هل كان هارون أخا للسيدة مريم(ع) حقيقة أم لا؟
إنّ هارون الذي نسبت إليه مريم(ع) قيل فيه أقوال منها أن هارون المذكور في الآية «يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا» (سورة مريم، الآية: 28) كان رجلا فاسقا مشهورا بالعهر والشر وفساد الطريقة فلما أنكروا ما جاءت به من الولد وظنوا بها ما هي مبرّأة منه نسبوها إلى هذا الرجل تشبيهاً وتمثيلاً وكان تقدير الكلام يا شبيهة هارون في فسقه وقبح فعله وهذا القول يروى عن سعيد بن جبير.
ومنها أن هارون هذا كان أخاها لأبيها دون أمها.
وقيل إنه كان أخاها لأبيها وأمها وكان رجلاً معروفا بالصلاح وحسن الطريقة والعبادة والتأله.
وقيل إنه لم يكن أخاها على الحقيقة بل كان رجلا صالحا من قومها وإنه لما مات شيع جنازته أربعون ألف رجل كلهم يسمون هارون من بني إسرائيل فلما أنكروا ما ظهر من أمرها قالوا لها يا أخت هارون أي بالشبهة بالصلاح ما كان هذا معروفا منك ولا كان والدك ممن يفعل القبيح ولا يتطرق عليه الريب.
وعلى قول من قال إنه كان أخاها يكون معنى قولهم إنك من أهل بيت الصلاح والسداد لأن أباك لم يكن امرأ سوء ولا كانت أمك بغيا وأنت مع ذلك أخت هارون المعروف بالصلاح والسداد والعفة فكيف أتيت بما لا يشبه نسبك ولا يعرف من مثلك. ويقوي هذا القول ما رواه المغيرة بن شعبة قال "لما أرسلني رسول الله(ص) إلى أهل نجران قال لي أهلها أليس نبيكم يزعم أن هارون أخو موسى وقد علم الله تعالى ما كان بين موسى وعيسى من النبيين فلم أدر ما أورد عليهم حتى رجعت إلى النبي(ص) فذكرت له ذلك فقال لي فهلا قلت إنهم كانوا يدعون بأنبيائهم والصالحين قبلهم.
ومنها أن يكون معنى يا أخت هارون يا من هي من نسل هارون أخي موسى كما يقال للرجل يا أخا تميم ويا أخا بني فلان.
وعن الجبائي: "يا أخت هارون" قيل فيه أقوال:
أحدها: أن هارون كان رجلا صالحا في بني إسرائيل ينسب إليه كل من عرف بالصلاح، عن ابن عباس وقتادة وكعب وابن زيد، والمغيرة بن شعبة رفعه إلى النبي (ص) وقيل: إنه لما مات شيع جنازته أربعون ألفا كلهم يسمى هارون، فقولهم: "يا أخت هارون" معناه: يا شبيهة هارون في الصلاح ما كان هذا معروفا منك.
وثانيها: أن هارون كان أخاها لأبيها ليس من أمها، وكان معروفا بحسن الطريقة عن الكلبي.
وثالثها: أنه هارون أخو موسى عليه السلام فنسبت إليه لأنها من ولده كما يقال: يا أخا تميم، عن السدي.
ورابعها: أنه كان رجلا فاسقا مشهورا بالعهر والفساد فنسبت إليه، وقيل لها: يا شبيهته في قبح فعله، عن سعيد بن جبير: "ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا" أي كان أبواك صالحين، فمن أين جئت بهذا الولد؟
وذكر مقاتل بن سليمان في قوله تعالى يا أخت هارون قال روى عن النبي(ص) أنه قال هارون الذي ذكروه هو هارون أخو موسى(ع). قال مقاتل تأويل يا أخت هارون يا من هي من نسل هارون كما قال تعالى: «وإلى عاد أخاهم هودا.. وإلى ثمود أخاهم صالحا» يعنى بأخيهم أنه من نسلهم وجنسهم وكل قول من هذه الأقوال قد اختاره قوم من المفسرين.
المصادر:
1- السيد المرتضى: الأمالي، تصحيح وتعليق: الشيخ أحمد بن الأمين الشنقيطي. ط1، منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي، 1325- 1907 م، ج4.
2- العلامة المجلسي: بحار الأنوار. الطبعة الثانية المصححة، مؤسسة الوفاء، بيروت، لبنان، 1403 - 1983 م، ج14.
اترك تعليق