كيف تقاومين التعب؟
تعاني غالبية النساء من التعب بدرجات متفاوتة على أثر عمل مرهق طوال النهار، أو بعد القيام بأعمال منزلية مرهقة، أو على أثر ممارسة تمارين رياضية قاسية تتطلب جهدا مضنيا. هذا النوع من التعب يزول تلقائيا صباح اليوم التالي بعد نوم عميق ومريح.
ولكن التعب الجسدي والفكري المزمن الذي يعاود المرأة كل الوقت، يكتسب أهمية كبرى، ولا يجب تجاهله من قبل الأهل والأطباء لأنه قد يعكس حالة مرضية خطيرة تعانب منها المرأة دون أن تدري.
إن التعب المزمن والشعور الدائم بالعجز والكسل وفقدان المبادرة تضع أمام الطبيب المعالج مهمة صعبة للغاية من حيث تحرّي أسباب هذا التعب وتشخيصه، لأن أمراضا كثيرة وأعراضا مختلفة تتداخل بشكل معقد للغاية قد تكون سببا لهذا التعب كما سنرى.
إن قدرتك اليومية على العمل والنشاط تتوقف على التوازن الدقيق بين الطاقة المدّخرة والطاقة المستنزفة في الجسم. ومن العوامل التي تعزّز الطاقة المدخرة في جسمك، الطعام الصحي الجيد، والنوم المريح، وممارسة الرياضة البدنية، والابتعاد عن الضغط والإرهاق، والتمتع بمناهج الحياة... أما تلك التي تستنزف الطاقة البشرية فهي العادات السيئة مثل التدخين، والإدمان على الكحول والمخدرات، والضغط الفكري، والأعمال المرهقة، والمرض، والخسارات المادية... إلخ. والتعب بشكل عام، هو إشارة لحصول عدم توازن بين الطاقة المدّخرة والطاقة المستنزفة في جسدك. وفي تحري أسباب التعب يجب الأخذ بعين الاعتبار السلوك والعادات والنشاطات التي تقومين بها خلال النهار والضغوط التي تتعرضين لها.
كيف تقاومين التعب؟
١- النوم العميق والمريح:
ليلة واحدة من النوم العميق والمريح كافية لتعوضك ما قد بذلته من طاقة ونشاط في اليوم الفائت. أما الأرق وعدم أخذ القسط الوافي من النوم فيسببان لك في اليوم التالي شعورًا بالتعب وبطأ في التركيز والحركة. بعض النساء يحتجن لمدة ٦ ساعات من النوم ليستعدن نشاطهنّ في اليوم التالي، وبعضهن الآخر لا يكتفين بأقل من ٨ أو ٩ ساعات من النوم المتواصل. بعض النساء، بسبب ظروف أعمالهن ونشاطاتهن الاجتماعية، يخلدن إلى النوم يوميا في ساعة متأخرة وينهضن من الفراش في ساعة مبكرة فيشعرن دوما بحاجة إلى الراحة والنوم. وقد تبين أن أخذ قيلولة بعد الظهر يساعد كثيرا على إراحة أعصابك وزيادة نشاطك ورفع معنوياتك، وهذا أمر ضروري وخاصة بالنسبة للأمهات الحوامل اللواتي يحتجن أكثر من غيرهن إلى ساعات إضافية من النوم يوميا.
٢- ممارسة التمارين الرياضية:
إن ممارسة الرياضة البدنية صباح كل يوم، مثل المشي، والسير على سجادة كهربائية، وإجراء تمارين التنفس الرتيب والعميق أمام نافذة مفتوحة.... تنشط الدورة الدموية وتغذي الدماغ بالأوكسجين وتفعّل عمليات التفاعل البيوكيماوي في خلايا الجسم مما يؤثر إيجابا على مزاجك ويجعلم رشيقة ونشطة طوال النهار.
٣- التغذية الصحية السليمة:
التغذية الصحية عامل مؤثر جدا في عملية توليد الطاقة، وبالتالي النشاط والحركة، يرتبط بعمليات النمو وتغذية الدماغ وتعويض الخلايا التالفة وتنشيط الخلايا السليمة في حالات المرض والتعب. وحتى يكون الغذاء مصدرا للصحة الجيدة وعاملا للوقاية من الأمراض والوهن والتعب، عليك باختيار الأطعمة المفيدة والصحيّة، وبالكميات المناسبة، وتجنب الأطعمة التي تسبب الاضطرابات والمتاعب الصحية والارق وعسر الهضم، ولنتذكر دائما: "إننا ناكل لنعيش، ولا نعيش لنأكل".
ولذا عليك أن تكوني على دراية وعلم بأسس التغذية الصحيحة وتنظيمها طوال النهار وتوزيعها تبعا لحاجاتك الشخصية، واختيار الأطعمة التي تمدك بجميع العناصر الغذائية التي تحتاجين إليها، وتجعل الغذاء مصدرًا للطاقة والصحة والوقاية من التعب والأمراض. وقد أتيت على موضوع التغذية بالتفصيل في فصل سابق.
٤- التوقف عن التدخين:
كل عامل يعرقل وصول الأوكسجين إلى خلايا الجسم يسبب التعب، والتدخين هو من العوامل الرئيسية المسببة للتعب، واللواتي توقفن عن التدخين يؤكدن صحة هذا القول. إن النيكوتين الموجود في السجائر يرفع ضغط الدم ويسرع نبضات القلب، ولكن الدم الي يجري في الشرايين لا يحمل المعدل المطلوب من الأوكسجين بسبب أوكسيد الكربون الموجود في السجائر، هذا بالإضافة إلى ما يسببه التدخين من آفات واعتلالات صحية مثل ضيق النفس والتهابات القصبة الهوائية، وأمراض الحساسية، وهذا بحد ذاته يحد من وصول الأوكسجين إلى خلايا الدماغ وأعضاء الجسم كله ويسبب الشعور بالتعب.
الأسباب الطبية للتعب:
١- فقر الدم (الأنيميا-Anemia ):
أهم الأسباب الآيلة إلى التعب عند النساء بشكل خاص هو فقر الدم الناجم عن نقص عنصر الحديد الذي يدخل في تكوين الهيموجلوبين. وهو المادة الملونة في كريات الدم الحمراء التي تساعد على إمداد الجسم بالأوكسجين حتى يستطيع أن يقوم بجميع وظائفه على أكمل وجه. وتشعر المرأة المصابة بالأنيميا بالتعب والإجهاد السريع، وسرعة في النفس وزيادة في ضربات القلب عند بذل أي جهد، وتبدو شاحبة الوجه والشفاه والأظافر.
هناك أسباب أخرى (للأنيميا) مثل نقص حمض الفوليك أو نقص فيتامين ب ١٢، ولكن (أنيميا) نقص الحديد هي أكثر أنواع الفقر الدم شيوعا خاصة عند النساء نتيجة الدورة الشهرية حيث تفقد الأنثى حوالي ١٤-٣٠ ميللغ حديد كل شهر تبعا لطول أيام الطمث وغزارته. وفي فترة الإنجاب تصاب النساء بالأنيميا بنسبة أكبر، وكذلك في فترة الإرضاع ونتيجة الولادات المتكررة دون انتظار فترات كافية حتى تسترد المرأة صحتها. كما أن مرض "الأندوميتريوز" الذي يصيب جهاز المرأة التناسلي بشكل خاص يسبب بدوره أوجاعا وأنزفة دموية شهرية، وبالتالي، فقر دم مزمن عند المرأة.
وحيث إن الوقاية أفضل من العلاج على كل امرأة تبدو شاحبة وتشعر بالتعب أن تستشير الطبيب لإجراء فحص دم عام. علينا أن نبدأ برعاية الأم الحامل وإمدادها بالحديد الكافي أثناء فترة الحمل حتى تضع طفلا سليما. وأنصحها بالاهتمام بتغذيتها لتعويض ما فقدته أثناء الحمل والولادة. والغذاء المناسب لكل امرأة مصابة بفقر الدم يشمل العسل الأسود، والسبانخ، والجرجير، والخسّ، والملوخية، والكبد والكلامي، واللحم، والحبوب مثل اللوبيا، والفاصولياء، والفول، والفواكه المجففة مثل الخوخ والمشمش، والحنطة المدعمة بالحديد، والفيتامينات من نوع ب (B).
وفي حالات الإصابة الشديدة، بالإمكان إمداد الجسم بمركبات الحديد على شكل أقراص تعطى بالفم أو عن طريق الحقن في العضل. وفي حالات قليلة ينفل للمرأة كميات من الدم من نفس فئة دمها إذا كان معدل الهيموجلوبين دون الحدود المتعارف عليها طبيا وتعاني المريضة من أعراض خطيرة ناجمة عن فقر الدم تشكل خطرا على حياتها بعد الولادة مثلا.
٢- التغيرات الهورمونية:
إن التبدلات الهورمونية التي تحدث عند المرأة في أوقات مختلفة من الشهر، وفي مراحل مختلفة من حياتها، تجعلها عرضة للنكسات الصحية والتعب. لنأخذ مثلا على ذلك التبدلات الهورمونية التي تسبق أو تترافق مع حلول الطمث، مثل الاحتقان وأوجاع الرأس وأوجاع أسفل البطن والظهر والضيق، مما يسبب لها تعبا نفسيا وجسديا، وكذلك التبدلات الهورمونية الجذرية التي تحدث في منتصف العمر عندما تنتقل المرأة إلى مرحلة انقطاع الحيض والتوقف النهائي للدورة الشهرية والتي ينتج عنها عدة أعراض نفسية وجسدية مثل الهبات الساخنة والضيق النفسي والأرق والتعب وقد سبق وشرحت خصائص وأعراض هذه المرحلة بالتفصيل.
٣- الاكتئاب:
يرافق الاكتئاب عموما عند المرأة شعور عارم بالكسل والتعب وعدم القدرة على الحركة والنشاط والقيام بأعمال منزلية أو مكتبية. لذلك تشعر المرأة المصابة بالاكتئاب أنها بحاجة دائمة للنوم والانعزال وعدم الاهتمام بكل ما يدور حولها من أحداث. وظاهرة الاكتئاب هي ظاهرة العصر نظرا لظروف الحياة المعقدة التي نعيشها والضغوط الكبرى التي تتعرض لها النساء أكثر من الرجال. لذلك تصاب النساء بالاكتئاب أكثر من الرجال بنسبة واحد إلى اثنين. والكثير من النساء المصابات بالاكتئاب اللواتي يعانين من التعب والانحطاط يهملن استشارة الطبيب من أجل المعالجة.
٤- القصور في وظيفة الغدة الدرقية:
عندما يحصل قصور في وظيفة الغدة الدرقية تتأثر الوظائف الهورمونية والفيزيولوجية في الجسم فتصاب المرأة بأعراض مرضية مختلفة مثل التعب والنعاس والكسل واللامبالاة، كما وتصبح أكثر حساسية للبرد، وتقل شهيتها للطعام وتتقلص عضلاتها، ويصبح صوتها خافتا، ويحتقن وجهها.
٥- مرض السكري:
قد يكون التعب من أهم أعراض داء السكري وخاصة في مراحله المتقدمة. ويرافق هذا المرض أوجاع وتقلصات في العضلات والأطراف والتهابات في الجلد والأعضاء التناسلية.
٦- ارتفاع ضغط الدم:
يعتبر ارتفاع ضغط الدم من أكثر الأمراض شيوعا في العالم، تتراوح نسبة الذين يعانون منه بعد سن الثلاثين بين ١٥-٢٥٪، لكنها ترتفع بعد سن الخمسين إلى ٤٠٪. إن خطورة ارتفاع ضغط الدم هي أنه مرض صامت لا يعلن عن نفسه ولا يحسُّ المصاب به بأية أعراض إلا بعد حدوث المضاغفات. وقد يتعرض الإنسان في الأحوال العادية إلى ارتفاع ضغط الدم نتيجة للمجهود البدني الشاق، أو الإرهاق العصبي وبعض العوامل النفسية والغذائية. ولارتفاع ضغط الدم عند النساء أهمية خاصة لما يسببه من مشكلات تترافق مع حدوث الحمل وأنزفة الحيض وما بعد الولادة.
ويسبب ارتفاع ضغط الدم شعورا بالدوخة، وضيق نفس، وشعورا بالصداع والتعب لأقل مجهود. وللوقاية من ارتفاع ضغط الدم خصوصا عند النساء اللواتي لهن أقرباء مصابون بهذا المرض، يراعى الاهتمام بنوع الغذاء والإقلال قدر الإمكان من ملح الطعام، وكذلك الابتعاد عن التوترات العصبية والإقلاع عن المنبهات والمنشطات والتدخين.
٧- عارض التعب المزمن (Chronic Fatigue Syndrome):
في معرض الحديث عن التعب عند المرأة هناك نوع خطير من التعب اكتشف في السنوات الأخيرة أطلق عليه "عارض التعب المزمن" وهو يصيب عادة الأفراد الأصحاء والمنتجين، نساءً ورجالًا، الذين تتراوح أعمارهم بين سن العشرين والأربعين ويحولهم عمليا إلى مرضى عجز لا يستطيعون القيام بـي عمل أو نشاط، ويقدّر عدد المصابين بهذا العارض بمئات الألوف بل بالملايين، وقد دلّ آخر إحصاء على أن عدد المصابين بهذا العارض في الولايات المتحدة الأميركية يبلغ حوالي خمسة ملايين شخص، ثلاثة أرباعهم من النساء.
علامات هذا المرض:
من أهم علامات هذا المرض التعب الشديد، وتفيد بعض النساء المصابات بهذا العارض بأن التعب الذي يشعرن به لا يسمح لهن بالقيام من الفراش والذهاب إلى الحمام وأخذ الدوش، وهن لا يستطعن حتى السير في أرض الغرفة. ويرافق هذا العارض ارتفاع بسيط في حرارة الجسد، وظهور تقرحات في الحلق، وأوجاع في العضلات والمفاصل، وأوجاع في الرأس، وأرق، ومشاكل فيزيولوجية ونفسية (نسيان، اكتئاب، ارتباك...).
أما الاسباب وراء هذا العارض فلا زالت غير معروفة بكل تفاصيلها. ويعتقد العلماء بأنها ناتجة إما عن خلل في جهاز المناعة، وإما عن عدم توازن في إفراز الهورمونات التي لها تأثير مباشر على الخلايا الحيوية في الدماغ التي تفرز هورمونات الطاقة المحركة للقوة والنشاط.
المصدر: موسوعة المرأة الطبية: الدكتور سبيرو فاخوري، ط٧، دار العلم للملايين، بيروت، لبنان، كانون الثاني/يناير ٢٠٠٨م
اترك تعليق