مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

المرأة العراقية وحضورها في أروقة التاريخ

المرأة العراقية وحضورها في أروقة التاريخ

مشهد بيع النساء العراقيات الأيزيديات في ما يشبه سوقا للنخاسة، من قبل عناصر الدولة الإسلامية “داعش”، أثار موجة من الاستغراب والتساؤلات المحيرة حول مصير المرأة العراقية، في ظل ما مرّ، وما يمر به المجتمع العراقي منذ ما بعد الاحتلال الأميركي، وحول ما ينتظر المجتمع العراقي من تحولات [...].
منذ بدايات القرن الماضي خاضت المرأة العراقية نضالا طويلا للحصول على أبسط الحقوق الإنسانية التي تكفل لها العيش بكرامة،[...]
وخلال العقود الماضية وتحديدا قبل الاحتلال الأميركي عام 2003 تمكنت العراقيات من تحقيق بعض الأهداف المتعلقة بكسب معركة الحقوق والحريات حيث دخلت المدارس والمعاهد والجامعات وحققت نجاحات في التعلم وتوصلت العديد منهن إلى الحصول على شهادات علمية عالية، كما انخرطت في العمل المدني المجتمعي وشكلت جمعيات نسائية ضمت في صفوفها النساء بمختلف اتجاهاتهن السياسية والقومية والدينية الاجتماعية وشاركت بفاعلية في النضالات المطلبية للشعب العراقي في مختلف المراحل السياسية.
وهو ما جعل المرأة العراقية تتبوأ خلال تلك الفترة مكانة هامة في العراق وفي العالم العربي وبرزت مساهمتها في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية على الساحة العربية بشكل متميز عن نظيراتها في بقية الأقطار العربية، حيث أن أول امرأة عربية تتقلد منصب الوزير كانت نزيهة جودت الدليمي التي ولدت عام 1923 في بغداد وتوفيت عام 2007، وقد عينت وزيرة للبلديات عام 1959 في حكومة عبد الكريم قاسم أول رئيس وزراء للجمهورية العراقية.
والدليمي طبيبة دخلت كلية الطب عندما كان عدد الطالبات في التعليم العالي ضئيلا مقارنة بالطلبة الذكور وذلك عام 1941، وانضمت إلى الحزب الشيوعي العراقي عام 1948، غير أن توظيفها في المنصب لم يكن تمثيلا للحزب -حسب محللين سياسيين- بل لكفاءتها ولكونها طبيبة طافت معظم مدن وقرى البلاد وعاملت المرضى بإنسانية مراعية ظروف الفقراء والمحتاجين منهم، فكانت ملجأهم للحصول على الخدمات الصحية دون مقابل في أغلب الأحيان، ولمستواها العلمي المرموق، وأيضا لأنها كانت ناشطة معروفة على الساحة العراقية [...] إذ خلّد التاريخ اسمها بحروف من ذهب، لدرجة أنها أول شخصية نسوية يتقرر إقامة تمثال لها في العراق.
ويذكر للدليمي أنها لعبت دورا رئيسيا في صياغة قانون الأحوال الشخصية العراقي عام 1959 الذي قيمه البعض بأنه القانون الأكثر تقدماً في الشرق الأوسط من حيث الحقوق التي منحها للمرأة في ذلك التاريخ، وقد بدأت نشاطها السياسي في أواسط الأربعينات في جمعية نسائية اسمها “جمعية مكافحة النازية والفاشية”، وكانت رئيستها طالبة الحقوق فيكتوريا نعمان، التي أصبحت فيما بعد أول مذيعة في الإذاعة العراقية، ثم ساهمت في تأسيس “رابطة المرأة العراقية”، التي يعود إليها الفضل في إصدار قانون الأحوال الشخصية سنة 1959، ومن أبرز مؤسساتها إلى جانب الدليمي الدكتورة روز خدوري، سافرة جميل حافظ، خانم زهدي، سالمة الفخري، زكية شاكر، زكية خيري وآنا مبجل بابان.
ولئن تعتبر نزيهة الدليمي فاتحة باب المشاركة النسائية في الحياة السياسية، فقد تلتها عديد الأسماء النسائية في مناصب سياسية وزارية وبرلمانية.
ولم يتوقف بروز المرأة العراقية عند المجال السياسي بل تجاوزه إلى أعلى مراتب القضاء والجيش والطب والهندسة، وقد سبقتها في مجال الحقوق صبيحة الشيخ داود وهي أول فتاة عراقية أكملت دراستها الجامعية حيث دخلت كلية الحقوق عام 1936 وتخرجت عام 1940 وكانت تسمى الحقوقية الأولى، ومارست المحاماة مدة قصيرة لتكون أول امرأة تمارس مهنة المحاماة في العراق، ثم عينت عام 1956 قاضية في محاكم بغداد، وفي عام 1958 عينت رئيسة لمحكمة الأحداث واستمرت في هذه الوظيفة حتى أحيلت على التقاعد.
أما في مجال الطب فكانت أول طبيبة عراقية عينتها وزارة الصحة، أرمنية الأصل، هي الدكتورة آناستيان، وهي أول فتاة عراقية دخلت مدرسة الطب في بغداد وتخرجت منها سنة 1939.
وفي بدايات الصحافة النسائية العراقية برزت الصحفية بولينا حسون كرائدة الصحافة النسائية العراقية وترأست تحرير أول مجلة نسائية “ليلى” عام 1923 وكانت حسون من أول الأصوات والأقلام النسائية التي طالبت بمنح المرأة حقوقها السياسية.
وتطول قائمة النساء العراقيات اللاتي ساهمن مساهمة فعالة في بناء العراق الحديث ورفعن لواء الحقوق والحريات، وبرهنّ على قدراتهن وكفاءتهن في مجالات عدة. ولا يفوتنا ذكر المتميزات في المجالات العلمية في الوقت الحاضر ومنهن أشهر المهندسات في العالم زها حديد التي صممت عديد المشاريع المعمارية لأكبر المعالم الثقافية في العالم، نذكر منها متحف الفن الحديث في مدينة سينسيناتي بأميركا ومركز الفنون الحديثة في روما.
ورغم أن المرأة العراقية لم تحقق مستويات عالية من كسب الحقوق ومن تحقيق الذات إلا أنها كانت في الطريق الصحيح وكانت تتقدم بخطى بطيئة لكنها ثابتة، ورغم وصولها إلى تقلد مواقع قيادية على مدى العقود الماضية، إلا أن صعود تيارات الإسلام السياسي بعد احتلال العراق عام 2003 وما تلاه من اضطرابات إلى التاريخ الراهن أدت إلى ظهور تيارات متطرفة أعادت المرأة إلى الوراء وسلبت حقوقها.
[...]
انعكس الوضع السياسي السائد على المجتمع العراقي، وعلى المرأة تاليا، حيث تحملت في سنوات التسعينات ظروف الحصار القاسية وتراجع دورها كثيرا، أما بعد احتلال العراق فكانت الضحية الأكبر لأنها فقدت الزوج والابن والأخ الذين كانوا يقتلون أمامها، وكان يعتدى عليها وتلقى في السجون وتتعرض للتعذيب وشتى أنواع الاعتداء [...].
وكلما ارتفع مستوى الطائفية والاستبداد المسوّغ دينيا كلما تقهقرت وضعية المرأة، إلى أن وصلنا مؤخرا إلى مشهد “سوق النخاسة” الذي كانت تباع فيه النساء الأيزيديات والمسيحيات. [...]

المصدر: وكالة أخبار المرأة.

التعليقات (0)

اترك تعليق