واقع الحياة الاجتماعيّة والعلاقات بين الجنسين في زمن الرسول(ص)
كلمة رئيس الهيئة الإداريّة في تجمع العلماء المسلمين
فضيلة الشيخ حسان عبدالله
بسم الله الرحمان الرحيم
عندما نريد الحديثَ عن واقعِ الحياةِ الاجتماعيةِ والعلاقاتِ بين الجنسينِ في زمنِ رسول الله(ص) فإننا مضطرون أن نتطرّقَ في البدايةِ إلى نظرةِ المجتمعِ الجاهليِّ للمرأةِ وما هو التطورُ الحاصلُ بعد نزولِ الإسلام.
وقد يتساءَل البعضُ لماذا تُقْصِرونَ الحديثَ على المرأةِ في حين أن العنوانَ يتضمّنُ العلاقةَ بين الجنسينِ؟!.. والجوابُ واضحٌ إذ إن المرأةَ هي الطرفُ الضعيفُ في هذه المعادلةِ وإن الرجلَ إذا تُرِكَ ونفسَهُ ولم تُرسَم له ضوابطٌ ولم يكن لديهِ وازعٌ أخلاقيٌّ أو دينيٌّ فإنه سيتعاملُ معها انطلاقاَ من ضعفها وتسخيراَ لقوته في استخدامِها واذلالِها وهذا ما سيتبينُ لنا عند الحديثِ عن وضعِ المرأةِ في الجاهليةِ وما فعلَهُ الإسلامُ لإيقافِ الظلمِ الواقعِ عليها وما شرّعه لها في مجالَيْها الأساسيَيْن: الأول، كونها إنسانةً والثاني، كونها أنثى.
وضع المرأة في الجاهلية
المرأةُ في الجاهليةِ لم تكن تمتلكُ أدنى الحقوقِ الإنسانيةِ بل كانت إحدى مقتنياتِ الرجلِ وأملاكِهِ وضعُها تماماً كما أي أثاثٍ من أثاثاتِ الدارِ بل هي أدنى من ذلكَ بنظرِهِ وهي محتقرةٌ ذليلةٌ لا قرار لها ولا خيار ولا تمتلكُ الشخصيةَ المستقلةَ التي تؤهّلُها إعطاءَ رأيِها بشؤونِها الخاصةِ فضلاً عن الاستماعِ إلى رأيها في الشؤونِ العامةِ أو شؤونِ العائلةِ أو القبيلةِ. وسأضع عدة عناوين لوضع المرأة في الجاهلية على الشكل التالي:
1- المرأة سبب العار:
لقد نظر العرب إلى المرأة في الجاهلية على أساس أنها سبب للعار فكانَ أحدُهم إذا بُشِّرَ بالأنثى أسودَّ وجهُهُ من الغضبِ وشعرَ بالعارِ والخِزي والمهانةِ وقد وثَّقَ القرآنُ الكريمُ هذه الحالةَ بقوله: ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ﴾.(1)
ومبعثُ هذا الشعورِ لديهم أنهم كانوا يغزونَ بعضَهم البعضَ ويأخذُ المنتصرُ نساءَ المهزومِ سبايا يسترِقّهنّ ما يُعتبرُ بالنسبةِ لأهلِها وعشيرتِها إهانةً وعاراً فكانوا ينقسمونَ إلى قسمين قسمٍ يُبقي المولودةَ عندَهُ ولكن على مضضٍ عبر عنه القرآن الكريم بقوله ﴿على هون﴾ وقسمٍ يدسُّها في الترابِ. ولقد استنكرَ الإسلامُ هذا الفعلَ أشدَّ الاستنكارِ بقولِه سبحانه وتعالى: ﴿وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ* بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ﴾.(2)
أمَّا الطريقة المتبعة في كلا القسمين فيَصِف الزمخشري ذلك فيقول:
"كان الرجلُ إذا وُلِدتْ له بنتٌ، فأرادَ أن يستحيِيها ألبسَها جبَّةً من صوفٍ، أو شَعرٍ، ترعى لهُ الإبِلَ والغَنمَ في الباديةِ، وإنْ أراد قتْلَها تركها، حتى إذا كانتْ سداسية، قال لأمِّها: طيِّبيها وزيِّنِيها، حتى أذهبَ بها إلى أحمائِها، وقد حفَرَ لها بئراً في الصحراِءِ، فيبلغُ بها البئرَ فيقولُ لها: انظري فيها، ثم يدفعُها مِن خلْفِها، يُهيلُ عليها الترابَ حتى تستويَ البِئرُ بالأرْضِ، وقيلَ: كانت الحاملُ إذا أقربتْ، حفرتْ حفرةً فتمخَّضتْ على رأسِ الحُفْرة، فإذا وَلَدَتْ بنتاً رمَتْ بها في الحفرةِ، وإنْ وَلَدَتْ ابناً حَبَسَتْهُ"(3).
وكان في العربِ فريقٌ ثالثٌ يقتلونَ أولادَهُم مطلقاً، إمَّا خوفاً على ما يَنقُصُهُ الانفاقَ عليهِ من مالٍ، وإمَّا مِن عدَمِ ما يُنْفِقُهُ عليهِ، وقد ذكَر الله ذلكَ في قولِهِ سبحانهُ وتعالى:
﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ﴾.(4)
2- المرأة متاع:
كان العربُ في الجاهليةِ ينظرونَ إلى المرأةِ على أنها متاعٌ من الأمتعةِ التي يمتلكونَها مثلَ الأموالِ والبهائمِ، ويتصرّفونَ فيها كيف شاؤوا. فلَهُم أن يبيعوها ساعة شاؤوا وأن يقتلوها دونَ أن يكونَ ذلك سبباً لمساءلةِ قانونٍ أو شرعٍ. وقال قتادةُ: في تفسير قولِهِ سبحانه وتعالى:
﴿إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ﴾(5).
كان الرجلُ في الجاهليةِ يقامِرُ على أهلِهِ ومالِهِ، فيقْعُدُ حزيناً سليباً ينظرُ إلى مالهِ في يدِ غيرهِ، فكانتْ تُورِثُ بينهمُ عداوةً وبغضاءَ فنهى الله عن ذلك والله أعلمُ بالذي يَصْلُحُ خُلُقُهُ"(6).
3- المرأة محرومة من الإرث:
كانتِ المرأة في الجاهلية لا حقُّ لها في الإرْث، وكانوا يقولون في ذلك: "لا يَرثُنا إلا من يحمل السيفَ ويَحْمي البيضة"، فإذا ماتَ الرجلُ ورِثَهُ ابنُهُ، فإنْ لم يكن، فأقربُ مَن وُجِد مِن أوليائهِ أباً كان أو أخاً أو عمّاً، في حينِ يضمُّ بناتَهُ ونساءَهُ إلى بناتِ الوارثِ ونِسائِهِ، فيكون لهنَّ ما لهنَّ، وعليهنَّ ما عليهنَّ.
وكانوا إذا مات الرجل وله زوجةٌ وأوْلاد مِن غيرها، كان الولد الأكبر أحقَّ بزوجة أبيه من غيرِه، فهو يعتبرها إرثًا، كبقيَّة أموالِ أبيه، فإنْ أراد أن يعلن عن رغبتِه في الزواج منها طرَح عليها ثوبًا، وإلَّا كان لها أن تتزوَّج بمَن تشاء(7).
4- المرأة والزواج:
المرأةُ لم يكن لها أيَّ خيارٍ في تزويجِ نفسِها بل كانَ الأمرُ لمالِكِها سواءٌأكان أبيها أم أخيها أم عمَّها وإذا اختارا لها شخصاً ليس لها أن تَمْتَنِعَ بل عليها تسليمُ نفسِها راضيةً قانعةً وإلا كانَ مصيرُها القتل. بل أكثرُ من ذلك فإنها بعد وفاةِ زوجِها تصبِحُ مُلكاً لوَرَثَتِهِ يتصرفونَ بها كيفما شاؤوا فعن ابن عبَّاس -رضي الله عنهما- قال: "كانَ الرجلُ إذا ماتَ أبوهُ أو حَمُوه فهو أحقُّ بامرأتِهِ، إنْ شاءَ أمْسَكَها، أو يَحْبِسَها حتى تفتدي بصَدَاقِها، أو تموتَ فيذهبَ بمالِها".(8)
وذلك في تفسيره لقوله تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهًا وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾(9).
5- الزيجات الفاسدة:
كان عندَ العربِ أنواعٌ من الزيجاتِ الفاسدةِ منها: اشتراكُ مجموعةٍ من الرجالِ بالدخولِ على امرأٍة واحدةٍ ثم إعطاؤها حقَّ الولدِ تُلْحِقُهُ بمن شاءَتْ منهم فتقولُ إذا وَلَدَتْ: هو ولدُكَ يا فلان فيلَحَقَ به ويكونُ ولَدَهُ: يجتمعُ الرَّهْطُ ما دون العشرةِ فيدخلونَ على المرأةِ، كلُّهم يصيبها فإذا حملتْ ووَضَعَتْ ومرَّ عليها ليالٍ بعد أن تضَعَ حمْلَها أرسَلَتْ إليهم، فلمْ يستطعْ رجلٌ أن يمتنعَ حتى يجتمعوا عندَها تقولُ لهم: قد عرفتُم الذي كانَ مِن أمرِكُم، وقد وَلَدْتُ فهو ابنُكَ يا فلان، تُسمِّي مَن أحبَّتْ باسمِهِ، فيلْحَقَ بهِ ولدُها لا يستطيعُ أنْ يمتَنِعَ منهُ الرَّجُلُ.
ومنها: نكاح الاستبضاع: وهو أن يرسلَ الرجلُ زوجَتَهُ لرجلٍ آخرَ من كبارِ القومِ لكي تأتي بولَدٍ منهُ يتّصِفُ بصفَاتِ ذلك الكبيرِ في قومِهِ. كان الرجلُ يقولُ لامرأتِهِ إذا طَهُرَتْ مِن طمثِها أرْسِلي إلى فلانٍ فاستبْضِعي منهُ، ويعتزِلُها زوجُها ولا يمسَّها أبداً حتى يتبيَّنَ حَمْلُها مِن ذلك الرجلِ الذي تستبضِعُ منهُ، فإذا تبيَّن حملُها أصابَها زوجُها إذا أحبَّ، وإنما يفعلُ ذلك رغبةً في نجابَةِ الولَدِ، فكان هذا النِّكاح نِكاحَ الاستبضاع.
ومنها: نكاح الشغار: وهو أن يزوِّجَ الرجلُ ابنتَهُ أو أختَهُ أو مولِيتَهُ لرجلٍ آخرَ على أن يزوِّجَهُ هو مولِيتَهُ بدون مهرٍ وذلك لأنهم يتعاملونَ على أساسِ أن المرأةَ يمتلكونها كالسلعةِ.
ومنها: يجتمعُ الناسُ كثيراً فيدخلونَ على المرأةِ لا تَمتَنِعُ ممَّن جاءَها وهنَّ البغايا، كنَّ ينصبْنَ على أبوابهنَّ راياتٍ تكون عَلَماً، فمَن أراد دخَلَ عليهنَّ، فإذا حَمِلَتْ إحداهنَّ، ووضَعَتْ حملَها، جمعوا لها ودَعَوا القافةَ ثم ألْحقوا ولدَها بالذي يرون، فالْتاط به ودُعِي ابنه، لا يمتنع مِن ذلك، فلمَّا بعث النبيصلَّى الله عليه وآله وسلَّم بالحقِّ هدَم نكاح الجاهلية كلَّه إلا نكاح الناس اليوم.
6- المرأة والطلاق:
وكذلك لم يكن للمرأةِ على زوجِها أيُّ حقٍّ، وليس للطلاقِ عددٌ محدودٌ، وكان هذا في أوَّلِ الإسلامِ برهةً يُطلِّقُ الرجلُ امرأتَهُ ما شاءَ مِن الطلاقِ، فإذا كادتْ تحلُّ مِن طلاقِهِ راجَعَها متى شاءَ وفي الحديث:
"حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن هشام بن عروة، عن أبيه، قال: كانَ الرجلُ يطلِّقُ ما شاءَ ثم إن راجَعَ امرأتَهُ قبلَ أن تنقضيَ عدّتُها كانت امرأتَهُ، فغضبَ رجلٌ من الأنصارِ على امرأتِهِ، فقال لها: لا أقربُكِ ولا تحلّينَ مني قالت له: كيف؟ قال: أطلِّقُكِ، حتى إذا دنا أجلُكِ راجعتُكِ ثم أطلّقُكِ، فإذا دنا أجلُكِ راجعتُكِ. قال: فشَكَتْ ذلك إلى النبيِّ(ص)، فأنزَلَ الله تعالى ذِكْرُه: ﴿الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ (البقرة/229).(10)
وقد كانت العدّةُ للمرأةِ إذا ماتَ زوجُها سنةً كاملةً، وكانت المرأةُ تحدُّ على زوجِها شرَّ حِدَادٍ وأقبَحَهُ، فتلبِسُ شرَّ ملابِسِها، وتسكنُ شرَّ الغُرَفِ، وتترُكُ الزينةَ والتطيُّبَ والطهارةَ، فلا تمسَّ ماءً ولا تقلِّمُ ظفراً ولا تزيلُ شعراً ولا تبدو للناسِ في مجتمعهم.
الإسلام والعلاقة بين الرجل والمرأة
أما الإسلامُ فقد كرَّمَ المرأةَ وأنصَفَها وحماها فأعطاها كلَّ ما تستحِقُّهُ من مكانةٍ ورَفَعَ عنها الظُّلمَ الواقعَ عليها وأنْزَلَ الله أحكاماً شرعيةً تحدِّدُ موقِعَها الذي تستحِقُّهُ في المجتمعِ فهي كما قالَ عنها أميرُ المؤمنينَ عليٌّ عليه السلام: "لا تملِكُ المرأةُ من الأمرِ ما يجاوزُ نفسَها. فإنَّ ذلك أنعَمَ لحالِها وأرخَى لبالِها وأدْوَمَ لجمالِها. فإنَّ المرأةَ ريحانةٌ وليست بقهرمانة"(11).
انظُر إلى هذه التعابيرِ الرقيقةِ عن المرأةِ.إنها خُلِقَتْ ناعمةً مهفهفةً، فلا تناسِبُها من الوظائفِ الثقيلةِ ما يحتاجُ إلى شدةٍ وصلابةٍ موجودةٍ في الرجل. إنها ريحانةٌ.
1- موضوع المساواة بين الرجل والمرأة:
اعتبر الإسلامُ أنَّ المرأةَ شخصيةٌ لها اعتبارُها الذاتيُّ وليستْ في ذلكَ تابعةً لأحدٍ وعندما تعرِضُ لوضْعِها مع زوجِها اعتَبَرَ أن ليسَ له حقُّ التدخُّلِ في حريةِ زوجتِهِ العامةِ في كلِّ شيءٍ فليس له أن يفرِضَ عليها طريقةَ لبسٍ معيّنةٍ طالما أنها محتشمةٌ ومحجّبةٌ وليس له أن يفرِضَ عليها أن تنتميَ إلى نفسِ الحزبِ الذي ينتمي إليه على الصعيدِ السياسيِّ أو أن تَنْتَخِبَ الشخصَ أو الجهةَ التي يريدُ هو انتخابُها، فإن كلَّ ذلك ليس من حقوقِهِ عليها بل إن من حقِّها أن يكونَ لها حريةٌ فيما تؤمِنُ به طالما أنها لم تخرُجْ عن الإسلامِ أو حتى في أي انتماءٍ تريدُ أن تنتمي إليه على الصعيدِ السياسيّ طالما أن ذلكَ لا يؤثِّرُ على استقرارِ البيتِ الزّوجيِّ ولا يُوقِع في فتنةٍ، فإن أدّى إلى ذلكَ جازَ لهُ من ضُمْنِ إدارتِهِ للبيتِ مَنْعُ التداولِ في هذا الأمرِ بشكلٍ يؤثّرُ على استقرارِ الحياةِ الزوجيةِ دونَ أن يكونَ لهُ أن يفرِضَ عليها الرأيَّ الذي يريد.
من جهةٍ أخرى يجب أن يكونَ واضحاً إن الإسلامَ لم يميّزْ الرجلَ عن المرأةِ إلا بمقدارِ خصوصيةِ كلٍّ منهما فقد قالَ الله عز وجل في كتابه الكريم: ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحاً وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌوَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾(12).
فالله عزَّ وجلَّ حدّدَ أنَّ لهنَّ مثلُ الذي عليهنَّ أي إنَّ ما يجبُ عليهنّ هو مثلُ ما يحقُّ لهنّ، وإن تمَيَزَ الرجالُ عنهنَّ درجةً هي بسببِ القوامةِ التي هي تكليفٌ زائدٌ وليست تشريفاً للرجل. ومن اللافتِ أن بعضَ الرجالِ يجّوزُ لنفسِهِ كثيراً من الانتهاكاتِ الشرعيةِ ويتعالى على زوجتِهِ ليعامِلَها وكأنها أَمَةٌ عندَهُ أو خادمةٌ لهُ متذرّعاً بأن الله ميّزَهُ عنها بدرجةٍ فإذا بهذهِ الدرجةِ تتحولُ إلى ما يشبِهُ الفارقَ بين الطبقةِ الأولى والطبقةِ الأخيرةِ من ناطحةِ سحاب، فلا بدَّ من الانتباهِ إلى إن التمييزَ بهذه الدرجةِ لا يصلُ إلى حدِّ أن يكونَ الفارقُ بين الرجلِ وزوجتِهِ هو كالفارقِ بين المَلِكِ والرعيةِ وإنما هو فارقٌ محدّدٌ بأنهُ في حال الاختلافِ في بعضِ شؤونِ البيتِ أو في القراراتِ التي تتعلّقُ بالأولادِ على أن يكونَ ذلكَ بعدَ التشاورِ والمناقشةِ معها.
2- المساواة في الإنسانية:
اعتبر الاسلام أن النساء والرجال في الإنسانية سواء، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾(13).
وقال رسول اللهصلى الله عليه وآله وسلم "النساء شقائق الرجال"(14)(النهاية لابن الأثير في "شقق").
3- الملكية الشخصية:
أكد الإسلامُ على أن يكونَ للمرأةِ كيانيةٌ مستقلةٌ تستطيعُ أن تأخذَ قرارَها بنفسِها، وأن تكونَ لها ملكيةٌ مستقلةٌ ماليةٌ، فمن حقِّها التصرُّفُ بأموالِها كيف شاءتْ ومباشرةُ جميعِ العقودِ بنفسِها دون ولايةٍ لأحدٍ عليها سواءٌكان أباها أو أخاها أو حتى زوجَها فلها أن تبيعَ، وتشتريَ وتهَبَ وتتصدّقَ بمالِها فلا قيودَ تقيِّدُ حريَّتها في التصرُّفِ، سوى القيدِ الذي يقيِّدُ الرَّجلَ نفسَهُ فيها، ألا وهو قيد المبدأ العام، أن لا تصدم الحرية بالحق أو الخير.
قال تبارك وتعالى ﴿لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْن﴾.(15)
4- الميراث:
أعطى الإسلامُ للمرأةِ الحقَّ بالإرثِ بعدَ أن كانتْ في الجاهليةِ محرومةً من ذلك بل هي بنفسِها تعتَبَرُ إرثاً فقال تعالى: ﴿لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً﴾(16).
5- القوانين والأحكام:
المرأةُ أمامَ القانونِ على حدٍّ سواءٍ هي والرجلُ إن أحسنتْ أو أساءتْ، قال جل وعلا:
﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾(17).
6- الرفق بالمرأة:
لقد تعاملَ الإسلامُ مع المرأةِ برفْقٍ واحترمَها حتى لو لم تكن على دينِنا فقد حرَّمَ الإسلامُ قتلَ النساءِ في الحروبِ، وأمَرَ بمباشَرةِ الحائضِ ومواكَلَتها، وقد كان اليهود ينهونَ عن ذلك ويحتقِرونها ويبتعِدُون عنها ولا يواكلونها حتى تطْهُر.
7- مشاركة المرأة بالجهاد:
وتجاوزَ هذا النشاطُ النسائيِّ إلى المشاركةِ في المجهودِ الحربيِّ في خدمةِ الجيشِ والمجاهدينَ، بما يقدْرْنَ عليهِ ويُحسِنَّ القيامَ بهِ، من التمريضِ والإسعافِ ورعايةِ الجرحـى والمصابينَ، بجوارِ الخدماتِ الأخـرى من الطّهي والسَّقي وإعدادِ ما يحتاجُ إليهِ المجاهدونَ من أشياءٍ مدنية. قال الشيخ في محكي المبسوط: "وكان النبي صلى الله عليه وآله يحمل معه النساء في الغزوات"(18).
وروى الإمام أحمد: أن ستَّ نسوةٍ من نساءِ المؤمنينَ كنَّ مع الجيشِ الذي حاصَرَ خيبرَ: يتناوَلْنَ السِّهامَ، ويسقِينَ السّويقَ، ويداويِنَ الجرحى، ويغزِلْنَ الشَّعر، ويُعِنَّ في سبيلِ الله، وقد أعطاهن النبيصلى الله عليه وآله سلم نصيباً من الغنيمة.
روى مسلم عن أنسٍ ابنها: أن أمَّ سـليمٍ اتّخـذتْ يوم حُنَين خنجـراً، فكان معـها، فرآهـا أبو طلحةٍ زوجُها فقال: يا رسولَ الله، هذه أمُّ سليمٍ معها خنجر! فقال لها رسول اللهصلى الله عليه وآله سلم: "ما هذا الخنجر"؟ قالت: اتَّخَذْتُهُ، إن دنا مني أحد المشركين بَقَرْتُ به بطنـَهُ! فجعل رسول اللهصلى الله عليه وسلم يضحـك".(19)
8- المرأة والعلم:
وكان النساءُ يحضُرْنَ دروسَ العلمِ، مع الرّجالِ عند النبيصلى الله عليه وآله وسلم، ويسألنَ عن أمرِ دينِهِنَّ بل إنّهُنّ طَلَبْنَ أن يَجعلَ لهُنّ يوماً يكون لهنَّ خاصةً، لا يغالبُهنَّ الرجالُ ولا يزاحمونَهُنَ وقلنَ في ذلكَ صراحةً: "يا رسولَ الله، قد غَلَبَنا عليكَ الرجالُ، فاجعَلْ لنا يوماً من نفسِكَ" فَوَعَدَهُنّ يوماً فلقِيَهُنّ فيه ووعَظَهُنَّ وأمَرَهُنّ.(20)
9- المرأة والمناسبات العامة:
كان النساءُ في عصرِ النبوةِ يحضرنَ الجمعةَ، ويسمعنَ الخطبةَ، حتى إن إحداهنَّ حفظتْ سورةَ "ق" مِنْ فِي رسولِ اللهصلى الله عليه وآله وسلم من طولِ ما سَمِعَتْها من فوقِ منبرِ الجمعة.
فقد روى عنه خبيبُ بنُ عبدِ الرحمن. فروى عنه، عن بنتِ حارثةَ بنِ النعمان، قالت: ما حفظتُ سورةَ "ق" إلا مِنْ فِي رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وهو يخطِبُ بها يومَ الجمعةِ.(21).
وكان النساءُ يحضُرْنَ كذلكَ صلاةَ العيدينِ، ويشارِكْنَ في هذا المهرجانِ الإسلاميِّ الكبيرِ، الذي يضمُّ الكبارَ والصغارَ، والرجالَ والنساءَ، في الخلاءِ مهلِّلينَ مكبّرين.
روى مسلمُ: عن أمِّ عطيةَ قالت: "كنا نؤمر بالخروج في العيدين، والمخبأة والبكر"(22).
10- طلب الإحسان إلى الزوجة:
فَرَضَ الإسلامُ على الرّجُلِ أن يعاشِرَ المرأةَ بإحسانٍ ومعروفٍ ونهى عن الإساءةِ إليها فقَدْ ورَدَ عن الإمامِ الصّادِقِ عليه السلام أنه قال: "إن المرءَ يحتاجُ في منزلهِ وعيالهِ إلى ثلاثِ خلالٍ يتكفّلَها وإن لم يكُنْ في طبعِهِ ذلك: معاشرةٍ جميلةٍ، وسِعَةٍ بتقديرٍ، وغيرةٍ بتحصُّنٍ"(23).
ويظهر من هذا الحديثِ إن الإنسانَ حتى لو كانَ من طبعِهِ أن يكونَ عصبيَّ المزاجِ، عليه أن يجدَ وسيلةً لكبتِ هذِهِ العادةِ السيئةِ ويعاشِرَ زوجتَهُ بالمعروفِ، ومن الأمورِ التي كنا نواجِهُها أثناءَ معالجَتِنا لبعضِ القضايا أن بعضَ الأزواجِ يضربونَ زوجاتِهِنّ فإذا ما سألناهم عن السببِ كانت الإجابةُ أننا فَقَدْنا أعصابَنا وكانت ساعةَ غضبٍ ولَعَنَ اللهُ الشيطان.
أيُّ سببٍ هذا؟ وبأيِّ سلطةٍ يجوزُ لهُ أن يضرِبَها فقط لأنه غَضِبَ أو يريدُ أن يُسكِّن غضبَهُ؟ مَنْ أَعطاهُ الحقَّ في التعامُلِ معها بهذا الأسلوب؟. وبذلك بدلاً من أن يكون الزوجُ هو الركنُ الذي يُلجأُ إليه ويعتمدُ عليهِ في العائلةِ يصبحُ سبباً للرعبِ والخوفِ.
إن الإسلامَ شجّعَ الزوجَ أن يتعاملَ بإيجابيةٍ مع زوجتِهِ وأن يتجاوزَ عن أخطائها فيما لو أخطأَتْ لا أن يعاقِبَها على جرُمٍ لم ترتكبِهْ فقط لأنه غضب من أمر لم تكن الزوجة سبباً فيه. إذاً طلب الإسلام من الزوج التسامح والعفو والتجاوز عن أخطاء زوجته فقد ورد أن أحد أصحاب الإمام الصادق عليه السلام سأله ما حق المرأة على زوجها الذي إذا فعله كان محسناً؟ فقال: "يُشبِعها ويكسوها وإن جهِلَتْ غفر لها وقال: أبو عبد الله عليه السلام: كانت امرأةٌ عند أبي عليه السلام تؤذيهِ فيغفرَ لها"(24).
فما علَّمْنا إياهُ أئمتُنا عليهمُ السلامُ هو أن نتعاملَ بهذه الطريقةِ السمحةِ مع زوجاتِنا أي أن لا نُسيءَ إليهنَّ ونتجاوزَ عما أخطأْنَهُ بحقَّنا جهلاً.
وأروعُ ما وَرَدَ في هذا المجالِ قولُ رسول الله صلى الله عليه وآله: "خيركم.. خيرُكم لأهلِه وأنا خيركم لأهلي"(25).
11- تحريم إيذاء الزوجين بعضهما البعض:
الإسلام اعتبر أولاً أن النفقةَ التي يقدِّمها الرجلُ لزوجتِهِ هي أمرٌ واجبٌ عليه ومُلزَمٌبه وبالتالي لا مِنةٌ له عليها في ذلك، وثانياً اعتبَرَ الإسلامُ أن المرأةَ ليست خادمةً عند زوجِها بل هي ريحانةٌ من الرياحينِ فقد ورد عن الإمامِ الباقرِ عليه السلام أنه قال: إن أميرَ المؤمنينَ عليّاً عليه السلام قالَ في رسالةٍ إلى الإمامِ الحسن عليه السلام:
" لا تملِكُ المرأةُ من الأمرِ ما يجاوزُ نفسَها فإنَّ ذلكَ أنعمُ لحالها وأرخى لبالِها وأدومُ لجمالِها فإن المرأةَ ريحانةٌ وليست بقهرمانةٍ، ولا تعدُّ بكرامتِها نفسَها وأغضضْ بصرَها بِستْركَ وأكفُفْها بحجابِكَ ولا تُطمِعَها أن تشفَعَ لغيرها فيميلُ من شَفَعَتْ له عليكَ معها، واستبقِ من نفسِكَ بقيةً فإن إمساكَكَ عنهنّ وهنّ يَرَيْنَ أنكَ ذو اقتدارٍ خيرُ مِنْ أنْ يَرَيْنَ حالَكَ على انكسار"(26).
ومن أسوأِ الأمورِ التي يمكنُ تخيّلُها هي أن يقومَ الرجلُ بضربِ زوجتِهِ وإيذائِها، ثم يطلبُ منها في نفسِ الليلةِ أو نفسِ اليومِ أن يواقِعَهَا فبأيِّ وجهٍ يطلُبُ منها هذا الأمرَ، هل يكونُ إنساناً طبيعياً ذلك الذي يطلبُ أمراً لا يمكنُ أن يحصَلَ إلا من خلالِ محبةٍ ومودةٍ وألفةٍ وانسجامٍ بعد أن يكونَ قد ضربَها أو أهانَها، إن هذه المرأةَ عندما توافِقُهُ على طلبِهِ فإنما تُسْلِمْهُ جسدَها ولكنَّ روحَها وقلبَها غاضبانِ عليهِ وهو أشبهُ لعلاقةٍ اغتصابٍ وإن كانتٍ من ناحيةٍ شرعيةٍ رجلاً يواقعُ زوجَتَهُ، وهذا الاستغرابُ ليس منا فقط فقد ورَدَ عن الإمامِ الباقرِ عليه السلام أنه
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: "أيضرب أحدُكُم المرأةَ ثم يظلُّ معانقها؟!"(27).
إن هذا الاستفهامَ الاستنكاريَّ من رسولِ اللهصلى الله عليه وآله دليلٌ على إنهُ يرفضُ هذا الفعلَ ويعتبِرُهُ غيرَ منطقيٍّ من الزوجِ ولا يُقِرُّهُ عليه ويرفُضُهُ منه.
بل أكثرُ من ذلكَ فإنَّ البعضَ يقومُ بالاعتداءِ بالضّربِ على زوجتِهِ لذنبٍ لم ترتَكِبْهُوإنما هو المسؤولُ عن ارتكابِه فمنهم مثلاً ـوهذه قضايا عالجتُهاـ رجلٌ يخسرُ في تجارتِهِ أو لا يوفّقُ بها ويكونُ هو السببُ في ذلك لأنه لم يُدِرِ الأمرَ بطريقةٍ جيدةٍ فإذا به يأتي إلى بيتِهِ ليصبَّ جامَ غضبِهِ على زوجتِهِ قد كان الأولى أن يتعرّضَ هو للضربِ لأنه أساءَ إدارةَ التصرُّفِ بأموالِهِ وأموالِ عيالِهِ فضيّعُها على نفسِهِ وعائلَتِهِ، ولأنهُ يعتبرُ أن زوجتَهُ هي محلُّ فشّةِ الخُلُقِ جاءَ ليمارِسَ معها كلَّ أنواعِ الحدّةِ في المِزَاجِ والعصبيةِ، وإذا ما أرادَتْ أن تُدَافعَ عن نفسِها بأنها غيرُ مسؤولةٍ عن ذلكَ كانتِ النتيجةُ أنْ تُضْرَبَ. وهذا ما استنكره رسول الله صلى الله عليه وآله بقوله: "إني أتعجب ممن يضرب امرأته وهو بالضرب أولى منها، لا تضربوا نساءكم بالخشب فإن فيه القصاص ولكن اضربوهن بالجوع والعُري حتى تربحوا في الدنيا والآخرة"(28).
وفي نفسِ الوقتِ كما يُسيءُ الرَّجُلُ إلى زوجَتِهِ قد تُسيءُ المرأةُ إلى زوجِها وهذا الأمرُ موجودٌ وإن كانَ بنسبةٍ أقلّ. فمن الصعبِ أن تجِدَ امرأةٌ تمتلِكُ القدرةَ على الإيذاءِ الجسديِّ لزوجِها لكنَّ ذلك موجودٌ كحالةٍ نادرةٍ ولكنّ كثيراً ما ترى نساءً يؤذُونَ أزواجهنَّ إيذاءً معنوياً قد يكون أكبرَ بكثيرٍ من الإيذاءِ الجسديِّ، إن التي تُسيء لزوجِها من خلالِ تصرُّفاتِها المهينةِ التي قد تصلُ إلى حدِّ إلحاقِ العارِ بزوجِها هي تشكِّلُ مصيبةً أكبرَ بكثيرس من تلك التي تضرِبُ زوجَها مثلاً.
إن الإسلامَ فرضَ على الزوجةِ أن تُطيعِ زوجِها وأن تحفَظَهُ في نفسِها وأن تحترمَهُ في وجودِهِ وفي غَيْبَتِهِ، فقد وردَ عن الإمامِ الصادقِ عليه السلامُ قوله: "ملعونةٌ ملعونة امرأةٌ تؤذي زوجَها وتُغِمُّهُ، وسعيدةٌ سعيدةٌ امرأةٌ تُكرِمُ زوجَها ولا تؤذِيهِ وتطيعُهُ في جميعِ أحوالِهِ"(29).
أن يصِلَ الأمرُ إلى حدِّ أن تُلعَنَ تلك الزوجةُ التي تسيءُ إلى زوجِها وتُغِمُّهُ فهو أقصى ما يُمْكِنُ أن توصَمَ به امرأةٌ، ومن المعروفِ أن اللعن يُطلَقُ على الكافِرِما يؤكِّدُ على فداحةِ هذا الجرمِ من المرأةِ في حينِ أن السعادةَ كلَّ السعادةِ لمنْ أطاعتْ زوجَها ولم تؤذِهِ.
بل أكثرُ من ذلك فإنَّ لعدمِ طاعةِ الزوجِ وإيذائهِ أثراً على عِبادةِ المرأةِ لجهةِ قَبُولِها من الله عزَّ وجلَّ والعكسُ صحيحٌ بالنسبةِ لإيذاءِ الرجلِ زوجَتَهُ فقد وردَ عن رسولِ اللهصلى الله عليه وآله إنه قال:
"مَـنْ كانَ لهُ امرأةٌ تؤذيهِ لم يقبلِ الله صلاتَها ولا حسنةً من عملِها حتى تُعينُهُ وترضِيهِ وإن صامتِ الدّهرَ وقامتْ وأعتقتِ الرقابَ وأنفقتِ الأموالَ في سبيلِ الله، وكانت أولَّ من تَرِدُ النارَ ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: وعلى الرجلِ مثلُ ذلك من الوِزْرِ إذا كان لها مؤذياً ظالماً"(30). فالرجلُ كما المرأةُ عليهما بنفسِ الوقتِ الذي يُحسِنانِ إلى بعضِهما البعضِ أن يحرُصا على أن لا يُسيئا كذلك، كي تستقيمَ الحياةُ الزوجيةُ وتسيرَ بمرضاةِ الله عزَّ وجل.
الاختلاط بين الجنسين
لم يحرّمِ الإسلامُ الاختلاطَ بين الجنسينِ بل وضَعَ له ضوابطَ وأحكاماً تَجِبُ مراعاتُها وإلا تحوّلَ الأمرُ إلى كونِهِ حراماً والضابطُ في هذا الأمرِ هو أن المرأةَ أنثى في منزلِها مع زوجِها وإنسانةٌ في المجتمعِ يجب أن تغيبَ كلُّ العناصر الأنثويةِ الإغرائيةِ وتبقى منها مع ما يتناسبُ مع عدمِ إثارةِ الغرائزِ لتساهم بدورها في المجتمعِ كعنصرٍ فاعلٍ فقد كانتِ المرأةُ أيامَ رسول اللهصلى الله عليه وآله وسلم تَشهدُ الجماعةَ والجمعةَ، في مسجدهِ وكان عليه الصلاةُ والسلام يحثُّهنَّ على أن يتّخِذنَ مكانهنَ في الصفوفِ الأخيرةِ خلفَ صفوفِ الرجالِ، وكلما كان الصفُّ أقربَ إلى المؤخرةِ كان أفضلَ، خشيةَ أن يَظْهرَ من عوراتِ الرجالِ شيءٌ، وكان أكثرهُم لا يعرفونَ السراويلَ.. ولم يكن بين الرجالِ والنساءِ أيُّ حائلٍ من بناءٍ أو خشبٍ أو نسيجٍ، أو غيرِه.
وكانَ في أولِ الأمرِ يدخلُ الرجالُ والنساءُ من أي بابٍ اتّفقَ لهم، فيحدُثُ نوعٌ من التزاحُمِ عند الدخُولِ والخروجِ، فقال عليه السلام: "لو أنكم جعلْتُم هذا البابَ للنساءِ". فخصَّصوه بعدَ ذلك لهنَّ، وصارَ يُعرَفُ إلى اليومِ باسمِ "باب النساء"(31).
نظرة الإسلام للعلاقات بشكل عام
في موضوعِ العلاقاتِ هناك فهمٌ خاطئٌ من قِبَلِ البعضِ للنظرةِ الإسلاميةِ إلى العلاقةِ بين الرجلِ والمرأةِ، إذ يعتبرونَ أن الإسلامَ ليس ديناً اجتماعياً، لأنه يضَعُ حدوداً للعلاقاتِ بين الجنسيِن. والحقيقةُ أنّ هذه النظرةَ ليست فقط خاطئةً، بل هي اتهامٌ بلا أي دليلٍ ومن دون فهمٍ للواقعِ الإسلاميِّ بل إنها افتراءٌ واضحٌ.
نظرة الإسلام للعلاقات بين الجنسين
أن اللقاءَ بين الرجالِ والنساءِ في ذاتهِ إذن ليس محرماً بل هو جائزٌ أو مطلوبٌ إذا كان القصـدُ منه المشاركـةَ في هدفٍ نبيلٍ، من علـمٍ نافعٍ أو عملٍ صالـحٍ، أو مشـروعِ خـيرٍ، أو جهادٍ لازمٍ، أو غيرِ ذلك مما يتطلبُ جهوداً متضافرةً من الجنسين، ويتطلبُ تعاوناً مشتركاً بينهما في التخطيطِ والتوجيهِ والتنفيذ.
فللإسلامِ نظرةٌ خاصةٌ في موضوعِ العلاقةِ بين الجنسينِ، فعندما نتحدّثُ عن العلاقةِ بين الرجلِ والمرأةِ، بما هما ذكرٌ وأنثى، فإنّ هناكَ عناوينَ وضوابطَ فرضَها الله عز وجلّ كي لا تؤدّي هذه العلاقةُ إلى ما لا تُحمَدُ عقباهُ، فالله لم يحرّمْ عليَّ أن أعاونَ المرأةَ الضعيفةَ وأساعِدَها بما هي إنسانةٌ فقد وردَ في وصيةِ أميرِ المؤمنين عليٍّ عليه السلام أنه قال: "الله الله في النساءِ وفيما مَلَكَت أيمانُكم، فإن آخرَ ما تكلّم به نبيُّكُم أن قال: أوصيكُم بالضعيفَيْنِ النساءِ وما ملكَتْ أيمانُكم"(32).
يعني أن الله عزَّ وجلَّأوصى بالمرأةِ، وأوصى بأن يُهْتَمَّ بها في المجتمعِ، وأوصى بأن تقنَّنَ لها التشريعاتُ التي تحفظُ لها كيانَها وتعينُهاعلى مواجهةِ الذئابِ البشريةِ ـإذا صح التعبيرـ والتشريعاتُ الإسلاميةُ هي تشريعاتٌ تحافظُ على المرأةِ وتعطيها اهتماماً. وقد لا تجدُ في تشريعاتٍ أخرى هذا الاهتمامَ بالمرأةِ كما تجِدُهُ في الإسلام.
علاقة الزوجين مع أرحامهم
إن صلةَ الرَّحِمِ من الأمورِ الواجبةِ وقطعُ الرَّحمِ من الكبائرِ وقد وردَ النهيُ عن قطعِ ما أمَرَ الله به أن يُوصَلَ بقوله عز وجل: ﴿الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾.(33)
ولكنّ صلةَ الرَّحِمِ يجبُ أن تكونَ ضمنَ ضوابطَ شرعيةٍ، فليس كلُّ الأرحامِ تستطيعُ مثلاً أن تكشفَ المرأةُ عن رأسِها أمامَهم، وهناك أعرافٌ خاطئةٌ في المجتمعِ وهي أن المرأةَ تستطيعُ التعاملَ مع ابنِ عمِّها تماماً كما تتعاملُ مع أخيها، وهذا غيرُ صحيحٍ من الناحيةِ الشرعيةِ فالذين سُمِحَ للمرأةِ أن لا تتحجِبَ أمامَهم واردونَ ضمن الآية الكريمة التالية: ﴿وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْأِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إلى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾.(34)
فمثلاً ابنةُ خالي هي من الأرحامِ وممكنٌ أن أزورَها وأن أساعدَها كما أساعدُ أيَّ أختٍ مؤمنةٍ أخرى، ولكن هناكَ ضوابطُ لهذهِ العلاقةِ فلا أقدرُ أن أدخُلَ إلى بيتِها وزوجُها غيرُ موجودٍ أو لا يوجَدَ أحدٌ في البيتِ كأولادِها. في مثلِ هذا المجالِ يقولونَ ما هذا التزمُّت؟ فهل يعقِلُ أن يغويَهُ الشيطانُ؟ إن ابنةَ خالِهِ كأخته.
هنا أنا أجزُمُ أن الإنسانَ المؤمنَ الطاهرَ القلبِ قد لا يُداخِلُهُ الشيطانُ بهذه العلاقةِ لكنّ الضابطَ الذي وضعَهُ الشرعُ هو ضابطٌ عامٌ بعيدٌ عن الحالاتِ الشخصيِة. هذا من جهةٍ ومن جهةٍ أخرى إن هذا التشريعَ وُضِع من أجلِ أن لا يوسوسَ الشيطانُ للإنسانِ بشكلٍ يستطيعُ أن يتغلّبَ عليهِ في لحظةِ ضعفٍ. ولنُعطِ مثالاً عملياًعلى ذلك، فلو أن بعضَ الأزواجِ لاحظَ أن ابنَ خالِ زوجتِهِ غالباً ما يزورُها، وبعضَ المرات يجدُهُما لوحدِهِما، فإن ذلك سيكونُ سبباً لأن يُداخلهُ الشكُّ وسبيلاً للشيطانِ ليتغلغل في نفسه، وبهذه الحالةِ عندما يداخِلُهُ الشيطانُ فإنهُ سيبدأُ بالتركيزِ على الظواهرِ ويجعلُهُ ينظرُ إليها نظرةَ المشكّكِ المتّهِمِ، ونتيجةً لهذا الأمرِ يبدأ بتفسيرِ أمورٍ كان من الممكنِ أن تكونَ نظرتُهُ إليها طبيعيةً لولا هذا الأمر، فإذا به يبدأُ بمطالبةِ زوجتهِ بأن تُبدي لابن خالِها النفورَ والعبوسَ، بل أن لا تُجالِسَهُ حتى لو كانَموجوداً في البيت. ويكون ردُّ فعلِ الزوجةِ الرفضَ معتبرةً أن هذا الأمرً يُشكّلُ إهانةً لها واتهاماً لها بشرفِها، ولعلَّ هذا التأزُّمَ يصلُ إلى مرحلةٍ صعبةٍ قد تؤدي إلى الطلاق.
إن العلاقاتِ ضمَن إطارِ الأهلِ مطلوبة شرعاً،وصلةَ الرحمِ واجبةٌ شرعاً، ولكنّ صلةَ الرحمِ لا بد من أن تكون ضمنِ الإطارِ العائليِّ وبطريقةٍ عائليةٍ محترمةٍ تراعي الأصولَ واللياقاتِ. تماماً كما يحصلُ بالعائلاتِ الكريمةِ، لذلك فإذا خرجنا في نزهةٍ أو إلى سهرةٍ يجب أن ننضبطَ بالضوابطِ الشرعيةِ في العلاقاتِ مع الآخرين. ومن صلةِ الرّحمِ، مساعدتُهم مع القدرةِ، وإعانتُهم في أمورِ حياتهم التي نقدرُ على مساعدتِهم بها، وأن نوجّهَهُم في الأمورِ التي نقدرُ أن نوجّهَهم فيها وأن نقبلَ نصائحَهم في الأمورِ التي ينصحوننا بها، هذه هي حقيقةُ العلاقاتِ بين الأهلِ كما أرادها من االإسلامُ.
الصداقة بين الجنسين
والسؤالُ الذي يُطرَحُ في هذا المجالِ هو ما الذي دعا إلى هذهِ المشكلةِ؟ أليستْ حالةُ التسيبِ تنطلقُ من العلاقاتِ المفتوحةِ وغيرِ المبررِةِ؟ والجوابُ أن كلَّ هذا صحيحٌ ولكن يجبُ أن نتساهَلَ في موضوعِ الصداقةِ التي حثَّ عليها الشرع.
غير أن الصحيحَ هو أنه يجب أن تكون العلاقاتُ مثلَ الصداقةِ التي حثَّ عليها الشرعُ ضمنَ ضوابطَ وحدودٍ شرعيةٍ، فلا يجوزُ أن تخلو المرأةُ بالرجلِ بالشكلِ الذي يؤدّي إلى أن تُتهم، ويجبُ أن يكونَ نوعُ العلاقةِ ضمنَ الأصولِ فلا يُداخلُها مُزاحٌ خارجٌ عن الضوابطِ والأصولِ. لذلك فنحنُ نحذِّرُ من تأثيرِ العلاقاتِ المفتوحةِ مع الأجانبِ بشكلٍ أكبرَ مما حذّرنا منه في مجالِ الأرحام.
الصداقة والعلاقات المفتوحة
الصداقةُ عنوانٌ كبيرٌ وهو من الأمورِ التي تحدثَ عنها الإسلامُ وشجّعَ عليها واعتبرَ الصديقَ مسؤولاً عن تقويمِ صديقهِ ودليلِه للصوابِ من خلالِ الصدقِ الذي هو أساسُ اشتقاقِ كلمةِ الصداقةِ كما ورد عن الإمام الصادق عليه السلام قوله: "لقد عَظُمت منزلة الصديق حتى إن أهل النار ليستغيثون به ويدعون به في النار قبل القريب الحميم قال الله مخبراً عنهم: ﴿فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِين* وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ﴾"(35).
ولكنّ السؤالَ الكبيرَ هو هل تصحُّ الصداقةُ بين الجنسينِ؟.. صداقةُ الرجلِ بالمرأة؟ وهنا لا بد من القولِ إنه عندما نقول إن الإسلامَ يطلبُ منا أن نُعامِلَ المرأةَ كإنسانةٍ في المجتمعِ لا كأنثى فإن ذلك يعني الالتزامَ بالضوابطِ الشرعيةِ في هذه العلاقة، وبالتالي فإن صداقةً تلتزمُ هذه الضوابطَ لا مانعَ منها من الناحيةِ الشرعيةِ فتكونَ العلاقةُ علاقةَ تَنَاصُحٍ وتعاونٍ لا علاقةَ تُبتنى على أساسِ الغرائزِ والشهوات.
فإذا كان هناك اختلاطٌ في مؤسساتٍ كالجامعاتِ والمعاملِ والمصانعِ، مع عدم تحبيذنا للاختلاطِ مع إمكانِ الفصلِ، فلا مانعَ من بناءِ حالةِ صداقةٍ على أن تكون ضمنَ ضوابطَ سلوكيةٍ شرعيةٍ كما أرادها الإسلامُ منا. فإذا كنت في مؤسسةٍ جامعيةٍ لا مانعَ من قيامِ صداقةٍ مع أختٍ متدينةٍ بل لا بد من ذلك في هذا المجالِ خاصةً إذا كانَ في إطارِ الدعوةِ إلى الله عزَ وجلّ داخلَ المؤسسةِ، كأن نعملَ لمصلحةِ العملِ الطلابيِّ في الجامعةِ في إطارِ هذه المؤسسةِ بأن نشكل نوعاً من أنواعِ التجمعِ الطلابيِّ لخدمةِ مصالحَ طلابيةٍ ولتحسينِ الوضعِ الأكاديميِّ وتحسينِ وضعِ الطالبِ وتحسينِ وضعِ المؤسسةِ التعليميةِ، وتحسينِ وضعِ الكتابِ والمناهجِ وهناك الكثيرُ من العناوينِ التي يمكن أن يعملَ كلٌّ من الإخوةِ والأخواتِ عليها في هذا الإطارِ.
المطلوب علاقة مضبوطة لا علاقة مفتوحة
إننا لا ندعو إلى فصلٍ تامٍ بين الجنسين، ولا ندعو إلى رفضِ العلاقةِ بينهما أصلاً، إذ لو حصلَ ذلك لما أمكَنَ التعرفُ المؤدي إلى زواجٍ سليمٍ، إن ما ندعو إليهِ هو علاقةٌ منضبطةٌ وتقعُ تحت إشرافِ الأهلِ أو المؤسساتِ التي يتواجدُ فيها جوُّ الاختلاطِ، فلو أنَّ شاباً في الجامعةِ طلبتْ منهُ زميلتُهُ أن يأتيَ إلى منزلِها للدراسةِ فما المانع؟.. في مجتمعِنا يعتبرُ البعضُ أن هذه الدعوةَ جريمةٌ، لأنها بمجرّدِ أن تدعو صديقَها في الجامعةِ إلى بيتِها فإنها ستتعرضُ للضربِ من قِبَل أبيها وأخيها، أو ستتعرض للسياطِ الكلاميةِ من الجيران. في حين أنه ما المشكلةُ في ذلك؟ فإذا أتى الشاب وجلس مع ابنتي أمام ناظريَّ أليسَ ذلك أفضلَ من أن تتمَ اللقاءاتُ من وراءِ ظهري؟ لأن ابنتي إذا لم تأتِ هي وهذا الشابُ إلى البيتِ ضمن إطارِ الأسرةِ وتحت مراقبتي، فإنها ستجلسُ معه في الخارجِ حيث لا أستطيعُ المراقبةَ ولا إمساكَ زمامِ الأموِر. فعلى العكسِ إن الأفضلَ أن يأتيا إلى بيتي وتحت رعايتي وإشرافي ومراقبتي والبابُ مفتوحٌ وأنا أراهما وأرى أن الأمورَ منحصرةٌ في الإطارِ الدراسي، من أن يكون ذلك من وراءِ ظهري حيث لا ضابطَ يمنعهُما من التمادي إلى ما لا تُحمدُ عقباهُ.
وحتى لو كان لديهِ فكرةُ زواجٍ فإنهما سيتفاهمانِ تحت نظري وهذا أسلمُ وأفضلُ. وللأسفِ فحتى المتدينونَ يعانونَ من هذا الموضوعِ بشكلٍ كبير. فما نحتاجُ إليه هو ثقافةٌ شرعيةٌ تخوِّلُنا أن لا نقعَ في المحاذيرِ التي تحدّثنا عنها سابقاً. ولا يعني ذلك أن تذوبَ الحدودُ بينهما، وتُنسى القيودُ الشرعيةُ الضابطةُ لكلِّ لقاءٍ بين الطرفينٍ، ويزعُمُ قومٌ أنهم ملائكةٌ مطهرونَ لا يُخشى منهم ولا عليهم، يريدونَ أن ينقلوا مجتمعَ الغربِ إلينا.. إنما الواجبُ في ذلك هو الاشتراكُ في الخيرِ، والتعاونُ على البرِّ والتقوى، في إطارِ الحدودِ التي رسمها الإسلام، ومنها:
1- الحجاب عنصر أمان للمجتمع:
طَلَب الإسلامُ من الأنثى أن تخرجَ إلى المجتمعِ متحجبـةً، ومعنـى ذلـك أنهـا تقـول سلفـاً للآخـرين: أني لا أريد أن أبرزَ أياً من مفاتني كي لا تعاملوني على أساس مفاتني، فأنا أحمل في داخلي عقلاً وفكراً عاملوني على أساسِهِ لا على أي أساسٍ آخر، أما موضوعي كأنثى فإني قد ضربتُ بيني وبينكم حجاباً وهذا الأمرُ ضمن نظريةٍ واضحةٍ وقانونٍ واضح. الذي يغطّي البدنَ ما عدا الوجهِ والكفين، ولا يشفّ ولا يصفُ، قال تعالى: ﴿ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها ولْـيَـضْرِبْنَ بخُمُرِهِنَّ على جيُوبهن﴾( ). وقال تعالى في تعليل الأمر بالاحتشام: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً)(36). أي أن هذا الزيَّ يميزُ المرأةَ الحرةَ العفيفةَ الجادةَ من المرأةِ اللعوبِ المستهترةِ، فلا يتعرضُ أحدٌ للعفيفةِ بأذى؛ لأن زيّها وأدبَها يفرضُ على كلِّ من يراها احترامَها.
في هذا المجال يطرحُ البعضُ فكرةَ أنه في القديمِ كان السترُ أمراً عاماً، وبالتالي فإن مجردَ الكشفِ لجزءٍ من جسدِ المرأةِ في ذلك الوقتِ كان يُشكلُ إثارةً، أما اليومَ فإن كل النساءِ تخرجُ شبهَ عارياتٍ ومتبرّجاتٍ وبالتالي لا حاجةَ إلى موضوعِ الحجاب، بل يكفي أن تلبس المرأةُ لباساً غير متهتّكٍ من دونِ أن يكون حجاباً كما تطلبونَ ما دامَ أن المطلوبَ من الحجابِ أن يمنعَ التعامُلَ مع المرأةِ كأنثى. والجواب عن هذا الإشكال هو:
أولاً: إننا عندما نلتزمُ بالأحكامِ الشرعيةِ نلتزمُ بها لأنها تكليفٌ من الله عز وجل، وهو أعلمُ بما فيه مصلحةُ المجتمعِ، وعندما أمَرَ المرأةَ بالحجابِ إنما أمَرَها بذلك للحفاظِ عليها، وبالتالي الحفاظِ على المجتمعِ وقد ورد ذلك في قوله تعالى.
ومن المعروفِ أن الأحكامَ التي جاء بها الإسلامُ هي أحكامٌ نهائيةٌ، ونحن نلتزمُ بها تسليماً بأمرِ الله تعالى، وهذا التشريعُ ليس لفترةٍ من الفتراتِ، ولو كان كذلك لوجَبَ أن يكونَ هناكَ ديانةٌ أخرى ستَظْهرُ لاحقاً غير الإسلام، ولكان لازماً أن يأتي نبيٌّ آخر، وحيثُ أن الله عز وجل قد أرسل محمداًصلى الله عليه وآله بالرسالةِ الخالدةِ، فهذا يعني أن هذه التكاليفَ وهذه الأحكامَ هي نهائيةٌ وثابتةٌ.
ثانياً: إن الأمورَ الموجودةَ في المجتمعِ على مستوى هذه المسائلِ هي أيضاً أمورٌ ثابتةٌ، والذي تغير هو الوسائلُ والمقدماتُ، أما المضمونُ فما زال هو نفسه، فالأخلاقُ لم تتغير الشرُّ ما زال شراً والخيرُ ما زال خيراً. الحقُّ ما زال حقاً والباطلُ ما زال باطلاً. الأمورُ المتعلقةُ بالأخلاقياتِ وكذلك الأمورُ المتعلقةُ بالغرائزِ لا تتغير بمقياسِ الأزمنةِ، الذي يتغيرُ بمقياسِ الأزمنةِ هو الوسائلُ في التعبير،فمثلاً قابيلُ قتل أخاهُ هابيلَ وهو قد يكون قَتَلهُ بحجرٍ، أما الآن فإنهم يقتلونَ برشاشٍ وبأسلحةٍ كيميائيةٍ، فالذي تغيرَ هو الوسائلُ، أما القتلُ فما زال هو القتلُ لم يتغير فيه شيء.
2- الالتزام بغض البصر من الفريقين:
فلا ينظرُ إلى عورةٍ، ولا ينظرُ بشهوةٍ، ولا يطيلُ النظرَ في غير حاجةٍ، قال تعالى: ﴿قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ﴾(37)
3- الالتزام بأدب المسلمة في كل شيء، وخصوصًا في التعامل مع الرجال:
أ– في الكـلام، بحـيث يكـون بعيدًا عن الإغـراء والإثارة، وقد قال تعالى:
﴿فلا تَخْـضَعْنَ بالقول فيطمع الذي في قلبه مَرَضٌ وقلن قولاً معروفًا﴾.(38)
ب– في المشي، كما قال تعالى:
﴿وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ﴾(39)،
وأن تكـون كالتي وصفها الله بقوله: ﴿فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ﴾.(40).
جـ– في الحـركة، فلا تتكسر ولا تتمايل، كأولئك اللائي وصفهن الحديث الشـريف بـ "قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: "المائلاتُ المميلاتُ لا يدخلنَ الجنة".. ولا يـصدر عنهـا ما يجعلهـا من صنف المتبرجات تبرج الجاهلية الأولى أو الأخيرة.
دـ أن تتجنب كل ما شأنه أن يثير ويغري من الروائح العطرية، وألوان الزينة التي ينبغي أن تكون للبيت لا للطريق ولا للقاء مع الرجال.
هـ ـ الحذرُ من أن يختلي الرجلُ بامرأةٍ وليس معهما محرمٌ، فقد نهتِ الأحاديثُ الصحيحةُ عن ذلك، ففي الحديث الوارد عن أمير المؤمنين علي عليه السلام أنه قال: "لا يخلونّ بامرأة رجل، فما من رجل خلا بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما".(41)
6- أن يكون اللقاءُ في حدودِ ما تفرضهُ الحاجةُ، وما يوجبهُ العملُ المشتركُ دون إسرافٍ أو توسّعٍ يُخرِجُ المرأةَ عن فطرتِها الأنثويةِ، أو يعرّضُها للقيلِ والقال، أو يعطّلُها عن واجِبها المقدسِ في رعايةِ البيت وتربية الأجيال.
الجمع بين الأختين
كان العربُ في الجاهليةِ يجيزونَ للرجلِ أن يتزوجَ على زوجتِهِ اختَها وهذا الأمرُ كان يوقِعُ العداوةَ والبغضاءَ بين أفرادِ العائلةِ الواحدةِ إلى أن جاءَ الإسلامُ فحرّمَ الجمعَ بين الأختين ونزل ذلك واضحاً في القرآن الكريم بقوله سبحانه وتعالى: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاَتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾(42). عن أبي عبيده الحذا قال سمعت الصادق(ع) يقول: "لا تنكحُ المرأةُ على عمتها ولا على خالتها ولا على أختها من الرضاعة"(43). لأن العلةَ في تحريمِ الجمعِ بين الأختينِ إيقاعُ العداوةِ الثابتةِ بين الضراير وتُفضي إلى البغضِ بين الأقاربِ وتستلزمُ قطيعةَ الرحمِ المحرمةِ وهذا المعنى موجودٌ فيما ذكرنا إذا عرفت هذا فإنا نشترطُ في التحريمِ عدم رضاءَ العمةِ والخالةِ بنكاحِ بنت الأخِ أو بنتِ الأختِ فلو رضيتا بنكاحِ بنتِ الأخِ أو الأختِ لم يحرم الجمعُ عندَ علمائنا كافة.
الزواج من الأدعياء
كان العربُ قبل الإسلامِ يجيزونَ للرجلِ ان يتخذ ولداً من غيرِ صُلبهِ ويعامِلُهُ معاملةَ أبنائهِ وكانوا يعتبرونَ أن الزواجَ من زوجتِهِ إن هو ماتَ عنها أو طلّقها حرامٌ كما مع زوجةِ ابنهِ الحقيقيِّ فجاءَ الإسلامُ ليمنعَ هذا الأمرَ ويعتبرُ أن للرجلِ الحقَّ في الزواجِ منها ولكي تُكسرَ هذه القاعدةُ جعل الرسولصلى الله عليه وآله يتزوجَ من طليقةِ زيد بنِ حارثةَ بن شرحبيل زينب بنت جحش وكان مولى له وكان بمثابة ابن له حتى كان يدعى بزيد ابن محمدصلى الله عليه وآله ليكون هو من يفتتح هذا التشريع ونزل بذلك قوله سيحانه وتعالى: ﴿وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا﴾.(44)
الهوامش:
-
سورة النحل، الآيتين 58-59.
-
سورة التكوير، الآية 9.
-
تفسير القرطبي 3/126، والحديث الذي أشار إليه أخرجه الترمذي في سننه والحاكم في المستدرَك..
-
سورة الأنعام الآية: 151.
-
سورة المائدة، الآية91.
-
جامع البيان في تفسير القرآن، الجزء السابع، الصفحة 47.
-
عودة الحجاب، الجزء 2، الصفحة 62.
-
التسهيل لعلوم التنزيل الغرناطي الكلبي، الجزء الأول، الصفحة 184.
-
سورة النساء، الآية 19.
-
جامع البيان، الجزء الثاني، الصفحة 618، الحديث 3775.
-
الكافي، الجزء الخامس، الصفحة 510.
-
سورة البقرة، الآية 228.
-
سورة الحجرات، الآية 13.
-
سورة النساء، الآية 32.
-
سورة النساء، الآية 37.
-
سورة المائدة، الآية 38.
-
فقه الصادق، الجزء 13، الصفحة 27.
-
رواه مسلم، برقم 1809.
-
رواه البخاري في كتاب العلم من صحيحه.
-
ميزان الاعتدال للذهبي، الجزء 2، الصفحة 491.
-
صحيح مسلم، الجزء 3، الصفحة 20
-
بحار الأنوار، الجزء 78، الصفحة 236.
-
وسائل الشيعة، الجزء 14، الصفحة 121.
-
وسائل الشيعة، الجزء 14، الصفحة 122.
-
وسائل الشيعة، الجزء 14، الصفحة 120.
-
وسائل الشيعة، الجزء 14، الصفحة 119.
-
مستدرك الوسائل، الجزء 14، الصفحة 25.
-
بحار الأنوار، الجزء 103، الصفحة 253.
-
وسائل الشيعة، الجزء 14، الصفحة 116.
-
كنز العمال، الحديث 45176، الجزء 16، الصفحة 414.
-
مستدرك الوسائل، الجزء 14، الصفحة 255.
-
سورة البقرة، الآية 27.
-
سورة النور، الآية 31.
-
سورة النور، الآية 4.
-
سورة النور، الآية 31.
-
سورة الأحزاب، الآية 59.
-
سورة النور، الآيتان 30، 31.
-
سورة الأحزاب، الآية 32.
-
سورة النور، الآية 31.
-
سورة القصص، الآية 25.
-
مستدرك الوسائل، الجزء 14، الصفحة 265.
-
سورة النساء، الآية 23.
-
تهذيب الأحكام، الجزء السابع، الصفحة 333.
-
سورة الأحزاب، الآية .37