كلمة الحاجة عفاف الحكيم في السادس من شهر محرم الحرام في مبنى الجمعيات 2014م
كلمة الحاجة عفاف الحكيم في السادس من شهر محرم الحرام في مبنى الجمعيات 2014م
أيام عاشوراء هي الأيام التي حفظت الدين وحفظت تعاليم الإسلام والقرآن.. هي الأيام التي أرادها الله عز وجل أياماً لتجديد البيعة لرسول الله(ص) وآل بيته الطاهرين. أياماً للاغتراف والتذود واستخلاص الدروس ومراجعة تلك الأيام الجليلة التي تذكرنا بثقل المعاناة التي أحاطت بأهل بيت النبوة..
تذكرنا بنداء الإمام الحسين الأخير(ع): "أما من ناصر ينصرنا".
تذكرنا بصوت زينب(ع) وشموخها في قولها: "والله ما رأيت إلا جميلاً".
ولذا نقول هنيئاً لمن واسى الحسين وزينب(ع) في هذه الأيام، هنيئاً لآباء وأمهات وزوجات وأخوات الشهداء، هنيئاً للبيوت التي رفعت رؤوسنا عالياً في هذا الزمن. هنيئاً للأسر التي ربت هذه الكواكب المنيرة في سمائنا إلى [...] العالم على أبعاد الارتباط بمدرسة أهل البيت(ع) وأبعاد الولاية والولاء في حياتنا.
لأنه لولا هذا الولاء والإخلاص الذي يظلل بيوتنا ولولا روح التأسي التي تغمر قلوب شبابنا الأبرار لانفضت وحوش التكفيرين على بلداتنا وقرانا وبيوتنا لهتكت أعراضنا وسبيت بناتنا ونساءنا وبيعت في الأسواق كما بيعت الأيزيديات وذبحت أطفالنا وشيوخنا والأمهات وصلبوا على أعمدة الكهرباء في الطرقات كما فعل في الرقة وحلب وتلعفر والموصل.
كانت كربلاء حتى لا يضيع الدين، ولذا عندما علم الإمام بتنصيب يزيد رفض المبايعة وقال كلمته: "إنا أهل بيت النبوة وموضع الرسالة ومختلف الملائكة، ومحل الرحمة، بنا فتح الله وبنا يختم، ويزيد رجل فاسق، شارب للخمر، قاتل النفس المحترمة، معلن بالفسق، ومثلي لا يبايع مثله". وقال عليه السلام: وعلى الإسلام السلام إذ قد بليت الأمة براع مثل يزيد. لقد سمعت جدي يقول الخلافة محرمة على آل أبي سفيان ومثلي لا يبايع مثله.
ومن هنا كانت معركة كربلاء هي معركة الفصل بين أهل الإيمان والولاية والطاعة وبين أهل الفسق والفجور والعصيان.، بين أصحاب القلوب النقية الصافية المفعمة بالرفق والسماحة واللين وبين أهل القسوة والغلظة والشدة والحقد وسائر الصفات الذميمة التي امتلأت بها قلوب بني أميّة السابقين والجدد، فمن نهجوا منهج أبي سفيان وزوجته هند آكلة الأكباد وابنه معاوية وحفيده يزيد وأتباعهم عبيد الله بن زياد وعمر بن سعد وشمر بن ذي الجوشن وغيرهم ممن تنافسوا على ذبح السلالة الطاهرة ومطاردتها.
تنافسوا على حز الرؤوس ورضّ الصدور بحوافر الخيل وتقطيع الأوصال ورفع الرؤوس على الرماح والطواف بها من بلد إلى بلد. كانوا أشبه بوحوش وكانت قلوبهم كالحجارة بل أشد قسوة «في قلوبِهم مرضٌ فزادَهُم اللهُ مرضًا» (سورة البقرة، الآية: 10).
كان معاوية رأس النفاق يؤم المصلين ويفتك بالمؤمنين أتباع علي(ع) كان يرسل إليهم مَن يقتلهم ويهدّم دورهم أو يصلبهم على جذوع النخل أو يدس لهم السم في العسل أو يسمّل عيونهم ويدعهم أحياء ويسبي النساء ويبيعهنّ في الأسواق مع أنهن مسلمات.
قتل معاوية الصحابي الجليل حجر بن عدي وابنه وأصحابه لأنه رفض سب علي، ذبحوا قنبر مولى أمير المؤمنين(ع)، ذبحوا كميل بن زياد النخعي، قطعوا رشيد الهجري إرباً وصلبوا ميثم التمار وقطعوا لسانه وحزوا رأس عمرو بن الحمق الخزاعي وألقوا بعبد الله بن يقطر من أعلى القصر ثم حزوا رأسه وكثير غيرهم.
وهذا ما نراه اليوم من مجرمي داعش والنصرة وسائر التكفيريين من شق الصدور وأكل القلوب وحز الرؤوس.
لقد أسس أبي سفيان زعيم بني أمية السابقين والجدد لهذا المسار الخبيث وهو الانقضاض على الإسلام لحرفه وتشويهه، وإعطاء صورة بشعة عنه من كالتهديد والقتل والتعذيب وإرهاب الناس، وهذا كله يرتكب باسم الإسلام وذلك لتنفير المسلمين وغير المسلمين كما يحصل الآن لكن رحمة الله الواسعة حفظت الدين والرسالة بأهل البيت وأتباعهم.
كيف واجه الإمام الحسين(ع) مشروع أبي سفيان؟
لقد واجه الإمام(ع) مشروع أبي سفيان بكربلاء أي عبر تقديم النموذج الإسلامي الأصيل في كل شيء:
1- قدم الإسلام كما هو وكما يجب أن يكون، قدم الصورة النموذجية للشخصيّة الإسلاميّة. الرجل المسلم المرتبط بدينه، والمرأة المسلمة المرتبطة بدينها والشيخ الكبير والشاب الناهض والفتى وأنموذج الأم وأنموذج الزوجة، وقدم مع هذا النهج السليم والفكر السليم والقلب السليم النابض بالسماحة والرفق والرضا والأخلاق الإسلاميّة العاليّة وصلابة الموقف المبدئي الشجاع الذي لا يهاب إلا الله ولا يخاف إلا الله ولا يحسب حساباً إلا لله.
نعم، لقد واجههم الإمام الحسين(ع) بتقديم النموذج الصحيح وعظمة كربلاء أنها خاطبت العالم وخاطبت الأجيال القادمة وهزت فطرة الإنسان وضميره وأيقظته على واقع جديد (يقول أحد الزعماء العرب الشقيري في مذكراته بما مضمونه أني كنت أتمنى لقاء الزعيم الصيني ماو تسي تونغ، ثم تسنت لي فرصة لقائه فجلست معه حوالي ثلاث ساعات ثم طلبت في نهاية الجلسة نصيحة ودرسا في الثورة والمقاومة، فقال لي: عندكم الحسين وتريد مني درسا.
2- ونحن اليوم في هذه الهجمة الشرسة التي تعمل على تشويه الإسلام علينا أن نحوّل التهديد إلى فرص لأن التحدي الذي يواجه الأمة الإسلاميّة في العالم، علينا أن نعمل لتقديم النموذج المشرف المغاير والمخالف الذي يطمئن المسلمين وغير المسلمين. النموذج الصحيح والسليم الذي يحوّل التهديد إلى فرصة كما حوّلت زينب التهديد إلى فرصة وفضحت الحكم الأموي الذي كان يتخذ من الإسلام ستاراً.
ابنة أمير المؤمنين(ع) مع الإباء والشموخ حوّلت السبي إلى فرصة كانت تخطب في الجموع لتوقظهم، زلزلت الأرض تحت أقدام يزيد وابن زياد حين واجهتهم في عقر دارهم وأمام حشودهم قائلة وبكل اعتزاز بما قدمته من شهداء "والله ما رأيت إلا جميلاً".
الاقتداء بنساء كربلاء وتربية النموذج:
نعم علينا أن نبحث عن عناصر الدور الذي ينتظرنا وذلك من جهة عبر الاقتداء بنساء كربلاء ومساهمتهم العظيمة في مقارعة الظلم.
ومن جهة ثانية عبر تربية النموذج في بيوتنا تربية الأبناء الصالحين، تربية النماذج التي تدخل السرور إلى قلب رسول الله(ص) وإلى قلب الإمام الحسن(ع) وإلى قلب صاحب العصر والزمان(عج).
الأم الملتزمة معنيّة بهذا.
النموذج المؤمن الواعي الذي يتجلى بالسماحة والرفق واللين مع الحزم والعزم وصلابة الموقف مع الحق.
علينا أن نغرس هذه الصفات الحسينية في أنفسنا وأسرنا وأبنائنا لنكون للجميع صبورين هادئين ولائيين حتى في أشد الحالات.
فالأم الملتزمة الواعية هي اليوم قطب الرحى في كل بيت لأنها محور الحنان والعاطفة والتربية والتوجه والتقرب.
هي التي تؤدب أطفالها وتعرفهم بأن تعاليم الإسلام والقرآن شددت على الابتعاد عن القسوة وأكدت على الرفق والسماحة واللين حتى مع المخطئ من الناس وأن الله تعالى قال لنا «ادفَعْ بالتي هي أحسنُ فإذا الذِي بينَك وبينَه عداوةٌ كأنّه وليٌّ حَميمٌ» (سورة فصلت، الآية: 34).
هي التي تعرفهم بأنّ رسول الله(ص) والأئمة(ع) والصالحون يتعاملون مع الآخرين بسياسة الرفق واللين حتى لو كان أولئك على خطأ.
وهي التي تعرف بأنّ الرفق ليس فقط للإنسان وإنما للإنسان والحيوان وأن هناك الكثير ن الروايات لأهل البيت(ع) التي تحدثت عن الرفق بالحيوان وإن رسول الله(ص) قال إنّ امرأة دخلت النار في هرة، لا هي أطعمتها، ولا هي تركتها تأكل من حشائش الأرض.
وهنا نصل إلى أنّ العائلة والأسرة هي أول الدوائر التي يتوجب أن يراعى فيها الرفق والتعامل الحسن.
فعلى الأب أن يكون رفيقاً في تعامله سواء مع أبنائه أو زوجته.
وعلى الأم أيضاً أن تكون رحيمة مع زوجها وأبنائها لأن الرفق له آثار عظيمة داخل العائلة لأنه حين يألف أفراد الأسرة الهدوء والتعامل الحسن فإنّ ذلك سوف ينعكس على صحتهم النفسية.
فلين الجانب والسماحة والرفق تمثل نقطة جذب واستقطاب فعالة في النفوس والقلوب سواء مع الأبناء أو الزوج أو الآخرين.
إنّ مشاعر الإنسان وأحاسيسه تستجيب سريعاً للغة الاحترام والتقدير والتعامل بالرفق واللين سواء كانوا صغاراً أو كباراً في حين ينفرون من التعامل الخشن.. «وقُلْ لعبادِي يقُولُوا التي هِيَ أحسَنُ» (سورة الإسراء، الآية: 53).
فلا بدّ للأم إذا أرادت أن تؤثر في عملية التوجيه والتربية، لا بد لها أن تتعامل معهم التعامل الحسن وأن تخاطب فيهم مشاعرهم وأحاسيسهم.
عن رسول الله(ص): "إذا أراد الله عز وجل بأهل بيت خيراً أدخل عليهم الرفق".
مطلوب من الأم أن تسعى إلى تحصين أسرتها.
هذا هو دور الأم الصالحة والزوجة الصالحة والحمد لله بفضل شبابنا المجاهدين الطاهرين بات لدينا خير أمهات هذا الزمن وخير زوجات هذا الزمن وخير الآباء. فمثلاً نجد أم الشهيد أحمد إبراهيم عبد الساتر تجيب زملاء لها في العمل بعد أن استغربن إرسال ابنها الوحيد للدفاع عن المقدسات فأجابتهم بأن الأعمار بيد الله تعالى وأنه (أي ابنها) سواء بقي في المنزل أم لا فإن أجله إذا جاء لا يستأخر ساعة ولا يستقدم.
هذا اللون الرفيع من أمهات وزوجات الشهداء هو صورة التأسي بأمهات كربلاء، هذا اللون يذكر بقول رسول الله(ص) "الجنة تحت أقدام الأمهات" وكيف كرّم الله تعالى هاجر وجعل خطواتها من أكبر شعيرة من شعائر الحج «إنَّ الصفا والمروةَ من شعائرِ اللهِ..» (سورة البقرة، الآية: 158).
عاشوراء هي لاستخلاص الدروس والعبر هي للتأمل فيما فعله بنو أميّة السابقين والجدد.. فأبو سفيان وابنه معاوية وحفيده يزيد وزوجته هند ومعهم ابن تيميّة ومحمد بن عبد الوهاب (الوهابيّة) عملوا على تشويه الدين بشتى الطرق وقدموا للعالم صوراً بشعة لا تمتّ للإسلام بصلة وأسسوا لهذا الخط والمسار [...] المجرم الذي نطالع معالمه اليوم.
ولكن رحمة الله الواسعة التي حفظت الدين في موقعة كربلاء وثورة الحسين(ع) ودماء الحسين ودماء أبنائه وأصحابه وأهل بيته هي اليوم تحفظ الدين مجدداً على يد أبناء الحسين وأتباعه ومحبيه.
مجدداً أقول هنيئاً للشهداء ولأمهات وزوجات وآباء الشهداء لأن المعارك التي تخاض اليوم مع التكفيريين هي معارك حدّث فيها رسول الله(ص) إذ قال: «ستكون في اُمّتي فرقة يحسنون القول ويسيئون الفعل، يدعون إلى كتاب الله وليسوا منه في شيء، يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، لا يرجون إليه حتى يرتدّ على فوقه، هم شرّ الخلق والخليقة، طوبى لمن قتلوه، طوبى لمن قتلهم، ومن قتلهم كان أولى بالله منهم».
قالوا: يا رسول الله فما سيماهم؟
قال: «التحليق».
وفي رواية أخرى يَقُولُ(ص): ".. مُحَلِّقُونَ رُءُوسَهُمْ مُحِفُّونَ شَوَارِبَهُمْ، أزُرُهُمْ إِلَى أنْصَافِ سَوْقِهِمْ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لا يَتَجَاوَزُ تَرَاقِيَهُمْ، يَقْتُلُهُمْ أَحَبُّهُمْ إِلَيَّ وَأَحَبُّهُمْ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى".
واجب علينا كلنا أن نعرف حجم الخطر الذي نواجهه مع التكفيريين هي صورة ثانية عن معركة كربلاء، الخندق وصفين، اليوم يمكن القول أنه نزل الكفر كله للإيمان كله.
المقاومة وشبابنا الأبطال حفظوا التشيع والمقدسات من خلال الحرب في سوريا، تصوروا لو أنّ سوريا سقطت بيد داعش والنصرة كيف سيكون الوضع، إما أن نبايع البغدادي أو نذبح.
نحن لولا شبابنا الأبطال كنا مهددين بأهوال لا حصر لها، مهددين بالسيارات المفخخة التي لا تهدأ –كما العراق- مهددين بالذبح والقتل.
نحن في سوريا قاتلنا دفاعاً عن الإسلام والسيدة زينب(ع) وأمير المؤمنين(ع) كانوا يقولون بعد أن ننتهي من الشام سنذهب لندمر صحنهم في النجف.
مطلوب من الأم أن تسعى إلى تحصين أسرتها بالعلم والدين والأخلاق ومحبة أهل البيت والارتباط بالولاية والقيام بالتكليف.
إنّ التحدي الذي يواجه الأمة الإسلاميّة ويواجه الإسلام هو من ناحية النموذج السيئ الذي يقدم عن الإسلام ومن ناحية الصورة البشعة التي يقدمها التكفيريون عبر القتل والذبح والتدمير ونزع القلوب من الصدور وإنّ مواجهة هذا التحدي من قبَلِنا لا يكون إلا بالنموذج نموذج الرجل المجاهد والأم المجاهدة والأسرة المجاهدة.
اترك تعليق