مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

الخائنات والمؤمنات.. مقارنة قصصية

الخائنات والمؤمنات.. مقارنة قصصية

- العينة الأُولى:
اثنتان من زوجات الأنبياء –ع– وهما: زوجة نوح وزوجة لوط، فرغم أنّهما كانتا في كنف زوجين نبيّين، لكنهما آثرتا الانسياق مع تيار المجتمع الفاسد المنحرف الذي يقف في الجهة المضادّة لدعوة زوجيهما المؤمنين الصالحين.
امرأتان عدوتان لزوجيهما تعيشان في بيوتهما وتناصران أعداءهما عليهما، فأيّ موقف خياني أشد وطأ من أن تقف شريكة الحياة في صف الأعداء المحاربة زوجها ونبيها ومؤتمنها على بيته وعرضه وأولاده، فعدوّ الداخل أشدّ خطورة من عدوّ الخارج، ولذا اعتبر ظلمُ ذوي القربى أشد مضاضة.
يقول تعالى: «ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ» (التحريم/ 10).

- العينة الثانية:
امرأتان صالحتان، إحداهما زوجة لطاغية مجرم مستكبر يذبّح الأبناء ويستحيي النساء، إنها (آسية بنت مزاحم) المرأة المؤمنة الفاضلة العاقلة التي اعتبرها النبي (ص) واحدة من أربع نساء هنّ أكمل نساء الدنيا، ورغم أنّها كانت تعيش في بحبوحة النعيم، لكنّها لم تستسلم لنعيم القصر الفرعوني، وآثرت جنّة الله وقربه «وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا لِلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ» (التحريم/ 11).
وأمّا المرأة الثانية فهي (مريم بنت عمران) المرأة العفيفة الشريفة التي كانت سيرتها الصالحة في قومها أنقى من الماء الزلال حتى أنّهم كانوا يضربون المثل بعفّتها وتبتّلها وعبادتها وسيرتها الحسنة العطرة، فكانت المثل الأعلى لنساء جيلها وللنساء على امتداد الأجيال، فهي لم تلوّث سمعتها بوحل السوء والفحشاء (أحصنت فرجها) وبقيت تعيش الطهر والعفّة التي يحبّها الله للفتيات وللشبّان على السواء.

- مقارنة بين العينتين:
1- العينة الأولى (امرأة نوح وامرأة لوط) لم تنتفعا من الغنيمة الكبرى التي كانت تتحرك في بيوتهما، فرغم أن زوجة النبي يفترض أن تكون داخل مدرسة الأخلاق والالتزام والتقوى والصلاح، وتمثل القدوة لنساء جيلها، إلا أنّهما كانتا على العكس تماماً، فهما كذاك العطشان القريب من النهر ولا يريد الارتواء منه وإنّما يفضّل أن يشرب من المستنقع!
أمّا العينة الثانية (آسية ومريم) فهما ورغم الإمكانية الدنيوية للحصول على المتع والملذّات والمباهج والمسرّات، لكنهما آثرتا الحصول على ما هو أكبر وأبهج وأدوم وهو نعيم الآخرة والفوز برضوان الله وهو أعظم النعيم.
2- العينة الأولى جاهلة متعنّتة لا تعرف الطريق الصحيح ولا قيمة الإيمان والصلاح والأمانة، ولذا راحتا تحاربان ذلك كلّه استجابة لجهل مستحكم وتيار جارف، فكانتا كمعصوب العينين لا تريان سوى ظلمة تمرّدهما وعنادهما وعصيانهما.
أمّا العينة الثانية، فهي عينة عالمة وعاقلة وعارفة تماماً ماذا تريد؟ وماذا يُراد منها؟ حتى ولو كان المجتمع كلّه فاسقاً منحرفاً ظالماً عاصياً، فهما تدركان أنّ المسؤولية أمام الله مسؤولية فردية «وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ» (الصافات/ 24).
3- العينة الأولى عينة الخائنات اللواتي لا يحفظن للزوجية الصالحة حقوقها، ولا يؤدين الأمانة إلى أصحابها، فبدلاً من أن يكن عوناً وعضداً لأزواجهنّ الصالحين كنّ عوناً عليهم، مما أفسد حياتهنّ وحياة أبنائهن. وقد مرّ بنا كيف أن ابن نوح (كنعان) قد ساير مجتمعه الفاسد الضال نتيجة ضلال أمّه وفسادها فكانا من المغرقين.
أمّا العينة الثانية، فهي عينة الأمينات على رسالتهنّ وإيمانهنّ وإخلاصهنّ لله، والصدق في التعامل معه، والأمينات على العفّة والطاعة، وتفضيل ما عند الله على ما عند سواه.

- تطبيقات عملية:
لا بدّ من التقاط الدروس والعبر التي تتضمنها العينتان، فالبيئة ليست كلّ شيء في التربية، فهناك عوامل أخرى تؤثر على سيرة وسلوك وموقف الإنسان، فلا يكفي العيش في بيت ليتحول سكّان ذلك البيت إلى أنبياء أو صلحاء، فالتنشئة الأولى والمحيط الاجتماعي والضاغط باتجاه الانحراف قد تجعل الإنسان يميل إلى الكفر ويصارع الإيمان.
فعلى صعيد الواقع الذي نحياه، نرى أنّ بعض أبناء وزوجات المؤمنين الصالحين يقفون في صف أعدائهم، حتى أنهم يتجسسون عليهم لصالح أنظمة الجور وربّما كانوا السبب في قتلهم على أيدي الطغاة، وهي خيانة عظمى تشبه خيانة امرأة لوط وامرأة نوح لزوجيهما.
وعلى العكس من ذلك، فإنّ القرب من أعداء الله والعصاة والطغاة لا يمثل سبباً لمجاراتهم والإقتداء بهم والعمل وفق ما يخططون، فإنّ الاقتران بعلاقة زوجية أو نسبية لا يعطي مبرراً للانحراف والانسياق مع الأهواء الضالّة المُضلّة.
ولعلّك اطلعت على شبان وفتيات عاشوا في بيوت منحرفة، حيث الأب سكّير يعاقر الخمرة ولا يصلّي ولا يصوم ويجترح السيِّئات والمنكرات جهاراً نهاراً، والأُمّ ساهية لاهية أو مغلوب على أمرها، وقد تعيش الانحراف في التبرّج والتغنّج، لكنّك ترى أبناءً ملتزمين وفتيات محتشمات لا يقرّون آباءهم وأمّهاتهم على ما هم عليه من ضلال، ومرجع ذلك إلى تقدير واعٍ ودقيق لخطورة ما يقو به الآباء والأُمّهات مما يجعل الأبناء والبنات ينفرون من ذلك ويقرفون منه ويهربون إلى الله لينجيهم من عمل آبائهم وأُمّهاتهم، وهؤلاء كآسية التي عاشت في البيت المنحرف ولم تنحرف[1].
ولا يخفى أنّ موقع الفتاة أو الشاب في البيت المؤمن والأسرة الصالحة له خصوصيته، فالناس – كما قلنا – ينظرون إلى البيت والأسرة ككل مكتمل، ولا ينظرون إلى أفراد كلّاً على انفراد، فانحراف أيّ عضو فيه سيصيب بالأذى أعضاءه الآخرين، وكما أنّ نساء النبي لسن كأحد من النساء لموقعهنّ الخاص من النبي ومن المجتمع، فكذلك نساء وبنات وأولاد المؤمنين العاملين الصالحين.
فقد ترى بعض بنات وأبناء وزوجات العلماء والعاملين والدعاة والقياديين والمسؤولين، سبّة على آبائهم، ومع أن (نوحاً) (ع) لا يتحمّل وزر عمل ابنه فكذلك المؤمنون الذين لا يتحملون وزر أعمال أبنائهم المنحرفين إلّا بقدر تقصيرهم في تربيتهم، لكننا نؤكد أنّ بعض الآباء الصالحين والأُمّهات الصالحات قد يطمئنون إلى أنّ صلاحهم لوحده كافٍ في أن يجعل أسرهم صالحة فلا يبذلون الجهد المطلوب لإصلاحهم وبنائهم وتربيتهم تربية حسنة، فصلاح الأبناء والبنات ليس انعكاسياً أو تلقائياً أو عفوياً أو بالتبعيّة، وإنّما هو جهد يُبذل وثقافة تُحمل، وتربية تتواصل.

الهامش:


[1]- لا شك أن تأثير البيت –كما أثبتت الدراسات– قوي وعميق على سلوك وشخصيات الأبناء والبنات، لكنّ الغاية من ذكر قصة (آسية في بيت فرعون) و(يوسف في بيت امرأة العزيز) هي للتأكيد أنّ البعض قد يعيش في قلب الانحراف لكنّه لا يفقد قيمه والتزامه وتمسّكه بدينه وأخلاقه واستقامته.

المصدر: البلاغ دوت كوم.

التعليقات (0)

اترك تعليق