مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

عمرا بابيتش... عمدة مدينة أوروبية تُصر على ارتداء الحجاب رغم مبادرات الحظر

عمرا بابيتش... عمدة مدينة أوروبية تُصر على ارتداء الحجاب رغم مبادرات الحظر

تصر عمرا بابيتش عمدة مدينة فوسوكو البوسنية على ارتداء الحجاب، رغم مبادرة حكومات أوروبية بحظره في الأماكن العامة، لكن بابيتش (43 عاماً) ترى أن الحجاب سيساهم في نجاحها، كما ساعدها على تربية أبنائها الثلاثة بعد استشهاد زوجها في حرب الصرب، مشيرة إلى أن الحجاب يتوازى مع القيم الغربية.
عندما تطوف "عمرا بابيتش" شوارع مدينة "فوسوكو"، واضعة الحجاب الإسلامي على شعرها، يهرول الرجال الجالسون في المقاهي بالوقوف، وإطفاء السجائر التي يدخنونها، وضبط كافة تفاصيل مظهرهم، إجلالا واحتراماً لها، ولم يكن هذا الاحترام والتقدير مفاجئاً، فالسيدة بابيتش هي الرئيس الجديد لمدينة فوسوكو البوسنية، وتعد سيدة الاقتصاد البالغة من العمر 43 عاماً، أول سيدة بوسنية تحاول تفجير الرتابة الثقافية لدى الشعب البوسني وأوروبا بشكل عام، حينما أصرت على ارتداء الحجاب رغم توليها منصب رئيس مدينة فوسوكو.
تواز مع قيم الغرب:
وجاء فوز عمرا بابيتش في 7 تشرين الأول (أكتوبر) برئاسة المدينة، في التوقيت الذي بادرت معظم الحكومات الأوروبية فرض حظر على ارتداء الحجاب الإسلامي في الأماكن العامة، وفي وقت تصر فيه تركيا التي تحاول الانضمام للاتحاد الأوروبي على تحييد الشعارات الدينية بعيداً عن الحياة العامة، ترى بابيتش أن نجاحها السياسي، يؤكد أن الالتزام بالشريعة الإسلامية، يمكن أن يتوازى في خط واحد مع قيم الغرب.
وتقول عمرا بابيتش إن فوزها في الانتخابات يعد انتصاراً على المعاناة، إذ إنها ترملت بعد وفاة زوجها في الحرب يوغوسلافيا الضارية منتصف تسعينيات القرن الماضي، وتضيف في حديث لصحيفة هيرالد تريبيون: "نحن نبعث من هنا من مدينة فوسوكو برسالة تحمل معاني الصبر والديمقراطية والمساواة، وأنا لا أجد تعارضاً بين هذه القيم الإنسانية، فأنا الشرق وأنا أيضا الغرب، وأنا أفتخر لكوني مسلمة ولكوني أوروبية في الوقت عينه، كما أنني قادمة من دولة، تضم ديانات وحضارات وثقافات مختلفة، لكنها تعيش جميعاً في وطن واحد، فجميع ذلك يشكل جانباً كبيراً من هويتي".
لمئات السنين كانت البوسنة مسرحاً لحروب ومشاحنات ضارية ثقافية ودينية، وكان المسلمون فيها الطرف الضعيف، وكثيراً ما خاض الصرب الأرثوزوكس والكروات الكاثوليك معارك دامية، إلا أن الطرفين عاشا بعد تلك الحروب في أمن وسلام جنباً إلى جنب، ففي تسعينيات القرن الماضي تفكك الاتحاد اليوغوسلافي، بعد أن تم تدشينه منذ عام 1945، واستعر لهيب حرب البلقان، واستعرت معها نيران الكراهية الاثنية، التي سبق وأخمدها نظام الحكم الشيوعي اليوغوسلافي، لكنها عاودت الانفجار لتنتشر في مختلف الاتجاهات، فسقطت الأغلبية البوسنية المسلمة قرباناً للقتل من قبل الصرب، الذين تطلعوا إلى إقامة دولتهم المستقلة، الأكثر من ذلك أن الكروات والمسلمين، الذين كانوا رسمياً متحالفين ضد الصرب، حارب كلاهما الأخر في مناطق الجوار المشترك.
فكر إسلامي معتدل:
وتشير معلومات صحيفة الهيرالد تريبيون إلى أن مسلمي البوسنة ينتمون إلى السنّة الحنيفية، ويميلون إلى الفكر الإسلامي المعتدل، الذي انتقل إليهم عبر الأتراك العثمانيين، الذين كانوا احتلوا منطقة البلقان خلال القرن الخامس عشر الميلادي.
قليلة هن النساء اللاتي تغطين رؤوسهن في البوسنة حالياً، أما بابيتش فتصر على ارتداء الحجاب في أي مكان ترتاده، وتشير سيرتها الذاتية إلى أنها اقتصادية وسياسية من الدرجة الأولى، لعبت دوراً بارزاً في نهضة البوسنة من غبار الحرب، التي حصدت أرواح ما يربو على مائة ألف ضحية، واجتثت الملايين من منازلهم.
في الماضي عملت بابيتش مراقبة مالية في أحد البنوك، وشغلت منصب وزيرة مالية إقليمية، قبل اتخاذها قرار بالمنافسة على مقعد رئاسة مدينة فوسوكو، وحالياً وفقاً لحديثها، تؤكد أنها على استعداد لإدارة المدينة لمدة أربع سنوات بكفاءة واقتدار، رغم انه يعيش في المدينة ما يربو على 45.000 نسمة، معظمهم من المسلمين.
وترغب بابيتش في إعادة بناء البنى التحتية، التي أضرت نسبيا جراء الحرب، أو تلك التي تهاوت نتيجة للفقر الذي خلفته الحرب، وتعتزم أن تحوّل مدينة فوسوكو التي تبعد 15 كيلو متراً عن العاصمة سراييفو إلى أكثر المدن جذباً للاستثمار، وتشجيعاً للشباب على إقامة مشروعات صغيرة، وأكدت أن ذلك جزءاً من تحديها أمام مشكلة البطالة التي وصلت نسبتها في المدينة إلى 25%.
المواطن البوسني "موريس كرابديتش" يقول: "نحن فخورين بانتخاب بابيتش رئيسة لمدينتنا"، وبحسب حديث المواطن البالغ من العمر 38 عاماً، صاحب أحد المشروعات الصغيرة في المدينة: "ليس هناك فارق بين أن تغطي بابيتش شعرها أو لا، المهم أنها حكيمة وعلى دراية واسعة باللعبة الاقتصادية".
تحطيم الحواجز والآراء القديمة:
وترى رئيسة مدينة فوسوكو أنّ نجاحها في انتخابات رئاسة المدينة، حطم العديد من الحواجز والآراء البوسنية القديمة، التي كانت تعارض قيادة المرأة أو انشغالها بالعمل العام أو توليها المناصب القيادية، كما حطم فوزها بالمنصب الآراء القديمة المتعلقة بحجاب المرأة في ظل نظام الحكم الشيوعي البائد، وتقول في حديثها لصحيفة هيرالد تريبيون: "منذ مئات السنين لم تتوجه النساء البوسنيات إلى المدارس، ولم يغادر بعضهن المنزل، فرعاية الأطفال والتزام المنزل، شكل نمطاً طبيعياً للمرأة في البوسنة زهاء مئات السنين، إلا أنه بعد حكم الشيوعيين في يوغوسلافيا، بات التعليم مفروضاً بالقانون، وانقلبت وضعية المرأة رأساً على عقب، وأصبحت المرأة تدرس في الجامعات وحصلوا على استقلالية مادية".
وتنتقد بابيتش من يروجون إلى أنّ حجاب المرأة بات رمزاً للتخلف والجاهلية، أو نتيجة لضغوط يمارسها الأزواج على زوجاتهم، وتقول: "أنا أرتدي الحجاب رغم أني أرملة، واستشهد زوجي في الحرب، حينما كان يقاتل في صفوف الجيش البوسني".
كما تؤكد بابيتش أنّ دينها وعملها ساعداها على تجاوز أزمة وفاة زوجها والتغلب عليها تماماً، كما أنها تمكنت بمفردها رغم هذه الظروف من تربية أبنائها الثلاثة، بالإضافة إلى ممارسة حياتها العملية بجد ونشاط، وتضيف بابيتش: "في نهاية المطاف تمكنا في البوسنة من القضاء على الأفكار القديمة البالية، وتغلبنا على الثقافة المناوئة لدور المرأة المجتمعي، ويعود انتصارنا إلى ثلاثة محاور، أولها: الانتصار على الأفكار الرافضة لعمل المرأة السياسي، ثانياً: جابهنا الآراء الرافضة لارتداء المرأة المسلمة للحجاب، ثالثاً: انتصرنا على كل من حاول منع المرأة من العمل السياسي وهى ترتدي الحجاب".
وينص الدستور في البوسنة على ألا يقل عدد النساء في مختلف الانتخابات عن 30% من نسبة المرشحين، إلا أن البوسنيين لا يميلون إلى انتخاب المرأة في العمل العام، ولم ينتخب البوسنيون سوى 5 فقط من بين 105 بوسنيات، ترشحوا في انتخابات رئاسة المدن.


المصدر: موقع شفقنا.

التعليقات (0)

اترك تعليق