صرحت زوجة الشهيد مهدي باكري في مقابلة بأنها كانت على يقين طوال حياتهما المشتركة بأن زوجها يبلغ يوما ما مرتبة الشهادة العليا.
- السيدة باكري هل لكم إن تتحدثوا عن ميزات الشهيد باكري الأخلاقية وبالتحديد فيما يتعلق بالأسرة؟
بسم رب الشهداء والصديقين. إن التحدث عن شخصية الشهداء هو حديث صعب وشاق بالنسبة لي. انه من العسير إن أتحدث وأنا امتلك لسانا غير فصيح وان أبين ميزة وعظمة ومعنويات الشهداء ومكانتهم السامية. لابد من القبول بان لم توجد هناك كلمة تعبر عن إيثارهم وتضحيتهم وتقواهم وإيمانهم.
لكننا وبلطف من الله سبحانه تعالى عشنا مع الشهداء واستطعنا في هذه الدار الفانية إن نعيش مع هؤلاء الرجال المختارين من قبل الله فمن اللازم إن أشير هنا إلى نقاط عدة كشكر من الله جل شانه ووفقا للمسؤولية الملقاة على عاتقنا تجاه الشهداء.
كانت لمهدي باكري عدة ميزات أخلاقية كما كان يمتلك ميزات بارزة التي يمكننا طرحها في جوانب مختلفة منها الجانب العسكري والاجتماعي والسياسي والعبادي وبالذات الأخلاق في الأسرة التي أنا أتطرق إلى البعد الأخير للشهيد.
من الميزات البارزة للشهيد مهدي باكري هي البساطة والنبالة التي كان يعرف بها عند الجميع من الخواص والعوام. في بداية بدء حياتنا المشتركة في القفص الذهبي ذهب الشهيد إلى الجبهة وبعدما عاد قال لابد إن نعد الكثير من الأثاث المنزلية هذا وكان قد اعد الكثير من الأثاث المنزلية في بداية زواجنا لكن كان مهدي لا يرغب في الكثير من الأثاث المنزلية التي كانت بدائية وبسيطة لأنه كان يقول بأنه يمكننا إن نعيش بأبسط الظروف أي ابسط من الأثاث التي نمتلكها. جاءت يوما ما والدته الكريمة إلى منزلنا وقالت رحم الله والدك وهي كانت حزينة جدا وأضافت بان البيت يفقد والدك انه لو كان هنا وكان قد رأى بأنكم تعيشون في مثل هذه الظروف أي إنكم تعيشون على سجادة بسيطة فمن المؤكد انه لم يكن ليسمح لكم بان تعيشوا في مثل هذه الظروف بينما لم يوجد ضابط يعيش في ظل الظروف التي تعيشونها إن هذه الميزة كانت من ميزات الشهيد باكري الأخلاقية انه لم يكن يحب الدين أو يجد ما يتعلق بها أنه لم يهوى الدنيا وما فيها انه كان قد اختار بكل أريحية بان يترك الدنيا وما فيها وان يختار طريقا ويسير على درب نبي الإسلام النبي الأكرم والأئمة الأطهار.
- هناك أحاديث تفيد بأنكم كنتم طوال سنوات النضال أو في فترة الحرب المقدسة، كنتم جنبا إلى جنب الشهيد باكري؟
إن زواجنا تقارن مع بداية الحرب المفروضة أي في عام 1359 حيث كانت الحرب قد اندلعت في شهريور من ذلك العام. إن الشهيد باكري اتجه غداة زواجنا إلى ساحات الحرب ثم رجع بعد ثلاثة أشهر فعندها أي بعد ثلاثة أشهر بدأنا حياتنا المشتركة. قام مهدي بتقديم الخدمات في جهاد البناء ثم وبعدما استشهد قائد العمليات في الحرس الثوري أي الشهيد مهدي أميني انه الشهيد مهدي دخل صفوف الحرس الثوري فقام بتقديم الخدمة في جهاد البناء لفترة ما لكنه كان على صلة بالحرس الثوري دائما وكان يشارك في أي عملية أم يساهم في نشاطاتهم كلما اقتضت الضرورة. ثم قدم خدمات كبيرة في تمشيط المنطقة ومحافظة كردستان من حزب الكوملة والديمقراطيين لمحافظة أذربيجان الغربية. دعنا نرجع إلى القضية المحورية هنا هي الزواج اقترح الشهيد مهدي عليّ بان اذهب معه إلى الأهواز. فسألني هل تذهبين معي إلى مدينة الأهواز أم لا؟ فانا وافقت على الاقتراح واتجهنا معا إلى مدينة الأهواز ذهبنا هناك قبل شهور من بداية عمليات فتح المبين. فان أولى العمليات التي شاهدناه هناك كانت عمليات فتح المبين بعد عمليات فتح المبين حتى عمليات بدر حيث استشهد هذه الشخصية السامية كنت برفقة الشهيد في كافة العمليات التي خاضها الشهيد مهدي في صفوف لواء عاشوراء فكنت اذهب من هذه المدينة إلى تلك ومن مدينة إسلام آباد حتى مدينة أهواز حتى مدينة دزفول. كنت أنتقل من هنا إلى هناك.
- حبذا لو تذكرين لنا ذكرى من الذكريات فيما يتعلق بالأسرة وقضايا؟
من المؤكد إن حياتنا المشتركة، كانت مليئة بالذكريات في كافة لحظاتها. لكن هناك ذكرى هامة أتذكرها حاليا سأرويها لكم انه كان يبدي حساسية فائقة فيما يتعلق بأموال بيت المال فعندما كنا نعيش في مدينة الأهواز، كانت مسؤولية إدارة الأمور المنزلية ملقاة على عاتقي. ذات يوم كان من المقرر إن يزورنا رفاقه من اللواء كضيوف.
لم تسنح لي الفرصة بتهيئة الخبز قلت لمهدي في العصر وعندما أردت الرجوع أحضر معاك الخبز كان مهدي وكما جرت العادة يأتي إلى البيت في المساء متأخرا فطبق الظروف المنزلية فكانت المخابز مغلقة في ذلك الوقت فلم يكن بان يحضر الخبز معه اتصل باللواء كي يحضروا الخبز معهم من الواضح انه لم ولن يكن يستفيد من وسائل اللواء أبدا لكنه اضطر ولجأ إلى هذا الخيار أي الاتصال باللواء عندما احضروا الخبز اخذ مهدي 5 أو 6 منها وقال لي وهو يؤكد بأنني ممنوعة من الاستفادة من هذا الخبز وليس لي الحق في ذلك لان الناس اعدوا هذا لمقاتلي الإسلام وبما انك لم تكوني من المقاتلين فلا يحق لك بتناول الخبز فاضطررت بان أتناول ما تبقى من الخبز في المائدة قلت هذا بهدف تبيين حساسية الشهيد مهدي باكري حيال قضية بيت المال ولا أريد إن تفسر القضية بتفسيرات أخرى.
من الميزات البارزة للشهيد مهدي انه كان وبسبب المسؤولية الجسيمة الملقاة على عاتقه في اللواء فكان قلما يزور البيت لكن مع كل هذه الظروف كان عندما يدخل البيت وهو متعب جدا يدخل بمعنويات مرتفعة ووجه بشاش وبتواضع. إن الشهيد آية الله محلاتي تحدث حوله قائلا: بأن الشهيد مهدي مظهر لغضب الله في وجه الأعداء إنه كان حقا يمتلك هذه المواصفات انه كان يواجه العدو بالغضب لكن كان في البيت رءوفا ومتواضعا وخاشعا ولم يعرب أبدا عن تعبه فكان يدخل البيت بمعنويات مرتفعة يخرج مها بنشاط وحيوية.
- هل كان يتحدث الشهيد مهدي عن أعماله وعن الأوضاع التي يمر بها في الجبهة وعن ذكرياته ورفاقه وينقل إليكم شيئا منها؟
إن من الميزات البارزة التي كان الشهيد يتسم بها هي أنه لم يطرح قضايا العمل وما يجري هناك في البيت كثيرا وكان يعتقد انه لم تم طرح مثل هذه القضايا فان الشخص يصاب بالغرور فيذهب إخلاص الإنسان الذي بإمكانه إن يقوم بالكثير من الأعمال وفي طرفة العين. لهذا لم يطرح مثل هذه القضايا وقضايا الجبهات والأعمال التي كان يقوم بها في البيت. إنني سألته يوما ما بان المقاتلين يذهبون إلى الجبهة ويرجعون ويتحدثون عن الحالات التي يواجهونها كثيرا وبالتفاصيل لكن أنت تتحمل مسؤوليات جسيمة فلماذا لا تتحدث ولا تتفوه بكلمة ما؟ إنه أجاب: أنا لا أقوم بعمل خاص إن العمل كله يقوم به الإخوة التعبويين.
إنه كان يحب التعبويين وكان يتحدث عنهم كأبناء لهم ويقول أنهم أبنائي فكان كل شخص في الجبهة يستشهد كان يحمل صورته معه ويأتي بها إلى البيت وكان يلصق الصورة على جدران الغرفة إن غرفته أصبحت كمعرض الصور. فعندما كنت أرجع إلى البيت كنت أراه ينظر إلى صورة الشهداء فكان يترنم وينشد أشعارا وكان عيناه قد تقيض من الدموع كان يبكي وعندما دخلت في الغرفة انه يقوم بتغيير ملامحه لم يكن يتحدث عن نفسه أو عن الشهادة لأنه كان يتحدث أنه لا جدوى من ذلك لكنني كنت على يقين بأنه مهدي كان من المختارين عند الله وإنه سيستشهد في القريب العاجل ويبلغ درجة الشهادة السامية.
عندما نتفحص جوانب حياة الشهداء ونتعمق فيها نرى بأنهم منذ الصغر قاموا بتهذيب النفس وربوا أنفسهم فكانوا من المختارين لكن هذا لا يعني بأنه لا يمكن ترسيم صورة ما في مخيلتنا عنهم أو لا يمكننا أن نقلدهم كي نصبح واحدا منهم إن مثل هذه الشخصيات وكما قال الله سبحانه تعالى: "الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا". فأنهم تيقنوا بأنه لا يوجد غير الله معين لهم وإنهم اختاروا طريقا كان قد اختاره الله ونبيه من قبل أنهم لم يتراجعوا قيد أنملة وإنهم ساورا على هذا الدرب وقدموا كل ما يمتلكون في هذا السبيل إن الشهيد باكري لم يكن وحيدا في اتخاذ هذا المسار.
- كيف تقييمين دور الشهيد في فترة الدفاع المقدس ولو لم تكن ثقافة الشهادة موجودة آنذاك, فما هو كان شكل مجتمعنا في يومنا هذا؟
من المؤكد أنه لا يمكن إن ننكر دور الشهيد والشهادة والشهداء في فترة الدفاع المقدس. نحن كلنا مدينون لدماء الشهداء لو لم يكونوا الشهداء لم يصل المجتمع إلى هذه المرحلة ولم تصل الثورة إلى ما عليها اليوم. إن سبيل السعادة وتحقيق النجاح وكما يقول الشهيد مهدي باكري في وصيته بالحرف الواحد هي السير على سبيل الإسلام وانتهاج منهجه وبعون الله يلهمنا الله توفيق العبادة والطاعة وأن نستطيع ترك المعصية وأن نسير على درب الشهداء جميعا آمين.
المصدر: www.navideshahed.com