مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

قصة ولادة السيدة حميدة للإمام الكاظم(ع)

قصة ولادة السيدة حميدة للإمام الكاظم(ع)

عن الإمام الصادق(ع) أنه قال: «حميدة مصفّاة من الأدناس كسبيكة الذهب، ما زالت الأملاك تحرسها، حتى أدّت إليّ كرامة من الله لي، والحجّة من بعدي»(1).
وعن أبي بصير قال: كنت مع أبي عبد الله(ع) في السنة التي ولد فيها ابنه موسى(ع)، فلمّا نزلنا الأبواء، وضع لنا أبو عبد الله(ع) الغداء ولأصحابه، وأكثره وأطابه، فبينا نحن نتغدى إذ أتاه رسول حميدة: أنّ الطلق قد ضربني، وقد أمرتني أن لا أسبقك بابنك هذا.
فقام أبو عبد الله(ع) فرحاً مسروراً، فلم يلبث أن عاد إلينا حاسراً عن ذراعيه، ضاحكاً سنُّه.
فقلنا: أضحك الله سنّك، وأقرّ عينك ما صنعت حميدة؟
فقال: «وهب الله لي غلاماً، وهو خير مَن برأ الله (أي خلق الله من العدم) ولقد خبّرتني بأمر كنت أعلم به منها».
قلت: جعلت فداك وما خبّرتك عنه حميدة؟
قال: «ذكرت أنه لمّا وقع من بطنها، وقع واضعاً يديه على الأرض، رافعاً رأسه إلى السماء، فأخبرتها أنّ تلك أمارة رسول الله(ص)، وأمارة الإمام(ع) من بعده(2)، الحديث.
وفي رواية أخرى:
عن أبي بصير قال: حججنا مع أبي عبد الله(ع) في السنة التي ولد فيها ابنه موسى(ع) فلما نزلنا الأبواء وضع لنا الغداء وكان إذا وضع الطعام لأصحابه أكثر وأطاب، قال: فبينا نحن نأكل إذ أتاه رسول حميدة فقال له: إن حميدة تقول: قد أنكرت نفسي وقد وجدت ما كنت أجد إذا حضرت ولادتي وقد أمرتني أن لا أستبقك بابنك هذا.
فقام أبو عبد الله(ع) فانطلق مع الرسول.
فلما انصرف قال لـه أصحابه: سرك الله وجعلنا فداك فما أنت صنعت من حميدة؟
قال: «سلمها الله وقد وهب لي غلاما وهو خير من برأ الله في خلقه، ولقد أخبرتني حميدة عنه بأمر ظنت أني لا أعرفه ولقد كنت أعلم به منها».
فقلت: جعلت فداك وما الذي أخبرتك به حميدة عنه؟
قال: ذكرت أنه سقط من بطنها حين سقط واضعا يديه على الأرض رافعا رأسه إلى السماء، فأخبرتها أن ذلك أمارة رسول الله(ص) وأمارة الوصي من بعده.
فقلت: جعلت فداك وما هذا من أمارة رسول الله(ص) وأمارة الوصي من بعده؟
فقال لي: «إنه لما كانت الليلة التي علق فيها بجدي أتى آت جد أبي بكأس فيه شربة أرق من الماء وألين من الزبد وأحلى من الشهد وأبرد من الثلج وأبيض من اللبن فسقاه إياه وأمره بالجماع، فقام فجامع فعلق بجدي، ولما أن كانت الليلة التي علق فيها بأبي أتى آت جدي فسقاه كما سقى جد أبي وأمره بمثل الذي أمره فقام فجامع فعلق بأبي، ولما أن كانت الليلة التي علق فيها بي أتى آت أبي فسقاه بما سقاهم وأمره بالذي أمرهم به فقام فجامع فعلق بي، ولما أن كانت الليلة التي علق فيها بابني أتاني آت كما أتاهم ففعل بي كما فعل بهم، فقمت بعلم الله وإني مسرور بما يهب الله لي فجامعت فعلق بابني هذا المولود، فدونكم فهو والله صاحبكم من بعدي، إن نطفة الإمام مما أخبرتك، وإذا سكنت النطفة في الرحم أربعة أشهر وأنشئ فيها الروح بعث الله تبارك وتعالى ملكا يقال لـه حيوان فكتب على عضده الأيمن «وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم»(3) وإذا وقع من بطن أمه وقع واضعا يديه على الأرض رافعا رأسه إلى السماء، فأما وضعه يديه على الأرض فإنه يقبض كل علم لله أنزله من السماء إلى الأرض، وأما رفعه رأسه إلى السماء فإن مناديا ينادي به من بطنان العرش من قبل رب العزة من الأفق الأعلى باسمه واسم أبيه يقول: يا فلان بن فلان اثبت تثبت فلعظيم ما خلقتك أنت صفوتي من خلقي وموضع سري وعيبة علمي وأميني على وحيي وخليفتي في أرضي، لك ولمن تولاك أوجبت رحمتي ومنحت جناني وأحللت جواري، ثم وعزتي وجلالي لأصلين من عاداك أشد عذابي وإن وسعت عليه في دنياي من سعة رزقي، فإذا انقضى الصوت صوت المنادي أجابه هو واضعا يديه رافعا رأسه إلى السماء يقول: «شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم(4)».
قال: «فإذا قال ذلك أعطاه الله العلم الأول والعلم الآخر واستحق زيارة الروح في ليلة القدر».
قلت: جعلت فداك الروح ليس هو جبرئيل؟
قال: الروح هو أعظم من جبرئيل، إن جبرئيل من الملائكة وإن الروح هو خلق أعظم من الملائكة، أليس يقول الله تبارك وتعالى: (تنزل الملائكة والروح(5)»(6).
بخ بخ لك:
وقالوا: لما ولد موسى بن جعفر(ع) دخل أبو عبد الله(ع) على حميدة البربرية أم موسى(ع) فقال لها: «يا حميدة بخ بخ حل الملك في بيتك»(7).


الهوامش:
(1) الكافي: ج1 ص477 ح2.
(2) بصائر الدرجات: ص440 ب12 ح4.
(3) سورة الأنعام: 115.
(4) سورة آل عمران: 18.
(5) سورة القدر: 4.
(6) الكافي: ج1 ص385 باب مواليد الأئمة ح1.
(7) بحار الأنوار: ج37 ص15 ب49.

المصدر: كتاب "أمهات المعصومين(ع)" للإمام الراحل الشيرازي(قده).

التعليقات (0)

اترك تعليق