مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

نلا الزين تستعيد اسمها

نلا الزين تستعيد اسمها

بعد 12 عاماً على تحرير بنت جبيل، رأت نلا الزين صورتها التي التقطت لها ذلك اليوم. "هذه لولو ابنة أختي، وهذا علي... لا يوسف" تقول من دون أن تستطيع منع دموعها من العودة مجدداً. أصلاً، لا يحضر التحرير من دون دموع في بال الزميلة في إذاعة النور نلا الزين. قبل هذا التاريخ، كان اسمها زينب. هكذا عرفها مستمعو "إذاعة الإيمان" على مدى سنوات. غادرت اسمها، للأسباب نفسها التي دفعتها إلى مغادرة أهلها وبلدتها في منتصف الثمانينيات. هدّدها أحد العملاء بعد ارتدائها الحجاب "ما حدا غيري رح يفوّتك ع معتقل الخيام"، فخاف والدها عليها. كانت لا تزال في صف البروفيه، عندما أجرى استخارة ليرسلها إلى بيروت، وهكذا كان.
نحو عشرة أعوام قضتها نلا بعيدة عن بلدتها، أمضى والدها نصفها يقطع الحدود مرتين في الأسبوع لزيارتها والاطمئنان إليها. "كانوا يعذّبونه عند المعابر، يرمون البضائع التي يخرج في حجتها إلى بيروت في سبيل أن يطمئن عليّ، ويحمل إليّ كلّ ما يعدّ في البيت. حتى مياه الشرب كان يحملها، ويقول: "أريدك أن تشربي ما نشربه وتأكلي ما نأكله". في عام 1995 توفي الوالد، بعد انقطاع ثلاثة أشهر عن زيارة ابنته. لم تستطع الذهاب إلى البلدة للمشاركة في دفنه، فطلبت منهم أن يحملوا لها تراباً من قبره.
وعندما عادت إلى بنت جبيل في 23 أيار 2000، راحت تفتش عن والدها. لم تستوعب أنه توفي، حتى بعد وصولها إلى قبره "أحتاج إلى وقت كثير لأقتنع بأن هذا قبر، لقد كان أقرب الناس إلى قلبي، ورغم ذلك كنت أنا من يعذّبه ويتعذّب". لهذا تشعر نلا بأن نقمتها على "إسرائيل" لا حدود لها بسبب ما حرمتني إياه. الأمر لا يتعلق بما اقترفه هذا الاحتلال من جرائم فحسب، بل بكلّ ما حرمت إياه نتيجة إبعادها عن أهلها: عاطفة، ملاحظة، سهرة، وحتى شربة ماء. عندما غادرت نلا بنت جبيل، لم تشعر بأنها ستحزن إلى الحد الذي شعرت به لاحقاً. راودتها أكثر من مرة فكرة العودة، والعيش ضمن التسويات التي يقيمها أبناء القرى المحتلة مع الاحتلال، لكنها لم تستطع. انخرطت في العمل العام إلى جانب متابعتها لدراستها. ومن مشاركتها في جامع بئر العبد، الذي كان يؤمّ الصلاة فيه المرجع الراحل السيد محمد حسين فضل الله، انتقلت إلى إذاعة الإيمان، ومن ثم إلى النور. طيلة هذا الوقت كانت تعمل، وهي تشعر بأنها ملاحقة. أخفت اسمها كي لا تعرّض عائلتها للمضايقة، وخصوصاً أن الواشين كانوا كثراً.
في أيار عام 2000 علمت أن الأهالي بدأوا يتوجهون إلى قراهم لفتحها بأنفسهم فلم تتردد في الذهاب. انطلقت في 22 أيار مع جارهم، ترافقها عمتها. حصل إطلاق نار يومها، فعادوا سيراً على الأقدام من معبر بيت ياحون إلى عيتا الجبل، حيث أمضوا ليلتهم، وانطلقوا فجر اليوم التالي، بالعشرات، مشياً إلى بنت جبيل عابرين تبنين، بيت ياحون، كونين. عند منطقة صف الهوا كان اللقاء بالعائلة التي خرجت لاستقبال العائدين. فكانت هذه الصورة.

المصدر: موقع جريدة الأخبار.

التعليقات (0)

اترك تعليق