كلمة أمين عام حزب الله السيّد حسن نصر الله في إفطار عام 2003
الكلمة التي ألقاها أمين عام حزب الله حجة الإسلام والمسلمين السيد حسن نصر الله، في إفطار الجمعية النسائية للتكافل الاجتماعي للعام 2003
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ونبيِّنا وشفيع ذنوبنا أبي القاسم محمد ابن عبد الله وعلى آله الطيبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين وعلى جميع الشهداء والمجاهدين في سبيل الله، منذ آدم إلى قيام يوم الدين. والسلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته.
يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه المجيد ﴿ليس البِرَ أن تُولّوا وجُوهَكم قِبَلَ المَشْرِقِ والمَغْرِبِ ولكِنَّ البِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ واليومِ الآخرِ والمَلائكةِ والكِتابِ والنَبِيينَ وآتى المالَ على حُبِّهِ ذوي القُرْبَى واليتامَى وابن السبيلِ والسائلين وفي الرقاب، وأَقامَ الصلاةَ وآتى الزكاةَ والموفونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا والصَابِرينَ في البَأْسَاءِ والضراءِ وَحِينَ البَأْسِ أُولئِكَ الذينَ صَدَقُوا وَأولئِكَ هُمُ المُتَقون﴾ صدق الله العلي العظيم.
في شهر الله سبحانه وتعالى، في ضيافة الله ومن جملة العناوين والقضايا التي تواجهنا، هي قضية المسؤولية عندما يعود كل فرد منّا إلى نفسه ويتساءل ويسأل نفسه هل أنا في هذه الحياة التي أعيشها في هذه السنة التي اقضيها في هذه الدنيا هل أنا مسؤول أم أني متروك سداً؟ ﴿أيُحْسَبُ الإنْسانُ أن يُترَكَ سُداً﴾.
هل نحن مخلوقون مُهملون في هذه الحياة أم أننا نتحمل المسؤولية بمعزل عن طبيعة وحجم هذه المسؤولية، أعني هل نحن متروكون للامبالاة، هل نحن معنيون أن نُفَتش عن أشخاصنا وذواتنا وشهواتنا وغرائزنا وأهوائنا الشخصية، أم أننا في هذه الحياة أيضاً نتحمل مسؤوليات أمام الله سبحانه وتعالى وهذه المسؤوليات وهذه المهام وهذه الوظائف سوف نُسأل عنها في الدنيا وسوف نُسْأل عنها في الآخرة، سوف نسأل عنها في الدنيا أمام ضميرنا وأمام قِيَمنا وأمام شعبنا وأمام الناس وأمام الله وسوف نسأل عنها يوم القيامة بين يدي الله.
مما لا شك فيه أننا مسؤولون، ولا يستطيع أي واحد منّا أن يدعي أنه متروك ومهمل، ولم يسأل لا في الدنيا ولا في الآخرة وأن كل واحد منّا يستطيع أن يعيش على مزاجه وأهوائه دون أن يراقب ويراعي شؤون الآخرين الذين يعيش معهم. وأننا مسؤولون بمنطق كل الديانات، بمنطق كل الأنبياء والرسل، بمنطق العقل الإنساني والفطرة الإنسانية والقيم الإنسانية، نطل على مجتمعنا وعلى منطقتنا لنجد أمامنا كمَّاً هائلاً من المصائب والمآسي والآلام التي نعاني منها نحن ويعاني منها الناس وتعاني منها شعوب هذه المنطقة، لو أردنا أن نقف الآن لنحصي ونعد عناوين هذه المصائب والمشاكل، هذه المآسي لطال بنا المقام على كل صعيد. على صعيد الاحتلال الإسرائيلي، على المستوى السياسي على المستوى الاجتماعي والاقتصادي والمعيشي على كل المستويات. نشعر أننا نواجه مشاكل ضخمة وكبيرة.
أمام هذه المشاكل الضخمة والكبيرة لو أخذنا عنوانا واحدا هو عنوان الوضع الاجتماعي والمعيشي أو عنوان الفقر وما يؤدي إليه الفقر من آثار ونتائج وتداعيات هذه الحالة الاجتماعية الخطرة. مع الفقر نتجه إلى الأمية إلى الجهل. يحاول هؤلاء الفقراء أمام الواقع الضاغط والصعب أن يهربوا من واقعهم إلى المخدرات إلى اللصوصية إلى الجريمة إلى القتل إلى العلاقات الغير مشروعة إلى الفساد الذي لا حدود له.
كلنا يعرف أن الفقر باب للكثير من المآسي والمصائب والكوارث التي تحل بأي مجتمع من المجتمعات لو أخذنا هذا العنوان فقط فكيف إذا جمعنا إليه عناوين وقضايا وهموم أخرى كبيرة يجب أن نواجهها أمام هذه الأوضاع التي إن لم نكن جزءاً منها، إذا لم أكن أنا أو تكونين أنت جزءاً من هذه الحالة الصعبة إذا لم نكن نحن كأشخاص نعيش هذه الآلام نعاني منها بشكل مباشر تلحق بنا وتظهر علينا آثارها ونتائجها ولكن مما لا شك فيه أن مجتمعنا الذي نعيش فيه يعاني ويتألم ويصرخ ويضج من شدة الألم على هذا الصعيد. هل نترك مجتمعنا هذا لآلامه ونطمر رأسنا في التراب ونقول أن الدنيا بألف خير لأنني أنا بخير، هذه قمة الأنانية والإنسان الأناني خاضع لهذا الجانب الحيواني في كيانه وفي وجوده وهو خارج من قيَمِه الإنسانية في الحقيقة وبكلمة مختصرة يجب أن نواجه هذه المشكلات بروح مسؤولة.
إذاً عندما نأتي لنواجه هذه الأوضاع وهذه المشاكل وهذه المعاناة بروح مسؤولة، هناك توزيع للمسؤوليات هذا مما لا شك فيه بالدرجة الأولى في أي وطن في أي مجتمع، في أي بلد، هناك دولة يجب أن تتحمل المسؤولية في كل العناويين، الدولة مسؤولة عن السيادة وعن استعادة الأراضي المحتلة. وعن تحقيق الأمن والاستقرار ومعالجة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية وعن تأمين الحريات، وعن.. وعن...
هذه مسؤولية دولة ومؤسسات دولة ويجب أن ترسم الدولة سياساتها وتضع برامجها لتحقيق وإنجاز هذه الأهداف ومعالجة هذه المشكلات.
أنا اليوم لا أريد أن أتكلم كثيراً عن الدولة سأوفر لهم الراحة اليوم. هذه الدولة هي المسؤولة بالدرجة الأولى لكن عندما نواجه دولة مُقصِّرة في تحمل مسؤولياتها لا تقوم بما يجب عليها من وظائف. دولة تهتم بوضع الضرائب وجبايتها أكثر مما تهتم بمعالجة جوع وآلام وحاجة الفقراء والمساكين والمعوزين في هذا البلد، من الطبيعي هنا أن تكون هناك مسؤولية على شعب هذا المجتمع مقابل هذه الدولة وهو الضغط عليها لتتحمل المسؤولية وممارسة كل الأشكال المشروعة من أجل أن تعود هذه الدولة إلى صوابها والى الطريق الصحيح الذي يمكن أن يساهم في معالجة هذه الأزمات لكن هل نقف هنا؟ هذا ما أريد التوصل إليه. كما أن الدولة مسؤولة، الناس مسؤولون، نحن مسؤولون لو قامت الدولة بواجبها على صعيد عدد من القضايا تسقط مسؤوليتنا اتجاه هذه القضايا، لكن لو قصّرت الدولة ولم تقم بواجبها فهل تسقط مسؤوليتنا نحن؟ أعني عندما أكون أنا قادراً على مساعدة بعض أطفال الفقراء في الدخول إلى المدارس على بداية العام الدراسي، أنا قادر على أن أفعل ذلك هل يجوز لي أن أقف وأقول الدولة يجب أن تؤمِّن المقعد الدراسي لأطفال الفقراء وأنا لا أتحمل أي مسؤولية لا وأنا هنا أقول هذا هو منطق الدين هذا ما جاء به أنبياء الله ورسله هذا هو منطق العقل وهذا هو منطق كل ديانات السماء. منطق الفطرة الإنسانية هذا لا يجوز أن يكون فيه أي نقاش نعم يمكن للبعض أن يركز وخصوصاً القوى السياسية قد آتي كسياسي أو كقوة سياسية وأقول أن الطريق الصحيح هو تغيير السلطة أو تغيير النظام أو إصلاح مؤسسات الدولة حتى تتحمّل الدولة مسؤولياتها ونحن لسنا مسؤولين عن أي شيء آخر هذا خطأ يجب أن نعمل لتغيير النظام أو إصلاح النظام أو دفع الدولة لتتحمل مسؤولياتها.
ولكن إلى جانب هذا يجب أن ننظر إلى قدراتنا وإمكاناتنا وطاقاتنا وجهودنا هل نستطيع نحن كشعب كأهل كأناس أن نبادر ونتعاون ونتكامل فيما بيننا ونساهم في تخفيف هذه الآلام والمعاناة ومعالجة ولو بعض الجوانب من هذه المشكلات التي يعاني منها مجتمعنا. هنا تأتي مسؤوليتنا الحقيقية أعني في هذا الإطار بالتحديد مسؤولون، مسؤولون أمام الله سبحانه وتعالى. الأنبياء والرسل في الوقت الذي كانوا يواجهون فيه الطواغيت والظالمين في الوقت الذي كانوا فيه مشغولين بدعوة الناس إلى التوحيد وعبادة الله عز وجل، كانوا يبذلون قصارى جهدهم في خدمة الفقراء والمساكين والمرضى ومعالجة أمراضهم وآلامهم ومد يد العون، ومحو الأمية وتعليم الناس وإخراج الناس من الظلمات إلى النور وما شاكل لم يكن عمل السيد المسيح في إبراء الأعمى الذي ولد أعمى ومعالجة الأبرص والمرض فقط من باب المعجزة، وإنما كان ينطلق من خلفية إنسانية وأخلاقية لأن هؤلاء الناس كانوا بحاجة إلى المساعدة وكان يستطيع هو بما أعطاه الله سبحانه وتعالى من قدرة في هذا المجال أن يساعدهم لم تكن المسألة فقط لإثبات المعجزة وإنما كانت لها أيضاً منطلقاتها الإنسانية. انظروا حتى الأئمة(ع) عندما كانوا في موقع الحكم والسلطة مثلاً أمير المؤمنين على ابن أبي طالب(ع) في الكوفة عندما كان يجن الليل كان يجمع هو شخصياً ولوحده يجمع المال والخبز والتمر طبعاً في تلك الأيام هذا هو الموجود ويضعه في كيس كبير ويحمله على ظهره ويلقي اللثام على وجهه ويطوف في وسط الليل على بيوت الفقراء والمساكين والأيتام والمعوزين ليوزع عليهم ما جمَعه من مال وطعام دون أن يعرفوا وبقي على هذا الأمر سنوات، ولم يعرف أهل الكوفة هذا الذي يحمل إليهم الخبز في وسط الليل إلاَّ بعد شهادة علي ابن أبي طالب(ع) وهو الذي كان مشغولاً بالحرب وإدارة شؤون الدولة المترامية الأطراف وكان يواجه الكثير من التحديات السياسية والعسكرية والأمنية في الداخل والكثير من المشكلات إلا أن كل هذه الهموم لم تصرف علِيَّاً في أي ليلة من الليالي من أن يحمل المال والطعام والخبز والتمر للأيتام علّه بذلك يسد جانباً من جوعهم ومن حاجتهم ويخفف جانباً من آلامهم والمعاناة.
من هنا نؤكد في المسار العام أنه في الوقت الذي يجب أن نقوم فيه بعمل سياسي للضغط على السلطة لتتحمل مسؤولياتها ولا تدير ظهرها لهذه المشكلات والأزمات إلى جانب هذا وعلى الخط الموازي تماماً يجب أن نجلس لنفكر نحن ماذا يمكننا أن نفعل وبالتأكيد نحن أعني الناس الشعب اللبناني بفئاته واتجاهاته وشرائحه المختلفة يستطيع أن يفعل الكثير، بين أيدينا نموذج لهذه الذهنية وبين أيدينا نموذج لهذا المنطق.
من أخطر ما واجهه لبنان في خلال العقد الماضي أو هذين العقدين كان خطر الاحتلال الإسرائيلي الكبير الذي اجتاح جزءاً مهماً من الأراضي اللبنانية عام 1982 بعد الاجتياح الإسرائيلي. الدولة لم تتحمل مسؤولية تحرير الأرض وأن النظام السياسي حينها كان متعاوناً مع الاحتلال وخاضعاً للاحتلال ومفروضاً من قِبَل الاحتلال الدولة لم تتحمل أي مسؤولية على هذا الصعيد، ولكن لو جلس أبناء هذا الشعب في بيوتهم وقالوا أن قضية التحرير هي مسؤولية الدولة لا يعنينا هذا الأمر بشيء، أين كنَّا اليوم كنَّا ما زلنا تحت الاحتلال الإسرائيلي للجنوب والبقاع الغربي وجزء كبير من لبنان والعاصمة وضواحيها إن لم يمتد هذا الاحتلال إلى بقية الجبل والبقاع والشمال ليصبح كله تحت الاحتلال. في ذاك الوقت قامت فئات ومجموعات من أبناء الشعب اللبناني وتحملت المسؤولية وقالت نحن نريد أن نسترجع ترابنا.. أرضنا.. وطننا.. وحريتنا من هذا العدو. أهم وأعظم ما كنا نملكه في ذلك الحين وما زلنا نملكه حتى الآن هو الإرادة وإلا يومها كان ممكن أن نجلس لنتكلم كما نتكلم اليوم لنحل مشاكلنا الاقتصادية والاجتماعية يجب أن نقترض كذا مليار دولار، ولكن يومها كان النقاش هل نستطيع نحن أن نطرد هذا العدو من أرضنا وهو الذي يملك أقوى جيش في هذه المنطقة، أقوى سلاح جو، وهو الذي في حوزته أكثر الأسلحة تطوراً وأهم تقنية أمريكية موجودة بين يديه هل نستطيع نحن هذا الجيل من الشباب هذه المجاميع بهذه القوة المتواضعة، نحن الذين لم ندرس في كلية حربية، نحن الذين تركنا الثانويات والجامعات أو حقول الزراعة، أو المصانع وخرجنا من بيوت الفقر والتواضع، نحن هل نستطيع أن نواجه عدواً بهذا المستوى بهذا الحجم، بهذه القوة، بهذه القدرة ونفرض عليه أن يخرج من أرضنا ونهزمه ونذله ونضعه في المأزق كان هذا السؤال سؤالاً كبيراً وكان جواب الأغلبية الساحقة على هذا السؤال بالسلب، ولكن أصحاب الإرادة الذين مشوا في هذا الطريق الحر وضحوا واستشهدوا وتحملوا آلام الأسر وتعذيب السجون وعائلاتهم التي تحملت معهم كل أعباء هذا الطريق وجدنا أن النصر هو أقرب إلينا مما كنَّا نظن أو نتوهم.
أريد أن أؤكد نقطة هي أن اليوم الأمريكي عندما يأتي إلى لبنان ويزور المسؤولين ويطرح مشاريع ، لا لأن الأمريكي استيقظ ضميره، أبداً أصلاً لا يوجد عنده ضمير حتى يستيقظ. فالمسألة ليست أن الأميركي هنا من أجل حقوق الإنسان، من أجل لبنان بلد معذَّب، بلد محتل ويجب أن يحل له مشكلته، إنما هناك ألم إسرائيلي، هناك معاناة إسرائيلية هناك صراخ إسرائيلي نتيجة الاحتلال يعني هناك مأزق إسرائيلي، الأمريكي يجول ويتجول في هذه المنطقة يفتش عن مخرج للمأزق الإسرائيلي وهذا ما نقوله في مناسبات المقاومة، عندما نواجه المحتل علينا أن نقاومه ونوجد له المأزق لا نفتش له عن حل دعوه هو يفتش عن حل.
إذاً نموذج المقاومة هو فخر وعز ونصر للبنان وحريته، هذا النموذج في تحدي كبير جداً وخطير جداً ومصيري إلى أبعد الحدود. لم تتحمل فيه الدولة مسؤوليتها، قام جزء من الشعب اللبناني واحتضنه بقية الشعب في تحمل مسؤولية مواجهة هذا التحدي وصلنا إلى هذه النقطة وهي نقطة عظيمة جداً وجليلة جداً أعني نحن اليوم حتى لو بقي الإسرائيلي على أرضنا ولم يخرج حتى الآن نحن منتصرون بكل المعايير نحن منتصرون.
لو أتينا إلى همومنا الداخلية لنواجهها بهذه الذهنية بهذا العقل وحاولنا أن نعمم هذا النموذج لنقول: إن علينا أن نضع أمامنا المشاكل. الآن إذا أخذنا جانباًَ من هذه المشاكل والقضايا الاجتماعية، لو أخذنا هذا الجانب ودرسنا جيداً وحددنا فيه نقاط الضعف، نقاط القوة، أوجه التحدي أوجه الخلل، طرق الحل، ثم عرفنا وقررنا وشحذنا هممنا وإرادتنا، وقلنا نريد أن نواجه هذا التحدي سواء تحملت الدولة مسؤوليتها أم لم تتحمل وسوف نبقى نضغط على الدولة حتى تتحمل مسؤوليتها بالتأكيد نستطيع أن نفعل شيئاً كبيراً.
حتى المؤسسات والجمعيات الأهلية هي تجربة متقدمة لولا هذه المؤسسات لكان هذا العدد الكبير من الأيتام التي تضمه هذه الجمعيات والمؤسسات اليوم مرميين في الشارع، الكثير من الجمعيات والمؤسسات التي عهدت إلى نفسها مسؤولية كفالة الأيتام، محو الأمية، مساعدة عوائل الفقراء والمساكين، مد يد العون للطلاب في بداية العام الدراسي، مساعدة العائلات للوصول إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي. تأهيل أفراد من أبناء هذه العائلة حتى يتمكنوا من العمل في أي إطار أو في أي دائرة حتى يؤمنوا لأنفسهم العيش الكريم. هذه الجهود تقوم بها الكثير من الجمعيات والمؤسسات في لبنان في مواجهة هذا التحدي، العمل الفردي جيد في كل الحالات، ولكنه غير مجدي يعني لا يحل مشكلة. مثلاً "أنا أملك 200 دولار في بداية شهر رمضان وقدمت 50 دولار إلى هذه العائلة 50 دولار إلى تلك العائلة.. الخ... يعني انتهى الأمر أنا أرحت رأسي، أديت واجبي. العمل الفردي في هذا العصر، في هذه المرحلة هو عمل غير مجدي اليوم ليس العمل الفردي فقط غير مجدي، الأمم حتى تستطيع أن تقف على قدميها تفتش عن اتحادات دول أوروبية، تنظم اتحاد الدول الأوروبية. مجموعة دول آسيوية تنظم إطار اقتصادي حتى تقدر أن تواجه التحديات الاقتصادية.
نحن إذا أردنا أن نستمر في معالجة مشاكلنا ومشاكل مجتمعنا بعقلية فردية. أنه فلان وفلان لا يتفقان فبدل أن يؤسسوا جمعية واحدة يؤسسوا جمعيتين، أو أن فلانة وفلانة لا تتفقان فبدل أن تؤسسا مؤسسة واحدة تؤسسان مؤسستين، والطائفة الفلانية والطائفة الفلانية كل واحدة تختلف حساباتها عن الأخرى فلا يوجد إمكانية للتعاون فيما بينهم، هكذا لا يمكن أن نواجه التحديات. مما لا شك فيه أننا بحاجة إلى أطر التعاون الجماعي. الجمعيات والمؤسسات اليوم في واقعنا الحاضر هي أفضل صيغة لعمل شعبي لمواجهة هذا التحدي كما هو الحال في المقاومة. يعني الآن لو كل اثنين ثلاثة شكلوا مجموعة صغيرة وامتلكوا بندقيتين وذهبوا حتى يقاتلوا إسرائيل هل تصبح مقاومة طبعاً لا، لأن اليوم العدو الإسرائيلي يلزمه إمكانات ويحتاج إلى مستوى فني وإلى مراقبة وتعاون الأجهزة وتعاون مجموعة من المجموعات وتنسيق ميداني ويحتاج... عملية معقدة لذلك عندما تتظافر الجهود نستطيع أن ننتج مقاومة تهزم العدو وتحل مشكلة.
على المستوى الاجتماعي نحن بحاجة إلى هذا الشكل من الإطار اليوم إن قيام جمعيات متخصصة تتوازع الأدوار، وتهتم بشرائح المجتمع المختلفة والمجالات المتنوعة هو اليوم واجب إنساني وأخلاقي وديني ووطني هذا واجب ليس عملاً مستحباً أي أننا قمنا به أم لم نقوم لا يوجد مشكلة. هذا من الواجبات الدينية والإنسانية والأخلاقية والاجتماعية والوطنية اليوم لأن هذه الجمعيات والمؤسسات، أعني هذه الأطر الجماعية هي الوسيلة الوحيدة الممكنة والمتاحة بين أيدي الناس في لبنان للتغلب على مصائبهم ومشكلاتهم. لذا نحن بحاجة إلى تعاون وتنسيق بين هذه الجمعيات والمؤسسات طالما أننا ندعي أن حرصنا وخلفيتنا ودوافعنا هي في خدمة هؤلاء الناس المستضعفين والمساكين في مختلف المناطق ما الذي يمنعنا من التعاون والتكامل والاستفادة من خبرات بعضنا البعض. لا أبدأ أنا من الصفر، أبدأ من حيث انتهى أخي ولا تبدأ هذه المؤسسة من الصفر إنما تبدأ من حيث انتهت المؤسسة الأخرى. وإذا هناك مجال تهتم به واحدة من المؤسسات وهناك مجالات أخرى مهملة، فهنا أعطي الأهمية للمجال المهمل عند تأسيس جمعية جديدة أو مؤسسة جديدة وهكذا هنا لا بد من أن يكون هناك تعاون وثيق جداً.
نحن في لبنان في بلد صحيح هناك تنوع في عدة طوائف، في عدة مذاهب، في عدة اتجاهات سياسية. لكن هل هناك فقر مسلم وفقر مسيحي؟ فقر إسلامي وفقر مسيحي؟ هل هناك جوع إسلامي وجوع مسيحي؟ الفقر فقر والجوع جوع، والأميَّة أميَّة، وألم الإنسان هو ألم الإنسان أعني لا يمكننا أن نأتي نحن في تطييب الآلام والمعاناة والفقر والجوع والجهل وما شاكل، هذه قضية إنسانية، هذه فوق الحواجز المذهبية والطائفية والوطنية والإقليمية والعمومية هذه مسألة إنسانية نشترك فيها جميعاً. وأي إنسان يعيش في أي مكان من آسيا وأوروبا أو ما شاكل.
لذلك عندما نأتي إلى لبنان. نقول نعم يوجد مجتمع متنوع هذا هو قدرنا، هل يوجد عندنا خيار آخر. قدر اللبنانيين أن يعيشوا معاً في هذا الوطن ومسؤوليتهم أن يفتشوا عن قواسم مشتركة فيما بينهم. وبالقواسم المشتركة نجد أمور كثيرة. عندما نفتش عن نقاط الاختلاف بيننا نتساءل ألهذا الحد الاختلاف ولكن لو فتشنا عن النقاط المشتركة لقلنا ألهذه الدرجة نحن متفقين. لكن نحن لم نعتد أن نفتش على نقاط الاشتراك. حتى في الهموم هناك الكثير من الآلام والمعاناة المشتركة نحن معنيون بالبحث عن هذه القواسم المشتركة لنعمل مثلاً في المسألة العامة، المسألة السياسية، تحرير الأرض، الحفاظ على الحريات العامة، العيش المشترك، السلم الأهلي. لبنان لنا جميعاً، لبنان بحاجة إلى دولة مؤسسات هل هناك في لبنان اختلاف بين شخص وآخر في هذه المسألة؟ في الموضوع الاجتماعي، مواجهة الفقر والجهل، الأميَّة، المخدرات، الإباحية الأخلاقية، في المقابل الاهتمام بالأيتام والعجزة، رفع مستوى الإنسان على كل صعيد، إقامة العدل بجميع تفاصيل الحياة. هذه مسائل لا أعتقد أنها موضع اختلاف بين جميع الأفراد في لبنان. إذاً إن كان باستطاعتنا أن نجد فيما بيننا، بين رجالنا ونسائنا وفئاتنا وشرائحنا الشعبية المختلفة بين كل الطوائف، يمكننا أن نجد في أكثر من مجال أكثر من قاسم مشترك. لماذا لا نتعاون في إطار الجمعيات النسائية اللبنانية جميعاً بعيداً عن الحسابات والحواجز الطائفية والمذهبية والمناطقية والسياسية وليكن اهتمامنا في هذا الجانب الإنساني بعيداً عن الكثير من هذه الحسابات الخاطئة.
أخيراً، أريد أن أؤكد على نقطتين في طبيعة العمل الذي تقوم به الجمعيات النسائية خصوصاً في المجال الاجتماعي. النقطة الأولى: الاهتمام بإنسانية هذا الإنسان الذي نمد له يد العون واعلموا جيداً أن في كل الرسالات السماوية، وفي دين كل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، كرامة الإنسان أهم من لقمة الخبز. القرآن الكريم يقول "الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منَّاً ولا أذى"، معنى ذلك ينفقون مالهم في سبيل الله وماذا يعني ذلك؟ أن الله بحاجة إلى أموالنا بالطبع لا، سبيل الله هو سبيل الناس. فقراء، مساكين، محتاجين، أيتام. ثم لا يتبعون ما أنفقوا منَّاً ولا أذى. أن لا يستمروا بالمن على من أنفقوا عليه طيلة السنة ويقولون " لحم أكتافك مِنّا، ثيابك هذه لو لم نلبسك إياها فمن كان سيلبسك إياها" لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون بعد ذلك ماذا يقول الذي يقدم هذا النوع من الصدقات من الأفضل أن لا أقدمه لأنني أملأ بطن جائع طعام وأسحق كرامته وشرفه هذا أمر غير منطقي وغير إنساني وغير مشروع. "قولٌ معروف ومغفرة كلمة طيبة أحسن من صدقة يتبعها أذى والله غني حليم "إذاً النقطة التي أود أن أؤكد عليها في الختام، الحرص على الجانب الإنساني في من نمد له يد العون والمساعدة، أن نحرص على كرامتهم وعلى ماء وجههم ولذلك كان هناك تأكيد كبير في الإسلام على صدقة السر.
ما أهمية صدقة السر؟ تحفظ ماء وجهه نحافظ على كرامته وأفضل المصاديق صدقة السر هو أن أساعد أخاً في الخفاء دون أن يعرف بأنني أنا الذي ساعدته. لماذا هذا الإصرار في الإسلام على هذا الموضوع هو من أجل الحفاظ على إنسانية وكرامة وشرف وماء وجه هذا الفقير أو المسكين أو اليتيم الذي أتصدق عليه وفي هذا الإطار أود أن أؤكد في النقطة الثانية والأخيرة أن خلفية عملنا الاجتماعي والإنساني في هذه المؤسسات وفي هذه الجمعيات يجب أن تكون خلفية إلهية وخلفية إنسانية وخلفية أخلاقية يعني أن لا يتحول آلام الناس ومعاناتهم ومساهمتنا في معالجة المشاكل إلى وسيلة لوصولنا نحن إلى موقع أو مركز أو جاه أو سلطان أو لجمع المال أو للغنى الشخصي هذا يجب أن نحاذر منه كثيراً، يجب أن تكون خلفيتنا هذه الخلفية الإلهية وهذه الخلفية الإنسانية.
بصراحة إذا استطعنا أن ندخل إلى هذه الساحة بروحية اللبنانيين المقاومين، الآن نحن قاعدين ها هنا وبعد قليل نذهب إلى بيوتنا ولكن هناك أعداد كثيرة من الشباب اللبناني المرابط على خطوط المواجهة لماذا هم جالسون هناك؟ ألأنهم يأخذون راتباً يحلون به أزمتهم المعيشية. أبداً أبداً. تاركين مدارسهم وجامعاتهم وتاركين عائلاتهم وجالسين هناك لتعيش وتحيا كل العائلات اللبنانية، هؤلاء في قمة المضحين وبالتالي هم يتجاوزون أنفسهم، أهوائهم، مصالحهم الشخصية ويقدمون هذا المستوى من العطاء لوصلنا هذه الروحية واتينا لنعطي وقتاً من وقتنا ومالاً من مالنا وتعباً من تعبنا وحتى دماًُ من دمنا من أجل أن نساهم في بلسمة جرح روح هنا ومسح دمعة يتيم هناك وإدخال بسمة على وجه فقير هنا أو هناك بالتأكيد سوف نستطيع أن نحد الكثير من المشكلات.
نحن نعتقد أن المقاومة عندما تكون لله .. للشعب تنتصر على عدو يمتلك أقوى سلاح في هذه المنطقة، والعمل الاجتماعي عندما يكون في هذه الروحية سنتمكن بالمال القليل وبالجهد المتواضع وبالإمكانات المحدودة أن ننجز وننجز. لأن ما كان لله ينمو كيف يكون عملنا لله عندما لا نقصد من خلال هذا العمل أي أهداف شخصية، عندما نريد أن نمد يد المساعدة لهذا المحتاج لأنه إنسان نحترم إنسانيته، أخلاقه، قيمته وروحه ونتألم لألمه فنمد له يد المساعدة، هذه مساعدة لله عز وجل بهذه الروح أعتقد أننا نستطيع أن نغير الكثير من واقعنا السيئ وبالتعاون بين جميع الجمعيات النسائية في لبنان والمرأة في هذا المجال أستطيع أن أقول وليس من باب المجاملة أنها الأقدر والأفعل والأشد تأثير في هذه الساحة. هذا التعاون أعتقد أنه سوف يكون باباً للكثير من الخير أن شاء الله.
أتوجه بالشكر الجزيل إلى جميع الأخوات العزيزات العاملات في الجمعية النسائية للتكافل الاجتماعي على جهودهنّ المباركة وسعيهنّ الدؤوب وحرصهنّ الكامل وإخلاصهن الكبير، وأسأل الله تعالى لكُنَّ جميعاً التوفيق.
اترك تعليق