المرأة والعمل حسب توجيهات السيد القائد(دام ظله)
هل للمرأة أن تدخل ميادين العمل أم أنها ساحة محرمة عليها؟
هل العمل حق محصور بالرجل؟
يقول الإمام الخامنئي دام ظله: "إنّنا نعتقد أنّ النساء في كلّ مجتمعٍ بشري سالمٍ قادرات وعليهنّ أن يجدن الفرصة لبذل الجهد والتسابق في مجال التقدّم العلمي والاجتماعي والبناء والإدارة في هذا العالم في حدود سهمهنّ. وفي هذا المجال ليس هناك أيّ فرق بين المرأة والرجل".
هل العمل هو مجرد وسيلة لكسب المال ولقمة العيش، أم أنه طريق من طرق خدمة المجتمع وتفعيل الطاقات الكامنة في الإنسان؟
إن لم يكن للعمل قيمة سوى تأمين لقمة العيش لنفسه وعائلته، فمن المعروف أن الرجل هو من يتحمل مسؤولية تأمين لقمة عيش العائلة، وبالتالي فهو المكلف بالعمل والمشقة لتأمين ذلك، ومن هذا المنطلق يلاحظ البعض صلة وثيقة بين العمل والرجل حتى يكاد يخصص العمل به ويمنع المرأة من العمل، فهي غير مكلفة بذلك إلا في ظروف استثنائية... ولكن علينا هنا أن نميز بين الواجب وبين الحق، فالحق أمر ثابت للإنسان يستطيع أن يقوم به أو أن يتخلى عنه بينما الواجب هو أمر ثابت عليه ومطالب به وعليه أن يؤديه، صحيح أن العمل من واجبات الرجل لتأمين لقمة عيش العائلة وهو غير واجب على المرأة من هذه الزاوية، ولكن هذا لا يعني سلبها حقها واختيارها في ذلك.
هذا كله إذا لم نر في العمل إلا مجرد تأمين لقمة العيش. وأما إن التفتنا إلى أن العمل ضروري لتفعيل الطاقات وخدمة المجتمع قبل أن يكون وسيلة من وسائل تأمين لقمة العيش، فلا فرق في هذا بين الرجل والمرأة، فكلاهما يستطيع أن يخدم المجتمع ضمن الحدود والقدرات التي أولاه الله تعالى إياها.
يقول الإمام الخامنئي دام ظله: "إذاً في الساحة الثانية أي ساحة النشاطات الاجتماعية والسياسية والعلمية وباقي النشاطات المتنوعة يحق للمرأة المسلمة كما يحق للرجل المسلم أن تقوم حسب مقتضى الزمان بملء الفراغ المحسوس وأداء المهام الملقاة على عاتقها".
ويقول أيضاً دام ظله: "لذلك ليس هناك أي تفاوت بين المرأة والرجل في مجالات الإعداد والاقتصاد والتخطيط والتفكير ووضع الدراسات لشؤون البلد والمدينة والقرية والجماعة والشؤون الشخصية للأسرة. فالكل مسؤول وعلى الكل أن يؤدي المسؤولية".
ويقول أيضاً دام ظله: "الساحة الثانية هي ساحة النشاطات الاجتماعية التي تشمل النشاط الاقتصادي والسياسي والاجتماعي بمعناه الخاص والعلمي والدراسة والتدريس والكدح في سبيل اللّه والجهاد وجميع ساحات الحياة الاجتماعية.
في هذه الساحة أيضاً لا يوجد تفاوت بين الرجل والمرأة في مزاولة النشاطات المختلفة في شتى المجالات في نظر الإسلام.
فمن يقول إن الرجل يمكنه أن يدرس والمرأة لا يمكنها ذلك، والرجل يمكنه أن يدرّس والمرأة لا يمكنها ذلك، والرجل يمكنه أن يمارس نشاطاً اقتصادياً والمرأة لا يمكنها ذلك، والرجل يمكنه أن يمارس العمل السياسي والمرأة لا يمكنها ذلك؛ فإنه لا يبين المنطق الإسلامي، وكلامه مخالف لكلام الإسلام.
فإن رأي الإسلام هو أن للرجل والمرأة أن يمارسا جميع النشاطات المتعلقة بالمجتمع البشري ونشاطات الحياة، وهما في ذلك سواسية".
وهناك الكثير من الأدلة الشرعية التي تؤكد ذلك، وقد أشار الإمام الخامنئي دام ظله إلى بعض هذه الأدلة في كلماته حيث قال: "فالساحة مشرّعة أمام الرجال والنساء في المجتمع الإسلامي.
والشاهد على ذلك جميع الآثار الإسلامية الموجودة في هذه المجالات، وجميع التكاليف الإسلامية التي تجعل المرأة والرجل متساويين في مسؤولياتهما الاجتماعية.
فإن الحديث القائل: "من أصبح ولم يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم" لا يختصّ بالرجال، بل على النساء أيضاً أن يدركن مسؤولياتهنّ تجاه أمور المسلمين والمجتمع الإسلامي وأمور العالم الإسلامي وكل ما يجري في العالم، وأن يبدين اهتماماً بذلك، لأنه واجب إسلامي".
هل المطلوب التساوي في العدد؟
قد يفهم البعض حق المرأة في العمل خطأً و يتحدث عن المساواة بين الرجل والمرأة ويفترض أن ذلك يتحقق من خلال التساوي في عدد العاملين من النساء والرجال، ويدعو النساء إلى العمل حتى يصل عدد العاملين منهن إلى عدد العاملين من الرجال، لقد رفض الإمام الخامنئي دام ظله هذه الفكرة واعتبر أنها ساذجة فالمنصب له علاقة بالكفاءة بعيداً عن موضوع الجنس والرجل والمرأة.
يقول دام ظله: "إني مسرور جداً لرؤيتي الأخوات النواب وقد شكّلن بحمد الله كتلة كيفية وكميّة مهمة في مجلس الشورى الإسلامي. ولا أعني بذلك مثلاً أن يكون من بين مائتين وسبعين نائباً، أن يكون هناك مائة وكذا نائب من النساء، كلا ليس المطلوب أن تحدد أعداد المسؤوليات التي تتولاها النساء وأعداد ما يتولاّه الرجال.
بالمناسبة فإني أرى الاهتمام بذلك أمراً سلبياً، أن نظنّ أن عدد النساء يجب أن يساوي عدد الرجال في كل ساحة ومجال! فذلك فكر ابتدائي وبسيط وطفولي. إني لا أقول أنني مسرور من هذا المجال، بل إني مسرور لشعوري أن هناك حركة جدية وحقيقية تجري لحسن الحظ من أجل إعادة الاعتبار لشخصية المرأة".
ففي الوقت الذي يظهر فيه سروره بسبب وجود عاملات من النساء، مما يعني أن مجرد كونها امرأة لم يمنعها من احتلال المناصب اللائقة بها، في نفس الوقت رفض موضوع التساوي في العدد الذي قد يلزم من افتراضه الظلم وعدم ملاحظة الكفاءة، فالمطلوب هو رفع المانع عن عمل المرأة التي تليق بهذا العمل، وليس المطلوب إعطاؤها المنصب لمجرد إكمال عدد النساء العاملات.
ما فائدة عمل المرأة؟
إن النساء يشكلن على الأقل نصف المجتمع من جهة العدد، ونصف المجتمع هذا بحاجة للكثير من الخدمات التي يؤمنها العاملون، فلو لم تتواجد المرأة العاملة ستضطر المرأة إلى اللجوء إلى العامل الرجل لتأمين هذه الخدمات، وهذا سيلزم منه الاختلاط بشكل ينافي الأهداف الإسلامية، ونذكر كمثال على ذلك الطب، فإذا مرضت المرأة ستحتاج لطبيب يعالجها، ومن المفترض أن يتواجد طبيب من النساء يمكن إن ترجع إليها المرأة المريضة وإلا اضطرت للرجوع إلى الطبيب الرجل، يقول الإمام الخامنئي دام ظله: "فما دمنا نعتقد بضرورة وجود فاصلة في العلاقة والارتباط الاجتماعي بين المرأة والرجل، ونؤكد على رفض الاختلاط الحر بين المرأة والرجل، ونعتقد بالحجاب بمعناه الواقعي والكامل؛ لذلك لا يمكننا إهمال المسألة الطبية.
أي أنه يلزمنا وجود نساء طبيبات بنفس النسبة الموجودة من الأطباء الرجال، حتى تتمكن المرأة من مراجعة الطبيبة في أي اختصاص أرادت، ولا داعي للمساس بتلك الفاصلة. بل علينا أن نرتب الأمر لتتمكن المرأة من مراجعة الطبيبة دون أي إشكال، الطبيبة المرأة وليس الطبيب الرجل".
ويقول أيضاً دام ظله: "لأن إمكانية عمل المرأة أقل من نسبة النساء في مجتمعنا، فينقصنا طبيبات، وهذه المسألة وجدت حلّها في الإسلام، وعلى المجتمع أن يتقدم في هذا المجال".
هل ينافي عمل المرأة دورها في الأسرة؟
لا شك أن دور المرأة في الأسرة أساسي، وهو مقدم على دورها خارج الأسرة، فالأسرة هي نواة المجتمع والمرأة الأم هي نواة الأسرة، وهذا يعطي أولوية لدور المرأة في الأسرة، ولكن هل تعني هذه الأولوية إلغاء أي دور لها خارج الأسرة؟ يجيب الأمام الخامنئي دام ظله عن هذا الأمر في كلماته حيث يقول دام ظله: "البعض يعيش الإفراط والبعض الآخر يعيش التفريط، فالبعض يقول بما أن النشاط الاجتماعي لا يسمح لي بالاهتمام بالبيت والزوج والأولاد، لذا عليّ ترك النشاط الاجتماعي.
والبعض تقول بما أن البيت والزوج والأولاد لا يسمحون لي بمزاولة النشاط الاجتماعي، إذاً عليّ أن أتخلى عن الزوج والأولاد. وكلا النظرتين خطأ، فلا يجوز ترك هذا لذاك، ولا ذاك لهذا".
ويقول أيضاً دام ظله: "أن يربّين في أحضانهنّ بشراً دون عقد، وإنساناً صحيحاً وسالماً، تلك هي أهم قيمة لعمل المرأة، وهو لا يتنافى مع العمل العلمي والعملي، وهو أحب عمل لدى النساء".
فالمطلوب إذاً هو التوازن وعدم جعل موضوع الأسرة ذريعة لإلغاء أي دور محتمل للمرأة في المجتمع.
منع المرأة عن العمل ظلم:
يقول الإمام الخامنئي دام ظله: "إذا كانت المرأة تمتلك طاقات علمية مثلاً، أو قدرة على الاختراعات والاكتشافات، أو كانت مؤهلة لأداء نشاط سياسي أو عمل اجتماعي، ولم يسمح لها أن تستغلّ طاقتها تلك، وأن تنمّي قدراتها تلك, فذلك ظلم".
إذا كانت المرأة تمتلك المؤهلات اللازمة والطاقة الكافية للقيام بعمل ما، فيتم منها من ذلك العمل لمجرد أنها امرأة فلا شك بأن ذلك ظلم وتعاطٍ غير مناسب مع إنسان استخلف على الأرض ليفعّل طاقاته ويبدع ويكون خلاقاً، أليس من حق المرأة المؤهلة أن تصرف طاقاتها في طاعة الله تعالى المتمثلة بخدمة المجتمع والاستفادة الإيجابية مما أودعها الله تعالى، نعم إنه لمن الظلم أن تمنع المرأة من ذلك لمجرد أنها امرأة، وهذا الأمر يسري على الأعمال الأساسية والمهمة أيضاً، فلا يقتصر عمل المرأة على الأعمال الصغيرة والتفصيلية هنا او هناك، فيمكنها أن تتولى مسؤوليات كبيرة وأساسية ما دامت مؤهلة لذلك.
يقول الإمام الخامنئي دام ظله: "نعم اطرحن هذا السؤال وهو: لماذا لا تتولى النساء مسؤوليات ومديريات أساسية؟ فهو سؤال مقبول. فحيث تمتلك المرأة مؤهلات جيدة يمكنها ذلك، لا أن يأخذكنّ التعصّب وتقلن يجب أن تتولى المرأة المنصب الفلاني، نعم في الأماكن التي لا يمنع الإسلام منها لا بأس، فهناك أماكن قد يمنع الإسلام منها، وفي غيرها لا ضير من تولّي المستويات العليا.
عندما يريدون اختيار الأصلح لتولي هذه الأمور يجب أن ينظر إلى النساء إلى جانب الرجال، ويرون من هو الأصلح منهم دون أي تعصّب".
عدم العمل ليس مشكلة:
هل قيمة المرأة في عملها خارج البيت فقط؟ و هل المرأة التي لا تعمل لديها نقص او مشكلة؟ كلا، فصحيح أن العمل جائز للمرأة ولكن قيمتها المعنوية ودورها في الحياة لا يتوقف على ذلك، وبالتالي فعدم عمل المرأة خارج البيت ليس امراً شاذاً ولا هو مشكلة ينقص من دورها وقيمتها، يقول الإمام الخامنئي دام ظله: "طبعاً قد يكون العمل أيضاً أمراً لا محيص عنه للنساء أحياناً، وقد يكون لازماً لبعضهنّ.
على أيّ حال إنّ عمل المرأة أمر جائز، لكنّ الإسلام لا يعتبره من لوازم قيمة المرأة".
ما هي ساحات عمل المرأة؟
لا شك أن للمرأة خصوصيتها التي تميزها عن الرجل، هذه الخصوصية قد تتدخل عملياً لتحكم توجه المرأة وأولوياتها في انتخاب العمل المناسب، من هنا يمكن أن نطرح هذا السؤال: ما هي الأعمال التي تنسجم أكثر مع خصوصية المرأة؟
يمكن الإلفات إلى بعض الأمور التي لا تنافي خصوصية المرأة ضمن العناوين التالية مستعرضين كلمات الإمام الخامنئي دام ظله:
1- شتى الفروع اللازمة:
"اسعين إلى تشجيع الجامعيات وقمن بإعدادهنّ في مختلف الفروع العلمية. فإن هذا العمل سيحقق أهداف الثورة والبلاد، والناس بحاجة لخدماتكنّ".
"وأشير هنا إلى ضرورة تخصص النساء في كافة الفروع والتخصّصات الطبية".
"يحق للمرأة المسلمة كما يحق للرجل المسلم أن تقوم حسب مقتضى الزمان بملء الفراغ المحسوس".
2- السياسة:
"وأن تزيد من حضورها في مجال: القضايا الاجتماعية والسياسية والصمود والصبر والمقاومة والحضور السياسي والإرادة السياسية والإدراك والوعي السياسي ومعرفة بلدها ومعرفة مستقبلها ومعرفة الأهداف الوطنية والكبرى والأهداف الإسلامية للدول والشعوب الإسلامية، ومعرفة مؤامرات الأعداء، ومعرفة العدو وأساليبه. عليها أن تقدم في ذلك يوماً بعد يوم".
"أما الإسلام فكان قبلهم بكثير قد أثبت للمرأة حق البيعة والتملك والتواجد في الساحات الأساسية السياسية والاجتماعية: "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّه" فكانت النساء تأتي لتبايع النبي صلى الله عليه وآله ولم يرفض النبي ذلك ويقول ليأتي الرجال فقط للبيعة، ولم يأخذ برأي الرجال فقط، ولم يجبر النساء على ما قرره الرجال، بل قال للنساء البيعة أيضاً، لهنّ إبداء رأيهن بقبول حكومتي هذه، والمشاركة في قبول هذا النظام الاجتماعي والسياسي".
"وفي الساحات السياسية أيضاً، رأينا وما زلنا نرى سيدات يمتلكن القدرة على التحليل وخطيبات، ومستعدّات لتولّي المسؤولية في النظام الإسلامي. طبعاً إن هذا الأمر يشهد اتّساعاً، ويجب أن يتطوّر".
"أولسنا نقول أنها أي الزهراء عليها السلام كانت تذهب إلى المسجد رغم ضعفها، لتحقّ الحقّ؟ إذن علينا أن نسعى لإحقاق الحق في جميع الحالات، علينا أن لا نخاف من أحد أيضاً. أَوَلسنا نقول أنها وقفت وحيدة في مواجهة مجتمع ذلك الزمان؟
علينا أن نقف في مواجهة عالم الظلم والاستكبار، ونواجهه دون خوف على رغم قلة عددنا".
3- العمل الإداري والاجتماعي والبناء:
"إني أرى أن أهمية هذا العمل الذي تقوم به السيدات اليوم لا يقلّ أهميّة عن المشاغل الأخرى التي يقمن بها في البلاد، بل إن أهميته أكبر من معظم تلك المشاغل. نعم اطرحن هذا السؤال وهو: لماذا لا تتولى النساء مسؤوليات ومديريات أساسية؟ فهو سؤال مقبول".
"وإذا كانت المرأة تمتلك طاقات علمية مثلاً، أو قدرة على الاختراعات والاكتشافات، أو كانت مؤهلة لأداء نشاط سياسي أو عمل اجتماعي، ولم يسمح لها أن تستغلّ طاقتها تلك، وأن تنمّي قدراتها تلك؛ فذلك ظلم".
"واليوم أيضاً إذا لم تمارس المرأة المسلمة حضورها في الساحة، فستبقى ساحة البناء ناقصة وستتعطل مسيرة البناء".
ما هو العمل الأنسب للمرأة؟
من الأفضل للمرأة إذا أرادت أن تعمل أن تنتخب العمل الذي يتلاءم مع خصوصياتها البدنية والمعنوية فلا تختار الأعمال التي تتلاءم مع قسوة القلب وقد خلقها الله بعواطف جياشة، كذلك لا تنتخب الأعمال التي تحتاج إلى قوة وعضلات.
من هنا يقول الإمام الخامنئي دام ظله: "إن أهم عمل تقوم به المرأة هو ذلك العمل الذي ينسجم ويتناسب مع خلقتها النسوية، ويتلاءم مع أحاسيسها وعواطفها التي أودعها الله في وجودها. إن من المهم محاكاة العواطف الجيّاشة والتفاعل مع المحبّة التي أودعها الله تعالى في وجود المرأة كله".
ويعطي سماحته دام ظله بعض النماذج والأمثلة العملية على ذلك قائلاً: "لنفترض أن بعض النساء قد يشكين من عدم تولي المرأة من قيادة الشاحنات مثلاً، ومن أمثال ذلك، تلك الأمور ليست هامة، وليس لها القيمة التي تجعل الإنسان يكافح لتحقيقها.
أذكر أني حللت ضيفاً على أحد الطلاب الجامعيين في الهند، أردنا أن نستريح بعد الظهر، فسمعنا صوتاً يأتي من الشباك لاصطدام شيء، نظرت من الشباك فرأيت داخل ساحة من خمسماية متر تقريباً سيدة في العقد الخامس من عمرها، تحمل مطرقة في يدها، وتحطّم الأحجار التي تملأ الساحة تلك، كانت امرأة بدينة سوداء، وترتدي الملابس التقليدية، حيث يدعن عادة جزءاً من بدنهن ظاهراً، وجدتها رغم تعاستها تلك لم تنس أن تدعَ ذلك القسم من جسدها مكشوفاً، محافظة بذلك على زينتها تلك.
فسألته: لماذا تتولّى تلك المرأة هذا العمل؟
قال: إنها عاملة.
سألته: كم تتقاضى من الأجر يومياً؟
قال: 4 أو 5 روبيات يومياً.
أي ما يعادل 10 تومان يوميً بدل 12/14 ساعة عمل تحطيم أحجار، وكان ذلك عام 1980م بعد انتصار الثورة.
أعتقد إنه لمن بواعث الفخر أننا لا نجد في الأجواء الإسلامية من يكلّف المرأة بمثل تلك الأعمال الشاقة. نعم لدينا نساء يعملن في مزارعهنّ، إنهنّ يعملن في الشمال لحسابهنّ، لكنهنِّ لا يعلمن كأجيرات للآخرين! فهل من المعقول أن يخوض الإنسان نضالاً مريراً من أجل أن تصل المرأة إلى القيام بمثل تلك المهام الشاقة؟! ليست تلك الأمور بذات بال".
وعلى النساء أن لا يتصورن أن تصنيف الأعمال إلى ما يناسب و ما لا يناسب خصوصياتهن هو انتقاص بهن، فكما أن للمرأة خصوصيات كذلك للرجل، وكما أن على المرأة أن تنتخب العمل الأسلم والأنسب لخصوصياتهن فكذلك على الرجل أن ينتخب ما يتناسب مع خصوصياته.
يقول الإمام الخامنئي دام ظله: "هناك بعض الأعمال التي لا تناسب المرأة، ولا تتلاءم مع تركيبها الجسدي. كما أن هناك بعض الأعمال التي لا تناسب الرجل، ولا تتلاءم مع وضعه الأخلاقي والجسدي. لكن لا علاقة لذلك بقدرة المرأة على التواجد في ساحة النشاطات الاجتماعية أو عدم قدرتها. فإن تقسيم الأعمال يتم حسب الإمكانات والرغبة واقتضاء كل عمل".
متى يصبح العمل مضراً؟
قد يتحول العمل إلى مرض مضر، ويحول من نعمة تفعيل طاقات المجتمع إلى نقمة دفن معنويات وأخلاق وروحية المجتمع.
فعلى المرأة العاملة أن تتوازن في عملها، فلا تستغرق كل وقتها في العمل بشكل لا يبقى معه وقت للاهتمام بالجانب الأخلاقي والمعرفي من حياتها.
يقول الإمام الخامنئي دام ظله: "وإذا كانت الظروف بشكل يسلب المرأة قدرتها على الاهتمام بأخلاقها ودينها ومعرفتها بسبب كثرة عملها وضغط المشاغل المتنوعة, فذلك ظلم".
مشكلة الاختلاط:
إن من أهم المشاكل المطروحة في موضوع عمل المرأة هي مشكلة الاختلاط، فعمل المرأة في مؤسسة ما يعني أنها ستقع في الاختلاط مع الأفراد العاملين معها في هذه المؤسسة من الرجال.
فهل يعني هذا أن نمنع المرأة من العمل لوقوعها بالاختلاط بشكل من الأشكال بسببه؟
علينا أن نعرف أن ليس كل اختلاط محرم، فما دمنا نحافظ على الحدود الشرعية التي أرادها الله تعالى بين الرجل والمرأة فلا مشكلة في الاختلاط.
يقول الإمام الخامنئي دام ظله: "نعم لقد وضع الإسلام حدوداً لهذه النشاطات، لكن تلك الحدود لا علاقة لها بالمرأة والسماح لها بالنشاط، بل إنها متعلقة بمسألة الاختلاط بين المرأة والرجل حيث يبدي الإسلام حساسية تجاهها.
فالإسلام يعتقد أن على الرجل والمرأة أن يحافظا على حدٍّ بينهما في كل مكان، في الشارع والدائرة والمتجر. لقد عيّن حجاباً وحدّاً بين المرأة والرجل المسلمين.
فإنّ اختلاط المرأة والرجل ليس كاختلاط الرجال مع بعضهم واختلاط النساء مع بعضهنّ، وعليهم أن يراعوا تلك الحدود. على الرجل مراعاة ذلك، وعلى المرأة أيضاً مراعاة ذلك.
وإذا روعيت حساسية الإسلام هذه حول العلاقة ونوع الاختلاط بين الرجل والمرأة، عندها ستتمكن النساء من مزاولة جميع الأعمال التي يمارسها الرجال في المجالات الاجتماعية، إن كنِّ يمتلكن القدرة الجسدية لأدائها، وكانت لديهنِّ الرغبة نحوها، وأتيحت لهنّ الفرصة المناسبة".
والخطورة تنشأ من عدم الالتزام بالحدود الشرعية، كالتبرج وترك الحجاب..
"على نساء إيران العالمات والواعيات أن يكملن طريقهنّ الواضح هذا، وأن يخطين فيه خطوات ثابتة وراسخة.
وعلى الجيل الثوري والنساء المؤمنات أن يجتنبن ما يفعله السطحيّون والغافلون، وأن يحذرن من العودة إلى الاستهلاك والتجمّل الخاوي والميول غير الثورية، والعيش الجاهلي بالاختلاط غير المحمود".
والنتيجة أن ليس كل اختلاط محرم وغير محمود، بل الموضوع بيدنا نحن المكلفين، يمكننا أن نجعل من الاختلاط مرتعاً للشيطان ومادة خطيرة للفساد فنحول العمل من ساحة طاعة وجهاد إلى ساحة فساد وانحراف، ويمكننا أن نلتزم بالضوابط الشرعية التي حلت مشكلة الاختلاط وعطلت آثارها السلبية.
يقول الإمام الخامنئي دام ظله: "افترضن أن امرأة قد تقلّدت منصباً حكومياً كبيراً، طبعاً لا أذكر اسم المنصب، لأن خصوصيات أيّ منصب قد لا تكون واضحة جداً ودقيقة، ولا داعي لأن يضع الإنسان إصبعه على منصب خاص، وكان ذلك المنصب مهماً جداً، ويراجعه رجال كثيرون، فلا إشكال في ذلك، ولا مانع من تولّي امرأة لذلك المنصب، فيمكن للمرأة أن تستقبل في منصبها آلاف الرجال والمراجعين وبشكل حكيم، وأن تقضي لهم ما يتوقعونه من ذلك المنصب من مطالب مشروعة ومحقّة. لا مانع من ذلك".
يجب الالتزام بالعفة:
لقد أكد الإمام الخامنئي دام ظله على التزام المرأة بالعفة خصوصاً في ساحة العمل وركز على ذلك في العديد من خطاباته ولقاءاته مع الأخوات العاملات، فكل الفرص متاحة أمام المرأة بشرط التزامها بالعفاف.
يقول دام ظله في بعض لقاءاته معهن: "فمثلاً إذا أرادت فتاة أن تدرس الطب أو أن تمارس نشاطاً اقتصادياً، أو أن تعمل في اختصاص علمي، أو أن تدرّس في الجامعة، أو أن تدخل في أعمال سياسية، أو أن تصبح صحافية؛ فإن الفرص متاحة لها. لكن شرط أن تلتزم العفّة والعفاف".
ويقول كذلك: "ونشاط النساء في المجالات الاجتماعية هو نشاط مباح ومقبول ومطلوب ومجاز، ولهنّ مزاولته شرط المحافظة على الحدود الإسلامية".
وهذا ما قامت عليه سيرة المسلمين من القديم، فقد كان للمرأة حضور في جميع الساحات على الدوام.
"وقد شاركت أخوات بعض الأئمة أو زوجات النبي في الساحات العلمية والثقافية والسياسية والجهادية والثورية والعسكرية.
التفتن لعدم وجود أي مانع من الحضور في أيّ من تلك الساحات، لكن هناك حجاب، التزمن به، ثم ادخلن تلك الساحة".
نساء عاملات قدوة:
إن النموذج الذي قدمه الإسلام للمرأة العاملة الملتزمة هو نموذج نفخر به، ونقدمه للمجتمعات الإنسانية كنموذج متقدم لتفعيل طاقات المرأة بالشكل الصحيح وفي أجواء ومحيط مناسب يليق بكرامة المرأة.
يقول الإمام الخامنئي دام ظله: "في جملة واحدة عليِّ أن أقول أننا نحن الذين نتحدث اليوم باسم الإسلام، ونعتبر أن رسالة الإسلام هي الرسالة الفضلى، أننا نفخر بوجود سيّدات من أمثالكنّ، ذلك لأن أية دعاية وإدعاء إذا اقترب من مرحلة العمل والتحقق؛ فسيجد قيمته الواقعية".
ويقول كذلك: "وإننا نفتخر بوجود النسوة اللاتي حافظن على الموازين الإسلامية، وبلغن مع ذلك قمة الاستعداد البشري من الناحية العلمية والأخلاقية والسياسية والاجتماعية".
ولدينا نماذج معاصرة من النساء اللاتي يُقتدى بهنّ، فقد استطاعت المرأة المعاصرة أن تقدم نموذجاً مشرقاً للمرأة العاملة المؤثرة بالمجتمع والتاريخ، حيث لم يمنعها حجابها وعفتها من العمل بالشكل السليم، بل على العكس، الالتزام هو الذي دفعها وفعّل طاقاتها الكامنة بالشكل الصحيح وبالأسلوب المثمر، ومن تلك النماذج السيدة الجليلة بنت الهدى، الذي يتحدث عنها الإمام الخامنئي دام ظله بكثير من الاحترام والإجلال، حيث يقول: "ففي عصرنا هذا كان لدينا امرأة شابة شجاعة عالمة مفكرة فنانة اسمها بنت الهدى، أخت الشهيد الصدر، وقد استطاعت أن تؤثر في التاريخ، استطاعت أن تؤدي دوراً في العراق المظلوم، طبعاً لقد نالت الشهادة أيضاً. فعظمة امرأة مثل بنت الهدى لا تقل عن عظمة أيِّ من الرجال الشجعان والعظماء. لقد كانت حركتها حركة نسوية، وكانت حركة أخيها حركة رجولية، لكن حركتيهما شكلتا حركة تكاملية تحكي عظمة الشخصية وتلألأ الجوهر والذات لذينك الإنسانين، لا بد من تربية نساء على هذا النسق".
التخطيط لعمل المرأة:
إن التخطيط لعمل ما يستطيع أن يؤمن المستلزمات ويتنبأ بالمشاكل ليضع لها حلولاً مناسبة قبل وقوعها. ولا شك أن عمل المرأة يحتاج للتخطيط والمتابعة لرفع المشكلات المتوقعة خصوصاً في المجتمعات التي عاشت بين حالتي الإفراط والتفريط في عمل المرأة، فذهب قوم إلى منع المرأة من الخروج من بيتها مطلقاً، وذهب آخرون إلى خروجها من دون ضوابط وحدود، إن مجتمع كهذا يحتاج للكثير من البرامج والخطط حتى يضع عمل المرأة على السكة الصحيحة والإيجابية والمثمرة، وهذه مهمة تقع على عاتق النساء قبل الرجال، فعليهن أن يخططن لذلك ويرصدن مواطن العقد للتعاطي معها بالشكل الصحيح وحلها.
يقول الإمام الخامنئي دام ظله: "إن هممكنّ في هذه الخطط يجب أن تصبّ حقيقة على حلّ مشاكل عمل المرأة، وهكذا هي عادة، لذلك انظرن أين هي العقد الأساسية في هذا المجال. إن أحد أهم العقد ستجدونها في الأسرة، إذهبن لترين ما يجري داخل الأسر، إنكنّ تعلمنَ ذلك وترينه. انظرن ما هي أسباب وجود المشاكل داخل الأسرة، حددن جذورها، وارسمن خططاً طويلة الأمد لاجتثاث تلك المشاكل".
المصدر: المرأة علم وعمل وجهاد: مركز الإمام الخميني الثقافي. ط1، تشرين الأول 1424هـ- 2003م.
اترك تعليق