مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

مارغريت تاتشر... المرأة الحديدية التي غيرت وجه بريطانيا

مارغريت تاتشر... المرأة الحديدية التي غيرت وجه بريطانيا

مارغريت ثاتشر "المرأة الحديدية" شخصية عظيمة في الحياة السياسية البريطانية في القرن العشرين، وهي ابنة بقال بعزيمة من فولاذ أحبها البعض وكرهها آخرون بنفس الدرجة وهي تسحق نقابات عمالية وتقوم بخصخصة العديد من القطاعات الصناعية.
توفيت ثاتشر عن 87 عاما الإثنين بعد إصابتها بسكتة دماغية. وخلال حياتها السياسية أشاد بها البعض على أساس أنها من مؤيدي الحداثة وأنها غيرت وجه البلاد في حين اتهمها آخرون بحدة بترسيخ الفجوة بين الأغنياء والفقراء.
والصور التي تتبادر إلى الذهن عن فترة توليها رئاسة وزراء بريطانيا ستظل تلك المتعلقة بالصراع: مواجهات عنيفة بين الشرطة ونقابة عمال المناجم، ركوبها دبابة وهي ترتدي وشاحا أبيض، الدخان يتصاعد في سماء ميدان الطرف الأغر خلال أعمال شغب حول ضريبة محلية والتي أدت في نهاية الأمر إلى سقوطها.
وخلال 11 عاما قضتها في السلطة اصطدمت مع الاتحاد الأوروبي ووافقت على إعادة مستعمرة هونج كونج إلى الصين وخاضت حربا لاستعادة جزر فوكلاند من الغزاة الأرجنتينيين.
ووثقت العلاقة مع رونالد ريجان رئيس الولايات المتحدة خلال حقبة الحرب الباردة وأيدت الرئيس جورج بوش الأب في حرب الخليج عام 1991 وأعلنت أن الزعيم السوفيتي ميخائيل جورباتشوف رجل يمكن التعامل معه.
وعارضت فرض عقوبات على جنوب إفريقيا كوسيلة لإنهاء التمييز العنصري وكانت مؤيدة بقوة للدكتاتور التشيلي الراحل أوجستو بينوشيه.
وبالنسبة لمن أغضبوها كانت فظة لدرجة ما فقد قالت ذات يوم لأعضاء في حزب المحافظين الذي تنتمي له عندما حثوها على تهدئة سياساتها "هذه السيدة لا تتراجع"، واشتهرت في أوروبا بحقيبة اليد الجلدية السوداء التي كانت تحتقبها دائما.
وقادت ثاتشر رئيسة الوزراء الوحيدة في بريطانيا حزب المحافظين للفوز في الانتخابات ثلاث مرات وشغلت منصب رئيس الوزراء من عام 1979 حتى عام 1990 في أطول فترة متصلة لرئيس وزراء في المنصب منذ بداية القرن التاسع عشر.
وشكلت مع ريجان تحالفا قويا ضد الشيوعية وكوفئت برؤية سور برلين ينهار عام 1989 غير أنها شعرت بالقلق من أن تهيمن ألمانيا الموحدة على أوروبا.
وقال جيري آدمز رئيس الجناح السياسي بمنظمة الجيش الجمهوري الأيرلندي إن سياستها في أيرلندا الشمالية حيث قتل الآلاف في صراع بسبب الحكم البريطاني "أضرت كثيرا" بالمواطنين هناك.
وكسر جدول أعمالها الإصلاحي(الراديكالي على حد وصف البعض) المحافظ قوالب السياسة البريطانية وغير الوضع الراهن بشكل كبير لدرجة أن حتى حكومات حزب العمال التالية قبلت الكثير من سياساتها.
وحولت ثاتشر التي عرفت ببساطة باسم "ماجي" قطاعات كبيرة من الاقتصاد من القطاع العام إلى القطاع الخاص، وصرحت ذات مرة بأن "المشكلة مع الاشتراكية هي أنه في نهاية الأمر تنفد أموال ناس آخرين"، وأدت عقيدتها الخاصة التي تأسست على مباديء المنافسة والشركات الخاصة والتقشف والاعتماد على النفس إلى ميلاد فلسفة جديدة تعرف باسم "الثاتشرية"، لكن دواءها الاقتصادي الصارم تسبب في فقدان الملايين لوظائفهم وأبعد كثيرين ودمر بشكل كبير صناعات مثل التعدين.
وأثار موقفها القتالي عداء حلفاء في أوروبا وأدى عدم تسامحها مع المعارضة في نهاية الأمر إلى سقوطها، وفي ذروة فترة حكمها جعلتها شخصيتها واحدة من أفضل الشخصيات المعروفة في الغرب، كانت مدمنة للعمل وتقضي 18 ساعة فيه وتحصل بعد ذلك على فترة راحة.
وبعد الفوز بالانتخابات في الثالث من مايو آيار عام 1979 أطلقت إصلاحات اجتماعية واقتصادية تهدف إلى إنهاء ما اعتبرته تراجعا مستمرا في القطاع الصناعي وضرائب معوقة للأداء وتدخلا كبيرا للدولة في فترة أصبحت تعرف باسم "شتاء الاستياء"، ومحاربة زيادة الأجور بسبب التضخم وتحديث الاقتصاد أصبحا يعنيان كبح قوى العمل المنظم.
وبعد تعديلات في القانون وإضراب قاس استمر عاما انتهى بهزيمة عمال المناجم عام 1985 ولى عصر كانت النقابات العمالية تملي فيه على الحكومات البريطانية ما يجب أن تفعله.
وحبست بريطانيا أنفاسها عام 1982 عندما دفعت ثاتشر بقوة بحرية إلى جزر فوكلاند التي سيطر عليها غزاة أرجنتينيون. ورغم فقدان عدد من السفن الحربية إلا أن بريطانيا استعادت الجزر في نهاية الأمر بعد 74 يوما. وقتل إجمالي 649 أرجنتينيا و255 جنديا بريطانيا.
وفي استطلاع للرأي عام 1981 تصدرت ثاتشر قائمة أكثر رئيس وزراء بريطاني مكروه. ولكن بعد ذلك بعامين وبعد حرب فوكلاند عادت إلى مجدها بفعل موجة من المشاعر الوطنية وفي عام 1987 حققت فوزها الانتخابي الثالث لتحصل على أغلبية كبيرة أخرى في البرلمان.
وأطلقت ثاتشر مساعي لخصخصة شركات القطاع العام مثل الغاز والنفط والصلب والهواتف والمطارات وشركة الخطوط الجوية البريطانية وأعقب ذلك قطاعا الكهرباء والمياه.
ولكن رغم أن الثاتشرية حسنت أحوال كثيرين إلا أن البطالة تضاعفت بمنتصف ثمانينات القرن الماضي إلى أكثر من ثلاثة ملايين عاطل وهو رقم لم يحدث منذ الثلاثينات. وقال معارضون إن ثاتشر أوجدت أمة مقسمة بين الجنوب الغني والشمال الفقير.
ووطدت ثاتشر العلاقة بريجان الذي وصفها بأنها "أفضل رجل في انجلترا."
وكانت صحيفة رد ستار السوفيتية العسكرية هي من وصفت ثاتشر "بالمرأة الحديدية"، وعندما وصل جورباتشوف إلى الحكم عام 1985 أقامت علاقة عمل قوية معه، وبعد غزو العراق للكويت في أغسطس آب عام 1990 حذرت ثاتشر الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب من التراخي في معارضة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، وتوترت علاقات بريطانيا مع جيرانها الأوروبيين لعدم حرصها على تعزيز خطط دمج أوثق.
كانت ثاتشر تتمتع بمغناطيسية قوية فقد وصفها الرئيس الفرنسي الراحل فرانسوا ميتران بأن "لها عينا كاليجولا (الامبراطور الروماني الطاغية) وفم (نجمة هوليوود الراحلة) مارلين مونرو".
وفي عام 1984 شنت منظمة الجيش الجمهوري الايرلندي هجوما على فندق برايتون كاد أن يقتل كل أعضاء حكومتها. ونجت ثاتشر إلا أن خمسة قتلى قتلوا وأصيب بعض من أقرب زملائها باصابات بالغة، وفي الصباح التالي أدانت التفجير وقالت للصحفيين "كان هذا يوما لم أكن أرغب في أن أراه"، وخلال ساعات من الهجوم ووفق الجدول الموضوع ألقت الكلمة الختامية في المؤتمر السنوي لحزبها وتعهدت بألا تتوانى في الحرب ضد الإرهاب.
وفي عام 1984 وقعت ثاتشر مع رئيس الوزراء الصيني آنذاك تشاو تسي يانغ إعلانا وافقت بريطانيا بمقتضاه على تسليم هونج كونج إلى الصين عام 1997 بعد 156 عاما من الحكم الاستعماري البريطاني.
وبعد 11 عاما في السلطة واجهت منافسة على رئاسة الحزب من وزير دفاعها السابق مايكل هيزلتاين. وفرضت ضريبة محلية جديدة أدت إلى أعمال شغب ساهمت في سقوطها، وأعلنت خلال الانتخابات على رئاسة حزب المحافظين "أقاتل، أقاتل من أجل الفوز" إلا أنها استقالت في اليوم التالي، واحتفظت ثاتشر بنفوذ كاف لضمان عدم فوز هيزلتاين وخلفها تلميذها جون ميجر الذي عمل كرئيس للوزراء حتى عام 1997.
وقالت وقد اغرورقت عيناها بالدموع "أترك داونينج ستريت لآخر مرة بعد 11 عاما رائعة ونصف العام. سعيدة للغاية وأترك المملكة المتحدة في وضع أفضل كثيرا جدا عما كانت عليه عندما جئت".
وأصيبت بعدد من الجلطات البسيطة في نهاية عام 2001 و2002 وبعد ذلك قللت من الظهور العام وفيما بعد ألغت موعدا كانت تلقي فيه كلمة.
وتناول فيلم (المرأة الحديدية) الذي قامت ببطولته النجمة ميريل ستريب أصابتها بخرف الشيخوخة. وتعرض الفيلم لثاتشر كأرملة وحيدة تركت كي تجتر ذكرياتها.
 
المصدر: قناة المنار.

التعليقات (0)

اترك تعليق