مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

لبنانيّات

لبنانيّات "محاصرات" في غزة: مشاكل اللبنانيات في غزة لا تقتصر فقط على تأشيرة الدخول لأبنائهن

عشرات اللبنانيات دخلن غزة بعد اتفاق أوسلو عام 1994. ليس هناك إحصائيات رسمية لهن في وزارة الداخلية لكون الكثيرات دخلن بوثيقة سفر مصرية خاصة بالفلسطينيين. لكن هؤلاء يعشن إضافة إلى الحصار تعقيدات متفرقة في الأوراق الرسمية لبلدهن الأم.
تقلب اللبنانية آمال الصغير صفحات جواز سفرها صفحة تلو أخرى، تتأمل شجرة الأرز المحفورة على غلافه مرات ومرات، ويذهب بها خيالها من حدود غزة المحاصرة إلى جنوب لبنان، حيث بلدتها وإخوتها وأخواتها. تلقي بجواز السفر جانباً لتقول «لا قيمة لهذا الجواز، أنا لبنانية بالاسم فقط. لا الدولة ولا الحكومة ولا الأمن العام اللبناني يعترف بي كمواطنة لي حقوق ومطالب».
وتتابع أمال "منذ دخولي قطاع غزة عام 1994 لم أر أهلي إلا مرة واحدة قبل 9 سنوات عن طريق جمعية الصداقة الفلسطينية اللبنانية. قدمت أوراقي وحصلت على تأشيرة دخول لمدة 15 يوماً إلى بلدي كلفتني150 دولاراً! ومنذ أربع سنوات وأنا أحاول دخول لبنان مع أولادي، لكن الأمن العام يرفض طلب أبنائي".
وتؤكد آمال إنها قدمت أربع مرات للأمن العام جميع الأوراق اللازمة من جواز سفر وهوية وعدم ممانعة (وهي ورقة تعطيها وزارة الداخلية الفلسطينية وموجهة إلى الأمن العام اللبناني)، لكن الأمن العام طلب منها أن تعقد قرانها من جديد في غزة، وترسل لهم وثيقة الزواج الغزاوية لكونها غير مسجلة بأنها متزوجة في بلدها. "تزوجت مرة أخرى وأنا أعيش مع زوجي. أرسلت لهم وثيقة الزواج وانتظرت بفارغ الصبر صدور الفيزا، لكن صدمتي كانت أنّ الأمن العام رفض الطلب للمرة الرابعة، تقدمت بطلب استرحام، لكن دولتي لم تسمح بدخولي مع أولادي".
وتضيف الصغير "ثم طلب مني الأمن العام، لمساعدتي، تقريراً طبياً يفيد بأنني مريضة وأحتاج إلى ابني كمرافق، رفضت لأني شعرت بالإهانة، فمرة يريدني الأمن العام أن أتزوج زوجي مرة ثانية، وأخرى يريدني أن أقوم بتزوير تقارير طبية! في حين إن الفلسطينية اللبنانية (المتزوجة بلبناني) تدخل لبنان هي وأولادها بكل احترم ودون أية صعوبات".
ويستغرب ابنها حسين ما يصفه بـ"المعاملة السيئة" من قبل الأمن العام اللبناني "أمي لبنانية الأصل. ما في أي قوانين أو أعراف دولية بتمنع ابن المواطنة من أن يدخل مع أمه بلدها ويشوف أقاربه وأخواله، هذا احتقار لنا، لقد انتظرنا أنا وأمي 4 سنوات على أمل الحصول على الفيزا، وللأسف لم نحصل عليها، وغيرنا يحصل عليها خلال أسبوع واحد، لا نعلم هل الأمر يحتاج إلى واسطة أو ماذا؟".
ناريمان علوش، هي الأخرى دخلت الأراضي الفلسطينية عام 1994 مع زوجها وأبنائها بتصريح زيارة، ولم تحصل على الهوية الفلسطينية إلا في عام 2008، وفور صدور هويتها وجواز السفر قدمت للأمن العام في بيروت جميع الأوراق اللازمة لها ولابنتها وابنها، حصلت هي على الفيزا، وتم رفض طلب أبنائها، قدمت شقيقتها طلب استرحام وتم رفضه أيضا".
تقول ناريمان: "والدتي توفيت وأنا في غزة، أردت أن أرى أهلي بعد طول غياب، ولا استطيع تحمل تعب السفر والانتظار في المعابر وحدي. أحتاج إلى أن يرافقني أحد، فقررت أن آخذ أبنائي إلى سوريا، وهناك اتصلت بالسفارة اللبنانية في دمشق لمساعدتي وكان الجواب: أولادك فلسطينيون لا يستطيعون دخول الأراضي اللبنانية، لا أدري هل ارتكبت جرماً بزواجي بفلسطيني وإنجاب أبناء فلسطينيين؟".
وتتساءل ناريمان هل تتم معاملة أبناء اللبنانيات المتزوجات من جنسيات أخرى معاملة أبنائنا نفسها؟ ولماذا يعامل الفلسطيني اللبناني معاملة أخرى؟
صديقتها، كاملة أبو زيد، من الجنوب أيضاً. تشاركها الأسئلة نفسها.
تقول كاملة "زرت لبنان مرة واحدة عام 2000 عن طريق جمعية الصداقة الفلسطينية اللبنانية، فهي كانت تقدم لنا تأشيرات دخول بـ 150 دولاراً، كنت أقول لهم أنا لبنانية، ومعي إخراج قيد لبناني. لا أحتاج إلى تأشيرة ودفع هذا المبلغ، لكن كان جوابهم إن هذا المبلغ هو للأمن العام اللبناني وليس للجمعية".
وتضيف أبو زيد "مشاكلنا نحن اللبنانيات في غزة لا تقتصر فقط على تأشيرة الدخول لأبنائنا. الكثيرات منا حتى الآن غير متزوجات في الدوائر الرسمية اللبنانية! كنا نعقد القران في القرى، وحتى الآن نحن في الأوراق الرسمية من جواز سفر وإخراج قيد مسجلات غير متزوجات".
يقولون لنا إنّ أم محمد، صديقتهن أيضا، عادت من بيروت قبل يومين. نقصدها للاستفسار عن طريقة ذهابها وإيابها، فتقول "لا أملك جواز سفر لبناني. كل ما لدي هنا في غزة هوية لبنانية وإخراج قيد، لذلك قدمت أوراقي للأمن العام وحصلت على الفيزا أنا وابني دون أية صعوبات تذكر، قدمت الأوراق وبعد خمسة أيام حصلت عليها، بكفالة من أخي الموظف في الأمن العام، لكن عند وصولي إلى مطار بيروت، وضعت هويتي اللبنانية مع جواز السلطة حتى لا أضطر إلى التجديد، فتم تأخيري ساعة كاملة في المطار".
إنعام القادري، من الرفيد أيضاً، لم تجد أية صعوبات في الحصول على تأشيرة لابنها. تقول إنعام: "قدّم شقيقي الأوراق اللازمة للأمن العام وحصل ابني على التأشيرة بسرعة، وبعد أيام من وصولنا قدم ابني شهادته الجامعية وطلب إقامة دراسة، منحه الأمن العام إقامة لمدة ستة أشهر".
وكانت جمعية تطلق على نفسها اسم "جمعية الصداقة الفلسطينية اللبنانية" رئيسها صالح النعراني، تقدم لهن وللفلسطينيات اللبنانيات المقيمات في غزة "المساعدة" في الحصول على التأشيرة اللبنانية لهن ولأبنائهن، وذلك مقابل مبلغ 150 دولاراً لكل شخص، ولم يتسنّ لنا الحصول على معلومات وافية عن طبيعة عمل هذه الجمعية والجهة اللبنانية التي تنسق معها للمساعدة في الحصول على الفيزا، سوى معلومات تقول إن وزيراً سابقاً، والمسؤول الفلسطيني سلطان أبو العينين هما الجهة التي كانت تقدم المساعدة لهذه الجمعية. وقد أغلقت الجمعية بعد الحسم العسكري في غزة وسيطرة حركة حماس على القطاع. واليوم يقيم سلطان أبو العينين في رام الله. ولقد حاولنا الاتصال بكل من النعراني في الدانمارك وأبو العينين في رام الله دون نتيجة، حيث إن أصدقاء الأول الذين ينزل عندهم في الدانمارك وعدونا بأن يعاود الاتصال بنا دون نتيجة. أما أبو العينين فقيل لنا تارة أنه في لبنان ورقمه لا يعمل) وتارة في فلسطين (ورقمه مقفل).
واتصلنا بالعميد منير عقيقي في الأمن العام، وسألناه عن الإجراءات المتبعة مع اللبنانيات المقيمات في غزة من أجل دخول لبنان، فأبدى دهشته من قولهن إنهن يدفعن 150 دولاراً ثمن تأشيرة إلى لبنان! "فاللبنانية واللبناني لا يحتاجان إلى فيزا لدخول بلدهما، أما إذا كنّ مزودات بوثيقة فلسطينية أو أي جنسية ثانية بحكم الزواج، فيستطعن إبراز هوياتهن اللبنانية، إلى جانب وثيقة السفر الأجنبية، فيدخلن بفيزا توضع على المطار، معفية من الرسوم". وماذا عن عائلاتهن؟ يقول "يجري عليهم ما يجري على كل الأجانب، أي أنهم بحاجة إلى فيزا. ولذلك عليهم التزود بدعوة من هنا، عبر سفارة السلطة الفلسطينية، وصور عن وثيقة السفر، إضافة إلى رسم 25 ألف ليرة فقط لا غير لإقامة مدتها 15 يوماً، و50 ألفاً لإقامة شهر قابلة للتمديد، شرط أن لا يكونوا مطلوبين جنائياً أو أمنياً، ويجب أن تتوفر الموافقة على الدعوة قبل استقلال الطائرة لأن شركات الطيران لديها تعليمات بمنع الصعود إلى الطائرة للأشخاص الذين ليست لديهم هذه الموافقة، وعندما يصلون إلى بيروت، يؤشر لهم على الوثيقة".
أكثر ما يعزّ على لبنانيات غزة، حين تسألهن، هو إهمال الحكومة اللبنانية لهن، وخصوصاً خلال فترة العدوان الإسرائيلي على غزة عام 2007. يومها، حين طلبت جميع الدول العربية والأجنبية من منظمة الصليب الأحمر الدولي إخراج مواطنيهم من القطاع المتحول إلى جحيم للمدنيين، لم تلق الدولة اللبنانية بالاً إلى مصيرهن، هكذا، بقين هناك تماماً كأهل غزة، حبيسات الحصار الإسرائيلي وعدوانه من جهة وإهمال الحكومة اللبنانية واستهتارها بحقوقهن من جهة أخرى.

المصدر: جريدة الأخبار.


الآراء الواردة في هذا المقال لا تُعبّر بالضرورة عن رأي الموقع.

التعليقات (0)

اترك تعليق