أم داود وقصة الدعاء الذي تُفتح له أبواب السماء
كلٌ منا قد قرأ في مفاتيح الجنان عن عمل ودعاء أم داوود الخاص بيوم النصف من رجب. والمجرب لقضاء الحاجات وكشف الكربات ودفع الظلم..
ولكن ألم تسألوا أنفسكم.. ما قصة هذا العمل والدعاء العجيب الذي كان يصفه أمير العرفاء الربانيين الميرزا علي القاضي عليه الرحمة والرضوان لسالكي طريق الحنان المنان ذو الجلال والإكرام..؟
ومن هي أم داوود هذه..؟
فاطمة أم داوود بن الحسن حفيد الإمام الحسن المجتبى كانت حاضنة الإمام الصادق وقد أرضعته من حليب ابنها داوود.
قصة عمل أم داود:
تقول أم داوود: لما قتل منصور الدوانيقي عبد الله بن الحسن بن الحسين بعد قتل ابنيه محمد وإبراهيم حمل ابني داود بن الحسين من المدينة مكبلا بالحديد مع بني عمه الحسنيين إلى العراق فغاب عني حينا، وكان هناك مسجونا فانقطع خبره وأعمي أثره وكنت أدعو الله وأتضرع إليه وأسأله خلاصه واستعين بإخواني من الزهاد والعباد وأهل الجد والاجتهاد وأسألهم أن يدعوا الله لي أن يجمع بيني وبين ولدي قبل موتي فكانوا يفعلون ولا يقصرون في ذلك وكان يصل إلى انه قد قتل ويقول قوم: لا، قد بني عليه اسطوانة مع بني عمه فتعظم مصيبتي ويشتد حزني ولا أرى لدعائي إجابة ولا لمسألتي نجحا فضاق بذلك ذرعي وكبر سني ورق عظمي وصرت إلى حد اليأس من ولدي لضعفي وانقضاء عمري.
فدخلتُ على أبي عبد الله جعفر بن محمّد صلوات الله عليه يوماً أعودهُ في علةٍ وجدها، فسألته عن حاله ودعوت له، فقال لي: يا أم داود، ما فعل داود؟ وكنت قد أرضعته بلبنه، فقلت: يا سيدي أين داود وقد فارقني منذ مدّة طويلة وهو محبوس بالعراق؟
فقال: وأين أنت عن دعاء الاستفتاح وهو الدعاء الذي تُفتح له أبواب السماء ويلقى صاحبه الإجابة من ساعته، وليس لصاحبه عند الله تعالى جزاء إلا الجنة.
فقلت له: كيف ذلك يا ابن الصادقين؟
قال يا أم داود: فقد دنى هذا الشهر الحرام -يريد(ع) شهر رجب- وهو شهر مبارك عظيم الحرمة، مسموع الدعاء فيه، فصومي منه ثلاثة أيام، الثالث عشر، والرابع عشر والخامس عشر، وهي الأيام البيض، ثم اغتسلي في يوم النصف منه عند زوال الشمس، وصلي الزوال ثمان ركعات، ترسلين فيهن، وتحسنين ركوعهن وسجودهن وقنوتهن، تقرأين في الركعة الأولى بفاتحة الكتاب وقل يا أيها الكافرون، وفي الثانية قل هو الله أحد، وفي الست البواقي من السور القصار ما أحببتي، ثم تصلين الظهر، ثم تركعين بعد الظهر ثمان ركعات تحسنين ركوعهن وسجودهن وقنوتهن، ولتكن صلاتك في أطهر أثوابك، في بيت نظيف على حصير نظيف، واستعملي الطيب فإنه تحبه الملائكة، واجتهدي أن لا يدخل عليك أحد يكلمك أو يشغلك، فإذا فرغت من الدعاء فاسجدي على الأرض وعفري خديك على الأرض وقولي: (لك سجدت وبك آمنت فارحم ذلي وفاقتي وكبوتي لوجهي)، واجهدي أن تسيح عيناك ولو مقدار رأس الذباب دموعاً فإنه آية إجابة هذا الدعاء حرقة القلب وانسكاب العبرة، فاحفظي ما علمتك ثم احذري أن يخرج عن يديك إلى يد غيرك ممن يدعو به لغير حق، فإنه دعاء شريف وفيه اسم الله الأعظم الذي إذا دعى به أجاب وأعطى، ولو أنّ السموات والأرض كانتا رتقا والبحار بأجمعها من دونها، وكان ذلك كله بينك وبين حاجتك، يسهل الله عز وجل الوصول إلى ما تريدين، وأعطاك طلبتك، وقضى لك حاجتك، وبلّغك آمالك، ولكل من دعا بهذا الدعاء الإجابة من الله تعالى، ذكراً كان أو أنثى، ولو أنّ الجن والإنس أعداء لولدك لكفاك الله مؤنتهم وأخرس عنك ألسنتهم وذلل لك رقابهم إن شاء الله.
يقول السيّد ابن طاوس: فقالت أمّ جدّنا داود رضوان الله تعالى عليه: فكتبت هذا الدعاء وانصرفت ودخل شهر رجب وفعلت مثل ما أمرني به (تعني الصادق(ع))، ثمّ رقدتُ في تلك الليلة. ولمّا كان آخر الليل، رأيت محمّداً(ص)، وكلّ من صلّيت عليهم من الملائكة والنبيين، ومحمّد (ص) وعليهم يقول: يا أمّ داود، أبشري وكلّ من ترين من إخوانك (أعوانك)[...] يبشّرونك بنُجح حاجتك، وأبشري فإنّ الله تعالى يحفظُك ويحفظ ولدك ويردّه عليك.
قالت: فانتبهت فما لبثت إلا قدر مسافة الطريق من العراق إلى المدينة للراكب المجدّ المسرع العجل، حتّى قدم عليّ داود. فسألته عن حاله، فقال: إنّي كنت محبوساً في أضيق حبس وأثقل حديد [...] إلى يوم النصف من رجب فلمّا كان الليل رأيتُ في منامي كأنّ الأرض قد قُبضت لي، فرأيتك على حصير صلاتك، وحولك رجالُ رؤوسهم في السماء، وأرجلهم في الأرض يُسبّحون الله تعالى حولك، فقال لي قائل منهم حسن الوجه، نظيف الثوب، طيّب الرائحة، خلته جدّي رسول الله(ص) يقول لي: أبشر يا ابن العجوزة الصالحة، فقد استجاب الله لأمّك فيك دعاءها.
فانتبهت ورسل المنصور على الباب، فأُدخلت عليه في جوف الليل، فأمر بفكّ الحديد عنّي والإحسان إليّ، وأمر لي بعشرة آلاف درهم، وحُملت على نجيب[...] بأشدّ السير وأسرعه، حتى دخلت المدينة.
قالت أم داود: فمضيتُ به إلى أبي عبد الله(ع)، فقال (ع): إنّ المنصور رأى أمير المؤمنين عليّاً في المنام يقول له: أطلق ولدي وإلا ألقيتك في النار، ورأى كأنّ تحت قدميه النّار، فاستيقظ وقد سقط في يديه، فأطلقك يا داود.
أهميته:
هو عمل بالغ الأهمية، ينتظره مَن يعرفه من شهر إلى شهر، حيث أنّه وإن كان في الأصل يُؤدّى في منتصف رجب، ولكن وردت الرُخصة في الإتيان به في كل شهر. ومن عجز عن العمل بكامل خصوصياته، فلا أقلّ من الاهتمام بدعائه، فإنّ له وحده كذلك أهميّة خاصة.
قال الشيخ الطوسي في (مصباح المتهجّد): "ويستحب أن يدعو بدعاء أم داود"، ثمّ أورد كيفية العمل، ولم يتعرّض للبدائل التي يأتي ذكرها عن الشيخ المفيد، رضوان الله عليهما.
وقال السيد ابن طاووس في (الإقبال): "إعلم أنّ هذا الدعاء الذي نذكره في هذا الفصل دعاءٌ عظيم الفضل، معروفٌ بدعاء أم داود، وهي جدّتنا الصالحة المعروفة بأمّ خالد البربريّة، أم جدّنا داود ابن الحسن بن الحسن ابن مولانا عليّ بن أبي طالب أمير المؤمنين عليه السلام، وكان خليفة ذلك الوقت قد خافه على خلافته، ثم ظهر له براءة ساحته فأطلقه من دون آل أبي طالب الذين قبض عليهم.[...] فأما حديث أنها أم داود جدنا، وأن اسمها أم خالد البربرية كمّل الله لها مراضيه الإلهية، فإنه معلوم عند العلماء ومتواتر بين الفضلاء".
ثم قال حول الدعاء: "وهو دعاء جليل مشهور بين أهل الروايات، وقد صار موسماً عظيماً في يوم النصف من رجب معروفاً بالإجابات وتفريج الكربات".
وقال الشيخ الملكي التبريزي في (المراقبات): "وإن وفّق لدعاء الإستفتاح مع الشرائط فهو، وإلّا لا يترك –لا محالة- الدعاء نفسه، ويزور الحسين (ع)".
كيفية عمل "أم داود":
قال الإمام الصادق (ع): "يا أمّ داود، قد دنا الشهر الحرام العظيم شهر رجب، وهو شهر مسموع فيه الدعاء، شهر الله الأصم، فصومي الثلاثة الأيام البيض، وهو يوم الثالث عشر والرابع عشر، والخامس عشر، واغتسلي في يوم الخامس عشر وقت الزوال، وصلّي الزوال ثماني ركعات [نافلة الظهر]. وفي إحدى الروايات: تُحسني قنوتهن وركوعهنّ وسجودهنّ.
ثمّ صلّي الظهر، وتركعين بعد الظهر، وتقولين بعد الركعتين: يا قاضي حوائج السائلين مائة مرة، ثمّ تصلين بعد ذلك ثماني ركعات. وفي رواية أخرى: تقرئين في كلّ ركعة، يعني من نوافل العصر بعد الفاتحة ثلاث مرات قل هو الله أحد، وسورة الكوثر مرة.
ثمّ صلّي العصر، وَلْتكن صلاتك فيس ثوب نظيف واجتهدي أن لا يدخل عليك أحدٌ يكلّمك.
وفي رواية: وإذا فرغت من العصر فالبسي أطهر ثيابك واجلسي في بيت نظيف على حصير نظيف، واجتهدي أن لا يدخل عليك أحد يشغلك. ثمّ استقبلي القبلة واقرئي الحمد مائة مرة، وقل هو الله أحد مائة مرة، وآية الكرسي عشر مرات، ثمّ اقرئي سورة الأنعام وبني إسرائيل (الإسراء)، وسورة الكهف ولقمان ويس والصّافات، وحم السجدة وحم (عسق) وحم الدّخان، والفتح والواقعة وسورة المُلك ون والقلم، وإذا السماء انشقّت وما بعدها إلى آخر القرآن، وإن لم تحسني ذلك ولم تُحسني قراءته من المصحف، كرّرت قل هو الله أحد ألف مرة. فإذا فرغت من ذلك وأنت مستقبلة القبلة فقولي:
بسم الله الرحمن الرحيم، صدق الله العليّ العظيم، الذي لا إله إلا هو الحيّ القيّوم ذو الجلال والإكرام، الرّحمن الرّحيم، الحليم الكريم، الذي ليس كمثله شيءٌ وهو السميع العليم.."، إلى آخر الدعاء وهو طويل، وتجده في (مفاتيح الجنان)، وغيره من كتب الأدعية.
تتابع الرواية كلام الإمام الصادق(ع)، حول ما يُعمل بعد الدّعاء: "ثمّ اسجدي على الأرض وعفّري خدّيك، وقولي: اللهم لك سجدتُ وبك آمنتُ، فارحم ذلّي وفاقتي واجتهادي وتضرّعي ومَسْكنتي وفقري إليك يا رب. واجتهدي أن تسح عيناك ولو بقدر رأس الذبابة دموعاً، فإنّ ذلك علامة الإجابة".
ولا ينحصر وقت عمل الاستفتاح بمنتصف رجب، وإن كان ذلك موسمه الأساس، الذي ورد فيه.
تقول أم داود: سألت الإمام الصادق(ع): يا سيدي، أيُدعى بهذا الدعاء في غير رجب؟ قال: نعم، يوم عرفة، وإن وافق ذلك يوم الجمعة لم يفرغ صاحبه منه حتى يغفر الله له، وفي كل شهر إذا أراد ذلك صام الأيام البيض ودعا به في آخرها كما وصفتُ.
أضاف السيّد: وفي روايتين: قال: نعم في يوم عرفة، وفي كلّ يوم دعا، فإنّ الله يُجيب إن شاء الله تعالى.
ملاحظة: قال السيد ابن طاووس: "قال شيخنا المفيد: إذا لم تُحسن قراءة السُور المخصوصة في يوم النصف من رجب، أو لم تُطق قراءة ذلك، فلتقرأ الحمد مائة مرة، وآية الكرسي عشر مرات، ثمّ تقرأ الإخلاص ألف مرة".
أضاف السيّد: "وأقول: ورأيت في بعض الروايات –ويحتمل أن يكون ذلك لأهل الضرورات أو من يكون على حال سفر أو في شيء من المهمّات- فيجزيه قراءة قل هو الله أحد، مائة مرة".
المصادر:
1- مجلة شعائر، العدد: 26.
2- موقع رافد.
إعداد: موقع ممهدات.
اترك تعليق