مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

لماذا تصاب النساء بالقلق؟

لماذا تصاب النساء بالقلق؟

تشعر المرأة بالقلق بمعدّل مرّتين أكثر من الرجل لذا اكتشفي الأسباب التي تدفعك إلى التوتّر.
يعاني العديد من الأشخاص حول العالم من القلق، ويمضون أشهرًا وأعوامًا وهم يخوضون صراعا مريرا مع القلق الذي يهدّد علاقاتهم الشخصية، أو حياتهم المهنية، أو شؤونهم المالية، أو أجواءهم العائلية. وترى جان توينج، أستاذة علم النفس في جامعة "سان دييغو" الأميركية، أنّنا نعيش في "عصر القلق" ذلك أنّ نمط الحياة العصري بكلّ ما فيه من ضغوطات مادية واجتماعية وانشغالات حياتية مضاعفة يولّد حالات متفاقمة من القلق المتزايد، لا سيّما أنّ أعصابنا الضعيفة لم تعد تقوى على تحمّل مصاعب الحياة المادية وتحوّلاتها الاجتماعية الجوهرية.... 

الضغوطات والعزلة: الشكوى اليومية في عصرنا

على ضوء دراسة هامّة نُشرت في العام ٢٠٠٠ وما زالت تلقى أصداءً حتّى اليوم، ترى توينج أنّه ثمّة أمور عدّة قد تسمّم بيئتنا وتجعلها مصدرًا للقلق، كالضغوطات النفسية التي نواجهها في حياتنا اليومية، والخيارات الحاسمة التي نضطر إلى اتّخاذها، وقلّة الروابط الاجتماعية التي تصلنا بالأشخاص المحيطين بنا. فإن لم تشعري بالأمان وبالتواصل مع الآخرين، يبقى القلق مسيطرًا على حياتك. وبالرغم من أنّ العديد من المخاطر البيئية قد تراجعت خلال الأعوام الماضية، لا سيّما مع انخفاض نسبة الجرائم وتراجع المخاوف بشأن الحرب النووية، وهذا مؤشر إيجابي للحدّ من القلق المتفشي في عالمنا، إلّا أنّ الروابط الاجتماعية بين الناس لم تلحظ أيّ تقدم ملموس، ومستويات الثقة في ما بينهم ما زالت في تراجع مستمرّ.

لماذا تصاب النساء بالقلق؟

توافق كاثرين ماديغان، أخصائية علم النفس في مؤسسة Anxiety Tratment لمعالجة القلق، على أنّ النساء يعشن حاليا في "عصر القلق". وتوضح أنّ المرأة اليوم باتت معرّضة للقلق أكثر من الماضي بسبب المهام الكثير المُلقاة على عاتقها، إذ يتوجّب عليها أن تكون أمًّا وزوجة مثالية، وطاهية بارعة، وسيّدة متألّقة على كافّة الصعد. ففي الماضي، لم تكن المرأة مضطرّة إلى العمل، أمّا اليوم فيُفترض بها أن تُنجب الأطفال وتعمل خارج المنزل أيضًا، كما أنّ الرجل لا يساعدها في أيّ من المهام المنزلية. أضيفي إلى ذلك، الكمّ الهائل من المسؤوليات التي تبدأ بالعناية بأدقّ تفاصيل المنزل، ولا تنتهي بتربية الأطفال والحرص على حسن تغذيتهم، ومن هنا يتعاظم شعورها بالقلق مع كلّ شاردة وواردة. فعلى سبيل المثال، إن أجلست طفلها أمام التلفزيون أثناء تحضيرها للعشاء، تشعر بالذنب لعلمها بمساوئ مشاهدة التلفزيون لمدّة طويلة. لذا، تتعرّض المرأة لضغوطات كثيرة، تزيد من حدّتها أحيانا طموحاتها الكبيرة.
إن كنت تتعرضين لضغط نفسي، أو تعانين من اضطرابات هرمونية، أو تمرّين تجربة الحمل والإنجاب، أو تتمتعين بشخصيّة متسلّطة، فاعلمي أنّك قد تكونين عرضة للإصابة بالقلق...
تؤكّد جمعيّة Beyondblue لمحاربة الاكتئاب أنّ امرأة من أصل كلّ ٦ نساء، تعاني من القلق المرضي، لا سيّما إن كان عمرها يتراوح بين ١٦ و ٥٤ سنة. وقد يزداد خطر إصابتها بالقلق المرضي إن كان أحد أفراد أسرتها الصغيرة يعاني من مرض عقلي. أمّا في الظروف الطبيعية، فاعلمي أنّك قد تشعرين بالقلق عندما تتعرّضين لضغط نفسي، أو تعانين من اضطرابات هرمونية، أو تمرّين بتجربة الحمل والإنجاب، أو حتّى إن كنت تتمتّعين بشخصيّة متسلّطة.

ما الفرق بين القلق واضطراب القلق؟

يرى المستشار مايكل بيجانت من جمعية Beyondblue  أنّ نساء كثيرات يتعايشن مع القلق لفترة طويلة ويشعرن بضرورة التغلّب عليه لأنّ بعض أنواع القلق تشكّل جزءا من الحياة اليومية.
ومن الطبيعي أن تشعري بالقلق أحيانا، إذ يعدّ ذلك جزءًا من ردة فعل المواجهة والانسحاب الطبيعية التي يقوم بها الجسم عند التعرّض للضغوطات والإجهاد. فإن وقع أمر مخيف، على سبيل المثال، تتسارع دقّات قلبك وأنفاسكن وقد تشعرين بالإعياء، لأنّك تدركين أنّك في خطر وأنّك مضطرّة إمّا للمواجهة وإمّا للانسحاب. غير أنّ هذه الاستجابات الجسدية قد تتفاقم لديك إن كنت تتعرّضين لضغوطات نفسية متزايدة، فتشعرين بأنّك قلقة ومهدّدة طوال الوقت، وهذا ما يُعرف بالقلق المرضي.
ويرى ماديغان أنّه من السهل أن تسيطري على الإحساس البسيط بالقلق وأن تتخلّصي من الهموم العادية، لكن إن كان الشعور بالقلق يسيطر عليك باستمرار، وتعجزين عن التفكير، أو تجدين صعوبة في النوم والتركيز، أو تُصابين بنوبات صداع حادة أو تشنّج مؤلم في العضلات قد يلازمك لمدّة ٦ أشهر على الأقلّ، فقد تعانين من أعراض القلق المرضي.

الأعراض والتأثيرات
إن كنت تعانين من القلق المرضي، فقد تصابين بالأعراض التالية:
- شعور دائم بالانفعال والتوتر.
- شعور بالتعب.
- صعوبة في التركيز.
- تشنّج في العضلات يؤدّي إلى آلام مبرحة في الظهر، أو العنق، أو الفكّ، أو الرأس.
- اضطرابات في النوم.
وتظهر هذه الأعراض بانتظام وتحول دون ممارستك لحياتك الطبيعية، إذ قد تعانين من قلق شديد يمنعك من مغادرة المنزل، أو الذهاب إلى العمل، أو اصطحاب الأولاد إلى المدرسة. وقد تعجزين أحيانا عن قيادة السيارة أو الاختلاط مع الناس.
ويوضح جيليان نيدلمان، الطبيب النفسي في مؤسسة The Jean Hailes Foundation المعنية بصحّة المرأة، أنّ القلق يلقي بظلاله على كافّة جوانب حياة المرأة وعلاقاتها الشخصية، إذ قد تصبح منطوية على نفسها، ظنًّا منها أن الآخرين ينتقدون تصرّفاتها، فتتفادى التواجد في الأوساط الاجتماعية. وقد تعاني من اضطرابات في النوم ولا تحظى بقسط كافٍ منه، ما يزيد من شعورها بالقلق ومن احتمال التصادم والتشاجر مع الأشخاص المحيطين بها، كما قد يلفّها شعور بالحزن والإرهاق. وقد يحدث ذلك كلّه عندما تطغى عليها انشغالاتها وتتراكم عليها المسؤوليات.

العلاج

يُعدّ العلاج السلوكي المعرفي الأكثر انتشارًا لمعالجة القلق، وهو قائم على مبدأ أنّ طريقة تفكير الإنسان تؤثّر على ما يشعر به. وقد يساعدك الخضوع لهذا العلاج على التفكير بطريقة عقلانية عندما تمرّين بظروف صعبة ومواقف مقلقة، فعوضًا عن التفكير في الأسوأ، تنظرين إلى الأمور بإيجابية.
ويساعدك هذا العلاج على تحديد الأمور التي تصيبك بالقلق ويمكّنك من مواجهتها بشكل تدريجي. وقد تحتاجين أحيانا إلى تناول بعض الأدوية قبل أن تتمكنّي من الخضوع للعلاج السلوكي المعرفي. إلّا أنّك قد تنتكسين مجددًا إن اقتصر العلاج على الدواء فحسب. وقد يصف لك الطبيب بعض الأدية المضادّة للاكتئاب، ذلك أنّ القلق قد يرتبط بالاكتئاب أحيانًا، إذ أنّ اضطرابات القلق قد تؤثر على توازن المواد الكيميائية الموجودة في دماغك، والأدوية المضادة تعمل على معالجة هذا الخلل، ما يمنحك قدرة أكبر على متابعة العلاج النفسي للتخلّص من القلق.
وينصحك الأطباء بممارسة التمارين الرياضية واتّباع حمية غذائية صحّية خالية من المشروبات التي تحتوي على مادّة الكافيين لأنّها تزيد من تفاقم العصبية. وتكتسب التمارين الرياضية أهميّة كبيرة لأنّها تحسّن مزاجك وتحفّز إطلاق مادّة الأندورفين، أي المادّة الكيميائية التي يفرزها دماغك عندما تشعرين بحالة جيدة. وتنصحك ماديغان بأن تمارسي التمارين الرياضية أربع إلى خمس مرّات في الأسبوع لمدّة نصف ساعة. ومن المهم أيضا أن تخلدي إلى النوم في الوقت ذاته كلّ يوم، وأن تجدي طريقة للاسترخاء تنسيك الأفكار المقلقة التي تراودك، كأن تتّصلي بإحدى صديقاتك، أو أن تمارسي رياضة المشي أو الركض، عوضًا عن التفكير في الأمور نفسها مرارًا وتكرارًا. وتتوفّر اليوم علاجات علمية تؤثر إيجابًا على القلق، لذا استشيري طبيبك أو أحد أخصائيي علم النفس لتحصلي على المساعدة وتتخلّصي من معاناتك.

حادث مروع
وقعت السيدة هند (٣٤ عاما) ضحّية للقلق المرضي، بعد أن نجت بأعجوبة من حادث سير مروّع، فأمست أسيرة خوفها ولم تعد قادرة على مغادرة منزلها أو قيادة سيارتها.
السيدة هند امرأة عاملة وربّة أسرة متفانية، فبالرغم من عملها كمدّرسة، إلّا أنّها لم تتوان يوما عن الاهتمام بشؤون أسرتها المكوّنة من ابنة في العاشرة من العمر، وابن لم يتجاوز الست أعوام، وزوج دؤوب يدفعه عمله إلى السفر والتغيّب مرارا عن المنزل. لذا، لا بدّ للسيدة هند من اقتناء سيّارة خاصة بها تساعدها على التنقّل بين عملها اليومي ومنزلها. وباتت قيادة السيارة عادة بسيطة بالنسبة إليها، إلى أنّ حل منتصف العام الماضي وتعرّضت لحادث سير مروّع كاد يودي بحياتها. السيدة هند التي نجت بأعجوبة من الحادثة لم تنج من الإصابة بالقلق المرضي، إذ تملّكها خوف شديد منذ ذلك اليوم ولم تعد تقوى على مغادرة منزلها أو الجلوس خلف المقود. وعن تجربتها، تقول السيدة هند "لقد كانت تجربة مريرة بالنسبة إليّ وإلى عائلتي، فقد عانيت بعد تلك الحادثة من حالة نفسية سيّئة لا أحسد عليها، إذ تسلّل الخوف إلى حياتي اليومية وبات القلق رفيقي في كلّ لحظة. بدا ذهني شاردا طوال الوقت وكأنني عدت صغيرة أخاف القيادة. بدأت بالتغاضي عن بعض الأمور اليومية التي اعتدت القيام بها كإطفاء النور قبل الخلود إلى النوم، أو حتّى الجلوس مع أطفالي ومحادثتهم عما فعلوه خلال اليوم، لأنّ الصداع المبرح الذي لازمني لم يكن يساعدني. وأسوأ ما في الأمر، أنّني حكمت على نفسي بالسجن داخل المنزل، فلم أعد أشعر برغبة في ملاقاة زميلاتي أو جيراني لأنّني كنت قلقة من أن يلومني أحد على ما حدث، حتّى أنّني عندما قررت الخروج برفقة ولديّ لم أقو حتّى على دخول السيارة ورحت أرتجف وأتصبّب عرقا. وقد دفعت حالتي هذه عائلتي إلى مؤازرتي، فعاد زوجي من السفر ولازمني لأشهر. وبعد إلحاح مستمرّ من زوجي وشقيقتي، قرّرت اللجوء إلى مساعدة طبيب نفسي. وبدأت رحلتي مع العلاج السلوكي المعرفي، وبعد جهود متضافرة من طبيبي وأفراد أسرتي بدأت بالتغلّب على مخاوفي. تمكّنت من الصعود مجددًا إلى السيارة، واستعدت شيئًا فشيئًا حياتي المعتادة وتلاشت آلامي وعدت إلى مزاولة عملي".


المصدر: مجلة Good Health  العربية، العدد 3 يونيو 2012.

التعليقات (0)

اترك تعليق