مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

ما هي قصة عيسى وأمه(ع) في القرآن؟

ما هي قصة عيسى وأمه(ع) في القرآن؟

كانت أم المسيح مريم بنت عمران حملت بها أمها، فنذرت أن تجعل ما في بطنها إذا وضعته محررا يخدم المسجد، وهي تزعم أن ما في بطنها ذكور، فلما وضعتها وبان لها أنها أنثى حزنت وتحسرت ثم سمتها مريم أي الخادمة، وقد كان توفي أبوها عمران قبل ولادتها، فأتت بها المسجد تسلمها للكهنة وفيهم زكريا فتشاجروا في كفالتها، ثم اصطلحوا على القرعة وساهموا فخرج لزكريا فكفلها، حتى إذا أدركت ضرب لها من دونهم حجابا فكانت تعبد الله سبحانه فيها لا يدخل عليها إلا زكريا، وكلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا، قال: يا مريم أنى لك هذا؟
قالت: هو من عند الله، والله يرزق من يشاء بغير حساب، وقد كانت(ع) صديقة، وكانت معصومة بعصمة الله، طاهرة، مصطفاة، محدثة، حدثها الملائكة بأن الله اصطفاها وطهرها، وكانت من القانتين ومن آيات الله للعالمين (سورة آل عمران آية 35 - 44، سورة مريم آية 16، سورة الأنبياء آية 91، سورة التحريم آية 12).
ثم إن الله تعالى أرسل إليها الروح وهي محتجبة فتمثل لها بشرا سويا، وذكر لها أنه رسول من ربها ليهب لها بإذن الله ولدا من غير أب، وبشرها بما سيظهر من ولدها من المعجزات الباهرة، وأخبرها أن الله سيؤيده بروح القدس، ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل، ورسولا إلى بني إسرائيل ذا الآيات البينات، وأنبأها بشأنه وقصته ثم نفخ الروح فيها فحملت بها حمل المرأة بولدها (الآيات من آل عمران: 35 - 44).
ثم انتبذت مريم به مكانا قصيا، فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة، قالت: يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا، فناداها من تحتها أن لا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا، وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا، فكلي واشربي وقري عينا فإما ترين من البشر أحدا فقولي: إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا، فأتت به قومها تحمله (سورة مريم: 20 - 27) وكان حمله ووضعه وكلامه وسائر شؤون وجوده من سنخ ما عند سائر الأفراد من الإنسان.
فلما رآها قومها -والحال هذه- ثاروا عليها بالطعنة واللوم بما يشهد به حال امرأة حملت ووضعت من غير بعل، وقالوا: يا مريم لقد جئت شيئا فريا، يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا، فأشارت إليه، قالوا: كيف نكلم من كان في المهد صبيا؟
قال: إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا وجعلني مباركا أينما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا، والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم ابعث حيا (سورة مريم آية 27 - 33) فكان هذا الكلام منه(ع) كبراعة الاستهلال بالنسبة إلى ما سينهض على البغي والظلم، وإحياء شريعة موسى(ع) وتقويمه، وتجديد ما اندرس من معارفه، وبيان ما اختلفوا فيه من آياته.
ثم نشأ عيسى(ع) وشب وكان هو وأمه على العادة الجارية في الحياة البشرية يأكلان ويشربان، وفيهما ما في سائر الناس من عوارض الوجود إلى آخر ما عاشا.
ثم إن عيسى(ع) أوتي الرسالة إلى بني إسرائيل فانبعث يدعوهم إلى دين التوحيد، ويقول: إني قد جئتكم بآية من ربكم أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله وأبرئ الأكمه والأبرص وأحيي الموتى بإذن الله وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم، إن في ذلك لآية لكم، إن الله هو ربي وربكم فاعبدوه.
وكان يدعوهم إلى شريعته الجديدة وهو تصديق شريعة موسى(ع)، إلا أنه نسخ بعض ما حرم في التوراة تشديدا على اليهود، وكان يقول: إني قد جئتكم بالحكمة ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه، وكان يقول: يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة مبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد.
وأنجز(ع) ما ذكره لهم من المعجزات كخلق الطير، وإحياء الموتى، وإبراء الأكمه والأبرص، والإخبار عن المغيبات بإذن الله. ولم يزل يدعوهم إلى توحيد الله وشريعته الجديدة حتى أيس من إيمانهم، لما شاهد من عتو القوم وعنادهم واستكبار الكهنة والأحبار عن ذلك، فانتخب من الشرذمة التي آمنت به الحواريين أنصارا له إلى الله.
ثم إن اليهود ثاروا عليه يريدون قتله فتوفاه الله ورفعه إليه، وشبه لليهود: فمن زاعم أنهم قتلوه، ومن زاعم أنهم صلبوه، ولكن شبه لهم (آل عمران آية 45 - 58، الزخرف آية 63 - 65، الصف آية 6 و 14، المائدة آية 110 و 111، النساء آية 157 و 158) فهذه جمل ما قصه القرآن في عيسى بن مريم وأمه.


المصدر: الريشهري، محمد: ميزان الحكمة. ط1، التنقيح الثاني: 1416، دار الحديث، ج4.

التعليقات (0)

اترك تعليق