مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

الماء سيد الشراب

الماء سيد الشراب

«وَجَعَلْنا مِنَ المَاءِ كُل شَيءٍ حَي» (سورة الأنبياء، الآية: 30)، لقد نسب الله أساس الأحياء إلى الماء، فما هي تلك الأسرار التي يحملها الماء ليكون مورد ذكر الله في القرآن، وليكون 75% من الكرة الأرضية؟
                    
الشعور بالعطش:
عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام: لا يشرب أحدكم الماء حتى يشتهيه، فإذا اشتهاه فليقلّ منه.
اشتهاء الماء هو الشعور بالعطش الذي يعتبر أحد الأحاسيس الأساسية، في حياة الإنسان. وقد أجريت دراسات كثيرة بغية معرفة آلية الشعور بالعطش، وتبين أن الجسم يبدأ بمحاولة للاستعاضة عن الماء، بواسطة هرمونات خاصة تفرزها المراكز العليا للدماغ، فتبطئ عملية الطرح التي يؤديها الماء، أي تبطئ عمل إفرازات الكلية التي تقوم بعملية الطرح عن طريق المسالك البولية، فإذا ما استمرت حاجة الجسم إلى المقدار الكافي من الماء كان الشعور بالعطش، الذي يتفاوت قوة وضعفاً بتفاوت حاجة الجسم نفسه..
أهمية الماء:
الماء ليس مادة مغذية فهو لا يحتوي على أي مقدار حروري، وبعبارة أخرى فهو لا يحترق، ولكن له دوراً هاماً في العضوية لأن الأملاح التي يحملها تؤمن توازن الشوارد الملحية (ions minereaux) للأنسجة، ذلك أن المبادلات الفيزيولوجية (الغريزة) تتبع وجود أملاح مستمر على شكل شوارد، كما أن عملية التفكير تحتاج إلى سيالات عصبية، لا تتوفر إلا بوجود الماء.
وللماء عملية جوهرية أخرى، هي قيامه بتخليص الجسم من الفضلات، فمن الضروري للجسم أن تطرح منه السموم الموجودة فيه، وهي العملية التي يسهم الماء فيها، فالكلى التي تصفي الدم تحتاج للماء كي تؤدي عملها على الوجه الأكمل.
          
لماذا الإقلال من الماء؟
لماذا تكلم الإمام الصادق عليه السلام إذاً عن الإقلال من شرب الماء عند اشتهائه؟ وأضاف في مورد آخر: إياك والإكثار من شرب الماء فإنه مادة كل داء.
ليس فائدة الماء تعني أن ملء الجسم بأكثر من حاجته إليه لا يخلو من الأضرار، فإن الماء الزائد يمدّد مصل الدم، ويباعد الأنسجة والحجيرات ويجعلها تبطئ القيام بعملها، وإن كان من النادر أن يقع تسمم ناشئ عن الإسراف في تناول الماء، اللهم إلا لدى المرضى ضعاف الجسم، أو لدى الذين أجريت لهم عمليات جراحية كبرى.
كان النبي (ص)، إذا أكل دسماً أقل من شرب الماء، فقيل له: يا رسول الله إنك تقل من شرب الماء؟ فقال: إنه أمرأ للطعام.
إن الإكثار من تناول الماء أثناء الطعام يمدد العصارات الهاضمة فيقلل من مفعولها الهضمي، ويغدو تأثيرها بطيئاً فتتأخر _بالتالي_ عملية الهضم، وهذا أحد الأسباب المؤدية إلى انتفاخ البطن، والشعور بالثقل، وكثرة الغازات.
على أن بإمكان الإنسان أن يستغني عن الماء، لأن الجسم يحصل على حاجته من الماء عن طريق الأطعمة التي يتناولها، فاللبن مثلاً، يحتوي على 88% من وزنه ماء، والفواكه لا يقل محتواها من الماء عن 60%، وحتى الخبز أو الأطعمة الأخرى، تحتوي على مقدار، قلّ أم كثر، من الماء.
ولكن لا تلجأ إلى شرب العصير كمحاولة لإطفاء العطش عوضاً عن الماء، فإذا تناول الإنسان العصائر لإطفاء عطشه استهلك كمية كبيرة من العصير نظراً لوجود السكاكر والحوامض، في حين أن جدران المعدة الخاوية تمتص الماء في مدة لا تزيد عن العشرين دقيقة، وهذا الماء يجول في الدم فيغسل الأعضاء ليطرح من الكلى بولاً يحمل الفضلات السمية، خلافاً لمفعول العصير الذي يعوقه عن هذه الدورة ما يحمله من أخلاط ومواد.
أما إذا كان الطعام جافاً واقتصر على اللحم والخبز، أو الخبز والجبن، وما شابه ذلك، فمن المستحسن مساعدة المعدة في عملها بتناول بعض السوائل كالشاي أو الحليب أو الماء، على ألا يزيد عن مقدار واحد فقط. وإذا كان جسم الإنسان يميل إلى البدانة والسمنة، فمن الضروري لهم ألا يتناولوا الماء مع الطعام لأن ذلك يزيد في بدانتهم بسبب تأثير الماء من حيث إبطاء عملية احتراق الأغذية وتحوّلها بالتالي إلى طبقات دهنية، بدلاً من احتراقها بشكل كامل يبعث الحرارة والنشاط في الجسم.
وفي هذا قول الإمام الرضا عليه السلام لياسر الخادم: لا بأس بكثرة شرب الماء على الطعام، أرأيت لو أن رجلاً يأكل مثل ذا طعاماً _وجمع بين يديه كلتيهما ولم يجمعهما ولم يفرقهما_ ثم لم يشرب عليه الماء لم يكن يتسق(1) بطنه.
 
            

هل يجب على البدينات التقليل من شرب الماء؟
هذا لا يعني أن اللواتي يتبعن نظاماً خاصاً للنحافة يجب أن يهجرن الماء إطلاقاً، أو يقللن من تناوله بشكل غير صحي، لأنهن سيفاجأن عند ذلك بالتجاعيد تتسلل إلى وجوههن وأيديهن. فإن من حق الجسم أن ينال حاجة كاملة من الماء، على أن يكون ذلك خارج أوقات الطعام والهضم، وخير الأوقات لذلك هو الصباح الباكر عندما تكون المعدة خاوية، فتمتص جدرها ما يلقى إليها من الماء، فيجول في الدم غاسلاً الكليتين خلال أقل من ساعة، فيخلص الجسم من السموم والرمال، أما إذا استبد العطش بالإنسان، فيمكنه تدارك حاجته منه في جرعات قليلة خلال أزمنة متقاربة، كي لا يكون الماء سبباً في إعاقة الهضم والإساءة إلى المعدة والجهاز الهضمي(2).
ولما كان الماء سيد شراب أهل الجنة في قول الإمام الصادق عليه السلام: سيد شراب أهل الجنة الماء، وفيه كل ما ذكر من أساسيات الحياة، وجب الاعتناء به كماً ونوعاً وكيفية.
فالكمية: يحتاج الإنسان يومياً بين ليتر وثلاثة وفق المحيط الذي يعيش فيه، وكقاعدة عامة لما تقدم، يجب أن يسبق تناول الماء موعد الطعام بساعة واحدة على الأقل، أو بعد ساعتين من الطعام.
أي ماء نشرب؟
منه العذب والمالح والملوث، وأجود ما على الإنسان اختياره ذاك الذي يحتوي على الأملاح والغازات المفيدة.
ويمكن إصلاح غير الصالح بطرق متعددة أبرزها:
1-
طريقة الغلي:
وهذه الطريقة تفيد في قتل الجراثيم الضارة الموجودة في الماء، ولكنها تفقده خصائصه في الوقت عينه إذا زادت عن الحد المعقول، إذ تعلق الأملاح على جوانب إناء الغلي، ويصبح الماء المغلي عسير الهضم، بسبب فقده الكثير من أملاحه.
2- طريقة التصفية: ميزتها أنها تحفظ للماء أملاحه المنحلة فيه، فلا يفقد سوى الجراثيم وتتم على أساس جهاز خاص مصنوع على أساس الفحم والأمينات أو البورسلين.
3- طريقة التعقيم: تقضي بإضافة بعض المواد الكيمائية إليه، وهي طريقة مجدية وسريعة، ولكن علتها أنها تكسب الماء طعماً غير مقبول.
ومن الضروري أن نشير إلى أن الماء يمكن أن يحمل معه كثيراً من الجراثيم المعوية كالتيفوئيد، والباراتيفوئيد، والزحار، والإسهال.... فيجب لهذا أن نتأكد من مصادر المياه التي نشربها.
ومن تلك الأنواع الجيدة، ما نذكره في أحاديث أهل البيت عليهم السلام التي لا تحتاج لأي شرح وتعليق.
عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام: ماء زمزم شفاء من كل داء.
قال أمير المؤمنين عليه السلام: اشربوا ماء السماء، فإنه طهور للبدن ويدفع الأسقام قال الله تبارك وتعالى: «إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ» (سورة الأنفال، الآية:11).
قال أمير المؤمنين عليه السلام: صبوا على المحموم الماء البارد فإنه يطفئ حرّها.
عن أمير المؤمنين عليه السلام: الماء المغلي ينفع من كل شيء ولا يضر من شيء.
وفي كيفيته، نستند أيضاً لأحاديث المعصومين لبيان آداب شربه.
                                          
آداب الشراب:
• دعوة الآخرين عليه قبل شربه: عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: أفضل الصدقة الماء.
 التسمية عند البدء والحمد عند الفراغ: عن الإمام موسى الكاظم عليه السلام: إذا شربت سميت وإذا فرغت حمدت الله.
 شربه مصاً وليس عبّاً: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: مصّوا الماء مصّاً(3) ولا تعبّوه عبّاً(4)، فإنه يأخذ منه الكباد(5).
 شربه نهاراً من قيام وليلاً من جلوس: عن الصادق عليه السلام: شرب الماء ]من قيام[ بالنهار يمرئ الطعام، وشرب الماء ]من قيام[ بالليل يورث الماء الأصفر.
 الشراب من وسط الكأس: عن الإمام الصادق عليه السلام: حده (الكأس) أن تشرب من شفته الوسطى وتذكر الله عليه وتتنفس ثلاثاً، كلما تنفست حمدت الله ولا تشرب من أُذن الكوز(6)، فإنه مشرب الشيطان. وفي حديث آخر عن الإمام موسى الكاظم عليه السلام: لا تشرب من موضع كسر إن كان به، فإنه مجلس الشيطان.
 الشرب على ثلاث مراحل: قال الإمام الصادق عليه السلام: إذا شرب أحدكم فليشرب في ثلاثة أنفاس يحمد الله في كل منها: الأول شكر للشربة، والثاني مطردة للشيطان، والثالث شفاء لما في جوفه(7).

الهوامش:
 

1. اتسق الشيء: استوى وانتظم.
2- القبّاني، صبري: الغذاء لا الدواء، دار العلم للملايين، لبنان، بيروت، ط33، 2008م.
3.
 المص: شرب الماء مع جذب النفس.
4. العب: شرب الماء بلا تنفس.
5. الكباد بالضم: وجع الكبد.
6. الكوز: الكوب.
7- الطبرسي، رضي الدين أبي الحسن بن الفضل: مكارم الأخلاق، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت – لبنان، ط6، 1972م.
إعداد: موقع ممهدات.

التعليقات (0)

اترك تعليق