مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

النساء المذكورة أسماؤهنّ في كتاب

النساء المذكورة أسماؤهنّ في كتاب "أعيان الشيعة" للسيد محسن الأمين(8)

111- زينب الكبرى بنت مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(ع):
وتعرف بالعقيلة أمها فاطمة الزهراء بنت رسول الله(ص) كانت زينب(ع) من فضليات النساء. وفضلها أشهر من أن يذكر وأبين من أن يسطر. وتعلم جلالة شأنها وعلو مكانها وقوة حجتها ورجاحة عقلها وثبات جنانها وفصاحة لسانها وبلاغة مقالها حتى كأنها تفرع عن لسان أبيها أمير المؤمنين(ع) من خطبها بالكوفة والشام واحتجاجها على يزيد وابن زياد بما فحمهما حتى لجا إلى سوء القول والشتم وإظهار الشماتة والسباب الذي هو سلاح العاجز عن إقامة الحجة وليس عجيبا من زينب أن تكون كذلك وهي فرع من فروع الشجرة الطيبة النبوية والأرومة الهاشمية جدها الرسول وأبوها الوصي وأمها البتول وأخواها لأبيها وأمها الحسنان ولا بدع إن جاء الفرع على منهاج أصله.
وكانت زينب الكبرى متزوجة بابن عمها عبد الله بن جعفر بن أبي طالب وولد له منها علي الزينبي وعون ومحمد وعباس وأم كلثوم لسبط بن الجوزي يوسف قزاوغلي وعون ومحمد قتلا مع خالهما الحسين(ع) بطف كربلا.
وأم كلثوم هي التي خطبها معاوية لابنه يزيد فزوجها خالها الحسين(ع) من ابن عمها القاسم بن محمد بن جعفر بن أبي طالب.
وسميت أم المصائب وحق لها أن تسمى بذلك فقد شاهدت مصيبة وفاة جدها الرسول(ص) ومصيبة وفاة أمها الزهراء(ع) ومحنتها ومصيبة قتل أبيها أمير المؤمنين(ع) ومحنة ومصيبة شهادة أخيها الحسن بالسم ومحنته والمصيبة العظمى بقتل أخيها الحسين(ع) من مبتداها إلى منتهاها وقتل ولداها عون ومحمد مع خالهما أمام عينها وحُملت أسيرة من كربلاء إلى الكوفة وأُدخلت على ابن زياد إلى مجلس الرجال وقابلها بما اقتضاه لؤم عنصره وخسة أصله من الكلام الخشن الموجع وإظهار الشماتة الممضة، وحُملت أسيرة من الكوفة إلى ابن آكلة الأكباد بالشام ورأس أخيها ورؤوس ولديها وأهل بيتها أمامها على رؤوس الرماح طول الطريق حتى دخلوا دمشق على هذه الحال وأُدخلوا على يزيد في مجلس الرجال وهم مقرنون بالحبال.
قال المفيد فرأى هيئة قبيحة وأظهر السخط على ابن زياد ثم أفرد لهن ولعلي بن الحسين دارا وأمر بسكوتهم وقال لزين العابدين كاتبني من المدينة وإنه إلى كل حاجة تكون ولما عادوا أرسل معهم النعمان بن بشير وأمره أن يرفق بهم في الطريق ولما غزا جيشه المدينة أوضى مسرف بن عقبة بعلي بن الحسين(ع). وذلك لما رأى من نقمة الناس عليه فأراد أن يتلافى ما فرط منه وهيهات كما قال الشريف الرضي:
وود أن يتلافى ما جنت يده * وكان ذلك كسرا غير مجبور
وكان لزينب في وقعة الطف المكان البارز في جميع الحالات وفي المواطن كلها؛ فهي التي كانت تمرض العليل وتراقب أحوال أخيها الحسين(ع) ساعة فساعة وتخاطبه وتسأله عند كل حادث، وهي التي كانت تدبر أمر العيال والأطفال وتقوم في ذلك مقام الرجال، وهي التي دافعت عن زين العابدين لما أراد ابن زياد قتله وخاطبت ابن زياد بما ألقمه حجرا حتى لجا إلى ما لا يلجأ إليه ذو نفس كريمة، وبها لاذت فاطمة الصغرى وأخذت بثيابها لما قال الشامي ليزيد هب لي هذه الجارية فخاطبت يزيد بما فضحه وألقمته حجرا حتى لجا إلى ما لجا إليه ابن زياد.
والذي يلفت النظر أنها في ذلك الوقت كانت متزوجة بعبد الله بن جعفر فاختارت صحبة أخيها على البقاء عند زوجها وزوجها راض بذلك مبتهج به وقد أمر ولديه بلزوم خالهما والجهاد بين يديه ففعلا حتى قتلا وحق لها ذلك فمن كان لها أخ مثل الحسين وهي بهذا الكمال الفائق لا يستغرب منها تقديم أخيها على بعلها.

أخبارها المتعلقة بوقعة الطف حتى رجوعها للمدينة:
روى ابن طاوس أن الحسين(ع) لما نزل الخزيمية أقام بها يوما وليلة فلما أصبح أقبلت إليه أخته زينب فقالت يا أخي ألا أخبرك بشيء سمعته البارحة فقال الحسين(ع) وما ذاك فقالت خرجت في بعض الليل لقضاء حاجة فسمعت هاتفا يهتف ويقول:
الا يا عين فاحتفلي بجهد * ومن يبكي على الشهداء بعدي
على قوم تسوقهم المنايا * بمقدار إلى انجاز وعد
فقال لها الحسين(ع) يا أختاه كل الذي قضي فهو كائن.
وقال المفيد لما كان اليوم التاسع من المحرم زحف عمر بن سعد إلى الحسين(ع) بعد العصر والحسين(ع) جالس أمام بيته محتب بسيفه إذ خفق برأسه على ركبتيه فسمعت أخته الضجة الصيحة فدنت من أخيها فقالت يا أخي أما تسمع هذه الأصوات قد اقتربت فرفع الحسين رأسه فقال إني رأيت رسول الله(ص) الساعة في المنام فقال لي إنك تروح إلينا فلطمت أخته وجهها ونادت بالويل فقال لها الحسين ليس لك الويل يا أختاه اسكتي رحمك الله، والمراد بأخته في هذه الرواية هي زينب بلا ريب؛ لأنها هي التي كانت تراقب أحوال أخيها في كل وقت ساعة فساعة، وتتبادل معه الكلام فيما يحدث من الأمور والأحوال.
وقد روى ابن طاوس هذه الرواية مع بعض الزيادة وصرّح بأنّ اسمها زينب فقال فسمعت أخته زينب الضجة إلى أن قال فلطمت زينب وجهها وصاحت ونادت بالويل، فقال لها الحسين(ع) ليس لك الويل يا أخية اسكتي رحمك الله، لا تشمتي القوم بنا.
وقال ابن الأثير ج 4 ص 29 نهض عمر بن سعد إلى الحسين عشية الخميس لتسع مضين من المحرم بعد العصر والحسين جالس أمام بيته محتبيا بسيفه إذ خفق برأسه على ركبته، وسمعت أخته زينب الضجة فدنت منه فأيقظته فرفع رأسه فقال إني رأيت رسول الله(ص) في المنام فقال إنك تروح إلينا، فلطمت أخته وجهها وقالت يا ويلتاه قال ليس لك الويل يا أخية اسكتي رحمك الله.
وقال المفيد قال علي بن الحسين إني لجالس في صبيحتها وعندي عمتي زينب تمرضني إذ اعتزل أبي في خباء له وعنده جوين مولى أبي ذر الغفاري وهو أي جوين يعالج سيفه ويصلحه وأبي يقول:
يا دهر أف لك من خليل * كم لك بالاشراق والأصيل
من صاحب أو طالب قتيل * والدهر لا يقنع بالبديل
وإنما الامر إلى الجليل * وكل حي سالك سبيلي السبيل

فأعادها مرتين أو ثلاثا حتى فهمتها وعرفت ما أراد فخنقتني العبرة فرددتها ولزمت السكوت وعلمت أن البلاء قد نزل، وأما عمتي فإنها لما سمعت -وهي امرأة ومن شأن النساء الرقة والجزع- فلم تملك نفسها أن وثبت تجر ثوبها، وإنها لحاسرة حتى انتهت إليه، فقالت وا ثكلاه ليت الموت أعدمني الحياة، اليوم ماتت أمي فاطمة وأبي علي وأخي الحسن، يا خليفة الماضي وثمال الباقي، فنظر إليها الحسين(ع) فقال لها يا أخية لا يذهبن حلمك الشيطان وترقرقت عيناه بالدموع وقال لو ترك القطا ليلا لنام، فقالت يا ويلتاه أفتغتصب نفسك اغتصابا فذلك أقرح لقلبي وأشد على نفسي، ثم لطمت وجهها[...] قال لها أيها يا أختاه[...] تعزي بعزاء الله واعلمي أن أهل الأرض يموتون وأهل السماء لا يبقون وإن كل شيء هالك إلا وجهه إلى أن قال فعزاها بهذا ونحوه وقال لها يا أخية إني أقسمت عليك فأبرّي قسمي لا تشقّي عليّ جيبا ولا تخمشي عليّ وجها ولا تدعي علي بالويل والثبور إذا أنا هلكت ثم جاء بها حتى أجلسها عندي.
وروى ابن طاوس في الملهوف هذا الخبر بنحو ما رواه المفيد وصرح باسم أخته زينب وزاد في الأبيات ما أقرب الوعد من الرحيل قال فسمعت أخته زينب بنت فاطمة(ع) ذلك فقالت يا أخي هذا كلام من أيقن بالقتل فقال نعم يا أختاه فقالت زينب وا ثكلاه ينعى الحسن إلي نفسه الحديث.
وقال ابن الأثير في الكامل سمعته أخته زينب تلك العشية وهو في خباء له يقول وعنده حوي مولى أبي ذر الغفاري يعالج سيفه يا دهر أف لك من خليل الأبيات الثلاثة المتقدمة ثم ذكر تمام الخبر بنحو مما ذكره المفيد وابن طاوس ثم ذكر ابن طاوس أنه خاطب النساء وفيهن زينب وأم كلثوم فقال انظرن إذا أنا قتلت فلا تشققن علي جيبا ولا تخمشن علي وجها ولا تقلن هجرا.
وقال المفيد لما قتل علي بن الحسين الأكبر خرجت زينب أخت الحسين مسرعة تنادي يا حبيباه ويا ابن أخياه وجاءت حتى أكبت عليه فاخذ الحسن برأسها فردها إلى الفسطاط.
قال ابن الأثير حمل الناس على الحسين عن يمينه وشماله فحمل على الذين عن يمينه فتفرقوا ثم حمل على الذين عن يساره فتفرقوا فما رئي مكثور قط قد قتل ولده وأهل بيته وأصحابه أربط جأشا ولا أمضى جنانا ولا أجرأ مقدما منه أن كانت الرجالة لتنكشف عن يمينه وشماله انكشاف المعزى إذا شد فيها الذئب فبينما هو كذلك إذ خرجت زينب وهي تقول ليت السماء أطبقت على الأرض وقد دنا عمر بن سعد فقالت يا عمر أيقتل أبو عبد الله وأنت تنظر فدمعت عيناه حتى سالت دموعه على خديه ولحيته وصرف وجهه عنها.
قال ابن طاوس لما كان اليوم الحادي عشر بعد قتل الحسين(ع) حمل ابن سعد معه نساء الحسين وبناته وأخواته فقال النسوة بحق الله إلا ما مررتم بنا على مصرع الحسين فمروا بهن على المصرع فلما نظر النسوة إلى القتلى فوالله لا أنسى زينب بنت علي وهي تندب الحسين وتنادي بصوت حزين وقلب كئيب يا محمداه صلى عليك مليك السما هذا حسينك مرمل بالدما مقطع الأعضاء وبناتك سبايا، إلى الله المشتكى، وإلى محمد المصطفى، وإلى علي المرتضى، وإلى فاطمة الزهراء، وإلى حمزة سيد الشهداء، يا محمداه هذا حسين بالعرا تسفي عليه ريح الصبا، قتيل أولاد البغايا، وا حزناه وا كرباه عليك يا أبا عبد الله، اليوم مات جدي رسول الله، يا أصحاب محمد هؤلاء ذرية المصطفى يساقون سوق السبايا، وفي بعض الروايات وا محمداه بناتك سبايا وذريتك مقتلة تسفي عليهم ريح الصبا، وهذا حسين محزوز الرأس من القفا مسلوب والردا، بأبي من أضحى عسكره يوم الاثنين نهبا، بأبي من فسطاطه مقطع العرى، بأبي من لا غائب فيرتجى ولا جريح فيداوى، بأبي من نفسي له الفدا، بأبي المهموم حتى قضى، بأبي العطشان حتى مضى، بأبي من شيبته تقطر بالدما، بأبي من جده رسول إله السماء، بأبي من هو سبط نبي الهدى، بأبي محمد المصطفى، بأبي خديجة الكبرى، بأبي علي المرتضى، بأبي فاطمة الزهراء، بأبي من ردت له الشمس حتى صلى، فأبكت والله كل عدو وصديق.
ولما دخلوا الكوفة جعل أهلها يناولون الأطفال الخبز والجبن والتمر والجوز فكانت زينب تأخذ ذلك من أيدي الأطفال وترمي به وتقول يا أهل الكوفة إن الصدقة علينا حرام.

خطبة زينب(ع) بالكوفة:
روى ابن طاوس أنه لما جيء بسبايا أهل البيت إلى الكوفة جعل أهل الكوفة ينوحون ويبكون قال بشر بن خزيم الأسدي ونظرت إلى زينب بنت علي(ع) يومئذ فلم أر خفرة أنطق منها كأنها تفرع عن لسان أمير المؤمنين(ع)، وقد أومأت إلى الناس أن اسكتوا فارتدت الأنفاس وسكنت الأجراس ثم قالت:
الحمد لله والصلاة على محمد وآله الطاهرين، أما بعد يا أهل الكوفة، يا أهل الختل والغدر، أتبكون! فلا رقأت الدمعة، ولا قطعت الرنة، إنما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا، تتخذون أيمانكم دخلا بينكم، ألا وهل فيكم إلا الصلف النطف، والصدر الشنف، وملق الإماء، وغمر الأعداء، أو كمرعى على دمنة، أو كفضة على ملحودة، ألا ساء ما قدمت لكم أنفسكم أن سخط الله عليكم وفي العذاب أنتم خالدون، أتبكون وتنتحبون، إي والله فابكوا كثيرا واضحكوا قليلا، فلقد ذهبتم بعارها وشنارها، ولن ترحضوها بغسل بعدها أبدا، وأنى ترحضون قتل سليل خاتم النبوة، ومعدن الرسالة، وسيد شباب أهل الجنة، وملاذ حيرتكم، ومفزع نازلتكم، ومنار حجتكم، ومدرة ألسنتكم، ألا ساء ما تزرون وبُعدا لكم وسحقا، فلقد خاب السعي وتبت الأيدي، وخسرت الصفقة، وبؤتم بغضب من الله، وضُربت عليكم الذلة والمسكنة، ويلكم يا أهل الكوفة أتدرون أي كبد لرسول الله(ص) فريتم، وأي كريمة له أبرزتم، وأي دم سفكتم، وأي حرمة له انتهكتم، لقد جئتم بها صلعاء عنقاء سوداء فقماء نأناء خرقاء شوهاء كطلاع الأرض أو ملء السما، أفعجبتم أن مطرت السماء دما فلعذاب الآخرة أخزى وأنتم لا تنصرون، فلا يستخفنكم المهل فإنه لا يحفزه البدار، ولا يخاف فوت الثار وإن ربكم بالمرصاد.
قال: فوالله لقد رأيت الناس يومئذ حيارى يبكون، وقد وضعوا أيديهم في أفواههم، ورأيت شيخا واقفا إلى جنبي يبكي حتى اخضلت لحيته وهو يقول بأبي أنتم وأمي كهولكم خير الكهول، وشبابكم خير الشباب، ونساؤكم خير النساء، ونسلكم خير نسل لا يخزي ولا يبزي.
قال المفيد أدخل عيال الحسين(ع) على ابن زياد فدخلت زينب أخت الحسين(ع) في جملتهم متنكرة وعليها أرذل ثيابها فمضت حتى جلست ناحية من القصر وحفت بها إماؤها، فقال ابن زياد: مَن هذه التي انحازت فجلست ناحية ومعها نساؤها؟
فلم تجبه زينب، فأعاد ثانية وثالثة يسأل عنها، فقال له بعض إمائها هذه زينب بنت فاطمة بنت رسول الله(ص) وكأن هذه الأمة أرادت لفت نظره إلى لزوم تعظيمها واحترامها بكونها بنت فاطمة بنت رسول الله(ص) وكفى ذلك في لزوم تعظيمها واحترامها ولكن أبى له كفره وخبثه ولؤم عنصره إلا أن يتجهم لها في جوابه ويجيبها بأقبح جواب، وهو الذي صرح بالكفر لما وضع رأس الحسين(ع) بين يديه بقوله يوم بيوم بدر فأقبل عليها ابن زياد فقال لها: الحمد لله الذي فضحكم وقتلكم وأكذب أحدوثتكم، فأجابته جواب الركين الرصين العارف بمواقع الكلام فقالت زينب(ع): الحمد لله الذي أكرمنا بنبيه محمد(ص) وطهرنا من الرجس تطهيرا، إنما يُفتضح الفاسق ويُكذب الفاجر وهو غيرنا والحمد لله.
فقال ابن زياد: كيف رأيت فعل الله بأهل بيتك.
فقالت: كتب الله عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم وسيجمع الله بينك وبينهم فتتحاجون إليه وتختصمون عنده.
وفي رواية غير المفيد أنها قالت ما رأيت إلا جميلا هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم وسيجمع الله بينك وبينهم فتحاج وتخاصم فانظر لمن الفلج يومئذ هبلتك أمك يا ابن مرجانة.
قال المفيد فغضب ابن زياد واستشاط لما أفحمه جوابها، فقال له عمر بن حريث أيها الأمير إنها امرأة لا تؤاخذ بشيء من منطقها، ولا تذم على خطائها، فعاد حينئذ إلى ما جبل عليه من سوء القول، فقال لها ابن زياد: قد شفى الله نفسي من طاغيتك والعصاة من أهل بيتك.
فرقت زينب وبكت وقالت له: لعمري لقد قتلت كهلي وأبرزت أهلي وقطعت فرعي واجتثثت أصلي فإن يشفك هذا فقد اشتفيت.
فقال ابن زياد: هذه سجاعة ولعمري لقد كان أبوها سجاعا شاعرا.
فقالت: ما للمرأة والسجاعة إن لي عن السجاعة لشغلا ولكن صدري نفث بما قلت. وسأل علي بن الحسين من أنت؟! فأخبره.
فقال: أليس قد قتل الله علي ابن الحسين.
فقال: كان لي أخ يسمى عليا قتله الناس.
قال: بل الله قتله.
قال: الله يتوفى الأنفس حين موتها.
فغضب ابن زياد وقال: وبك جرأة لجوابي وفيك بقية للرد علي، اذهبوا به فاضربوا عنقه وهكذا يكون حال من يعجز عن الجواب الحق من الظلمة أن يلجأ إلى السيف. فتعلقت به زينب عمته وقالت: يا ابن زياد حسبك من دمائنا، واعتنقته وقالت: لا والله لا أفارقه فإن قتلته فاقتلني معه.
فنظر ابن زياد إليها واليه ساعة ثم قال: عجبا للرحم والله إني لأظنها ودّت أني قتلتها معه دعوه فاني أراه لما به.
وفي رواية أن عليا(ع) قال لعمته اسكتي يا عمة حتى أكلمه ثم أقبل عليه فقال أبالقتل تهددني أما علمت أن القتل لنا عادة وكرامتنا الشهادة، ثم أمر ابن زياد بهم فحملوا إلى دار بجنب المسجد الأعظم، فقالت زينب بنت علي(ع) لا تدخلن علينا عربية إلا أم ولد أو مملوكة فإنهن سبين كما سبينا، وهذا غاية ما في وسع زينب من إظهار الحزن والتألم لما أصابهم وإظهار فضائح الظالمين.
ثم إن ابن زياد بعث بهم إلى الشام إجابة لطلب يزيد بن معاوية ومعهم الرؤوس وفيها رأس الحسين(ع) فدعا بالرأس الشريف فوضع بين يديه.
قال المفيد ثم دعا يزيد بالنساء والصبيان فأجلسوا بين يديه، قالت فاطمة بنت الحسين(ع) فقام إليه رجل من أهل الشام أحمر فقال يا أمير المؤمنين هب لي هذه الجارية، فأرعدت وظنت أن ذلك جائز عندهم، فأخذت بثياب عمتي زينب، وكانت تعلم أنّ ذلك لا يكون وكانت أكبر منها، فقالت عمتي للشامي: كذبت والله ولؤمت ما ذاك لك ولا له.
فغضب يزيد وقال: كذبت إن ذلك لي ولو شئت أن أفعل لفعلت.
قالت: كلا والله ما جعل الله لك ذلك إلا أن تخرج من ملتنا وتدين بغيرها.
فاستطار يزيد غضبا وقال: إياي تستقبلين بهذا إنما خرج من الدين أبوك وأخوك.
قالت زينب: بدين الله ودين أبي ودين أخي اهتديت أنت وجدك وأبوك إن كنت مسلما. قال: كذبت يا عدوة الله.
قالت له: أنت أمير تشتم ظالما وتقهر بسلطانك، فكأنه استحيا وسكت.
وقال ابن طاوس إن زينب بنت علي لما رأت رأس أخيها بين يدي يزيد[...] نادت بصوت حزين يقرح القلوب يا حسيناه يا حبيب رسول الله يا ابن مكة ومنى يا ابن فاطمة الزهراء سيدة النساء يا ابن بنت المصطفى قال الراوي فأبكت والله كل من كان حاضرا في المجلس ويزيد ساكت.

المصدر: أعيان الشيعة: السيد محسن الأمين، ج7.

التعليقات (0)

اترك تعليق