ربّات المنازل سيّدات أعمال: «الحِمل كبير»
ربّات المنازل سيّدات أعمال: «الحِمل كبير»
لم تعد كلمة «بكرا بتفرج» كافية لتظهر المرأة وقوفها إلى جانب زوجها في هذه الضائقة المالية. «الشغل صار قليل والمصروف كبير». لذا ابتكرت ربّات المنازل مصادر رزق يمارسنها من منازلهنّ للمشاركة في الدخل وتخفيف «الحِمل» عن رب المنزل ضمن معادلة «الحاجة أمّ الاختراع».
منذ أشهر، حوّلت أمّ علي (30 عاماً) بيتها إلى حضانة أطفال لتساعد زوجها في المصروف. الأخير موظف استقبال في مطعم. «نصف الراتب الذي يتقاضاه الزوج لم يعد يكفي». تعتني أمّ علي بثلاثة أطفال في منزلها من الثامنة صباحاً حتى الرابعة عصراً. تحصل على 750 ألف ليرة شهرياً، تنفقها «فقط في شراء الحاجات الأساسية للعائلة». لا يزال تأمين كماليات العيش «حلماً يصعب تحقيقه».
ما الذي دفعها إلى تحمّل مسؤولية "أولاد الناس"؟ «احتجت إلى عمل أمارسه من المنزل لأبقى قريبة من طفليَّ»، تعلّل أمّ علي سبب اختيارها لهذه المهنة التي «تتطلب طاقة جسدية كبيرة وصبراً طويلاً». فهي تعدّ طعام الفطور والغداء للأطفال قبل مجيئهم صباحاً، وتهتمّ بهم طوال النهار. وبعد مغادرتهم، ترتّب أمّ علي منزلها ثم تتفرّغ لعائلتها.
كأمّ علي، استثمرت وفاء بلحص (35 عاماً) الأرض المجاورة لمنزلها في صدّيقين لتساعد زوجها ماديّاً. لم يهن عليها طلب المساعدة من أحد عندما تعطّل عمل الزوج في تركيب الألمنيوم في العام الماضي. نزلت وفاء إلى الأرض. نظّفتها. وأزالت الحجارة منها. ثم زرعتها بالملوخية. وباعت المحصول الزراعي لأهالي بلدتها. صارت وفاء مزارعة معتمدة على تعاليم والدتها المزارعة أمّاً عن جدة. بعد الملوخية، زرعت الفول والبازيلاء والبصل. ولو أن مساحة أرضها أكبر مما هي عليه «لزرعتها بالمزيد من المزروعات». ومع ذلك، لا تنكر أن الزراعة مهنة «متعبة جداً»، لكن «عندما تحصل على المال تنسى تعبك».
أما جمانة قطيش فزوجها سائق للأجرة. «معظم ما يجنيه يدفعه ثمن تصليح السيارة». تشكو جمانة. «كورونا» أيضاً أثّرت على عمله. وما زاد الطين بلّة هو «ارتفاع الأسعار بشكل جنوني». هنا التمست صاحبة الخمسين عاماً الحاجة إلى العمل.
لاحظت جمانة أن تجارة «الأون لاين» صارت «عمل معظم ربات المنازل». فقررت أن تبيع عن طريقه مسحوق الغسيل السائل. «يأتي الزبون ويأخذه بنفسه». تشترط جمانة التي لا تحب مغادرة منزلها لتوصيل المسحوق. تبيع حوالى الـ 8 «غالونات» في الأسبوع. تشتري «الغالون» الواحد بـ 22 ألف ليرة، وتبيعه بـ 25 ألفاً. لكن الأسعار تتغير مع ارتفاع سعر صرف الدولار وهبوطه، ويبقى هامش الربح لديها 3 آلاف ليرة.
بتول شرف (25 عاماً) بدأت عملها بمردود مالي قليل. كان همّها فقط تأمين ثمن الحليب والحفاضات لطفلها. لكن اليوم «الشغل ماشي منيح». فالمردود المالي قد يصل إلى المليونين في موسم الأعياد.
لمساندة زوجها في المصروف، استفادت أمّ جواد (50 عاماً) من مهارات الطبخ التي تملكها. «كورونا» عطّلت عمل زوجها في تسيير الرحلات السياحية والدينية إلى إيران. لذا، تعدّ أمّ جواد المعجّنات على أنواعها، والكبة، وكعك العيد، والمعمول، وغيرها من الحلويات و«المازة» اللبنانية، وتبيعها لزبائن «لا يزالون قلّة». عملها «صعب وربحه قليل»، لكنه يؤمن لها بعضاً من احتياجاتها.
بدأت أم جواد «من الصفر». لم تكن تملك آلة طحن اللحم. «فاستعرتُها من جارتي ريثما ادخرت ثمن واحدة اشتريتُها من البازار الألماني». لا تخفي أمّ جواد طلبها العون من كثيرين حتى ينطلق مشروع «حبة بركة». كانت تستأذن من «الدكنجي»، لتحفظ الأطعمة المعدّة مسبقاً في برّاد المثلّجات لديه، قبل أن تشتري ثلاجة لنفسها.
لا تستطيع هذه السيدة الشغوفة أن تصف شعورها عندما يرنّ الهاتف وتأتيها «طلبية». تسعد كثيراً لرؤية مأكولاتها مصوّرة في المناسبات الاجتماعية، وتنال إعجاب من يتذوّقها. فأمّ جواد التي بدأت عملها لكسب لقمة العيش، وجدت لذّة في اللقمة التي تعدّها وتبيعها.
منذ سنتين، تخلّفت وزارة الشؤون الاجتماعية عن تسديد راتبها الشهري. فحوّلت القابلة القانونية، ندى محسن، «الكروشيه» من هواية إلى عمل. ومع ذلك، لا تزال ندى تزاول مهنتها «تطوعاً»، تنجز أعمال المنزل، ثم تتفرّغ مساءً لنسج الخيوط وصناعة المشغولات اليدوية وبيعها. «أصنع الدمى، الحقائب، مفارش الطاولة، والقبّعات، لكن الطلب اليوم يرتكز على وصلات الكمامات التي أصنعها بالصوف المتبقي لديّ». تشرح السيّدة الخمسينيّة بحماسة.
تولّد ندى من «الصنّارة» دخلاً يضاف إلى دخل زوجها الموظف في «مصلحة مياه لبنان الشمالي». على مقاعد الدراسة، تعرّفت إلى هذه الحرفة. أحبّتها. استعانت بقنوات اليوتيوب التي تعلّم «الكروشيه» لتستذكر ما نسيته منها، حتى أتقنت هذا العمل اليدوي الذي «يستغرق وقتاً وجهداً كبيرين ولا يدرّ الكثير من المال، لكنه يدرّ طاقة إيجابية عالية».
فاطمة إبراهيم (24 عاماً) لم تستغلّ مهاراتها أو هوايتها لكسب الرزق. لكنّها تعلّمت صناعة الصابون من خلال دورة تدريبية أجرتها. وعندما اشتدّت حدّة الأزمة الاقتصادية، قرّرت السيدة الشابة أن تكون هذه الحرفة «السهلة جداً» والتي لا تستدعي الخروج من المنزل ومغادرة أطفالها الثلاثة، عملاً لها.
لصناعة الصابون، تحتاج فاطمة إلى زيت الزيتون والماء والقطرون. قليلة هي المكوّنات. لكن زيت الزيتون الذي تشتريه «باهظ الثمن». وهذا يجعل بيع الصابون «عملاً لا يجني الكثير من الأرباح». لكنّه يخفّف القليل من الأعباء المادّية عن زوجها الذي «ما عاد عمله في التجارة متل الأول».
المصدر: جريدة الأخبار
اترك تعليق