مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

رسالة فتاة مسلمة من بورما:

رسالة فتاة مسلمة من بورما: "نحن المسلمين نعيش في حالة فزع دائم"

رسالة استغاثة أرسلتها فتاة مسلمة من بورما إلى صحيفة "دي فيلت" الألمانية:
تجتاح بورما منذ شهور اشتباكات دموية وأعمال عنف ضد الأقلية المسلمة؛ حيث يتم حرق المساجد ومدارس تحفيظ القرآن ومساكن المسلمين.
إحدى المسلمات البورميات تحكي معاناتها.

الخطاب الذي سنضعُه بين أيديكم يحوي رسالة، بعثتْ بها إلينا فتاةٌ مسلمة من بورما، وتَمَّ تهريبُه من بورما إلى تايلاند، ومن هناك تم إرساله إلينا هنا في ألمانيا، وقد تَمَّ نهج هذا المسلك؛ خشية أن يقع الخطاب في يد المخابرات البورمية إذا ما تم إرساله عبر البريد الإلكتروني.
ولأن حرية التعبير تشكل خطرًا على صاحبها في بورما، فقد رأت كاتبة الرسالة ألا تفصح عن اسمها.

تقول صاحبة الرسالة:
"دائما ما تسير الأمور وَفْق سيناريو متشابه كلَّ مرة؛ حيث يبدأ الأمر بإشاعات تتردَّد عن مهاجمة مساجد بعينها قبل الأحداث بأيام، ثم يتم بعدها التخطيط لكل شيء، وفي الليلة المحدَّدة للهجوم يتم قطع الكهرباء عن مناطق المسلمين، وكذلك قطع شبكات الاتصال الهاتفي، وبعد منتصف الليل أو عند الساعات الأولى للفجر يبدأ الهجوم؛ حيث يكون الجميع نيامًا ولا وجود لشهود من الخارج هناك لتوثيق ما يحدث.

يأتي المسلَّحون في سيارات، حيث إنهم ليسوا من سكان المناطق المتعرِّضة للهجوم، ثم إذا هموا بالهجوم يردِّدون النشيد الوطني للبلاد، والذي يقول مقطع منه: "هذه دولتنا وهذه أرضنا... إنها بحق لنا".

أول ما يقومون بإحراقه هو المساجد، ثم مدارس تحفيظ القرآن حتى وإن كان بداخلها طلاب، وفي بعض الحالات يقتلون حتى الأطفال الهاربين من تلك المدارس، ثم يتوجَّهون إلى منازل المسلمين ومحالِّهم التجارية فيحرقونها، ثم ينتظرون الهاربين من جحيم تلك النيران بالسكاكين والعصيِّ المعدنية لقتلِهم.

لاحقًا وفي وقتٍ ما تأتي الشرطة، لكنها تأتي تقريبًا بعد أن تكون جميع المباني قد احترقت تمامًا، بل هناك تقارير تشير إلى أن القوات الهجومية الخاصة التابعة للشرطة تكون موجودة وترى بعينها التخريب والقتل دون أن تتدخَّل.

فمن يُغِيثنا؟ وإلى مَن نلجأ؟ أإلى الشرطة أم إلى الجيش أم إلى الإرادة المدنية؟ ولأن الناس لا يعرفون إلى مَن يلجؤون فقد بدؤوا بحماية منازلهم بأنفسهم.

أعمال عنف مُمَنْهجة:
إذا سألتموني شخصيًّا عن أعمال العنف تلك، فسأقول لكم: إنها بلا شكٍّ أعمالُ عنف منظَّمة وممنهجة، سواء في التخطيط أو في التنفيذ، ويقف وراءها قوى كبرى تعمل من خلف الكواليس، وهذا ما يبدو واضحًا جدًّا من خلال تكرار نفس سيناريو الهجوم علينا.

وحتى وإن كان واضحًا من الوهلة الأولى أن هذا العنف موجَّه في المقام الأوَّل ضد الشعب المسلم في بورما، إلا أن للأمر أبعادًا أخرى أكبر من ذلك بكثير، فربما يكون الهدف من تلك الأعمال هو صرف انتباه الناس عن الصراع الدائر حول منجم (ليت باد أونج Letbadaung) للنُّحاس، والذي يتنازع فيه الشعب والرهبان البوذيُّون على هذا المشروع الكبير، لكن الكثيرين يرون أن مراكز القوى المتعنِّتة داخل المؤسسة العسكرية تحاول القيام بتخريب العملية الديموقراطية التي يسعى الرئيس (ثين سين) لإقرارها.

وفي حقيقة الأمر فإن الرئيس ذاته كان جنرالاً سابقًا في الجيش، لكن إصلاحاته تبدو وبكل وضوح في اتجاه تقليص الدور السياسي للجيش في البلاد، وهو الأمر الذي دفع قوى معينة إلى العمل على نشر تلك الفوضى والاضطرابات؛ من أجل إعطاء انطباع بأن بورما تحتاج إلى الحكم العسكري لحماية المجتمع من أن تدمِّرَه صراعاتُ القوى المتحاربة.

فالجيش دائمًا ما يقدِّم نفسَه على أنه الضمانة الوحيدة لتحقيق سيادة القانون وحفظ النظام، ومنذ زمن يتم استخدام المسلمين ككَبْش فداءٍ في تلك الصراعات، وآخرها اضطرابات عام 2003.

ويقول الكثيرون: إن الجنرال خين نايونت Khin Nyunt، والذي كان المنظِّم لتلك الاضطرابات في الماضي، يقوم اليوم بنفس الدور الذي لَعِبه في الماضي، ويتولى إثارة الاضطرابات الحالية، وكما في الماضي القريب تنتشر الاضطراباتُ اليوم كحريق هائل يسري كالنار في الهشيم.

تداول الكثير من الأخبار الكاذبة والإشاعات:
سبب الاضطرابات الأخيرة، والتي بدأت من مدينة ميكتيلا Meiktila، وهي مدينة مليئة بالمتاجر والأسواق، بدأتْ بخلاف في السوق بين تاجر ذهبٍ مسلم وزوجين بوذيينِ أرادا بيع مصوغات ذهبية للتاجر المسلم، والذي طلب فحصها أولاً فترك الزوجان المصوغات الذهبية لدى التاجر المسلم، والذي أخبرهما بعد أن عادا إليه أنه يرفض شراء هذه المصوغات؛ لأنها مزيفة، وبها صدوع علاوة على كونها مزيفة، فغضب الزوجان البوذيان، وتطور الأمر إلى معركة بعد أن استعان التاجر ببعض مساعديه، ثم نشبت الاشتباكات، وفي أثناء الاشتباكات سرى خبر قتل المسلمين لأحد الرهبان البوذيين، وهو ما تحدثتْ أنباء عن عدم صحته؛ حيث إن الراهب البوذي لقي حتفه بالصدفة أثناء الاشتباكات.

كل هذه التناقضات تُظهر إلى أي مدى تنتشر الأخبار الكاذبة والشائعات في المشهد، لكن المؤكد في الأمر أن "ميكتيلا" بها حاميةٌ كبيرة من رجال الشرطة وقوات حفظ النظام، كان بإمكانهم التدخل ببساطة وحل المسألة من بدايتها، إلا أن شهود العيان ادَّعوا أن الشرطة كانت تشاهد ما يجري دون أن تتحرَّك.

ومنذ ذلك الحين والعنفُ قد انتشر بلا رادعٍ في بلادنا؛ حيث تم إحراق المساجد ومدارس تحفيظ القرآن في كل نواحي منطقة يانجون وماندالاي، وكل ليلة تمر سيارات في مناطق المسلمين تحمل لافتات معادية للإسلام، وغالبًا ما يكون هؤلاء من خارج المناطق التي يقومون فيها بتلك الأفعال، ويبدو أن الكراهية يتمُّ زراعتُها بشكل عمدي وممنهج.
التسامح الديني يتراجع:

يتعرَّض مسلمو بورما للتمييز منذ زمن؛ حيث يقوم البعض بالتحريض ضد المسلمين البورميين، ومطالبة بني جلدتهم من البوذيين بعدم الشراء من متاجر المسلمين، وعدم العمل لدى المسلمين، وأحيانًا يتم توزيع منشورات تحمل عنوان: "نحن قلقون على هُوِيَّتنا القومية".
وفي أحد المتاجر الكبرى لبعض أصدقائي جاءت امرأة ذاتَ يوم وراحت تتحدَّث إلى البائعات البوذيات، وتحثهم على عدم العمل لدى تاجر مسلم، ثم أعطتْهن منشوراتٍ تحريضيةً ضد المسلمين.
وقبل وقت قصير من اندلاع أعمال العنف الأخيرة تم بَدْء حملة "969" من جديد، وهي حملة معادية للإسلام، ويمثل العدد 969 إشارة إلى الملك البوذي الأسطوري سيتكيار (Setkyar)، والذي يمثِّل رجوعُه إلى العالَم مرة أخرى بداية للعصر الذهبي للبوذية في العالم.
وينشر البوذيون ملصقات تلك الحملة على محلاَّتهم وعلى سيارات الأجرة، داعين البوذيين الآخرين من زبائنهم إلى مقاطعة المسلمين، كما يلعب الرهبان البوذيون دورًا كبيرًا في اضطهاد المسلمين وملاحقتهم؛ حيث إنهم يُكسِبون الحملاتِ العدائيةَ والأعمال العنيفة ضد المسلمين شرعيةً دينية.
التسامح يتراجع في بلادنا، وهذا ما يعبر عنه الموقفُ الذي تعرضت له ابنة أحد أصدقائنا، والتي أرادت أن تستأجر صالة أفراح في أحد المطاعم الكبرى لإقامة حفل زفافها، فما كان من مدير المطعم إلا أن رفض تأجير القاعة بدعوى أنهم مسلمون، وأنه لم يَعُد يؤجِّر قاعاته للمسلمين، لقد أصبح كونُها مسلمةً أمرًا خطيرًا، وقد اضطرت إلى تأجيل حفل زفافها.
عندما يحل الظلام يصبح الناس عصبيين:

صديق آخر حكى لي اليوم أنه في بعضِ خطوط حافلات نقل الركاب لم يَعُد من الممكن للمسلمين حجز تذاكر للركوب؛ وذلك أن شركات الحافلات لا يمكنها ضمان سلامة الركاب المسلمين، ولا سلامة الركاب غير المسلمين ما دام المسلمون يركبون معهم نفس الحافلة.
نحن المسلمين في بورما نعيش حالة من الخوف والرعب المستمرَّين، فنحن في حالة استنفارٍ ليلَ نهارَ، ولا يستطيع أحد أن يخرج من بيته ليلاً، والمحال التجارية تغلق أبوابها مبكرًا؛ حيث يصبح الناس عصبيين جدًّا في المساء ومع حلول الظلام؛ ولذلك يجتمع بعض الشباب والرجال ويقومون بعمل دوريات في المناطق المسلمة، ولكن أحدًا لا يعرف إذا ما تم الهجوم ما الذي يمكن لهؤلاء أن يفعلوه لدرء الهجوم.
في بادئ الأمر كان بعض المواطنين البوذيين يخبئون جيرانهم من المسلمين داخل بيوتهم، أما الآن فنادرًا ما تجد بوذيًّا مستعدًّا أن يفعل ذلك؛ لأن مَن يساعد مسلمًا فسيكون بيته هو البيتَ التالي الذي يتم الهجوم عليه.


المصدر: شبكة الألوكة.

التعليقات (0)

اترك تعليق