ما هي حقيقة تأثير البكاء على الصحة؟ وما هو فضل البكاء على الإمام الحسين(ع)؟
البكاء.. الدموع.. هذا السائل السحري العجيب الذي يخرج من العيون نتيجة مشاعر وأحاسيس ما، قد تكون للفرح وقد تكون للحزن، وبلا شك لم يخلقها الله سبحانه وتعالى عبثاً فأبسط ما قد يقال فيها إنها أحد أنواع التعبير الإنساني لبني آدم وهذا أمر معروف لدى الجميع.
هذه الدموع يراها البعض ضعفا مهينا، ويراها آخرون تنفيساً وترويحاً ويحسبها البعض في عيون المسنين انكسارا وتسليما، هذه الدموع لعل بها أسراراً كثيرة اكتشفها العلماء وأسراراً أخرى مازالت طي الخباء تنتظر أن يطلقها المستقبل.
ومن الأخطاء الشائعة أن تكون الدموع مؤشرات لضعف شخصية الإنسان برغم من أنها عمليه طبيعية تحصل للإنسان نتيجة رده فعل تجاه أمر ما حالها حال أي عملية حيوية في الجسم.
كثيراً ما تكلم العلماء عن فوائد البكاء كعلاج، بل وينصح العلماء بالتعبير والإفصاح عن الأفعال وعدم كبتها، حيث وجدوا أن البكاء يريح الإنسان من الضغوط التي يتعرض لها، ويُخلِّص الجسم من الكيماويات السامة التي تكونت نتيجة الضغوط والانفعالات.
فالدموع تغسل العين وتنظفها من كل جسم غريب وضار بها، فهي تعمل كأحد أنظمة طرح النفايات خارج الجسم.
أما كبت الدموع وعدم إظهار الانفعالات فإنها تؤدى إلى الكثير من الأمراض... مثل الطفح الجلدي أو إصابة الجهاز التنفسي أو الجهاز المعوي أو المعدي مثل قرحة المعدة أو إصابة القولون.. ودعونا نقول من لا يعبر عن مشاعره بالبكاء لطرد الشحنات الضارة والطاقة السلبية من جسده نقول له أبشر بكثرة الأدوية والأمراض!
أنواع الدموع:
ومن أبرز أنواع الدموع التي تسيل من العين:
- الدموع المطرية: وهي تحافظ على رطوبة العين وصحتها، فهي تساعد العين على التحرك بسهولة في التجويف، كما أنها تحتوي على أملاح وأنزيمات تقتل الكائنات الدقيقة.
- الدموع التحسسية: تحتوي على مواد الدموع المطرية ذاتها، وهنا تزيد الغدد الدمعية من إفراز الدموع لحماية العينين من الأوساخ والملوثات وأشياء مثل أبخرة البصل.
- دموع العواطف: وهي تنهمر مرد فعل على أحداث عاطفية، وتحتوي هذه الدموع على هرمونات وبروتينات والأندروفين وهي عبارة عن مسكن ألم طبيعي، وتساعد هذه المواد على طرد المواد السامة من الجسم لتخفيف حدة الضغط النفسي.
فوائد البكاء:
ولكن ما هي حقيقة تأثير البكاء على الصحة؟
كشفت دراسة علمية حديثة أجراها فريق من الباحثين الأمريكيين من جامعة ماركويت بولاية ميتشيجان النقاب عن أن البكاء يساعد في إخراج السموم من الجسم، بالإضافة إلى أنها تخفف من الضغط النفسي والعصبي التي يتعرض لها الأفراد.
لذا ينصح أخصائيو الطب النفسي بعدم التردد في البكاء وذرف الدموع وخاصة في المواقف أو الأحداث المحزنة والمؤلمة، ذلك أن الدموع تقوم بتنظيف وتطهير العيون من البكتيريا والجراثيم العالقة بها، ويساعد البكاء في التنفيس عن الشخص وإراحته، وتقليل التوتر الذي يشعر به وطرح السموم الناتجة عن التوترات العصبية والعاطفية والانفعالات النفسية الكثيرة ومشكلات الحياة اليومية.
إن العلماء يرون أن كبت المشاعر وحبس الدموع يسبب التسمم، بسبب انحباس المواد والمركبات المؤذية داخل أنسجة الجسم، مشيرين إلى أن المرأة متوسط عمرها أطول من الرجل بسبب تخلصها من سموم جسمها عن طريق دموعها، لأنها أكثر استعدادا للبكاء.
فوائد البكاء:
يرطب العين: تعمل الدموع أثناء البكاء على ترطيب العين و محاربة جفافها.
ينظف الأنف: هنالك عدة سوائل تعمل على تنظيف الأنف من الداخل و إزالة البكتيريا منه وقد وجد الأطباء أن الدموع تشبه بنسبة كبيرة تركيبة هذه السوائل.
إزالة الأوساخ من العين: تعمل الدموع على طرد الأوساخ من العين كالغبار والرمل وغيرها.
الحماية من الالتهابات: الدموع غنية بمادة الليروزيم وهي مضاد طبيعي للالتهابات.
إزالة السموم: إن دموع البصل تختلف على دموع الفرح أو الحزن فهي تقوم بطرد السموم من الجسم.
تخفيف الضغط النفسي: البكاء يخلصك من الضغوطات النفسية (غضب، كآبة، إحباط)
- يخلص الجسم من المواد الكيماوية المتعلقة بالضغط النفسي، ولدى دراسة التركيب الكيمائي للدمع العاطفي والدمع التحسسي (الذي يثيره الغبار مثلاً) أن الدمع العاطفي يحتوى على كمية كبيرة من هرموني "البرولاكين" و "أي سي اتشن" اللذين يتواجدان في الدم في حال التعرض للضغط، وعليه فإن البكاء يخلص الجسم من تلك المواد. وأوضح هذا الاكتشاف سبب بكاء النساء بنسبة تفوق بكاء الرجال بخمسة أضعاف، فالبرولاكين يتواجد لدى النساء بكميات أكبر مقارنة بالكمية لدى الرجال لأنه الهرمون المسؤول عن إفراز اللبن.
- قد يحمي من الإصابة بالأمراض النفسية فالشخصية التي تفرغ شحنات الانفعال أولا بأول قد لا تصاب بمرض مثل الشخصية الأخرى التي تكبت انفعالاتها ولا تعبر عنها بالبكاء، أما بكاء الفرح الذي يعبر عن انفعالات السرور والبهجة وهو ظاهرة صحية تساعد على الراحة النفسية كذلك فالبكاء عند بعض حالات الأمراض النفسية أو في -مراحل معينة- من علاج تلك الأمراض قد تكون له دلالة علاجية جيدة لدى هؤلاء المرضى ومنها الحالات النفسية المصاحبة بأعراض تحويلية مثل الإصابة بعدم القدرة على الكلام أو المشي بعد التعرض لضغوط نفسية شديدة أو إنسان يبكي دون أسباب ظاهرة وهي في حالات الاكتئاب النفسي أو حالات الحزن الشديد وبدون أن يكون لفقدان هذه القدرة تفسير عضوي وغالبا عن علاج تلك الحالات والكلام.ما علاقة البكاء بارتقاء الروح؟ وما علاقة علاج الروح بالبكاء!
إنها حقيقة لا جدال فيها وهي إنه كلما ارتقى الإنسان بعباداته وتقربه لله عز وجل ازدادت روحه رقياً، والتقرب من الله سبحانه وتعالى دليل الخشية منه سبحانه، دليل السمو النفسي.
وقد مدح الله تعالى البكائين من خشيته، وأشاد بهم في كتابه الكريم بقوله تعالى: «إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا • ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا. ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا»[سورة الإسراء، الآيات: 107-109].
إن للبكاء من خشية الله فضلا عظيما، فهي سمة من سمات المؤمنين والخاشعين وتكسب القلب رقة وليناً وتعد طريقاً للفوز بجنات النعيم، وقد ذكر الله تعالى بعض أنبيائه وأثنى عليهم ثم عقب بقوله عنهم: «إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا»[سورة مريم، الآية: 58].
وقد بكى نبي الله يعقوب عليه على نبينا يوسف حتى ابيضت عيناه حزناً عليه، وبكى الرسول في مواضع عده ومنها بكاءه على ابنه الإمام الحسين منذ أن نزل عليه جبرائيل وأخبره بما يجري عليه من مصائب في كربلاء.
وأرى أن في البكاء على الإمام الحسين مجموعة من القيم السامية ففيها تجتمع نبذ الظلم والثورة على الطغيان وغسيل للروح وطهارة للنفس وخشية الله كيف لا وعرش الرحمن قد اهتز لمصابه، وإن الذين يتساءلون دائماً بقولهم «سنوات وأنتم تجددون العزاء والبكاء على حادثة استشهاد الإمام الحسين»، نقول لهم إن من يستنكر هذا الأمر يكون لم يتذوق طعم البكاء على الإمام من طاقة عاليه تكسب الروح كل معاني الإيجابية.
كثيراً ما يحصل أن نذهب إلى المجالس الحسينية ونحن متضايقين من أمر ما وبمجرد أن يصرخ القارئ «ياحسين» ويذكر مصابه تنسى ما كان بك من ضيق وتلتفت لما يقوله القارئ وتبكي حسيناً بحرقة، وبعد أن ينتهي المجلس تجد نفسك وقد نقيت روحك وازددت ولاءً لأهل البيت.
إذاً البكاء ما هو إلا محصلة حتمية لمجموعة من التفاعلات النفسية والبدنية والتي تنتاب الإنسان ذكراً وأنثى، وهو شعور يلازم المرء كلما كان شديد التأثر بالحدث. ولما كانت كربلاء الشهادة قد تخضبت أرضها بدماء الزكية من آل بيت رسول الله بما فيها دماء أطفالهم البريئة الطاهرة دون أن يكون لهم أي ذنب اقترفوه نجد أن الإنسان أمام وقع ذلك لا يجد بدال من البكاء والتأثر لما جرى لهم من ظلم وطغيان.
فالإنسان بفطرته التي فطره الله عليها يأبى الظلم والعدوان ويعشق العيش بكرامة حتى وان كلفه ذلك أغلى ما يملك. ولما كان الحسين قد رسم للبشرية بدمائه الطاهرة طريق العزة والكرامة نجد أنه يجب على كل من يريد أن يسلك نفس الدرب أن يستخدم نفس السبل لتحقيق ذلك. فيجب عليه أن يكون حسينيا في كل نواحي حياته وليس فقط في ميادين القتال. فالحسين قد أعطى في كربلاء دروس عديدة في مختلف ميادين الحياة. فكربلاء يجب أن تكون مدرسة لكل الأجيال وهذا ما كان بالفعل. فنجده ينصح أعداءه مستخدما كل الوسائل السلمية لتحقيق ذلك على الرغم من علمه مسبقا بأنهم لن يستمعوا له. ونجده يعطي أروع الأمثلة في النبل عندما يأمر بسقاية جيش أعداءه أولا رغم علمه أنه سوف يقتلوه عطشانا هو وأنصاره كما أخبره جده المصطفى وغيرها من الدروس والعبر والتي يمكن للإنسان أن يتعلمها من ملحمة كربلاء. فالبكاء الأسمى هو الذي يوصل الإنسان إلى أن يكون متخلقا ببعضاً من خلق الحسين فيكون بحق من عشاقه ويضيف اسمه في قائمة أنصار الحسين الكربلائيون.
أفبعد كل هذا لا تتفاعل مشاعرنا مع قضية مولانا ونذرف الدموع دهراً من أجله رجالاً ونساءً وأطفالاً وكهولاً!
فضل البكاء على الإمام الحسين:
عن سيدنا وإمامنا الصادق(ع)، عن آبائه قال: قال أبي عبد الله الحسين(ع): «أنا قتيل العبرة لا يذكرني مؤمن إلا استعبر».
وعن الإمام الرضا(ع) قال: «ومن تذكر مصابنا وبكى لما ارتكب منا كان معنا في درجتنا يوم القيامة، ومن ذكر مصابنا فبكى وأبكى لم تبك عينه يوم تبكي العيون ومن جلس مجلساً يحيي فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب».
وعن الإمام زين العابدين(ع) في ثواب البكاء على الإمام الحسين(ع) حيث قال: «أيما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين دمعة حتى تسيل على خدّه بوّأه الله بها في الجنة غرفاً يسكنها أحقاباً، وأيما مؤمن دمعت عيناه حتى تسيل على خده فينا لأذى مسنا من عدونا في الدنيا، بوّأه الله بها في الجنة مبوأ صدق».
وقال الإمام الباقر(ع): «رحم الله عبداً اجتمع مع آخر فتذاكرا في أمرنا، فإن ثالثهما ملك يستغفر لهما، وما اجتمع اثنان على ذكرنا إلا باهى الله بهما الملائكة، فإذا اجتمعتم فاشتغلتم بالذكر فإن اجتماعكم ومذاكرتكم إحياءنا، وخير الناس بعدنا من ذاكر بأمرنا ودعا إلى ذكرنا».
وقال الإمام الصادق(ع) للفضيل بن يسار: «يا فضيل؛ أتجلسون وتتحدثون؟ قال: نعم جعلت فداك. قال الإمام(ع): إني أحب تلك المجالس، فأحيوا أمرنا يا فضيل، فرحم الله من أحيا أمرنا». قال الإمام الصادق(ع): «من ذُكرنا عنده ففاضت عيناه ولو مثل جناح الذباب غفر الله له ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر».
وأخيراً عالج روحك بالبكاء على الإمام الحسين(ع):
واقعة كربلاء وقصة عاشوراء واستشهاد الإمام الحسين يلزم أن تبقى حية وفاعلة، فهي مدرسة فيها من العبر ما لا يحصى، والبكاء وإظهار الحزن هي أحد أسباب بقائها في ثقافة عاشوراء سلاح جاهز على الدوام يمكن رفعه عند الحاجة بوجه الظالمين. الدموع هي لغة القلب، والبكاء هو صرخة عصر المظلومية.
الدموع، مطلع فصل المحبة والمودّة ونابعة من العشق الذي أودعه الله في قلوب الناس وجعلها تنجذب للحسين بن علي(ع). وطبقاً للحديث الوارد عن رسول الله أنّه قال: «أنّ لقتل الحسين حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد أبدا..».
واليوم فإن إتباع نهجه والبكاء عليه هي الصلة مع الحسين(ع)، ونحن نجلس على مائدة الحسين(ع) ونترّبى في مدرسته بفضل ما نسكبه من دموع. وهذا يعني أننا قد أطعمنا هذه المحبة مع حليب أمهاتنا، وهي لا تخرج منا إلاّ مع خروج أرواحنا ففيها الدواء والعلاج لروحنا وانتصار في زمن الاستبداد.
السلام على الحسين وعلى علي ابن الحسين وعلى أصحاب الحسين وعلى الأرواح التي حلت بفناء الحسين عليكم مني سلام الله ما بقيت وبقي الليل والنهار.
المصادر:
1- موقع صحتنا.
موقع طبيب دوت نت.
3- شبكة الطاهرة الثقافيّة.
اترك تعليق