مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

احتفالات مولد السيدة زينب بالقاهرة

احتفالات مولد السيدة زينب بالقاهرة

تأتي احتفالات الشعب المصري وخاصة أتباع الطرق الصوفية، بمولد السيدة زينب تزامنا مع الاحتفالات بليلة الإسراء والمعراج؛ وتذكيرا بسيرتها العطرة، وزهدها في الدنيا، ونضالها وجهادها من أجل نصرة الإسلام والمسلمين، وليكون الإقتداء بسيرتها وسيرة جدها المصطفي(ص) طريقا ينير للبشرية طريق الخير والحرية والسلام.
وسط الأجواء المشحونة التي تشهدها القاهرة حول الأوضاع السياسية الملتهبة، شهد حي السيدة زينب(ع)، بوسط القاهرة يوم الثلاثاء الماضي، انتشار آلاف السرادقات التي تضم الملايين من مريدي ومحبي الطرق الصوفية للاحتفال بمولد حفيدة الرسول(ص) وسط أناشيد المدح النبوي وقراءة القرآن والأوراد؛ فيما ارتفعت إيقاعات الطبول والدفوف مع شدو المنشدين.

كما أقيمت مئات السرادقات لخدمة زوار الاحتفال الذين جاؤوا من مختلف محافظات مصر، وذلك بتقديم الطعام والشراب، وعلى باب المسجد وُزٍّعت الحلوي على الزوار، وأمام المقام الأخضر التف أبناء العصبة الهاشمية التي تخصصت في كل الموالد بقراءة قصائد المدح للرسول الكريم وآل بيته وسط بكاء الحاضرين الذين أمسكوا بقضبان الضريح يبتهلون.

لقد وضعت الصديقة فاطمة الزهراء(ع) وليدتها المباركة التي لم تولد مثلها امرأة في الإسلام إيماناً وشرفاً وطهارةً وعفةً وجهاداً، وقد استقبلها آل البيت وسائر الصحابة بمزيد من الابتهاج والفرح والسرور، وأجرى الإمام أمير المؤمنين علي(ع) وليدته المراسيم الشرعية، فأذّن في أذنها اليمنى، وأقام الصلاة في اليسرى، فكان ذلك أول صوت قرع سمعها، وهذه الكلمات أنشودة الأنبياء، وجوهر القيم العظيمة في الأكوان، وانطبعت هذه الأنشودة في أعماق قلب حفيدة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فصارت عنصراً من عناصرها، ومقوماً من مقوماتها.

وحينما علم النبي(ص) بهذه المولودة المباركة سارع إلى بيت بضعته، فأخذها وضمها إلى صدره، وجعل يوسعها تقبيلاً، وبهرت سيدة النساء فاطمة عليها السلام من بكاء أبيها، فانبرت قائلة: "ما يبكيك يا أبتي، لا أبكى الله لك عيناً ؟... " فأجابها بصوت خافت حزين النبرات: "يا فاطمة، اعلمي أنّ هذه البنت بعدي وبعدك سوف تنصبّ عليها المصائب والرزايا ..."، لقد علم النبي(ص)، ما يجري على حفيدته من الرزايا القاصمة التي تذوب من هولها الجبال، وسوف تمتحن بما لم تمتحن به أيّ سيدة من بنات حواء، وأقبل سلمان الفارسي التابع المخلص للأسرة النبوية، يهنئ الإمام أمير المؤمنين عليه السلام بوليدته المباركة، وهو يتحدث عما تعانيه ابنته من المآسي والخطوب، وشارك سلمان أهل البيت في آلامهم وأحزانهم.

وحملت زهراء الرسول(ص) وليدتها المباركة إلى الإمام فأخذها وجعل يقبلها، والتفتت إليه فقالت له: "سمّ هذه المولودة... " فأجابها الإمام بأدب وتواضع: "ما كنت لأسبق رسول الله(ص)...، وعرض الإمام على النبي(ص) أن يسميها، فقال: "ما كنت لأسبق ربّي..."، وهبط رسول السماء على النبي(ص)، فقال له: "سمّ هذه المولودة زينب، فقد اختار الله لها هذا الاسم..."، وأخبره بما تعانيه حفيدته من أهوال الخطوب والكوارث فأغرق هو وأهل البيت في البكاء.

وكُنّيت الصديقة الطاهرة زينب بـ (أم كلثوم)، وقيل: "إنها تكنى بـ (أم الحسن)"، أما ألقابها فإنها تنمّ عن صفاتها الكريمة، ونزعاتها الشريفة وهي: "العقيلة"، أي المرأة الكريمة على قومها، والعزيزة في بيتها، والسيدة زينب أفضل امرأة، وأشرف سيدة في دنيا العرب والإسلام، وكان هذا اللقب وساماً لذريتها فكانوا يلقبون بـ (بني العقيلة).

وحفيدة الرسول(ص) من العالمات في الأسرة النبوية، فكانت مرجعاً للسيدات من نساء المسلمين يرجعن إليها في شؤونهن الدينية. وكانت السيدة زينب من عابدات نساء المسلمين، فلم تترك نافلة من النوافل الإسلامية إلا أتت بها. ويقول بعض الرواة: (إنّها صلّت النوافل في أقسى ليلة وأمرّها وهي ليلة الحادي عشر من المحرم).

وهي أكمل امرأة في الإسلام بعد أمها وجدتها خديجة في فضلها وعفتها وطهارتها من الرجس والزيغ، وهي من أفضل نساء المسلمين في جهادها وخدمتها للإسلام، وبلائها في سبيل الله.

لقد كان عبد الله بن جعفر بن أبي طالب فذاً من أفذاذ الإسلام وسيداً من سادات بني هاشم، وكان يسمى (بحر الجود)، ورزق هذا السيد الجليل من الحوراء زينب عليها السلام كوكبة من الأعلام: عون، محمد (وقد استشهد في يوم عاشوراء مع أخيه عون)، عباس، علي الزينبي، السيدة أم كلثوم وقد زوّجها الإمام الحسين عليه السلام من ابن عمها القاسم بن محمد بن جعفر.

من أبرز فضائلها النفسية وكمالاتها الأخلاقية زهدها في الدنيا فقد نبذت جميع زينتها ومباهجها مقتدية بأبيها(ع)، ومقتدية بأمها سيدة نساء العالمين زهراء الرسول(ص). فقد كانت فيما رواه المؤرخون لا تملك في دارها سوى حصير من سعف النخيل، وجلد شاة، وكانت تلبس الكساء من صوف الإبل وتطحن بيدها الشعير، إلى غير ذلك من صنوف الزهد والإعراض عن الدنيا.

وقد تأثرت عقيلة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بهذه الروح الكريمة فزهدت في جميع مظاهر الدنيا، وكان من زهدها أنها ما ادخرت شيئاً من يومها لغدها حسبما رواه عنها الإمام زين العابدين عليه السلام.

فقد علمت أن أخاها سيستشهد في كربلاء وقد أخبرها بذلك أبوها، فصحبته وتركت زوجها الذي كان يرفل بيته بالنعيم، ومتع الحياة؛ حيث عد من أغنى أغنياء العرب لكنها رفضت ذلك كله وآثرت القيام مع أخيها لنصرة الإسلام والذبّ عن مبادئه وقيمه، وهي على علم بما تشاهده من مصرع أخيها، وما يجري عليها بالذات من الأسر والذل، لقد قدمت على ذلك خدمة لدين الله تعالى.

ولم تمكث العقيلة بعد كارثة كربلاء إلاّ زمناً قليلاً حتى تناهبت الأمراض جسمها، وصارت شبحاً لا تقوى حتى على الكلام، ولازمت الفراش وهي تعاني آلام المرض، وقد وافتها المنية ولسانها يلهج بذكر الله وتلاوة كتابه. وقد صعدت روحها الطاهرة إلى السماء كأسمى روح صعدت إلى الله تحفها ملائكة الرحمن، وتستقبلها أنبياء الله، وانتقلت العقيلة إلى جوار الله تعالى على أرجح الأقوال يوم الأحد لأربع عشرة مضين من شهر رجب سنة ٦٢ هجرية، وقد آن لقلبها الذي مزقته الكوارث أن يسكن ولجسمها المعذب أن يستريح.
 

المصدر: وكالة أنباء التقريب.

التعليقات (0)

اترك تعليق