مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

أطفال غزة يعيشون ذكريات تقطر دماً

أطفال غزة يعيشون ذكريات تقطر دماً

"براء" طفل لم يبلغ من العمر سوى سبع سنوات لم يؤخذ من اسمه إلا المعنى، فلم يحظى بالبراءة من اتهامات جيش الاحتلال لأطفال غزة بـ"الإرهاب"، ولم تشفع له آلة الحرب والقتل أن يرى جمال الحياة أو أن يعيش في كنف والديه الذين اختطفت أرواحهم قذائف الاحتلال الغادرة التي لا تبقى ولا تذر.
واستشهد والدا براء وأخته في قصف إسرائيلي لمنزل مجاور لهما في منطقة الشجاعية شرق مدينة غزة خلال العدوان على غزة، فيما أصيب هو وأشقاءه بإصابات متنوعة.
ويُخفي "براء" الذي يتلقى العلاج حالياً على أسرة مستشفى الشفاء بغزة، بين ثنايا وجهه الجميل خوفاً وألماً وكرهاً لمن بعثر حياتهم المستقرة بين كنف والديه، وما أن تسأله عن والديه وأخته حتى يقول بكل براءة وثقة إنهما في السماء يحلقان وينظران كل يوم لي ولأخوتي وهما مسروران.
كلمات مؤلمة تعتصر المقل لطفل لا يعرف معنى الحرب أو الحياة سوى أنه كان يعيش وسط بيت يحتويه وأهله واليوم هو وإخوته الثلاثة تبعثرهم الحياة وتلقي بهم في جحيم الفراق واللاعودة لذلك الأمان.
ويقول "براء" لـ"الاستقلال: "لاحقتنا القذائف ونحن نسير بالشارع بعد أن أصيبت أمي وهى تلحق بنا حتى بدأنا بالصراخ وأخذني أعمامي أنا وأخوتي عندهم إلى الآن".
حالة "براء" تشابهها مئات من القصص التي خلفتها الحرب المستعرة، حيث أبيدت الطفولة واغتيلت البراءة وسط مشاهد القتل المروعة التي عايشها أطفالنا، كيف لا وهم الفئة الأكبر ممن استهدفتهم طائرات ودبابات الاحتلال لتقضى على جيل لم يعرف بعد معنى كلمة "حياة".
أما الطفلة "ليان أبو عريبان" (ستة أعوام) التي تسكن في مخيم النصيرات وسط القطاع، تتحدث عن معاناة من نوع اخر، فكيف لها أن تصف أو تنطق كلمة صاروخ دون أن تتلعثم بها، كيف لا وهي ما زالت لا تنطق الكلمات بطريقة جيدة، نعم هم أطفال غزة فقط من يتحدثون عن الصواريخ والقصف، تقول ليان: "كنا نائمين أنا وماما وبابا وأخواتي، وصحينا على صوت القصف والدار كلها وقعت علينا، وأنا أصبت برجلي وأخويا كمان، ولما صحينا من فقدان الوعي ما عدنا نرى لنا بيت يأتوينا".
المصاعب التي مرت بها الطفولة في غزة، بحاجة ماسة إلى إعادة تأهيل بدني وذهني ونفسي، من أجل تخليصهم من الكوابيس التي يعيشون داخلها كل يوم، ومشاهد الدم والقتل ترافق مخيلتهم عند كل لحظة، ما يعني معاناة أخرى ومستمرة طيلة حياتهم في حال لم يتم تدارك هذه الأزمة.

تأهيل ودعم

أستاذ علم النفس الاجتماعي درداح الشاعر، أكد أن الحرب أثرت على جميع شرائح المجتمع، ولكن الشريحة الأكثر تضررا من الناحية النفسية هي شريحة الأطفال.
وقال الشاعر لـ"الاستقلال": "هذا يعود إلى أن الطفل كائن ضعيف يعتمد على الوالدين في تلبية جميع حاجاته، سواء كانت الحاجات المادية أو المعنوية أو النفسية كالحب والحنان والطعام والشراب والسكن وبالتالي الطفل يعتمد على غيره".
وأوضح أن ظروف الحرب والقصف والخوف واستمرار العدوان، أثرت بشكل كبير في الجوانب النفسية للأطفال، وجعلتهم يعيشون في مخيلة مليئة بالمشاهد المؤلمة والفظيعة بالنسبة لهم، وهذا من شأنه أن يسبب لهم قصوراً في شخصيتهم الاجتماعية وأزمات مستعصية.
ولفت الشاعر النظر إلى أن الحرب جعلت الأطفال يشعرون بالهلع والرعب والخوف من الأصوات المرتفعة والارتباك من الظلام، وإصابتهم بنوبات من الصراخ والفزع الليلي والكآبة والكوابيس المزعجة، وتشتت الانتباه وعدم القدرة على التركيز وانعدام التفكير.
وأضاف: "بالنسبة للأطفال الذين فقدوا ذويهم أو عائلاتهم فهم يعانون أضعاف ما يعانيه بقية الأطفال وتواجههم أولا الصدمة النفسية نظرا لحالة الحرمان والفقدان للوالدين مصدر الأمن والاستقرار والحنان لهذا الطفل، بالتالي حينما يموت الأب أو الأم يشعر الطفل بكل مشاعر الخوف وعدم الاستقرار والطمأنينة في حياته ويشعر بالتيه والضياع النفسي والاجتماعي".
ونوّه الشاعر إلى أن الطفل بإمكانياته وقدراته المحدودة، لا يستطيع وحده أن يتخطى تلك المحنة "فلا بد له من مساندة ومساعدة ودعم اجتماعي ودعم ممن يحيطون به من الأقارب لتعويضهم عن حالة الحرمان والفقد العاطفي الذي نتج عن غياب الوالدين".
وشدد على ضرورة مساعدة الطفل على أن يحيا حياة طبيعية، كلا يشعر أن هناك مصيبة كبرى تلازمه مدى الحياة، والتخفيف عنه ما أمكن من خلال ممارسة نشاطه المعتاد كما كان بين والديه.
وتابع: "يجب أن يكون هناك شخصاً مركزياً من العائلة، قادر على تعويض الطفل عن فقدان والديه، وبالتالي نلجأ لبعض الأقارب والمحبوبين والمقربين منهم ونتخذ منهم شخصيات مركزية يعتمد عليه الطفل في تدبير أموره".
وأكد الشاعر أنه في حال لم تقدم المساعدة للطفل وترك يعاني ويلات الحرب وحده، فإنه سينشئ شخصية سلبية عدوانية وعنيفة، أو يصبح شخصية لا تشارك الحياة الاجتماعية، وتكون المنظومة الأخلاقية لديه قد اضطربت واهتزت ما يخلف تداعيات خطيرة على الفرد والمجتمع.

المصدر: صحيفة الاستقلال.

التعليقات (0)

اترك تعليق