المخاطر الصحية للمجالات الكهرومغناطيسية منخفضة الذبذبات
ماهي المخاطر الصحية للمجالات الكهرومغناطيسية منخفضة الذبذبات؟
إن الإجابة الأمينة والصادقة على هذا التساؤل هي: "لا يعرف أحد على الإطلاق الإجابة الواضحة والصريحة لهذا السؤال". وقد وجد بعض العلماء أن هذه المجالات الكهرومغناطيسية يمكنها أن تنتج بعض التأثيرات البيولوجية، مثل: التغيّر في مستوى بعض الكيميائيات التي ينتجها الجسم، وكذلك بعض التغيّرات في بعض أنواع خلايا الجهاز العصبي، وأيضاً بعض التغيّرات في إنتاج الهرمونات وانتقال الكالسيوم.
وقد درس الأطباء والعلماء في هذا المجال الإحصائيات الخاصة بالموتى، والإصابات بالأمراض لهؤلاء الأشخاص الذين تعرضوا لتلك المجالات الكهرومغناطيسية في حياتهم الطبيعية، سواء في المنزل أو بالعمل، وسميت تلك الدراسات بالدراسات الوبائية (الإيبدميولوجية)، واقترح بعض العلماء أن هناك عملية ارتباط وعلاقة فقط بين التعرض لهذه المجالات وبعض أنواع أمراض السرطان، مثل سرطان الدم (اللوكيميا)، واقترح آخرون عدم وجود أي عمليات ارتباط أو علاقة على الإطلاق، ولهذا فإن النتائج والأدلة على هذا الارتباط غير نهائية وغير جازمة. وتعني كلمة الارتباط هنا الأسباب التي تؤدي إلى الإصابة، أو الأسباب الأساسية المؤدية للإصابة.
وقد بدأ بعض العلماء في هذا العالم باختيار كل الأدلة والبراهين والأسباب العلمية التي بنى عليها وساقها كل طرف من الأطراف، والبراهين التي استخدمها لإثبات ما تقدم، ونتيجة لهذا فإن هناك رأيين سائدين هما: ليست هناك ثمة مخاطر صحية من المجالات ذات الذبذبات المنخفضة، بجانب الرأي المضاد بأن هناك احتمال وجود بعض المخاطر.
والأسباب التي أدت إلى عدم الاتفاق النهائي ناتجة بأن الأدلة العلمية والبراهين التي تم الحصول عليها معقدة للغاية، وأن المعلومات المتوفر حالياً غير كافية على الإطلاق لشرح أو تحليل أي أدلة أو براهين يحملها ويسوقها كل طرف من الأطراف ويفندها الطرف الآخر، حيت تنازع كل طرف في كيفية حصوله على الأدلة والبراهين التي تثبت نتائجه.
التأثير البيولوجي للمجالات الكهرومغناطيسية المنخفضة الذبذبات:
هناك نوعان أساسيان من التأثيرات التي يمكن ملاحظتها:
1- المجالات الكهربائية الشديدة:
والتي يمكنها أن تثير وتحفز جلد الحيوانات وتهز الشعر، أو تنبّه وتثير الأجهزة المختلفة الحساسة بالجلد. وإذا وقف شخص ما في مجال كهربائي ذي قيمة حوالي (10 كيلو فولت / متر)، فإنه يحس بوخزة خفيفة تدغدغه، وهناك دراسات عديدة تشير بأن الحيوانات أيضاً يمكنها أن تحس بالمجال الكهربائي القوي.
2- المجالات المغناطيسيّة:
أما المجالات المغناطيسية فلا يمكن للإنسان أن يحس بوجودها، إلا إذا كان المجال قوياً جداً، مما يسبب وجود وميض ضوئي في العين.
وقد لفتت هذه التأثيرات المحسوسة ذات الأهمية أنظار العلماء والباحثين، فكثير من الناس الذين يقضون وقتاً طويلاً في تلك المجالات القوية لا يحسون بها، وأظهرت بعض التجارب التي أجريت تحت بعض الظروف الخاصة نتائج هامة مفادها أن تلك المجالات يمكنها أن تتفاعل مع أسطح وجدران بعض الخلايا، ويمكنها أن تنبه وتثير بعض التغييرات داخل الخلايا، أو تتفاعل مع بعض جزيئات الاستقبال الموجودة على سطح الخلية، كما يمكنها عمل تغييرات في عمل الخلية نفسها. وحيث أن هذه المجالات ذات طاقة محدودة، فإنه من غير الواضح حتى الآن، كيف أن سطح أو جدران الخلية أو جزيئات الاستقبال فيها تعمل كمكبرات لإرسال الإشارات إلى داخل الخلية وتقوم بتغيير بعض الأشياء بها، مثل المعدل الذي تقوم فيه الخلية بعمل الهرمونات والإنزيمات والبروتينات الأخرى، فهذه الكيميائيات تلعب دوراً هاماً وأساسياً في طريقة عمل الخلية، وفي إرسال الإشارات على الخلايا الأخرى أو الأنسجة المختلفة بالجسم.
نتائج الدراسات المعملية:
لوحظ أن عدداً من التأثيرات البيولوجية التي أمكن معرفتها لم يكن سهلاً الحصول عليها، فقد أخذت الدراسات الأولية للمجالات في الاعتبار استخدام عدد كبير من الفئران والحيوانات المعملية الأخرى، وكذلك بعض الخلايا الحية، لدراسة تأثيرات المجالات الكهرومغناطيسية ذات الذبذبات المنخفضة. ومعظم الدراسات والنتائج استخدمت لغربلة النتائج التي تم الحصول عليها ولم تجد أي تغييرات ذات أهمية بين الحيوانات أو الأنسجة التي تعرضت لبعض المجالات، وبين تلك التي لم تتعرض لها، والدراسات القليلة التي وجدت تغييرات شائقة ومثيرة وذات أهمية، وتبعتها دراسات توسعية وتفصيلية أخرى.
والتأثيرات التي تم وصفها وتقديم تقارير عنها تضمنت:
تغييرات في عملية إنتاج بعض العناصر الكيميائية، مثلا الميلاتونين العام في العمليات البيولوجية اليومية المسماة "الإيقاع السيركادياني"، والكيميائيات المسماة " نيوروترانسيمترا " (الموصلات المخية) التي ترسل الإشارات بين الأعصاب والتغييرات في معدل خلق مواد الجينات الخاصة المسماة (DNA)، وكذلك معدل الأخطاء الحادثة عند نقل (RNA) منها، والتغيرات في كمية الكالسيوم الموجودة داخل أو على سطح الخلايا، وتغييرات في معدل نمو وانشطار وتقسيم بعض أنواع الخلايا، بينما كل تلك التغييرات، أو بعضها، يمكنها أن تكون ذات أهمية في فهم ما تحدثه المجالات في الخلايا، ولكن من المهم أن نشير هنا إلى أن بعض هذه التجارب قد أجريت تحت بعض الظروف والتي قد تكون تماماً عن التي تحدث عندما يتعرض الإنسان أو الحيوان لهذه المجالات في عمله أو في بيته.
المجالات وأمراض السرطان:
هناك العشرات من الدراسات التي أجريت في مناطق مختلفة في العالم، والتي نظرت في أمر إذا ما كان هناك أي علاقة بين التعرض للمجالات الكهرومغناطيسية ذات الذبذبات المنخفضة والإصابة بمختلف أنواع السرطانات. والدراسات الأولى تفحصت ودرست معدلات الوفاة في مختلف الأمراض للناس الذين كانوا يعملون في مجالات ومهن ذات ارتباط كهربائي ومقارنتها بمعدل الوفيات لنفس الأمراض لبقية الناس، والدراسات الأخرى قامت بمقارنة بعض الأشخاص الذين تعرضوا لمجالات مغناطيسية وأصيبوا بأنواع معينة من السرطان (اللوكيميا - سرطان الدم)، بأشخاص آخرين تعرضوا لنفس المجالات المغناطيسية ولم يصابوا بالسرطان، وكانت هذه الدراسات تأخذ بعين الاعتبار التعرض للمجالات المغناطيسية داخل المنازل لخطوط نقل وتوزيع الكهرباء. وتركزت تلك الدراسات حول سرطان الدم في الأطفال، وبعض هذه الدراسات وجدت علاقة إحصائية بين الزيادة في التعرض للموجات الكهرومغناطيسية وزيادة معدل الإصابة بالسرطان (الزيادة في التعرض للموجات المغناطيسية عن 3 ميلي غاوس)، وهذه العلاقة الإحصائية ليست مرادفة لكلمة أسباب السرطان أو تسهم في الإصابة بالسرطان.
واعتماداً على نوع الدراسة ونوع السرطان، فإن معدل الإصابات السرطانية في عامة الناس المعرضين للمجالات المغناطيسية قد يكون بين مرتين وثلاث مرات أعلى من معدل الإصابة في الحالات للعامة لغير المعرضين للمجالات أو المعرضين للمجالات بدرجة أقل شدة (أقل من 3 ميلي غاوس)، وهذه الإصابة السرطانية نادرة مثل سرطان الدم في الأطفال (اللوكيميا)، فإن الإصابة به تكون حالة واحدة في كل 14.000 حالة أطفال في السنة، واحد إلى 1100 حالة في مدى الحياة. ويعتقد معظم العلماء والباحثين بأن المجالات الكهرومغناطيسية وحدها لا يمكن أن تسبب الإصابة بالسرطان أو تكون السبب الرئيسي المؤدي للإصابة السرطانية، أو تكون البادئة أو المهيجة للإصابة بالسرطان، ولكنها يمكن أن تكون أحد العوامل المساعدة أو الرئيسة إذا ما بدأت الإصابة السرطانية.
الابتعاد عن مصادر المجالات:
ومما سبق نستنتج أن هناك ريبة وشكاً فيما يمكن أن يسببه التعرض للمجالات الكهرومغناطيسية ذات الذبذبات المنخفضة من تأثيرات سلبية على صحة الإنسان، وأن استخدام المعدات والأجهزة الكهربائية، سواء في العمل أو المنزل، قد يسبب بعض الأمراض السرطانية، وقد قام ويقوم العلماء والباحثون في هذا المجال في مختلف أنحاء العالم بالدراسات المتعددة النظرية والعملية، وبنشاط موسع مع الخلايا والأعضاء والمتطوعين بجانب الدراسات المستفيضة.
ولحين الحصول على معلومات هامة وأكيدة في هذا الأمر، فإنه على الإنسان أن يختار الوسيلة السهلة والمريحة، وهي الحذر والتعقل في التعرض للمجالات الكهرومغناطيسية، وهذا يتضمن الابتعاد عن مصادر المجالات الكهرومغناطيسية بقدر كاف وبمسافة معقولة، حيث أن هذه المجالات تنخفض سريعاً كلما ابتعدنا عن مصادرها، وكذلك استخدام الأجهزة والمعدات ذات المجالات القليلة، وهذا يتم في الوقت الذي تقوم به حالياً شركات الكهرباء المختلفة في استخدام التصميمات الحديثة لكل من خطوط النقل والتوزيع ومحطات النقل والتوزيع للطاقة الكهربائية والمحولات الكهربائية، وتقوم الشركات المصنعة للأجهزة الكهربائية والمعدات بالعمل على صناعة أنواع جديدة من تلك الأجهزة والمعدات ذات المجالات القليلة.
المصدر : الباحثون العدد 52 تشرين الأول 2011
اترك تعليق