سلام من الله على إمام العصر والزمان(عج) ونائبه وسلام على مقاتلين الجبهات الأقوياء وأرفع خالص التهاني لهم
إن الحديث عن مكانة الشهيد السامية لهو حديث صعب وأنا اصغر بكثير من إن استطيع إن اصف مكانة الشهداء السامية أو يكونوا في حجم كلامي. إنني لا استطيع إن اصف تضحياتهم أو كما قال الإمام الخميني لو أصبحت كافة أشجار العالم قلما وتحولت كافة مياه البحار حبرا لم يكن باستطاعتهن إن يصفن مكانة الشهيد السامية.
إن مهدي باكري كان مصداقا للآية القرآنية التي تقول بان نوال رضا الله في كل لحظات الحياة والعمل هو أسمى أشكال درجات الإيمان والتسليم المطلق إمام الله الخالق جل شانه أنها من الصفات المتميزة للائمة الأطهار والعباد المخلصين والخواص لله تعالى إن مهدي كان من المخلصين والخواص وانه يعتبر نوال رضا الله في كافة الجوانب أهم من كل شي ومن كل شخص.
انه كان في المحبة والرأفة والغضب والزعل مصداقا وعلامة من علامات الله. أو كما يقول الشهيد محلاتي انه كان نموذجا لغضب الله في وجه الأعداء أعداء الله والإسلام وان غضبه كان يتجه نحو الأعداء فقط انه كان باعتباره قائدا نموذجيا ومتقي كان أسوة للتقوى والمحبة في مواجهة الآخرين.
كان يعامل كل شخص وفق المكانة التي يتمتع بها انه يفهم مكانته ويتعامل وفقها انه كان يعامل الكبار معاملة الكبار ويعامل الصغار معاملة الصغار كان يحب التعبويين المتواجدين في اللواء.
انه كان يشعر بأنه والدهم ويبدي المشاعر الأبوية تجاههم انه كان يقول بان هؤلاء هم أبنائي انه كان يحبهم حبا جما... كان يعاملهم بالتواضع وكان يستخدم لغتهم في التعامل معهم انه كان حنونا كان بشاشنا فكان الجميع ينجذبون إليه منذ اللقاء الأول.
بالرغم من إن التعب وسهر الليالي والمشاكل التي واجهها لكنه كان فرحا دوما ولا يعرب عن تعبه فيدخل البيت بشوشا فلو كان باستطاعته يساعدني في الشؤون المنزلية انه كان يغسل الأواني وكان يقوم بالأعمال لمنزلية بنفسه.
فإذا حدث وان أغضبه شيئا ما أو انزعج، كان يأخذ الصبر سبيلا وكان يحاول إن يقنعني بالأدلة وببرودة أعصاب والأدلة المذهبية.
إنه روحه السامية والجذابة وتعامله الصادق والخالص كان يجذبني بشدة فكنت مولعا به بحيث إن الله قال يوما ما لي وهو غضبان:
إنك جعلتني صنما ولا تعبدين الخالق عز وجل. وهذا شرك وذنب. انه كان أسوة في الأخلاق. يمكن ذكر التواضع من ضمن ميزاته الأخلاقية انه كان يتعامل مع الأقارب والأهل بحنان وكان دائما يسال عن أحوالهم وكان يعامل أخواته بلطف وحنان كبيرين لأنهن افقدن والدهن منذ الصغر. فكان يشعر بإحساس الأبوي تجاههم.
إنه كان في الجبهة دائما غداة يوم عقد القران أي بعد مرور 40 يوما من بداية اندلاع الحرب انه ذهب إلى الجبهة ولم يرجع إلا بعد مرور 3 أشهر ثم فيما بعد تولى مسؤولية جهاد البناء لكن روحه كان لا تستقر في مكان ما انه كانت تتعالى كي تصل إلى المعشوق لهذا اتجه إلى الحرب ثانية.
عمل مدة في الحرس الثوري في مدينة أرومية بصفته قائدا للعمليات وفي هذه الفترة تم تطهير أجزاء مهمة من المنطقة من أيادي المعارضين الثورة والمناهضين لها.
اتجه فيما بعد إلى الجبهات في الجنوب أي جنوب البلاد فكنت معه في هذه وكنت فيما بعد برفقته أينما حل.
إن أخذ الإجازة لم يكن لها مفهوما عند السيد مهدي أرسلوه مرة واحدة إلى سورية وأنا كنت برفقته لم يأخذ إجازة غير هذه المرة أبدا وكان يقضي كل أوقاته في الجبهة.
إنه كان يتبع الإمام الخميني الذي كان يعتبر قضية الحرب بأنها أم القضايا كان يعتبر الجبهة في رأس الأمور وإنها أصل الأمور وكان يعتبر الأمور الأخرى بأنها هامشية فيمنحها المقام الثانية.
إن عمله كان قد يصرخ قائلا بأنه يحب الإمام الخميني بل يعشقه انه كان متابع لمسار لإمام الخميني انه أسوته في الحياة كان الإمام الخميني انه كان يستمع إلى أقوال الإمام الخميني بدقة فائقة وكان يكلفني بان أسجل كلام الإمام الخميني كي استمع إليها فلو لم يكن باستطاعتي تسجيل الأقوال انه يقوم بإعداد الصحف فلو لم أسجل أقوال الإمام الخميني انه كان يغضب مني.
إن أقوال الإمام الخميني القصيرة كانت مسجلة عنده انه من يقوم بهذا العمل ثم يقوم بإلصاقها على الجدران انه كان يقول بان كلام الإمام مستلهما من الآيات الإلهية فلا بد إن تكون أمام أعيننا كي نرى بشكل أفضل دائما وأن لا ننساه.
أما في البعد السياسي والاقتصادي كان مطيعا بشكل مطلق للإمام الخميني وكان يحترم من يضعون الإسلام على رأس أولوياتهم وكانوا يقبلون الإمام الخميني انه كان يحب الشخصيات الوطني التي تتبع الإمام الخميني وتنفذ تعاليم الإسلام.
كان ملتزما بأداء الفرائض الدينية وكان ملتزما بشكل أكثر بأداء المستحبات. إنه كان يسهر حتى أنصاف الليالي وكان يناجي ربه إنه كان يصلي صلاة الليل وكان يبكي وهو محترق القلب ويطلب عفو الله ومغفرته وكانت الدموع تسكب من عيونه إن قراءة القرآن كانت من أعماله اليومية الواجبة التي لزم نفسه بتنفيذها.
إنه كان يستخرج آيات الجهاد والشهادة والهجرة والصبر ونصرة الله من القرآن ويتدبر فيهن.
إنه كان قد كتب صلاة الغفلية –أنا لم كنت أصلي هذه الصلاة والسبب راجع إلى ضعف إيماني وكنت أقول بأنني لم أحفظها– أقول كتبها ولصقها على الجدران وهي كانت مكتوبة بالحروف الكبيرة في اتجاه القبلة كي يرغمني على أداء صلاة الغفلية وفي النهاية نجح في ذلك.
إنه كان دائم التأكيد على قراءة دعاء يوم الثلاثاء كان دائما يتوضأ سواءا كان في النوم أم كان يريد الخروج من البيت...
بما أن النبي كان دائم التأكيد على السواك فإنه كان يغسل أسنانه بالسواك ويؤكد على ذلك دائما. إنه كان ملتزما بمراعاة الأحكام وآداب تناول الطعام والشرب وكان قد خصص حسابا خاصا للخمس –بما أنه كان من الفرائض الدينية– حتى لو كانت لديه ريالات أي نقود قليلة فكان يعدها في نهاية السنة ويدفع خمسها.
إنه كان بعيدا عن التكبر كان متواضعا وكان لا يعرف الريا هذه الأمور كانت معروفة عند الجميع من تعاملوا معه في حياتهم أنه كان يعمل لله فقط إن هذه المواصفات كانت مواصفات الأئمة وأتباع الخالق عز وجل وإنها ميزات وفضائل المتقيين.
إنه كان يحب الدرس والدراسة حبا جما وكان يحب تعلم العلوم الإسلامية بشكل خاص كان دائما يشتري الكتب وكان يهديني الكتاب فقط إن هديته لي كانت الكتاب. كان يوصيني بقراءة الكتب ويشجعني على ذلك وإنه كان يستفيد من الفرص حتى لو كانت قليلة لكي يدرس فيها ويطالع وفقا لهذه الرؤية إنه كان يقترح علي دائما بأن اذهب إلى مدينة قم وأصبح طلبة الحوزة الدينية.
إن الخوف والقلق لم يجد منفذا للدخول في قلبه وجوده إنه كان لا يعرف الخوف والقلق. إنه كان راسخا وقويا كان يتوكل على الله سواءا كان جبهات الحرب أم كان في البيت.
عندما استشهد شقيقه حميد وبما انه كان يجبه كثيرا ويكن له كل المحبة والعشق بيد انه وبعيدا عن التعبير عن حزنه وما يجري في فؤاده اتصل بأخواته وقال لهن إن استشهاد حميد كان من الألطاف الإلهية التي شملت عائلتنا.
انه لم يحضر لتشيع جثمان حميد وبقى في جبهات الحرب بغية تحقيق وصية شقيقه حميد كان شقيقه حميد قد أوصى بأنه لا بد من فتح طريق كربلاء بعد ثلاثة أشهر عندما جاء إلى زيارة الأهل والعائلة لكن بعد استشهاد شقيقه حميد واستشهاد رفاقه كان روحه لا تستقر في جسده كان واضحا بأنه سينضم إليهم قريبا.
إن أسلوب حياته البسيطة والبعيدة كل ابعد عن الريا كان معروفة عند الجميع بينما كان بإمكانه إن يتحصل على اعلي درجات الجامعية والعلمية وبذلك كان يستطيع إن يتمتع بحياة مفعمة بالرفاهية والراحة لكن: أردتهم الدنيا فلم يريدوها. إنه كان تعبويا وعاش تعبويا واستشهد تعبويا.
كان قائدا فذا واستثنائيا عندما كان ي منصب قائم مقام. وكان قائدا نموذجيا عندما كان في الحرس الثوري.
كان في منصب العمدة أفضلهم بحيث كانت تضحياته واضحة للجميع انه كان يعمل ليلا ونهارا.
إن مهدي كان بالنسبة لي معلما وأستاذا نموذجيا كان حنونا ويعاملني بلطف وحنان انه كان أسوة للأخلاق والتضحية والإيثار وكان أسطورة المقاومة والصمود.
في اللقاء الأول الذي جمعنا تحدث عن ميزاته السلبية وعن خصائصه لي. انه بين لي الدرس الأول في الحياة بالإيثار والبساطة والدرس الثاني كان قد تبلور بالعمل بالالتزامات وعقائده لأنه اتجه إلى الحب غداة الزواج.
من الميزات البارزة عند الشهيد مهدي –وقلما وجدته عند الآخرين– تتمثل في تواضعه.انه كان لا يهتم بنفسه انه لم يكن أنانيا. في هذه الفترة التي قضيتها معه لم يقوم بوصف نفسه أو التعريف بجوانب شخصيته أو مدح نفسه حتى لمرة واحدة. انه لم يكن أنانيا . لم يتحدث عن نشاطاته قبل الثورة ولم يصفها لم يتحدث عن النشاطات الجامعية والنشاطات في بداية الثورة وعن كيفية إدخال الأسلحة بمساعدة أخيه حيث كانا يحملان الأسلحة من على الحدود ويستلمها مهدي لم يتحدث عن المناصب التي شغلها انه كان يعتبر نفسه تعبويا فقط انه كان يأخذ راتب التعبوي وكان قائدا لقوات التعبئة.
إنه لم يتحدث عن نفسه وكان يخاف بأن لو تحدث عن نفسه بأن يصيبه الغرور ويذهب الغرور بكل الثواب الذي يحصل عليه حتى أقرب الأشخاص في اللواء لم يكونوا يعرفوا بأنه حاصل على شهادة الهندسة وكان يعاتب نفسه لأنه يعتقد بأن لا يؤدي الواجب ولم يقم بالأعمال كما ينبغي.
انه كان يؤمن بعذاب جهنم والنار والتعذيب الإلهي وكان زفير جهنم وشهيقها في أصول آذانه.. إيمانا تاما تراه وكأنه يحس بلهيب نيران جهنم ولهذا لم يستفد من أموال بيت المال أبدا.
... خرج يوما ما من البيت قلت له من فضلك اشتري ما نحتاجه في البيت. قال اكتبي أردت أن اكتبه بواسطة القلم الذي كان قد سقط من جيبه إن أسرع نحوي وقال وهو قلق أنه من أموال بيت المال إن استخدامه لإغراض شخصية ممنوع. وبهذا لم يسمح لي بكتابة كلمة واحدة.
إنه كان يوصي بالذهاب إلى اسر الشهداء وتفقدهم فلو كان باستطاعته فكان يذهب بعد كل عملية ينفذونها في الحرب إلى اسر الشهداء ان العشق للشهادة والطيران نحو الملكوت لم تتركه ولو للحظة ولم تغادر روحه انه كان يريد ان يطير بجناحيه كي يصل الى العرش الرباني وان يسكن عند مستقر ربه وكما قال الامام علي(ع): نزلت أنفسهم فى البلاء كالتى نزلت فى الرخاء.. لوولا الأجل الذي كتب الله لهم لم تستقر أرواحهم فى أجسادهم طرفة عين شوقا إلى ربهم، عظم الخالق فى أنفسهم فصغر ما دونه فى أعينهم.. قلوبهم محزونة، وشرورهم مأمونة، وأجسادهم نحيفة، وحاجاتهم خفيفة، وأنفسهم عفيفة ..فإنه كان حقا الدنيا سجنته وكانت بالنسبة له سجنا كبيرا. إن قلبه الرحيم كان للمظلومين والمستضعفين يحزن وكان كالجبل الراسخ في اخذ الحق واخراجه من ايادي الظالمين واستعادته للمظلومين...
المصدر: www.navideshahed.com