مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

تزويج المأمون ابنته للإمام الجواد(ع) وما جرى في هذا

تزويج المأمون ابنته للإمام الجواد(ع) وما جرى في هذا

عن الريان بن شبيب قال: لما أراد المأمون أن يزوج ابنته أم الفضل أبا جعفر محمد بن علي عليه السلام بلغ ذلك العباسيين فغلظ عليهم، واستنكروه منه، وخافوا أن ينتهي الأمر معه إلى ما انتهى مع الرضا عليه السلام فخاضوا في ذلك واجتمع منهم أهل بيته الأدنون منه، فقالوا: ننشدك الله يا أمير المؤمنين أن تقيم على هذا الأمر الذي عزمت عليه من تزويج ابن الرضا(1) فإنا نخاف أن يخرج به عنا أمر قد ملكناه الله عز وجل وينزع منا عزا قد ألبسناه الله وقد عرفت ما بيننا وبين هؤلاء القوم قديما وحديثا. وما كان عليه الخلفاء الراشدون قبلك، من تبعيدهم والتصغير بهم، وقد كنا في وهلة من عملك مع الرضا عليه السلام ما عملت فكفانا الله المهم من ذلك فالله الله أن تردنا إلى غم قد انحسر عنا واصرف رأيك عن ابن الرضا واعدل إلى من تراه من أهل بيتك يصلح لذلك دون غيره(2).
فقال لهم المأمون: أما ما بينكم وبين آل أبي طالب فأنتم السبب فيه، ولو أنصفتم القوم لكانوا أولى بكم، وأما ما كان يفعله من قبلي بهم، فقد كان قاطعا للرحم، [...] وأما أبو جعفر محمد بن علي فقد اخترته لتبريزه على كافة أهل الفضل في العلم والفضل، مع صغر سنه، والأعجوبة فيه بذلك، وأنا أرجو أن يظهر للناس ما قد عرفته منه، فيعلمون أن الرأي ما رأيت فيه.
فقالوا له: إن هذا الفتى وإن راقك منه هديه فإنه صبي لا معرفة له ولا فقه فأمهله ليتأدب ثم اصنع ما تراه بعد ذلك.
فقال لهم: ويحكم إني أعرف بهذا الفتى منكم وإن أهل هذا البيت علمهم من الله تعالى ومواده وإلهامه، لم تزل آباؤه أغنياء في علم الدين والأدب عن الرعايا الناقصة عن حد الكمال، فإن شئتم فامتحنوا أبا جعفر بما يتبين لكم به ما وصفت لكم من حاله.
قالوا: قد رضينا لك يا أمير المؤمنين ولأنفسنا بامتحانه، فخل بيننا وبينه لننصب من يسأله بحضرتك عن شيء من فقه الشريعة، فإن أصاب في الجواب عنه لم يكن لنا اعتراض في أمره وظهر للخاصة والعامة سديد رأي أمير المؤمنين فيه، وإن عجز عن ذلك فقد كفينا الخطب في معناه فقال لهم المأمون: شأنكم وذلك متى أردتم.
فخرجوا من عنده واجتمع رأيهم على مسألة يحيى بن أكثم، وهو يومئذ قاضي الزمان على أن يسأله مسألة لا يعرف الجواب فيها، ووعدوه بأموال نفيسة على ذلك، وعادوا إلى المأمون وسألوه أن يختار لهم يوما للاجتماع فأجابهم إلى ذلك.
فاجتمعوا في اليوم الذي اتفقوا عليه وحضر معهم يحيى بن أكثم وأمر المأمون أن يفرش لأبي جعفر دست(3) ويجعل له فيه مسورتان ففعل ذلك وخرج أبو جعفر وهو يومئذ ابن تسع سنين وأشهر فجلس بين المسورتين وجلس يحيى بن أكثم بين يديه وقام الناس في مراتبهم والمأمون جالس في دست متصل بدست أبي جعفر عليه الصلاة والسلام.
فقال يحيى بن أكثم للمأمون: يأذن لي أمير المؤمنين أن أسأل أبا جعفر عن مسألة؟
فقال له المأمون: استأذنه في ذلك فأقبل عليه يحيى بن أكثم
فقال: أتأذن لي جعلت فداك في مسألة؟
فقال أبو جعفر عليه السلام: سل إن شئت.
قال يحيى: ما تقول جعلت فداك في محرم قتل صيدا؟.
فقال أبو جعفر عليه السلام: قتله في حل أو حرم عالما كان المحرم أو جاهلا قتله عمدا أو خطأ، حرا كان المحرم أو عبدا صغيرا كان أو كبيرا، مبتدئا بالقتل أو معيدا من ذوات الطير كان الصيد أم من غيرها، من صغار الصيد أم من كبارها مصرا على ما فعل أو نادما، في الليل كان قتله للصيد أم في النهار، محرما كان بالعمرة إذ قتله أو بالحج كان محرما؟.
فتحير يحيى بن أكثم وبان في وجهه العجز والانقطاع ولجلج حتى عرف جماعة أهل المجلس أمره(4)
فقال المأمون: الحمد لله على هذه النعمة والتوفيق لي في الرأي ثم نظر إلى أهل بيته فقال لهم: أعرفتم الآن ما كنتم تنكرونه؟
ثم أقبل على أبي جعفر عليه السلام فقال له: [...] اخطب لنفسك جعلت فداك قد رضيتك لنفسي وأنا مزوجك أم الفضل ابنتي وإن رغم القوم لذلك.

الهوامش:
(1) وقيل إنه كان زوجه ابنته قبل وفاة أبيه علي بن موسى عليهم السلام كما في تذكرة سبط ابن الجوزي ص 202.
(2) قد مر في ج 49 ص 311 من طبعتنا هذه ما ينفع في هذا المقام فراجعه.
(3) الدست هنا صدر البيت وهو معرب، يقال له بالفارسية اليوم "شاه نشين".
(4) عجزه خ ل.




المصدر: بحار الأنوار: العلامة المجلسي. الطبعة الثانية المصححة، مؤسسة الوفاء، بيروت، لبنان، 1403 - 1983 م. ج 50.

التعليقات (0)

اترك تعليق