حدثينا أكثر عن السيد مرتضى في المنزل.
بدأنا نراه أكثر تدريجياً كلما اقترب يوم استشهاده في الأيام التي تلت الحرب. مع أن المسؤوليات التي كانت على عاتقه كانت أكبر من طاقة أي إنسان لكنه كان في البيت بشكل لم نشعر فيه بأي نقص. مع أنني كنت قد بدأت عملي في المخابرات وهو كان منهمكاً في أعماله وكان علينا تربية ثلاثة أطفال، عندما كنت أقول له، ليس لدي الوقت لآخذ أحد الأطفال مثلاً إلى الطبيب، كان يأخذه. لم تتعبني يوماً أعمال الشراء خارج البيت، أو الانتظار في الطوابير. الملفت للنظر أن أكثر مطالعاته في تلك المرحلة كان يقوم بها في تلك الطوابير. كل أعمال التسوق كانت على عاتقه ولم يشكُ من ذلك يوماً. كان حسن الخلق في البيت. كان أكثر مما كنت عليه أنا.
السيدة أميني! إلى أن استشهد السيد مرتضى، كان الكثيرون يعرفونه من أول نبرة صوت في "قصة الفتح" أو من مقالاته في مجلة "سورة" الشهرية..
أعتقد أن ذلك كان مقدراً أن يكون كذلك. لأن مرتضى لم يكن يرغب بالشهرة. الشيء الذي كان يريده وبكل إخلاص هو العمل. هذا ما جعل تأثيره أعمق وأكثر بقاء. كان الناس يشعرون أن هذا الصوت جزء من حياتهم ولأنهم لم يكونوا يعرفون صاحب هذا الصوت، فقد كانوا يشعرون بقُرب مرتضى منهم ومن حياتهم.
متى كان السيد مرتضى يشعر بالحزن والسعادة؟
عندما كان مع مليشيات البسيج، كان يحشد لهم. عندما كان يُضطر أن يخضع للأحداث اليومية والعوائق التي تتلف الوقت كان عندها يشعر بالحزن و الكآبة.
كانت كلمة الأعباء اليومية من الكلمات الشائعة في حديثه وكتاباته.
هذا صحيح. كان يستخدم هذه الكلمة كثيراً وكم كان يسعى ألَا يقع في فخها. عندما كان يحدث معي أمر ما يزعجني ويحزنني كنت أشكو له فكان يقول لي: انظري هناك آلاف المجرات في السماء. إحداها درب التبانة. هناك الكثير من الكواكب فيها أحدها الأرض. والكرة الأرضية فيها قارات مختلفة. إحداها هذه المنطقة التي نعيش عليها. كان يسرد من الكل إلى الجزء. ومن ثم يقول نحن هذه الذرة المتواجدة في هذه المجموعة. والآن انظري أين كلامك الذي تقولين من هذه المجموعة المذهلة؟ يرى الإنسان كم هو هذا الحدث تافه وبلا أهمية مقابل كل ذلك الكون، فإن لم ينظر إليه برؤية جيدة سيقع في المشاكل. هكذا كان فهمه لتوضيح الأعباء اليومية.
لقد كان نثر السيد مرتضى مختصاً به. حبذا لو تحدثينا عن ذلك.
أنا كقارئة أشعر أن نثره كان مختلفاً للغاية. عندما كنت أقرأ القضايا الفلسفية الصعبة من خلال نثره كنت أدرك ما يقصده تماماً. ولو أنني قرأتها ذاتها لفيلسوف آخر لما كنت سأدركها.
أشعر أنه عليَ أن أقرأ أشياء عدة أخرى كي أدركها. لقد كان نثره شيئاً آخر، له حلاوة ونكهة أخرى. كان يؤكد على الاستخدام الدقيق للكلمات. في الكثير من مقالاته، كان يبدأ بعبارة متداولة ويوصل رأيه من خلال المعنى الأصيل للكلمة. كانت لديه ذخيرة مليئة بالكلمات ويستخدمها بكل سهولة. لقد كان هذا ينطبق على كافة أنواع الفنون لديه. و كأنه كان متصلا بمصدر ما مكانه أكبر من كل الفنون، إنه مكان الحكمة. كان يكتب ويتكلم منطلقاً من ذلك المصدر حول كافة أوجه الفن المختلفة.
قبل أن ينبعث صوت السيد مرتضى مع صور الحرب، هل كنت تشعرين أن فيه قوة وجاذبية ما؟
إنه في كل إنسان خصلة حميدة "مثل فارسي"، والسيد مرتضى اجتمعت فيه كل الخصائل الحميدة. برأيي حتى خط يده كان عجيباً. لنكن منصفين فهو حتى من حيث الجمال الظاهري والباطني كان متميزاً.
بغض النظر عن مطالعات السيد مرتضى الغنية وأفكاره الفنية، فقد كان ذا إحساس قوي.
كان مرتضى بركة لنا. هذه الحالة التي تتحدثون عنها كانت تظهر في كافة مراحل حياته. سمعت من عائلته الموقرة أنه أصيب في حادث سيارة بعد انتصار الثورة وبقاؤه حياً كان شيئاً أشبه بالمعجزة. يقولون أنه حين كان فاقدا الوعي كان يتأوه قائلاً: لقد حفظني إمام الزمان... لقد كان هذا الكلام غريباً تلك الأيام. أعتقد أن هذه العلاقة كانت دوما عميقة ومخفية في وجوده ومن ثم اتخذت شكلاً معينا إلى أن اكتملت. أشعر أحياناً أن مرتضى يعيش في عصر أبعد من عصره. كان لديه نوع من حالات التنبؤ بالنسبة إلى العصر الذي كان يعيش فيه، وهذه صفة من صفاته الهامة.
هل حاول أن ينقل هذه الصفة إليك أو أبنائه؟
لا أعتقد أن هذا الحس يمكن نقله، إنه نتاج مسيرة وسلوك شخصي. لأنه وصل بنفسه من الكل إلى الجزء فدائما كان يرى الكل والمجموع معاً. كان يتصرف معنا وفق تلك العلاقة. بالطبع سلوكه كان ينقسم إلى مراحل عدة. كان سلوكه مختلفا نوعا ما منذ سنة واحد وثمانين إلى ثلاثة وثمانين. كان يحاول أكثر من أي وقت مضى أن يهيئ البيت للأعمال الدينية واتباع قوانين معينة.لكن هذا الأسلوب تغير بمضي الأيام.خاصة في السنوات الأخيرة من حياته. هكذا وكما حدث معه كان يسعى أن يوضح لنا الكل كي نستطيع أن نختار أفضل الأعمال كي نقترب ونصل إلى ذلك الكل ونختاره.
أود أن أعرف شيئاً عنك وعن السيد مرتضى في الأيام القريبة من استشهاده.
أنا كذلك لم أكن أعرف. لم أتخيل أبداً أنه بينما كان يذهب إلى "فكة" للتصوير، سوف يستشهد. لم أكن أرى فيه علائم الاستشهاد. في الأيام الأخيرة، عندما ذهب إلى "فكة" ولم يكتمل عمله وعاد، قال، يجب أن أعود إلى "فكة" بعد يومين أو ثلاثة. في تلك الأيام رأيته حزيناً للغاية. كنت أسأله باستمرار: لماذا أنت مكتئب وحزين لهذه الدرجة؟ لكن لم يخطر ببالي أية فكرة حول عما يمكن أن يكون قد حدث يجعله يعود مرة أخرى. لكني الآن وأنا أنظر إلى تلك الأيام أرى نفسي متأكدة أنه كان يعرف. كان آخر حديث لنا في تلك الأيام حول قرار للأيام التالية. قلت له أن هذا العمل يمكن إنجازه بعد مجيئك بإذن الله. لكنه أدار رأسه فجأة ولم يدر حديث بيننا بعدها.
والآن وأنا أعود بذاكرتي إلى تلك الأيام، أرى دون أدنى شك أنه كان على يقين من شهادته. في تلك الأيام الأخيرة عندما اقترحت عليه اقتراحاً قال: "هذا ليس مناسبا الآن. لقد أتعبوني بمشاكلهم لدرجة أنه لو كان هذا الحمل على جبل لما تحمل. لقد اتكأت على مكان آخر حتى وقفت الآن."
قبل استشهاده بعدة شهور، كان حزينا جداً وعبر عن ذلك بكلام بشكل عجيب. لم أره هكذا من قبل أبداً.
عندما أتوك بخبر استشهاد السيد مرتضى....
كان يوم الجمعة 9 نيسان، عبر مرتضى في "فكة" فوق لغم ما. كان يومها السبت صباحاً عندما أتى أبي وأمي. في الصباح الباكر. قالا لي: "لقد جُرح مرتضى" كان الصبح أوله عند انقشاع الظلمة. أول أيام الربيع ذات الهدوء الخاص. كنت ما بين المستيقظة والنائمة. مثل الطبيعة ذلك الحين تماماً. أيقظت أبنائي بكل هدوء وأرسلتهم إلى مدارسهم. و كأن أحدا لم يخبرني أن مرتضى بات جريحاً.
وعندما ذهب الأطفال، بدأ كل من أبي وأمي كلامهما بكل هدوء وأصبحت على يقين أنني بعد اللحظة بت دون مرتضى. لكنني لا أعلم كيف كانت حالتي. نظرت إلى تلك الحادثة في تلك اللحظة من الطبيعة بشكل مذهبي. كان ذلك الأمر بالنسبة لي غريب فكيف تبقى الصور دوما وكأنه لا يمر الزمان بها. في تلك اللحظات انكسر هذا التوهم الساحر لدي. شعرت حينها فجأة كم هي خيالية وكم هو مرتضى "واقعي". وكأن المكان الذي كنت فيه انقلب رأسا على عقب. وكأنني كنت في عالم آخر. الأشياء التي كنت أراها حولي وبأم عيني، مُحيت وزالت وكأنه لا وجود لها. لم يكن هناك شيء، لكن مرتضى كان موجوداً.
ذلك اليوم، لحقا بأبنائي إلى مدرسة كل واحد منهم. لأن الأعلام واليافطات زرعت أمام المنزل بسرعة. وعلا صوت القرآن الكريم. لم أكن أريد للأطفال أن يصلوا المنزل قبل أن يعلموا بالخبر. تكلمت معهم في الطريق. فقد كان وجود مرتضى عيني وحقيقي لدرجة أنني كنت أعتقد أن كل شيء آخر ليس إلا وهماً وكنت أسيرةً لذلك الوهم. قلت لأبنائي: "أبوكم موجود لكننا لا نراه."
عبؤه موجود لكن حلاوته أكثر. كان ثقيلا للغاية، لكن وكأن عيني فُتحت مباشرة على شيء آخر في غاية الجمال. كان لامعاً. تماماً مثل لحظة النوم واليقظة أو مثل لحظات الطبيعة تلك.
لقد ساعدني مرتضى نفسه على أن يكون تصرفي بأفضل وجه في هكذا حادثة. إنني أرى وجود مرتضى أكثر واقعيةً من وجودي أنا. أشعر بكيانه. والأحلام التي رأيتها عنه كانت حقيقية للغاية.
والأطفال ماذا يقولون؟ هل يرون مرتضى في أحلامهم؟
أحياناً يقولون شيئاً ما. خاصة ولدي. إنه مثل أبيه إنسان كتوم. ربما يمكن تسميته بالرجل الصغير. بالطبع أنا لا أتابع ذلك الأمر معهم لكني أعلم أنه لهم معه علاقة ما.
هل في منتاول يديك أعمال للسيد مرتضى لم تُنشر؟
أجل! هناك عدد من القصص القصيرة تشير إلى كيف أن الإنسان يبتلي ويأسر نفسه بنفسه. هناك كتابات أخرى بين الشعر والنثر. كان الموضوع الذي يشغل تفكير مرتضى في تلك الكتابات هو أسر وضياع الإنسان. لقد عبر عن هذا الموضوع بشكل فائق الجمال، شاعري وعميق.
متى كان السيد مرتضى يكتب؟
في تلك الشقة الخمسة والسبعين متراً في قلهك، كان هناك غرفتين لخمسة أشخاص. لا أدري كيف كان يكتب. كان الأمر غريباً. لم يفكر يوماً أنه يجب أن يكون له غرفة أخرى. لقد عود نفسه كي يستطيع أن يجلس وسط الزحام والضجيج خلف طاولة الطعام ويكتب. حتى أنه لم يملك طاولة خاصة للعمل. في الليل عندما كان يعود من العمل، كان ينام ساعتين ومن ثم ينهض إلى الصلاة والتضرع والكتابة. كل ذلك حتى الصباح. وفي الصباح كان ينام ساعة ومن ثم يذهب إلى العمل.
من الكلمات الأخرى الخاصة بالسيد مرتضى هي "الأبدية"...
في أعماله، كلما كان هناك كلام عن الشهداء، كان يذكر الأبدبة. كان يعتبر الشهداء مبدأ هذه الحياة ووفقاً للآيات والروايات كان يحكي عن حياة الشهداء الأبدية.
بعد استشهاد السيد مرتضى برزت إرادة مخفية غير مرئية من أولئك الذين كانوا يحبونه والذين لم يكونوا يحبونه أيضاً...
أعرف أنه كان يعيش بكل خلاص، ولذلك كان يظهر واضحا عارياً من أي شيء يخفيه. هؤلاء الناس وضمن أية مجموعة هم، لو عادوا إلى فطرتهم، لباتوا خدمة الحق. ومرتضى كان من هؤلاء. هؤلاء الناس لا يمكنهم أن يلتفوا على هكذا حس إرادي يملكون. يكفي أن يعودوا إلى فطرتهم الطاهرة كي يصبحوا مطيعي مرتضى. ما يميز "قصة الفتح" عما غيرها من قبل ومن بعد، إنما الإخلاص. لقد كان هذا البرنامج هو المجموعة الوحيدة التي يجلس لأجلها كافة فئات الناس ويشاهدونها. كانت تجذب الجميع. لأن روايتها تطابق الفطرة البشرية. ومرتضى كانت لديه القدرة كي يقول كيف يمكن استخدام هذه الطريقة في السينما وإنقاذ السينما من الأزمة التي هي عليها.
لو تحدثينا عن رحلات السيد مرتضى.
غير سفره إلى الحج مرتين، سافر إلى باكستان وباكو.
هل سافر خارج إيران قبل الثورة؟
أجل! بعد زواجنا ذهبنا إلى أمريكا لزيارة أخوته الذين كانوا هناك.
شكراً جزيلاً!
المصدر: www.navideshahed.com