مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

العلاج النفسي القرآني

العلاج النفسي القرآني: وننزّل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين.

كثير من الأمراض العضوية (الجسدية) يعود إلى عوامل نفسيّة وتسمى الإضطرابات السكوسوماتية، وهي من أمراض العصر التي يكثر انتشارها ويستعصى حلُّها على الأدوية والعادية.
فالإنفعالات الشديدة، والقهر، والقلق، والإحباط وكظم الإنفعالات تؤدِّي إلى فقدان التوازن النفسي، ما يؤثِّر في الوظائف العضوية ويؤدِّي إلى خلل فيها(1)... ولأنَّ الإسلام عندما جاء أكَّد على أهمية الجانب النفسي أو الروحي في شفاء الأمراض الروحانية والجسدية؛ إذ يقول الله –سبحانه وتعالى- في كتابه العزيز: «ونُنَزِّلُ مِنَ القُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِين»(الإسراء:82)، نجد أنّ أطباء قدماء كثيرين اهتموا بهذا الجانب مثل الطبيب ابن عيسى المجوسي(990م)، الذي يشير في كتابه (كامل الصناعة الطبية)، إلى أنّ الأمراض النفسية مثل الحصر، والغم، والهمّ، والغضب، والحسد تغيِّر في مزاج الجسم وتؤدِّي إلى إنهاكه واضطراب وظائفه.
ولا يغيب عن أحد أنّ القرآن ينهى عن الحسد: «وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَد»(الفلق:5) ويؤكّد على أهميّة التعالي على الحزن، والهوان، والهمّ بواسطة الإيمان بالله- سبحانه وتعالى: «وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِين»(آل عمران:139). كما جاء على لسان النبيّ (ص): "إنّ الله إذا أحبَّ عبداً ابتلاه"(2). كذلك نذكر هذا الحديث للإمام علي (ع): "ربَّ داء انقلب شفاء"(3).
اليقين بالآخرة يمنح الرضا والأمل:
فالمؤمن عندما يُبتلى بمصيبة، أو رزيّة، أو إعاقة جسديّة، يكون إيمانه دافعاً لشفائه ولتعامله الإيجابيّ الناشط مع الكرب والأمراض التي تصيبه في حياته. ومن أيقن بالآخرة والثواب الذي يلحق به عند ربه، يشعر بالرضى، والأمل، والسعادة، فعن الإمام علي (ع): "ذكر الآخرة دواء وشفاء"(4).
إنّ المرض إذاً نوعان: مرض القلوب، ومرض الأبدان، وقد ورد ذكرهما في القرآن، قال تعالى في مرض الشبهة: «فِي قُلُوبِهم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ الله مَرَضاً»(البقرة:10)، وقال تعالى: «وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضُ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ الله بِهَذَا مَثَلاً»(المدثر:31)، فهذا مرض الشبهات والشكوك.
 وأما مرض الشهوات فقد قال تعالى: «يَا نِسَاء النَّبيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِن اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَولِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ»(الأحزاب:32).
وأما مرض الأبدان، فقد قال تعالى: «لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ»(النور: 61).
النضج في مواجهة الإنفعالات
نستنتج مما ذكر آنفاً أنّ للإنفعالات دوراً أساسياً في نشأة الأمراض الجسمانية، من هنا تبرز أهمية النضج الإنفعالي والذي يتلخّص بهذه النقاط الخمسة:
1- الصبر: ولا يسعنا أن نذكر الآيات القرآنية الكريمة التي تدعو الإنسان إلى الصبر لوفرتها «وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالْصَبْر»(العصر: 3).
2- الهدوء والحلم وعدم الغضب: «وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ والله يُحِبُّ الْمُحْسِنِين»(آل عمران: 134)، وعن الرسول (ص): "لا تغضب"(5)، وقد كررها ثلاث مرات.
3- التفاؤل: فقد جاء على لسان الرسول الأكرم (ص): "تفاءلوا بالخير تجدوه"(6).
4- الشجاعة: «مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا الله عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلَا»(الأحزاب: 23).
5- التصميم: نحوِّل الهزيمة إلى نصر بالإيمان والعزيمة والإرادة «إِنَّ الله لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِم»(الرعد: 11).
يبقى أن نشير إلى أهمية التدبُّر والفهم لهذا الكتاب العظيم وتلاوته بخشوع، وجعله دستوراً لحياتنا كي نصل إلى الفائدة النفسية والروحية المرجوّة.
الهوامش:
(1) من كتاب الأمراض النفسية، جسدية، تأليف: د.فيصل محمد خير الزراد- دار النفائس.
(2) بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج90، ص371 .
(3) عيون الحكم والمواعظ، علي بن محمد الليثي، ص267.
(4) عيون الحكم والمواعظ، ص256.
(5) الكافي، الشيخ الكليني، ج2، ص303.
(6) ميزان الحكمة، محمد الريشهري، ج 3، ص2353.


المصدر: مجلة بقية الله، العدد 226.
 

التعليقات (0)

اترك تعليق