مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

آثار عمل النساء وتبعاته على العلاقة بين الأم والطفل وعلى الإنجاب

آثار عمل النساء وتبعاته على العلاقة بين الأم والطفل وعلى الإنجاب (من منظور الإدارة الإجتماعية)

آثار عمل النساء وتبعاته على العلاقة بين الأم والطفل وعلى الإنجاب
 (من منظور الإدارة الإجتماعية)


أهمية البحث في عمل المرأة

وُجدت على مدى التاريخ دائماً نساء دفعتهنّ الضرورات الاقتصادية والاجتماعية إلى العمل والنشاط الاقتصادي. فالقرن الأخير يختلف عن القرون الماضية، في أنّ التغيرات البنيوية التي حصلت في المجال الاقتصادي، أدّت إلى القدرة الشرائية، وتغيير نموذج ذلك، أنّ التغييرات الاجتماعية والثقافية، حوّلت العمل من "حاجة اقتصادية" لبعض النساء إلى "مطلب" بالنسبة إلى الكثيرين منهنّ. وعمل المرأة في الوقت الحاضر، هو من المواضيع واسعة النطاق على صعيد مفاهيم التنمية، وفي مجال العلوم الاجتماعية. فالاستعانة بالقوة العاملة النسائية في التنمية الاقتصادية، والثقافية، والاجتماعية وتأثيرها على المشاركة الاقتصادية للمرأة، ينظر إليها كمؤشّر للتطور في مجال التنمية.
كما إنّ علم الاجتماع يدرس التأثير المتبادل لعمل المرأة والهوية الجنسانية، وكذلك نموذج فصل الأدوار، وبنية الأسرة وأساليب. وفي هذا السياق، فإنّ علم الاجتماع الأسرة قد اهتمّ، أكثر من سائر الفروع علم الاجتماع بدراسة موضوع عمل المرأة.
فخبراء العلوم الاجتماعية الأخرى، مهتمون أيضاً بدراسة هذا الموضوع أيضاً. كما إنّ خبراء علم الاقتصاد يتناولون أكثر من غيرهم موضوع عمل المرأة وذلك بسبب تأثيره على نموذج الانتاج، والتوزيع والاستهلاك الاقتصادي للأسرة، وكذلك تأثيره على الاقتصادين  الوطني والعالمي. وإنّ علماء النفس مهتمون كذلك بدراسة التأثيرات الإيجابية والسلبية للعمل، أي تأثيره على الشعور بالاعتداد بالنفس والنجاح والسعادة، والتأثيرات النفسية للضغوط الناجمة عن الأدوار المختلفة التي تقوم بها المرأة، والتضاد الموجود بين دورها في الأسرة ودورها في العمل. فعمل المرأة باعتباره قضية اجتماعية*، هو موضوع مرتبط بفروع عدة ذات علاقة بالمجالات الثقافية، والاجتماعية، والسياسية، والاقتصادية والحقوقية. فمضافاً إلى هواجس العلماء في المجالات آنفة الذكر، فإنّ دراسة موضوع عمل المرأة بالنسبة إلى الحركات الداعية إلى المساواة بين الجنسين سياسياً واقتصادياً، تعتبر أيضاً موضوعاً جذاباً وغاية في الأهمية بالنسبة إلى الموجة الثانية من هذه الحركات.
[...]
فإذا أردنا النظر إلى موضوع عمل المرأة من موقع الخبير الديني الذي يتولى مسؤولية تحليل الظواهر الاجتماعية، ونقد السياسات دينية، نرى أنّ موضوع عمل المرأة أمرٌ مهمّ نظراً إلى أسبابه وعوامله وآثاره ونتائجه؛ لأنّ العمل ومن خلال علاقة ثنائية يؤثّر على تطور الهوية الجنسانية ويتأثّر بهذه الهوية أيضاً. لذا يمكن لنا توقّع تأثير عمل المرأة على قيم المجتمع النسوي وكذلك على قيم المجتمع الذكوري أيضاً، الأمر الذي يترك أثراً كبيراً على الفرد والأسرة وكذلك على العلاقات الاجتماعية. ومضافاً إلى ذلك، فمن وجهة النظر الدينية أيضاً، فإنّ عمل المرأة وبسبب تأثيره على المرأة جسدياً وروحياً وعلى علاقاتها الزوجية وأمومتها، وعلى اقتصاد الأسرة، والاقتصاد الوطني، على عدد السكان، وعلى المجتمع عموماً، فإنّه ليس بالموضوع الذي يمكن تجاوزه بسهولة.
وفي الجانب الآخر، فإنّ تأكيد مجموعة من مدراء النظام ومسؤوليه والشرائح المتدينة والمثقفة على ضرورة حضور المرأة في المجالات والميادين الاقتصادية وإعطاء أولوية لذلك، تضاعف من ضرورة دراسة هذا الموضوع.
[...]

آثار عمل النساء وتبعاته:
[...]
1- التأثير على الرغبة في الإنجاب:
إن أول موضوع جدير بالتأمل، هو تأثير عمل المرأة على انخفاض عدد الأولاد في الأسرة، وتبعات عدم الإنجاب أو الاكتفاء بأقل عدد من الأطفال، على الحياة الفردية والعلاقات العائلية. ومع ازدياد عمل المرأة باطراد، من المتوقع أن تزداد أيضا الهوة بين الزواج والإنجاب أيضا، وتتضاءل الرغبة في الإنجاب كذلك. فإذا كانت الرغبة في الأمومة غريزة كامنة في طبيعة المرأة، فإن عدم إشباع هذه الحاجة الطبيعية يمكن أن يترك أثرا سلبيا على معنويات المرأة(١). ولهذا السبب، باستطاعة الأطفال تعزيز العلاقة بين الرجل والمرأة وارتباطهما بالأسرة وقيامهما بدور مهم في تقوية أواصر الأسرة، ويعتقد برتراند راسل، أنه إذا لم تتحقق العلاقة الجنسية في الحياة الزوجية بين الزوج والزوجة فإن هذه العلاقة الزوجية تعتبر عديمة الأثر؛ إلا أن الأطفال أكثر أهمية من العلاقة الجنسية، فالهدف الأصلي من العلاقة الزوجية هو الإنجاب. والعلاقة الزوجية لن تصل إلى مستوى الكمال، إلا إذا كان الهدف منها هو الإنجاب(٢). ولهذا السبب فإن التوتر الناجم عن مشكلات الإنجاب يؤثر مباشرة على عدم التوافق بين الزوجين، ويقلل الثقة بالنفس في التصرفات الجنسية، ويؤدي كذلك إلى عدم الشعور بالرضا من العلاقات الجنسية، ويعمق الخلافات الزوجية. ومع ازدياد أهمية عمل النساء، يظهر التعارض بين العمل والإنجاب أكثر فأكثر. وفي تقرير حول وضع الأسرة في كندا، فإن الأسرة الكندية تواجه مشكلة مهمة بولادة أول طفل لها.
فالمرأة تكون مجبرة على الاختيار بين أن يكون لها طفل وبين العمل الرسمي، فهي لا ترغب في تعريض عملها للخطر(٣).
ومن التبعات الأخرى لعمل النساء، انخفاض عدد الأطفال في الأسرة. ومع ازدياد عدد الأسر التي لها طفل واحد فقط، تكون الإمكانيات الاقتصادية للأسرة -والتي ازدادت الآن نتيجة لعمل المرأة- في خدمة رفاهية الطفل الوحيد للأسرة. وهذا مضافا إلى أن يقلل من نشاط الطفل الوحيد للأسرة ويتسبب في جعله يملأ أوقات فراغه ببدائل افتراضية، هو أيضا يوفر الأرضية لازدياد نزوعه نحو الأنانية والفردية. فهؤلاء الأطفال لا يتعلمون أنه يجب عليهم جعل رغباتهم تنسجم مع مصالح الآخرين، وأن يلتزموا بالانضباط ويقتنعوا بالحصول على إمكانيات محدودة. وأما الأسرة كثيرة العدد ذات الإمكانيات القليلة أو المتوسطة، فهي في حال إدارتها بشكل صحيح، ستوفر مناخا مناسبا لتعزيز روح الوفاق، والمثابرة، والإنتاجية والانضباط لدى الأطفال؛ إلا أن الطفل الذي يترعرع في الأسرة وحده يواجه مشاكل كبرى على صعيد الاندماج في المجتمع؛ لأنه لم يتم إعداده تربويا للوفاق الاجتماعي، ولأنه يتمتع بالقدرة اللازمة لمواجهة المشاكل الاجتماعية.
والمسألة الأخرى التي تبقى دائما موضع تجاهل، هي تأثير المشاكل على تنامي شخصية الوالدين. فتربية عدد كبير من الأولاد المنضبطين، وإن كان لا يساعد الأبوين اقتصاديا، إلا أنه ينمي من شخصية الوالدين ويجعلها أكثر عمقا. فعندما يكرس الأبوان حياتهما لإعداد الأولاد وتربيتهم بشكل جيد، يصبحان إنسانا آخر(٤). ولانخفاض عدد الأطفال نتيجتان غير مذكورتين أعلاه وهما: أولا أن الوالدين لم يعدّا ذخرا كبيرا لأيام شيخوختيهما. فيتضاءل احتمال حماية الأولاد للوالدين بانخفاض عددهم، كما أن ازدياد عدد رياض الأطفال هذه الايام ينذر بازدياد دُور العجزة في أواخر أيام العمر أيضا. كذلك فإن انخفاض عدد الأطفال اليوم سوف يؤدي إلى تقلص حجم الأسرة وصغره على نطاق واسع في الجيل القادم. ويجب أن نتصور جيلا لا يحظى بوجود الأعمام، والعمات، والخالات والأخوال، ولا ينعم بالحماية العاطفية، والمعنوية والمادية للأقرباء.

2- التأثير على العلاقات بين الأم والطفل:
يجب البحث عن التأثير الأهم لعمل المرأة في العلاقات بين الأم والطفل. فالمسافة الموجودة بين مكان العمل والمنزل في الأشغال الرسمية، وحضور المرأة بشكل منظم ولساعات طويلة في العمل هما من الأمور التي حظيت باهتمام علماء النفس والمختصين في العلوم التربوية وعلماء الاجتماع، إذ أكد كثيرون من علماء النفس وخبراء الشؤون التربوية، وجود علاقة وثيقة بين النمو العاطفي للطفل وترعرعه في أحضان الأم، خاصة خلال الأعوام الثلاثة الأولى من عمره، وأن السلامة النفسية والعاطفية للطفل تتوقف على الحضور الشخصي للأم إلى جانبه(٥). ويؤكد علماء اجتماع بارزون مثل جان بالبي J. Bowlby، على العلاقة المبنية على التعلق الغريزي للطفل بأمه بأنها تشكل البنية التحتية لشخصيته. وفي حال انعدام أو عدم كفاية هذا الارتباط الغريزي، فإن الأطفال وخاصة الفتيان منهم يتحولون إلى أشخاص غير قادرين على التواصل مع الآخرين. ويعتقد بلسكي Belsky أن رياض الأطفال تضعف العلاقة بين الطفل والأب أيضا؛ لأن الأم التي تعمل بدوام كامل، تكرس كل اهتمامها للطفل أثناء وجودها في المنزل بعد الظهر أو نهاية الأسبوع. كما تبيّن الدراسات التي قام بها الدكتور هريسون اسبنسر Harisone spencer في الجانب الآخر، أن الأطفال الذين يذهبون إلى رياض الأطفال معرضون للإصابة بالأمراض الالتهابية مثل الإسهال والأمراض التنفسية أكثر من الأطفال الآخرين بمقدار من (٢-١٨)ضعفا(٦).
واستنتج رومن في دراسة قام  بها عام١٩٥٩ حول الطلبة في مدارس لوس أنجلس، أن ٢٥ بالمئة فقط من الأمهات العاملات يهتممن بالأمور والحاجات النفسية لأطفالهن(٧).
وقد اتبعت بعض الدول سياسات تشجيعية أو وضعت ضوابط بخصوص دعوة النساء إلى سوق العمل، لكي يقضي الرجال وقتا أكبر في المنزل ويشاركوا في تربية الأطفال وفي الاعمال المنزلية، إلا أن الدراسات تبين أن تقليل ساعات عمل الرجال في هذه الدول لم يساهم في زيادة مشاركتهم في تربية الأطفال والقيام بالأعمال المنزلية. وفي اليابان يقضي الرجل (١٥) دقيقة فقط من وقته في الأعمال المنزلية. وفي كوبا حيث الأنظمة التي تنص على أنه يجب على الرجال المشاركة في الأعمال المنزلية مع زوجاتهم، فإن ٨٢ بالمئة من النساء في العاصمة هافانا و٩٦ بالمئة منهن في ضواحيها مضطرات للقيام بهذه الأمور وحدهن(٨). ومن هنا، فإن الخيار الأكثر واقعية، هو وضع الأطفال في مراكز الرعاية أو ترك طفل أو طفلين وحدهما في البيت. وفي هذه الحالة، فإن الأطفال بدلا من أن يتأثروا بالقيم والنماذج السلوكية لأبويهم، يأخذون هذه القيم من المؤسسات الرسمية ووسائل الإعلام. ويكون ارتباطهم العاطفي مع الأم بدرجة أقل. وفي الجانب الآخر، فإن ازدياد عدد رياض الأطفال باطراد في الدول الصناعية ومنها كندا، لم يقلل من قلق الامهات على أطفالهنّ(٩).
ويعطي الخبراء إجابات متباينة عن هذا السؤال، وهو: هل نتائج فصل الأطفال عن أمهاتهم إيجابية أم مقلقة؟ فالمدافعون عن المرأة يؤكدون على نموذج توزيع الأدوار بالتساوي واستقلالية الأطفال، وكذلك الذين يعتقدون بالحد الأدنى من تدخل الأسرة في تربية الأطفال، يرون أنّ فصل الأطفال عن أمهاتهم له نتائج إيجابية. فمن وجهة نظر هؤلاء، فإن أطفال الأمهات العاملات يعتمدون بدرجة أقل على والديهم، ولديهم أفكار أقل شكلية حول المفاهيم الجنسانية، ويتمتعون بدرجة أكبر من الانسجام الشخصي والاجتماعي والتقدم العلمي، ولديهم رغبة أكبر في العمل(١٠).
وفي المقابل، فإن الأبحاث التي تؤكد على دور الأسرة في إعداد الاطفال وتربيتهم، تسلط الضوء على التأثيرات السلبية لفصل الأم عن الطفل. فمن وجهة نظر هذه الدراسات، يتوقف النمو العقلي للطفل على العلاقة العاطفية التي تربط بأمه فوجود الأم بالقرب منه مسألة مهمة بالنسبة إليه؛ لذا يشعر الأطفال بالاضطراب عندما يعودون إلى المنزل ولا يجدون أمهاتهم، فالعلاقة العاطفية بين الأم والطفل تؤثر في السلامة النفسية والتعاطي السلوكي للأم أيضا، وهذا بدوره يعود تأثيره على تربية الطفل(١١). بيّنت دراسة أجريت على ٢٠ طفلا في مرحلة الدراسة الابتدائية لديهم أمهات عاملات، أن هؤلاء الأطفال يواجهون مشاكل على صعيد علاقاتهم بالآخرين. ولوحظت مؤشرات في سلوكهم تدلّ على نزعتهم إلى العزلة، والتقوقع، وعدم الشعور بالطمأنينة. كما لوحظت مؤشرات عاطفية أعمق لدى الأطفال الذين تُركوا من قبل آبائهم وأمهاتهم، أو الذين يقضي آباؤهم وأمهاتهم أكثر أوقاتهم خارج البيت(١٢). وفي دراسة أخرى قامت بها تاوارس باس في طهران عام١٩٧٤، قُورِنَ ٥٠ طفلا بين السادسة والثامنة من أعمارهم كان لديهم أمهات عاملات قبل سن الثالثة مع ٥٠ طفلا آخر، إذ بينت نتائج الدراسة تفوُّق المجموعة الأولى في الامتحانات الدراسية وتفوق المجموعة الثانية في التوازن والاستقرار العاطفي والتواصل الاجتماعي. وتبين من خلال هذه الدراسة، أن جميع الأطفال الذين كانوا يعانون مشكلات مهمة والذين هم بحاجة إلى اهتمام وعناية خاصة كان لديهم أمهات عاملات(١٣).
ويعتقد بعض أصحاب الرأي، أن عمل الأم، يغير مفهوم الأسرة في عقلية الأطفال؛ ذلك لأن هؤلاء الأطفال يقضون أوقاتهم مع أترابهم في العمر نفسه أكثر من الآخرين ووحيدون أكثر من السابق(١٤). فدور الوالدين هو دور ليس بالإمكان الاستغناء عنه أبدا، خاصة خلال هذه المرحلة التاريخية؛ إذ يروّج لنماذج اجتماعية ذات قيم تختلف عن القيم العائلية. فهؤلاء الأطفال بحاجة إلى تجربة الوالدين وقوّتهما وحزمهما وإلى مصدر إرشاد عائلي(١٥). وبسبب حساسية العلاقة المباشرة بين الوالدين والأطفال، فقد أوصى مركز دراسات الوقاية من الانتحار والمؤسسة الوطنية للصحة النفسية، أوصى الوالدين بقضاء أوقاتهم يوميا مع أطفالهما مباشرة ووجها لوجه(١٦).
وعلى الرغم من الاهتمام البالغ الذي أبدته الدراسات التي أجريت حول تأثير عمل المرأة على علاقاتها العاطفية مع أطفالها، إلا أن هذه الدراسات لم تبد الاهتمام اللازم بتبعات عدم حضور المرأة إلى جانب أطفالها وعدم إشرافها على تصرفاتهم. وتُعرف هذه المجموعة من الأطفال الآن "بالأطفال المغلقة أفواههم" وهم يقضون ساعات عدة يوميا وحدهم في المنزل، ولا يشرف أي شخص كبير على تصرفاتهم وأعمالهم(١٧). فغياب الأب والأم عن المنزل، يمنح حرية أكبر للأطفال وخاصة الأحداث، وفي ضوء تطور تقانة الاتصالات على نطاق واسع وباطراد، وازدياد السكن في الشقق، وانخفاض عدد الأطفال، وبالنتيجة تحول محيط المنزل إلى محيط هادئ ومنغلق على نفسه، فازداد احتمال ظهور سلوكيات غير سوية، وخاصة إقامة علاقات جنسية مع المحارم وغير المحارم، والممارسات الجنسية الافتراضية وخاصة في عمر الأحداث. ورغم عدم وجود بيانات منشورة في هذا المجال في إيران، إلا أن مختلف التقارير تشير إلى ازدياد هذه الظاهرة في مثل هذه الأجواء الأسرية، وهي ظاهرة أثارت قلق الأسر المتدينة، فالوتيرة المتسارعة للنمو الجنسي في جيل الشباب، والذي يرتبط الجانب الأكبر منه بانخفاض البعد الإشرافي للأبوين، ازدادت إلى درجة عبر عنها البعض ﺑ"الثورة الجنسية"(١٨).
وبسبب تبعات عمل المرأة بدوام كامل على الأمومة والحياة الزوجية، فإن عملية عودة المرأة إلى المنزل وتخلّيها عن العمل، أصبحت ظاهرة واضحة بين النساء العاملات. وقد بينت الدراسات التي قام بها مركز ورك لايف بوليسي، أن ٤٠ بالمئة تقريبا من النساء يتخلين عادة عن العمل خلال بعض مراحل حياتهن المهنية بداعي التفرغ لتربية الأطفال. وتسمي صحيفة نيويورك تايمز هذه العملية "ثورة الانصراف عن العمل"، فكثير من النساء اللاتي تخلين عن عملهن كنّ متعلمات وناجحات للغاية.
فالمعطيات التي خرجت بها هذه الدراسات، تبين أن هذه العملية تأخذ منحىً تصاعديًا خلال الأعوام التي تصبح فيها المرأة أمّا، إذ تدرك بعد فترة أن الحياة التي يعتبر فيها العمل كل شيء لن تشبع رغباتها. فعندما يتعلق الأمر بالأطفال تدرك المرأة كذلك، أن أي شيء غير قادر على أن يحل محل الأم(١٩).      
____________________
* القضايا الاجتماعية هي الظواهر الاجتماعية من ظروف بنيوية ونماذج سلوكية يكون موقعها في مسار التطورات الاجتماعية بين الوضع الموجود والوضع المرجو، وتحول دون تحقّق الأهداف وتصبح خطراً على القيم والكمال المنشود. إنّ هذه القضية الاجتماعية (عمل المرأة) تشغل بال النخبة والرأي العام بمثابة ظاهرة غير مطلوبة. (محمد عبد اللهي، طرح مسائل اجتماعي در إيران: أهداف وضرورتها، ص 10)
(١)أشارت قدسية حجازي، التي هي أول إمرأة إيرانية تحصل على شهادة الدكتوراه في القانون الجزائي، إلى تأثير عدم إشباع شعور الطبيعي للمرأة بالأمومة والذي هو نتيجة طبيعية لزواج الفتاة، فإن عدم الزواج أو الإنجاب يؤثران على جنوح النساء نحو الإجرام. (قدسية حجازي، جرائم زن در ايران، ص١١٥).
(٢)عصمت السادات مرقاتي خوئي، بررسى ومقايسه مشخصات فردى وخانوادﮔﻰ زنان شاغل راضى وناراضى از روابط جنسى در زندﮔﻰ زناشويى در داﻧﺸﮔﺎه هاى وابسته به وزارت بهداشت ودرمان وآموزش ﭘزشكى، أطروحة ماجستير، ص٣٩.
(٣)فرانسيس دكاري وكريستين كوربي، "ساختارهاى جديد خانواده" رسالة اليونسكو، العدد٢٣٠، مرداد١٣٦٨، ص٤٤.
(٤)بيل مك كئين "تأملى در بارة خانواده تك فرزند"، مجلة: سياحت غرب، ش٦، ص٣٢.
(٥)انظر: حديث مع سيد محمد صادق مهدوي، قراءة نقدية لعمل النساء، حوراء (نشرة داخلية لمكتب دراسات وأبحاث المرأة)، العدد٨، ٢٠٠٥، ص١٨.
(٦)ويليام غاردنر، جنك عليه خانواده، تجمة معصومة محمدي، دفتر مطالعات وتحققات زنان، قم، 1386 هـ.ش.، ص٢٢٢-٢٢٤.
(٧)بتول موسوي، بررسي اشتغال زنان متأهل ومشكلات آنان، رسالة ماجستير في علم الاجتماع، دانشكاه الزهراء [ع]، تهران، 1378 هـ. ش.، ص٧٣.
(٨)سيد محمد رضا علويان، كار زنان در حقوق إيران وحقوق بين المللي كار، انتشارات روشنكران ومطالعات زنان، تهران، 1381 هـ. ش.، ص١٢٩.
(٩)بتول موسوي، مصدر سابق، ص٧٤.
(١٠)انظر: المصدر نفسه، ص٦٥؛ هما ملا أحمد رحيمي، بررسي بيامد اشتغال برا يزنان شاغل وفرزندان آنها، رسالة ماجستير، في علم الاجتماع، دانشكاه شيراز، 1380 هـ.ش.، ص١١٤.
(١١)حوار مع السيد محمد صادق مهدوي، "خوانش انتقادي اشتغال زنان"، حوار منشور في مجلة حوراء (نشرية داخلي دفتر مطالعات وتحقيقات زنان)، العدد٨، ٢٠٠٨، ص١٨-١٩.
(١٢)علي أكبر شعاري نجاد، روان شناسى رشد، ص٢٥٣ و٢٨٢.
(١٣)انظر: هما ملا أحمد رحيمي، مصدر سابق، ص٢٥.
(١٤)نانسي اسنايدر من واستريب ﭘﻙ، كليدهاى شناخت ورفتار با دختها، ترجمة: أكرم كرمي، ص٢٠.
(١٥)إستفان أر.كاوي، هفت عادت خانوادهاى كامروا، ترجمة: شاهرخ مكوند حسيني وداوود محب علي، ص١٤٩.
(١٦)المصدر نفسه، ص١٥٥.
(١٧)ويليامسن، ﻣﮔﺎن، "تأثير تغييرات ساختارى دهه هاى٦٠ و ٧٠ بر ساختار خانواده در امريكا". مجلة: سياحت غرب، مركز پژوهش هاى اسلامى صدا وسيما، العدد١٧، صيف٢٠٠٥، ص٥٨.
(١٨)لورا سيكور، "انقلاب جنسى در ايران"، موقع مكتب دراسات وأبحاث المرأة٢٤/١٠/١٣٨٧ (نقلا عن مجلة nation عدد١٥/١٢/٢٠٠٨).
(١٩)جسيكا أندرسون، "افتخار مادر بودن"، مجلة: سياحت غرب، العدد٣٣، ص٥١.


المصدر: عمل المرأة مقاربات دينية واجتماعية، مجموعة من المؤلفين، إشراف وإعداد ليلى سادات زعفرانتيش، ترجمة: محمود سبكار، دراسة: عمل المرأة: الأسباب والتوجهات والآثار (من منظور الادارة الاجتماعية)، محمد رضا زيبائي نجاد، مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي، ط١، ٢٠١٣م، بيروت لبنان.

التعليقات (0)

اترك تعليق