورواياتها، ولأنه أحس ذلك الجو بكل وجوده وضميره، وعندما عثر على جواب أسئلته لم يتوقف عندها.
المصدر: www.navideshahed.com