مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

أم حسن سلامة.. اكتفت بالصورة لتحادث ابنها

أم حسن سلامة.. اكتفت بالصورة لتحادث ابنها

لم يتبق من عتمة تلك السنين المتراكمة في زوايا صدور الأسرى سوى النفس الأخير لليل، فالحرية كانت تمثل لهم بستان الحلم المحترق في جمر القهر، الآن وقد خرجوا إلى ذلك البستان يرتعون فيه ما شاءوا في شوارع غزة وبيوتها، التي تمدّ أحضانها لتتسع لفرحة هؤلاء الأبطال، ولتختزل حلمًا ظل مختنقًا سنوات في شقاء الأسر، والآن تحول إلى حياة يتنفس منها الصباح.
وإثر ذلك أقام مجموعة من الأسرى المحررين في صفقة وفاء الأحرار معرضًا مجسدًا لمعاناة الأسرى في سجون الاحتلال، وقد احتوى على صور عديدة التقطت للأسرى في سجون الاحتلال، واستمر منذ 3-3-2013م إلى 11-3-2013م.
جاء معرض "أرواح لا صور" برعاية رابطة الأسرى المحررين، وقد بدأ المعرض لنصرة الأسرى القابعين في سجون الاحتلال على أرض منتجع "الشاليهات" الواقع على شاطئ بحر غزة.
القائم على الإشراف ومحاكاة الصور للزائرين هم محررو صفقة وفاء الأحرار، ومنهم الأسير المحرر أحمد الفليت، كانوا مرتدين الزي البني الخاص بهم داخل السجون.
نظرات ممتزجة بأمنيات:
لا تدري ماذا حلّ بوالدة الأسير حسن سلامة عندما أبرقت بكلمات تحادث بها ابنها الأسير خلف قضبان سجون الاحتلال منذ 30 عامًا، خلف الصورة التي جمعت ابنها مع أصدقائه وهو جالس بجانبهم، وقد غطى الشيب رأسه بعد أن اعتقل وهو في سن الـ(18) عامًا.
فقد اكتفت الأم بتلك الصور الملتقطة لتحادث بها ابنها من قرب، فاستقبلته بالتحية العسكرية ورفعت يدها اليسرى وألقت عليه السلام، وقالت بتلك الشجون الأمومية: "كيف حالك يا ابني؟، وكيف معنوياتك؟، خليك دائمًا قويًّا، ولا تستسلم للسجان".

واستمرت بالحديث معه ما يقارب 15 دقيقة وهي تتأمل صورته والابتسامة لم تفارق شفتيها.

وبلغ عدد الأسرى الإداريين 186، والأسرى الأطفال 170، والأسيرات 9، والأسرى المرضى بالسرطان 13، والأسرى المحكوم عليه بالسجن مدى الحياة 530، والأسرى الذين استشهدوا في السجون210، والأسرى القدامى الذين اعتقلوا قبل أوسلو 111، والأسرى الأعضاء بالمجلس التشريعي 10، وأسرى القدس 151، وأسرى غزة 444، وغيرهم من الأرواح التي باتت تخط رحلة شقائها وكرامتها بالإضراب عن الطعام والشراب، لعل هناك من ينصرها ويضع حلًّا جذريًّا لقضيتهم.
جولة في المعرض:
خلال التجوال في المعرض تسير خطاك بثقل وأنت تشاهد الصور واحدة تلو الأخرى، الحاملة في كل زاوية منها معاناة من النوع الثقيل، مثل صور التعذيب داخل الزنازين، وهم جالسون في تلك الغرفة التي لم تتجاوز المترين طولًا وعرضًا، بأجسادهم النحيفة وثيابهم البالية، إلى جانب أسرتهم المزدوجة داخل غرفهم، والجدران التي رشقوها بجمل توحي بالكرامة والصمود.
ومن الصور الحية التي أثارت إعجاب الجميع وآلمت قلوبهم منذ وقع النظر عليها هي صورة أسير يحمل أحد العصافير على أصابع يده اليسرى، فاتحًا فمه ويطعم العصفور من لسانه، فأي القلوب تلك التي تعطف على الطير دون وجود لقلوب بشرية تحن عليهم في ظل الصمت العربي المذهل أمام ألفة تلك القلوب؟!
وعلى مقربة من صورة الأسير حسن سلامة التقطت صور عديدة للأسرى داخل السجون وهم مكبلو الأيدي مغطو الأعين بالأكياس السوداء، دون وجود أي ثقب يسمح بجريان الهواء اللازم لعملية التنفس، وقد ذيلت كل صورة بأبيات شعرية تحدثت بها عن معاناة أفراد كل صورة.
كان هناك:
استطاع بعض المحررين أن يحولوا تمرد السجن وظلمة الجدران إلى خلوة ربانية يملؤونها بغراس المحبة والوفاء لمن هم خلف القضبان الآن، فها هو الأسير المحرر أحمد الفليت مدير رابطة الأسرى المحررين في غزة تكفل بحمل رسائل الأسرى بالسجون للعالم؛ فتفاجأ بالأعداد التي لا تعرف بالأسرى، وإن كانت تعرف فهي تجهل بأعدادهم، وإن عرفت بأعدادهم فهي لا تعرف بمعاناتهم داخل السجون.
وأوضح الفليت أن تلك الصور التقطت بعد حصول الأسرى على أجهزة الهاتف الخلوي المدعم بـ(الكاميرا) عام 2008م، بالرغم من الخطورة التي يمكن أن تودي بالأسير الذي يظهر بمقاطع (الفيديو)، خصوصًا العزل الانفرادي، وهو أصعب أنواع التعذيب النفسي والجسدي، إلا أنهم قرروا إيصال فكرة حياة الأسرى بالسجون، وذلك بعد خروجهم من صفقة تبادل الأسرى، التي آلت إليها أخيرًا عجلة المفاوضات المستعصية، فكانت الباب الذي أخرج عشرات الأسرى من "قبور الأحياء" -كما يسمونها- إلى عالم الأحياء الحقيقي.
تركت دفاتر السجن القاسية علامتها في أجساد وذاكرة المحررين، إلا أن إرادة الحياة كانت أقوى من ذاكرة السجون، فتجدهم سرعان ما ذابوا في لجين العيش الغزي -كما هو- بحلوه ومره، وصاروا جزءًا من هذا التكتل البشري الذي استعصى على الاحتلال.

وأشار الفليت إلى انتقاء 130 صورة من أصل 10000 صورة بإمكانها إيصال رسالة قوية، وقال: "سنضيف أيضًا 40 صورة جديدة تظهر آلية تشخيص الأسير، وتضم رقم الأسير وسنة اعتقاله ومدة سجنه، إضافة إلى رقمه المتسلسل"، وأضاف: "سيغير نمط الأبيات الشعرية إلى كتابة توضيحية نظهر من خلالها عصب معنى الصورة".
ثلاث زوايا:
وينقسم المعرض إلى ثلاث زوايا، ضمت الزاوية الأولى بعضًا من المصطلحات العبرية مثل أسماء السجون: "نفحة" و(هداريم) (ريمون)، وأنواع التعذيب والأقسام الخاصة بالسجن، إضافة إلى صور أنابيب الغاز التي تلقى في غرف الأسرى، ما يؤدي إلى إصابتهم بالاختناق والإغماء.
أما في الزاوية الأخرى فتظهر حياة الأسرى اليومية، وأسرتهم الحديدية الثنائية، ومكان إيوائهم الذي يضم عشرة أسرى والحمام والأسرّة في غرفة واحدة، إضافة إلى سقف الساحة الخارجية المغلق بسياج عريض بشكل كامل، الذي بالكاد يستشعرون أشعة الشمس من خلاله.
والمحور الثالث يضم زاوية الأسيرات، وفيها تظهر حياة الأسيرة المحررة سمر صبيح التي وضعت ابنها في السجن؛ فأصبح أسيرًا منذ ولادته حتى العام الثاني من عمره.
وها هي غزة تفرش ثوبها للأسرى المحررين من الغزيين أصلًا ومن المبعدين، وتثبت للعالم أن إرادة الحياة والأمل هي التي تنتصر في النهاية.

المصدر: وكالة فلسطين اليوم.

التعليقات (0)

اترك تعليق