مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

كلمة رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله السيّد هاشم صفي الدين في إفطار عام 2007

كلمة رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله السيّد هاشم صفي الدين في إفطار عام 2007

الكلمة التي ألقاها رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله السيّد هاشم صفي الدين، في حفل الإفطار السنوي الذي أقامته الجمعية النسائية للتكافل الاجتماعي عام 2007

                            

بسم الله الرحمن الرحيم
عندما نتحدث عن عمل خيري نتذكر قول الإمام علي (ع): "إن الله لا تنفعه عبادة من أطاعه, ولا تضره معصية من عصاه".‏
هذه التشريعات ومنها الصوم لمصلحتنا وخدمتنا وخدمة دنيانا وآخرتنا, نسأل الله أن يتقبل أعمالنا ويجعلنا من المستفيدين من هذه الأيام والليالي في سبيل إصلاح أمتنا, فكرت فيما أتحدث عنه في لقاء من هذا النوع مع الأخوات الكريمات ولا ننسى الإخوة الأعزاء ولكن الإفطار مخصص للأخوات الكريمات.‏
حينما نتحدث عن عمل ثقافي إنساني خيري اجتماعي تشارك فيه المرأة بقوة, وكان لها حضور فعّال ومهم طوال السنوات الماضية, وما ينتظرهنّ هو المزيد من المسؤولية بعد أن هدمت المباني المخصصة لهذه الجمعيات, كما الكثير من المباني التي استهدفت بحقد من الكيان الصهيوني المدعوم أميركياً.‏
والمسؤوليات الآتية أيضا كبيرة ومهمة وتحتاج من أي أخت وامرأة أو أي إنسان فاعل في مجتمعنا أن يكون حاضرا في عقيدته وإيمانه ويقينه وإنسانيته وخيره من اجل الاستمرار في هذا الطريق الذي لا يجب أن يتوقف بل يجب أن يزداد قوّة,كما أن المباني سيعاد بناؤها أجمل مما كانت, وهذا وعد وعهد سيتحقق بإذنه تعالى.‏
وبعد هذه الجهود, وبعد هذا الانتصار يجب أن تكون الجهود أكبر وأفضل وأن تكون نتائجها أكثر امتداداً وأكثر عمقاً، ببساطة لأننا انتصرنا انتصاراً تاريخياً، ويجب أن نحصل على كل النتائج الطيبة لهذا الانتصار..‏
فكرت في عنوان الخير، يقول تعالى في سورة الأنبياء بعد أن حدثنا عن عدد من الأنبياء وقصصهم، يصل الأمر إلى قصة النبي زكريا (ع) الذي نعرف قصته. يقول الله تعالى: "وزكريا إذ نادى ربه ربي لا تذرني فرداً وأنت خير الوارثين." كان زكريا (ع) يطلب الولد نتيجة الحرمان والأجواء المعروفة والمدوّنة في التاريخ, نرى أن الله استجاب له, حيث يقول تعالى: "فاستجبنا له ووهبنا له يحي وأصلحنا له زوجه." التي كانت كبيرة في السن ولم تنجب، واقتضت الاستجابة لزكريا(ع).‏
التدخل الإلهي بالقوانين والمعادلات الطبيعية المعروفة, وهذا يعتبر معجزة وكرامة لنبي الله الذي أوجد الإنسان ووهب كل البلدان والذي وهب الطبيعة وقوانينها, ووهب الحياة ومعاملاتها, لأنه قرر أن يستجيب لنبي الله العالم والصادق والمخلص الذي تحمّل في سبيل البشر والنّاس, غيّر الله كل القوانين في سبيل أن يستجيب له وطبعاً في ذلك مصلحة حين تكون مصلحة مطابقة لكل هذا الدعاء والتوجّه.‏
يغيّر الله كل شيء وليس على الله بعزيز.‏
فلا يمكن لإنسان أن ينكر فعل خير لإنسان آخر, بل نتحدّث عن مسار وعن خط وعن نهج وعن رواية.‏
فهل أنت جاهز في سبيل الدفاع عن الخير دائماً في موقع التضحية حتى لو اقتضى هذا الأمر أن تدفع من مالك ووقتك وأن تتحمّل وتتعذب وتتشرّد ويتهدّم بيتك في سبيل وجود عامل الخير في المجتمع؟ هذا هو السؤال الذي يحدد مسار هذا الإنسان.‏
ما نطمح إليه هو أن نصل وبإمكاننا أن نصل ويصل مجتمعنا وأمتنا إلى الخير العميق.‏
الخير الذي نجد أبعاده في كل الاتجاهات وفي كل مكان في التربية والاجتماعيات والثقافة والسياسة.‏
هنا الآية الكريمة: "فاستجبنا له ووهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجه"، "إنّهم كانوا يسارعون في الخيرات", في التفسير يقول بعض العلماء أن هناك علّة , فإن سألت لماذا استجاب الله لزكريا وآتاه يحيى وأصلح له زوجه؟ الجواب يأتي في تتمّة الآية السبب والعلّة: "إنّهم كانوا يسارعون في الخيرات" هذا أولاً, "ويدعوننا رغباً ورهباً" أي يدعون الله في حالة الشوق وفي حالة الرغبة وفي حالة التوجّه وفي حالة الإيمان والعشق الإلهي الذي يعيشونه في قلوبهم, ويدعون الله تعالى رهباً وخوفاً أن لا يصحوا إلى الوعي الإلهي للمؤمنين الأولياء والخلّص خوفاً من أن يعابوا بأية عقوبة أو أي شيء من هذا القبيل.‏
"ويدعوننا رهباً ورغباً", هذا هو السبب الثاني, والسبب الثالث :"وكانوا لنا خاشعين", أي خشوعهم‏ في حالة السجود والركوع والعبادة, في حالة الصلاة والصوم وتلاوة كتاب الله وفي حالة الدعاء. هذا الخشوع لله عزّ وجلّ, وكما يقول في اللغة أيضاً حينما يقدّم كلمة "لنا", "وكانوا لنا خاشعين" ولم تؤخَّر، يعني أن خشوع زكريا وزوجه من الأولياء هو لله عزّ وجلّ فقط, هذا ما تدل عليه الآية.‏
ما أريد أن أصل إليه كخلاصة ونتيجة الأسباب التي توجب الرحمة الإلهية هي أسباب كثيرة، وأكثر من أن تحصى وأن تذكر. إنّ الله تعالى جعل السبل والطرق التي توصل إليه ليرضى عنّا, لكي يساعدنا ويؤيّدنا ولكي يؤازرنا ويجعلنا من المؤمنين والمهتدين, جعل لنا أسباباً كثيرة, من هذه الأسباب هو فعل الخير "إنّهم كانوا يسارعون في الخيرات".‏
النبي زكريا(ع) مع زوجته الكريمة كانوا معروفين في مجتمعهم بالخير والرحمة والبركة, الذين كانوا يتفقدّون الفقراء والذين كانوا يسارعون إلى كل ّخير حتّى لو احتاج هذا الخير إلى تضحية. والخير الذي فيه بركة ومعنى كبير, هو الخير الذي يترافق معه التضحية, أما الخير الذي يكون دون تضحية ودون عناء ودون إحساس بأن الإنسان فقد شيئاً من وقته وماله أو من بعض أوضاعه الاجتماعية, إن لم يتحسس الإنسان بمعنى التضحية, فإنّ هذا الخير سيكون خيراً عادياً وطبيعياً, وهذا متوقع من الإنسان الغنيّ, أمّا الإنسان الفقير فيعضّ على جراحه وألمه والعذاب في حياته والشقاء من أجل أن يبذل مالاً في عين الله تعالى وفي عين الحقيقة, فهو فاعل للخير من النوع الكبير والممتاز جدّاً لأنّه ضحّى وتحمّل.‏
قد يعمل الإنسان خيراً في سبيل أن يصلح أمراً اجتماعيا, لكن هذا الإصلاح أحياناً يحتاج من راحته في سبيل إصلاح المجتمع وفي سبيل أن يسدّ نقصاً, في سبيل أن يلبّي حاجة اجتماعية يمكن للإنسان في حال الرخاء والضعة أن يسد بعض هذه الحوائج الاجتماعية لكن إذا كانت هذه الحاجة أن يضحّي بوقته على حساب وقته الخاص وعلى حساب وقت عائلته وعلى حساب وضعه الاجتماعي الخاصّ وأحياناً بعضها للصلاح, ويبذلون ماء وجوههم من أجل أن يعمّ الخير والصلاح هؤلاء من الفاعلين للخير ومن الذين يضحّون في سبيل أن يكون الخير موجوداً ومستقيماً في المجتمع وبين النّاس.‏
وهكذا في كلّ شأن الخير بحدّ ذاته هو قيمة ممنوحة إنسانياً وتاريخياً وهو من الأمور التي لا تحتاج إلى تعريف, ومن الصعب على أحد أن يأتي ويسأل ما هو تعريف الخير؟‏
الخير هو كل ما سعت إليه الرسالات السماوية وما دعا إليه الأنبياء, وما دعا إليه المصلحون, وما دعا إليه أهل المعرفة وأهل العلم وأهل الصدق والإخلاص.‏
الخير هو ما ندم الناس على تركه, والخير هو ما يقابله الشرّ والسوء.‏
الخير هو كل معنى جميل وجليل وحسن يقوم به الإنسان في سبيل أن يستقيم هو كإنسان وفي سبيل أن تستقيم معه الإنسانية.‏
أيّها الأعزّاء... هذا الخير لا يمكن أن يحصل ما لم يكن له فاعل, والفاعل هو الإنسان.‏
كما نقول في الشّرع أن الحسن يصدر من الإنسان أو من أي شيءآخر من الوجودات العاديّة مثل الرياح الجميلة والنسمات الناعمة, نقول عنها حسن.‏
فهناك عمل حسن يصدر من دون أن يستند لإنسان وهناك عمل حسن يستند إلى إنسان.‏
العمل الذي نراه خيراً مستنداً إلى إنسان مفكر وصاحب إحساس ومشاعر, هذا نطلق عليه اسم إنسان خيّر إنسان يكثر من فعل الخير, وقد يكون من المشهورين بفعل الخير, وقد يكون من الذين يسارعون إلى فعل الخير, "إنهم كانوا يسارعون إلى الخيرات".‏
لا يمكن للإنسان أن يقول إني أصبحت في أحسن حالات الإنسانية والإيمانية والاجتماعية لأني فعلت خيراً واحداً.‏
فالإنسان الذي لا يصدر منه خيراً واحداً فالموت خير له, فبعض النّاس وجوده هو خير له ولزوجته ولأبنائه ولعياله ولأمّه وأبيه ومن معه.‏
ولا يسعى لأن يربح جميلاً بأنه فعل خيراً واحداً, هذا الخير جيّد ومقبول ونمتدحه ولكن ليس كافياً.‏
فالمتوقّع من الإنسان الذي ينشد العلى والوصول إلى المراتب السامية, ويريد الإقتداء بالأنبياء‏
والأولياء والصالحين والعلماء أن عليه أن يسعى, أن يكون من أهل الخير.‏
هناك إنسان يفعل الخير, وهناك إنسان يسعى للخير, ومن منهم من أهل الخير عليهم أن يسعوا لأن يكونوا من السبّاقين لفعل الخيرات كما ذكرت بعض الآيات كما هو حال زكريا (ع), لأصل إلى النتيجة والسؤال: من هو المسارع للخيرات؟‏
طبعاً كل واحد منّا يطمح للوصول إلى هذه الصفة حينما يسمع كلمة خير يستجيب لها حديثاً ومسرعاً, حينما يعرف أن هناك عائلة فقيرة تحتاج إلى مساعدة, يحثّ الخطى لأجل خدمة هذه العائلة, ليس فقط يرفع يديه ويدعو لهذه العائلة الفقيرة, هذا جيّد وهو من عمل الخير, لكن المسارع إلى الخير يحثّ الخطى لأجل سدّ رمق هذه العائلة المحتاجة.‏
أو حينما يجد أحد ما في مجتمعنا نقص ما, فيه ضعف وبعض الأمور التي يفتقدها, عليه أن يسارع إلى بذل الخير.‏
أرى أن الفاصل الذي يفصل بعض الناس عن بعضهم هو هذا المعنى, هو المسارعة إلى الخيرات, الذين ينتمون إلى الخيرات بصدق والأولياء والأنبياء, هم الذين يسارعون إلى الخيرات فلا يكتفون بأنّه من فعل الخير ولا يكتفون بأنهم ممن يقدّمون الخير, بل هم الذين ربّوا أنفسهم ووطّنوا أنفسهم وعرفوا ربّهم, ومن الذين وصلوا إلى مستوى من اليقين والخشوع والإخلاص والتضحية وتحمّل الآلام والعذاب في سبيل أن يكونوا من المسارعين في الخيرات. لذا نجد أن أئمتنا الأطهار كانوا دائماً في مثل هذا الموقع, وأن الرسول (ص) كان في هذا الموقع, وأن الذين يريدون أن يكونوا مثلهم, عليهم أن يحققوا هذا الموقع, هنا لا أتحدّث عن خير لمعنى واحد, بل عن مجتمع مملوء بالخير وفئة مليئة بالخير, وحين يحققون ذلك يكونوا قد وصلوا إلى خير الآخرة وخير الدنيا وعرفوا كيف وصلوا للأنبياء والأئمة حتى في البعد السياسي اليوم حينما تحصل اختلافات سياسية في لبنان وغيره, يأتي البعض ويقول لينتقد فلان وفلان لأنه يعمل الخير, هو ينتمي إلى منبع ومعدن هذا الخير الذي جاء به الأنبياء والرسل والأئمة (ع), لذا نحن نصرّ على هذا البعد للمقاومة لكي يكون هذا البعد حاضر في كلّ شيء, وقد سمعتم في عدوان تموز عن كثير من القصص ضمن برامج خاصّة على المنار مثلاً التي تحكي عن المقاومين الذين كانوا ينتقلون من مكان خطر إلى مكان أكثر خطورة ليلبّوا حاجة عائلة مسكينة فقيرة أو شيخاً كبيراً أو امرأة عجوز مريضة.‏
المقاوم يحمل هذا الحس وهذا المعنى, حيث يعتبر أن كل مريض في هذه المنطقة المحاصرة هو مريض يعنيه بغضّ النظر لأي طائفة انتمى أو إلى أي عائلة انتمى أو عشيرة لأن هذا الفقير لديه حاجة والحاجة ضرورة إنسانية, والمقاوم في أعلى إنسانيته في حسّه وانتمائه, ولديه مبدأ المساعدة, فيتقدّم لصنع الخير.‏
هي الحوادث التي جعلت هؤلاء المقاومين يعيشون مع الناس كما يعيش كل الناس, وهم فئة من هؤلاء الناس, لذا نحن نرى أنّ عدوّنا دهش وصدم.‏
إنّ بعض الذين كانوا يكيدون وللأسف ما زال هناك بعض المكيدين , إنّ بعض هؤلاء كانوا مدهوشين ومذهولين أمام مشاهد العظمة لأبناء المقاومة ولجهود المقاومة ولشعب المقاومة, هذا الشعب الأبيّ الذي تهدّمت بيوته, والذي شُرّد من قراه, والذي انتقل من مكان إلى مكان على مدى 33 يوماً لم يصرخ ولم يتأفف, البعض تفاجأ, لماذا؟ لماذا وصل شعب المقاومة وجمهور المقاومة إلى هذا المستوى؟‏
هناك أسباب كثيرة, من هذه الأسباب أنّ هذه المقاومة تعيش في قلوب هؤلاء النّاس وأنّ هذه المقاومة في وجدان هؤلاء النّاس.

التعليقات (0)

اترك تعليق