مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

كيف تختار غذاءك؟

كيف تختار غذاءك؟ ما من شك، في أن طبيعة مهنة الإنسان وطراز حياته، يفرضان عليه نظاماً غذائياً معيناً

ما من شك، في أن طبيعة مهنة الإنسان وطراز حياته، يفرضان عليه نظاماً غذائياً معيناً، لا سيما بعد أن تقدمت الحياة البشرية واتسعت آفاقها، ونظرة واحدة نلقيها على أصناف الأعمال التي يمارسها الناس عادة، تجعلنا ندرك أن مثل هذه الأعمال تفرض مردوداً غذائياً معيناً.
                           
المهن التي تكون في أماكن قليلة التهوئة:
إن الأشخاص الذين تقتضي مهنهم أن يقضوا، جلّ أوقاتهم في غرفة قليلة التهوية، دون أن يتحركوا يحتاجون إلى غذاء سهل الهضم ومنشط للجسم، حتى ولو كان هذا الغذاء فقيراً بالحريرات.
أي أن الغذاء الصالح لهؤلاء هو الخضار النيئة والفواكه.. فالماء الذي يحتويه الخس أو السبانخ، أو العنب أو البرتقال يسّهل توازن الجسم، ويساعد على طرح السموم، كما أن الألياف السليلوزية الموجودة في هذه الأغذية تحرض الأمعاء على الإفراغ.
وكما نعلم، فإن الخضار والفواكه تزود الجسم بمزيج ممتاز من الأملاح المعدنية المفيدة كالكالسيوم، والفوسفور، والكبريت، والبوتاسيوم، وغيرها، ولما كان محتواها من الصوديوم ضعيفاً فإنها تساعد على طرح البول، وتجنب الجسم السمنة والترهل.
ولما كان الركون إلى السكون وعدم الحركة مدة طويلة يجنح بالفقرات إلى التشويه، ويسبب ضعف الكلس في العظام، فإن أغذية تحتوي على الفيتامينات والكالسيوم، هي خير مساعد على تعويض النقص وسد حاجة الجسم من تلك العناصر.
وغني عن البيان أن نشير إلى أن بعض الأمراض الأنتانية (كالسل أو الانفلونزا) يسبق الإصابة بها، توفر جو محبوس كالمكاتب والمتاجر.
المهن التي تتطلب جهداً عقلياً مع قلة حركة للجسد:
هناك بعض المهن التي تتطلب ركود الجسم، وقلة حركته، إلا أنها في الوقت ذاته، تتطلب من الدماغ جهداً كبيراً كما هو الحال لدى الذين يمارسون أعمالاً فكرية، فهؤلاء يحتاجون إلى أغذية إضافية تحث مراكز الأفكار في الدماغ على العمل.
ومع أن حاجة هذا الدماغ المفكر لا تصل إلى الحريرات إلا أن الدراسة أثبتت أن الجهد العقلي يبدد كثيراً من الأملاح المعدنية، وبشكل خاص المواد الفوسفورية والكلسية، ولذا يتوجب على الذين يعملون بأدمغتهم أن يعوّضوا ما يفقدهم عملهم إياه من هذه المواد، وهنا يبرز لنا الحليب كمصدر ممتاز من مصادر الكلس والفوسفور في آن واحد، والقول نفسه ينطبق على بعض مشتقاته كالجبن، ولذا فإن اعتياد العامل بذهنه على تناول كميات من الحليب يومياً له جانباً كبيراً من مشكلة العناصر المعدنية التي يبددها التفكير.
مثال لبعض الأطعمة الغنية بالفوسفور والكالسيوم، صفار البيض، ورشيم القمح، والبندق، واللوز والأسماك، وكذا الكاكاو والشوكولاته لولا ما ينزل بالكبد من أضرار بسبب غناهما بالمواد الدهنية، ولا ننسى أيضاً مغلي اللحم الغني بحامض الغلوماتيك الذي يطلق عليه "منشط الذكاء".
ومن الضروري _خلافاً لما هو شائع_ أن يقلل العاملون بأدمغتهم من المواد المهيجة للمراكز العصبية كالقهوة والشاي والمتة، فهي لا تغذي بل تفقر إلى العضوية من المواد المغذية.
                                             
المهن التي تستنفز الأعصاب:
أما الذين يعملون بأعصابهم، فإن الغذاء الذي يحتاجون إليه هو المهدئات التي تقلل من توفز الأعصاب، وتشحنها بقدرة تساعدها على تحمل أسباب الإثارة، فبالنسبة لهؤلاء تكون وجبة العشاء هي أهم وجباتهم اليومية، وعلى هذه الوجبة يتوقف مصير ليلتهم، ويحسن أن تحتوي الوجبة على طبق من حساء الخضار الكثيف، وطبق من الخضار الخضراء، تعقبها قطعة جبن ولون واحد من الفاكهة، ويجب الإقلال من اللحوم لأنها تزيد من حموضة الدم، ولا بأس في تناول قليل من الخس أو الجزر أو البطاطا المقلية، فجميعها مهدئة للأعصاب مريحة لها.
المهن التي تتطلب جهداً جسدياً:
أما الذين يعملون بأجسامهم، وبعضلاتهم، فإنهم يحتاجون إلى مقدار عالٍ من الحريرات، فالإنسان العادي يحتاج إلى مقدار متوسط ما بين 2500 و 3000 حريرة يومياً، أما العامل الذي يبذل مجهوداً جسمياً وعضلياً كبيراً، فإنه يحتاج إلى حريرات يتراوح مقدارها ما بين 3500 و 6000 حريرة يومياً.
وطبيعي أن مثل هذه الطاقة الحرورية العالية، لا يمكن الحصول عليها إلا عن طريق المواد السكرية والدهنية، فالكبد يحول السكر إلى الغليكوجن فيوضع هذا في العضلات، وبتأثير الأوكسيجن الذي يحمله الدم، يحترق الغليكوجن في العضلات ناشراً الحريرات فيها.
أما الدهون فإن غراماً واحداً منها يطلق حريرات تعادل ضعف ما يطلقه غراماً واحداً من السكر، ولكن هذه الطاقة لا يستهلكها الجسم بنفس السرعة التي يستهلك بها المواد السكرية، ولذا فالأحرى اعتبارها طاقة احتياطية أكثر منها طاقة عاملة فعلاً.
ولا بد لمن يعملون بأجسامهم من أن يحافظوا على التوازن الضروري لأجسامهم، وتزويدها بالحريرات اللازمة لمواجهة الجهد المفرط الذي يبذلونه, ولتحقيق هذه الغاية، نجد أمامنا قائمة تحتوي على الأغذية الضرورية ذات القدرة الحرارية العالية، كالخبز والحبوب واللحوم والزيوت والأجبان، والزبدة، بالإضافة إلى بعض الفواكه ذات القدرة الحرارية العالية كالتمر، والمكسرات، ويجب أن يؤخذ بعين الاعتبار أن الجهد العضلي يتطلب طرح العرق بصورة مستمرة، وهذا يلفت الانتباه إلى ضرورة تأمين المقادير الكافية من السوائل اللازمة لحفظ توازن أنسجة الجسم.
والمعروف أن العامل لا يستطيع تناول طعامه في منزله، نظراً لضآلة الوقت المتاح له للطعام، ولكن ذلك لا يعتبر سبباً في إهمال التغذية، وخير للعامل أن يحضر معه وعاءً يحتوي على حاجته من المواد الغذائية المتكاملة التي تحقق له المردود الحراري اللازم له، مع بعض المواد الإضافية ذات القدرة الحرارية العالية كالجوز واللوز والبندق والتين المجفف والتمر والبلح، وأن يتناول في المساء "وجبة تعويض" تحتوي على اللحم أو السمك، والجبن.

المصدر: القبّاني، صبري: الغذاء لا الدواء، دار العلم للملايين، لبنان-بيروت، ط33، 2008م.

التعليقات (0)

اترك تعليق