مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

الشهادة من المفاهيم الإسلامية الخالصة التي لم يكن لها وجود

الشهادة من المفاهيم الإسلامية الخالصة التي لم يكن لها وجود

غاية الجهاد هي الشهادة، شهادة الفرد والمجتمع، شهادة المجتمع تكمن في صيرورته حجة على المجتمعات الأخرى بما يحمله من قيم ويمثله من مضامين بحيث يحتج الله سبحانه وتعالى على الأمم الأخرى يوم القيامة. أما بالنسبة لشهادة الفرد فلها معنى أرقى وأعلى، فهي غالباً ما تقترن بالقتل والموت الإرادي الاختياري وهي عبارة عن شهود وجه الله سبحانه وتعالى. وليس لهذه الكلمة مرادفاً في اللغات الأخرى في العالم، فالشهيد والشهداء والشهادة هي من المفاهيم الإسلامية البحتة التي لم تكن موجودةً في السابق كالولاية. الشهيد هو الذي يشاهد، والشهادة هي من الشهود والمشاهدة. وفي الحديث المروي عن رسول الله(ص) أنه قال: للشهيد سبع خصال،يعددها ثم يقول: أنه ينظر إلى وجه الله سبحانه.

شهود وجه الله هو عبارة عن شهود تجليات الأسماء والصفات الإلهية لأن وجه الشيء ما به يظهر. فوجه الإنسان هو الظهور وهو أفضل ظهور في عالم الطبيعة والنشأة المادية للنفس البشرية.  وبالطبع قد يكون للوجه معاني واشتقاقات أخرى ولكن الأصل فيه هو هذا المعنى، لذلك يكون الشهيد ممن يشاهد ما يظهر به الحق لعباده ولكل هذا الوجود في كل مراتبه، وهو وجه الحي الباقي، أي ذو الجلال والإكرام، أي جامع الأسماء الجلالية والجمالية. فالشهيد يصل إلى مقام مُعبّر عنه بمقام التجليات الأسمائية والصفاتية، أو مقام التوحيد الصفاتي والأسمائي، وهذه هي الغاية الحقيقية لوجود الإنسان.

إنّ الإنسان قد وُجد ليصل إلى شهود وجه الله، والوصول إلى مقام التوحيد الأسمائي والصفاتي أو ما يُعبّر عنه بمعرفة الله سبحانه وتعالى، هذه المعرفة الحقة هي المعرفة المقدورة للإنسان، ولا شك أن هذه المعرفة توصل صاحبها إلى حالة الفناء.
إن وجه الله سبحانه وتعالى هو مظهر البقاء، وما سواه هو مظهر الفناء، لذلك عندما يُقال بأنّ الشهيد ينظر إلى وجه الله معنى ذلك أنّه يشاهد البقاء فيكون ملتحقاً بالبقاء وإليه الإشارة في قوله تعالى: {ولا تَحْسَبَنَّ الَّذينَ قُتِلُوا في‏ سَبيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} 3/169. الشهيد عندما يصل إلى هذا المقام تُكتب له الحياة الأبدية السرمدية التي لا موت فيها أبداً، وهذا بسبب أنه اختار الموت بإرادته واختياره، وهو يتميّز بذلك عن باقي الموجودات والبشر في أنه لا يعيش تلك الموتات الأخرى التي تكون بعد الموت التصرّمي أو الانتقال من النشأة الطبيعية، وهذا معنى آخر لشهود وجه الله سبحانه وتعالى، فالشهيد باقٍ ببقاء الله لذلك لا يتعرض لأي نوع من الفناء والانعدام أو الصعق أو المحو وكل تلك المظاهر المقابلة للوجود.
سر ذلك واضح عند من يتدبر معاني الأشياء والحقائق المتعلقة بهذا المقام. فمن المعروف أن الحجاب الأوحد المانع من شهود الحق سبحانه وتعالى هو ما يُعبّر عنه بحجاب الإنّيّة والأنانيّة، حجاب حب النفس ورؤية النفس.  وكل الحجب الأخرى تندرج تحت هذا الحجاب الأكبر.
والشهيد هو الذي يتجه باختياره نحو تحطيم وإزالة هذا الحجاب عندما يدخل في تلك الساحة التي تطلب منه أن يضحي وأن يفني هذا الوجود ويتخلص منه باختياره على أساس الإرادة الإلهية والطاعة وهذا شرط أساسي، لأنه بدونه يكون كالانتحار تماماً، الذي هو من الكبائر العظمى والذنوب الكبيرة.
يوجد أشخاص  يصلون إلى مقام  الشهادة من دون أن يُقتلوا، حيث يعملون عمل الشهداء، فحركتهم منذ البداية حتى النهاية تكون حركة الإنسان الشهيد المقتول في سبيل الله ولكن مع فارق أنه لا يكون قد انقطع ارتباطه بالطبيعة، مثل هذا الإنسان يكون  قد قطع كل مراحل المجاهدة والتعلقات بالطبيعة والنفس وحظوظها وكمالاتها وإنيتها فيصل إلى مقام الشهادة ، ويكون شهيداً. ولكن لأنّ إمكانية التراجع تكون موجودة، فإنّه يكون في طلب دائم للقتل في سبيل الله لأنّه يعتبره راحة وفوز يطمئن معه بأنّ حياته قد خُتمت بالشهادة. فهذا أمير المؤمنين عليه السلام الذي كان من أهل الفوز ومن أهل الشهادة  من قبل أن يُقتل، لم يقل "فزت ورب الكعبة" إلا بعد قتله، أي بعد أن اطمأنّ أنّ حياته خُتمت بها.

المصدر: قناة المنار.

التعليقات (0)

اترك تعليق