مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

والدة الشهيد عماد مغنية تمد يدها إلى جعبة الأسرار وتروي بعضاً مما لم يعرفه الناس

والدة الشهيد عماد مغنية تمد يدها إلى جعبة الأسرار وتروي بعضاً مما لم يعرفه الناس عن الحاج رضوان

يوم تشييعه عرف الناس أن «الحاج» و «الحاج رضوان» و «الحاج ربيع» و «عماد مغنية»، هو نفس هذا الفتى الذي طلق الدنيا وترك بهارجها منذ نعومة أظافره، وعشق حياة البراري والنوم في الكهوف القفار يفترش التراب ويلتحف السماء، متفرغاً لعبادة الله والتقرب إليه بمحاربة أعداء الإنسانية، واضعاً نصب عينيه مقولة الإمام الخميني: «إسرائيل» غدة سرطانية لابد أن تزول، مدركاً أن هذه الجرثومة لا يمكن القضاء عليها إلاّ صفعاً بالدماء فصفعها بدمه، ولذلك قال عنه سيد المقاومة إن دم الحاج عماد مغنية سوف يخرج «إسرائيل» من الوجود.
ولاحقاً عرف الناس أن «الحاج رضوان» هو رئیس المجلس الجهادي والقائد العسكري للمقاومة وعقلها المدبر وصانع انتصاراتها والقیمة الجهادیة الكبرى لحزب الله، و "قائد الانتصارین" كما أسماه السید نصر الله.. وقد تمضي سنون وأعوان ولما نعرف من هو عماد مغنیة، لأن أحداً لا یجرؤ على فتح خزانة أسراره. فما كان لـ «تسنیم» إلا أن تلجأ إلى الأم المنجبة للشهداء والأسوة الحسنة للأمهات الحاجة المجاهدة «أم عماد»؛ ولأنها أمه فهي وحدها یمكنها أن تمد یدها إلى جعبة الأسرار، لتسحب منها بعضاً مما لا یعرفه عنه الناس، لتعرفنا على هذا القائد الفذ، حیث كشفت في مستهل اللقاء قائلة: "أن الإمام الخمیني قدس سره الشریف كان وصف الشهید الحاج عماد بأنه كأحد أبنائه، كما أن الإمام الخامنئي حفظه الله تعالى قال: «خلال حرب تموز2006 دعوت للحاج عماد وللسید نصر الله بالنصر، والیوم أدعو أن یكون لنا من الشافعین یوم القیامة»".
وقالت الحاجة "أم عماد" لـ «تسنیم» عند زیارتنا لهذه الأسرة المجاهدة في بیروت: "بدایة أتوجه بكلمة شكر إلى الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة وقیادتها الحكیمة الإمام الخمیني الراحل والإمام الخامنئي دام ظله، التّي لها الفضل الأكبر في مسیرتنا الجهادیة".

ثم تحدثت الحاجة الفاضلة عن الشهید قائلة:

"لقد كان الحاج عماد شخصاً ممیّزاً منذ الصّغر، قلیل الكلام، كثیر العمل، وبالطبع فإن الفضل كله یعود إلى الإمام الحسین(ع)، إذ كان الحاج شدید التأثّر بسیرته وباستشهاده، وكان لثورة الحسین الفضل الأكبر في مسیرته الجهادیة، ولم تكن المسألة بالنسبة إلیه مجرّد محرم وعاشر، حزن وبكاء؛ بل العكس، كان ینظر إلیها على أنها قضیة إیمانیة وأنّ هناك سراً یكمن وراء استشهاد الإمام الحسین(ع)، وأنّ منه نستمد القوة والعزیمة. وكما جرت العادة في شهر محرّم، كنا حینما كان الحاج صغیراً، نحیي الأیام الحسینیة بإقامة المجالس العاشورائیة في بیوتنا، وتقوم إحدى الأخوات بقراءة السیرة الحسینیة، لكن الشهید كان یعترض على هذا الأسلوب فی إحیاء المراسم إذ أنّه كان یقول دائماً أنّ هناك أبعاداً أكبر وأعمق من مجرّد سرد الوقائع. لقد كان یحب أن یطلع على الكتب التي تتحدّث عن الإمام الحسین(ع) وعن النهضة الحسینیة، وظلّ یبحث ویتابع سبب استشهاد الإمام والهدف من الثورة العاشورائیة.

وأضافت الحاجة المجاهدة:
لقد انطلق الشهید عماد من هنا، لیسیر في طریق الجهاد في سبیل الله ضدّ «إسرائیل» في الحرب المفتوحة والمستمرة، وكان في الثالثة عشرة من عمره حین انخرط في العمل الجهادي وقد كان أكبر همّه القضاء على «إسرائیل» ونصرة المظلومین في فلسطین، وكان یسعى للوقوف بوجه الظلم كما كان الإمام الحسین(ع) مدافعاً عن المظلومین، وبالتأكید هذا هو سبب نجاحه، لأنّه أدرك أن الحل هو في المضي بهذا الطّریق.

وأردفت تقول:

لم یعش الحاج عماد طفولة أو مراهقة كأبناء جیله، هو لم یولد من أجل اللعب واللهو، إنما خلق للعلم والعمل، لذلك لم یولِ أهمیة للعب في حیاته. ولقد كان الحاج في الثانیة عشرة من عمره عندما كتب مقالاً في مجلة «الخلیج» تحت عنوان: "لسانك حصانك إن صنته صانك وإن خنته خانك"، وشارك أیضاً في كتابة بعض الكتب الإسلامیة. لقد كان توجهه إسلامیا بامتیاز وهذا أیضاً كان مناي وأملي في أن یصل أبنائي إلى مثل هذه المرحلة، لكن نحن مأمورون من الله تعالى بأن نسیر على خط الجهاد والمقاومة، ولا یجوز لنا أن نقف في وجه أبنائنا، بل واجبنا أن ندفعهم ونوجههم إلى هذه الأمور.

وتابعت الحاجة المجاهدة حدیثها:

بدایة كان الحاج عماد من مقلدي الشهید السید محمد باقر الصّدر، وعند استشهاده تأثّر كثیراً فحارب البعثیین فی لبنان. ومع انتصار الثورة الإسلامیة في إیران تفاعل كثیراً معها واشترك فی المسیرات التي كانت تنظم آنذاك، وحینها كان لبنان مهیأ لمثل هذه الأمور.

وعن لقاءاته مع الإمام الخمینی، قالت الحاجة أم عماد:
أول لقاء للحاج عماد مع الإمام الخمیني كان فی عام 1982، حیث سافر إلى إیران في الیوم الأول للاجتیاح «الإسرائیلي» للبنان 1982 مع سماحة السید محمد حسین فضل الله، وهناك قابل الإمام الخمیني. ولدى عودتهم إلى لبنان كانت الطریق مقفلة في البقاع ما اضطرهم للبقاء في بعلبك مدة من الزمن. وفي هذه الفترة كان الاجتیاح یمتد لیصل إلى بیروت. والمنطقة الوحیدة التی لم یدخلها الصهاینة كانت الضاحیة الجنوبیة، وفي ذلك الوقت بدأت المقاومة وصار علینا مواجهة «إسرائیل» فوقف الشهید عماد إلى جانب المقاومة، وأصبح من المطلوبین لدى «إسرائیل» ولدى الحكومة اللبنانیة بتهمة التطرف الإسلامی ومحاربة «إسرائیل»، وقد حاولوا اعتقاله أكثر من مرة. في هذه المرحلة، استقرت «إسرائیل»، فسافر الحاج إلى إیران وقابل الإمام الخمیني، ومكث في إیران فترة طویلة، وتركز في العمل الجهادي. ومنذ ذلك الحین لم یعد الحاج مستقراً في مكان محدد، بل عاش متنقلاً إذ لم یعد بمقدوره المكوث فی مكان واحد، لأنه أصبح مطلوبا لأكثر من دولة، ولم نعد نراه كثیراً حتى أنه قد یمر عام كامل لا نراه فیه... وعاش على هذا الحال مدة 25 عاماً، وقد كان مؤمناً، وأن الإنسان المؤمن الذي هدفه الإسلام لابدّ له من التضحیة، والحمد لله هو من المضحین. ولست نادمة على ما حصل.. لأني أعلم أنه كان یؤدي واجبه بشكل صحیح، و كان كل هدفه رضا الله عز وجل. وعن العلاقة بینها وبین الشهید، تقول الحاجة أم عماد: إن علاقتي بأبنائي ممیزة والحمد لله، ودائماً كنت أحاسبهم حین یخطئوا، وحتى الحاج، بعد أن أصبح مستقلاً، كنت دائماً أسعی أن لا یرتكب أي خطأ وكنت أحرص على هذا الأمر، وكانت علاقتنا تسودها الاحترام والمحبة، فالحاج كان یتصف بالاحترام، و كنت حینما أوجه إليه ملاحظة، یتقبلها وینحنی أمامی احتراماً، والحمد لله رب العالمین لم یكن یسیء أو یقصر، وكلما سمحت له الفرصة بزیارتنا لم یكن یقصر في ذلك أبدا...

وعن علاقة الشهید عماد بشقیقیه الشهیدین جهاد وفؤاد، قالت الحاجة المجاهدة:

لقد كان شقیقه الشهید جهاد، ممیزا عند الحاج عماد، و كان ذراعه الأیمن، ولقد استشهد وهو في الثامنة عشرة من عمره عام 1982 أي حین الاجتیاح كان جهاد في السادسة عشرة من العمر، عمل حینها على نقل السّلاح للمجاهدین في الجنوب، فأصبح حینها من المطلوبین لـ«إسرائیل» ولم یعد یذهب إلى الجنوب. واستشهد جهاد في شهر رمضان المبارك، أثناء محاولته انتشال جثث الشهداء والجرحى في منطقة بئر العبد (الضاحیة الجنوبیة) خلال قصف استهدف منزل السید محمد حسین فضل الله، من قبل میلیشیات جعجع حیث أدى هذا القصف الذي استمر نحو نصف ساعة، إلى استشهاد حوالي 90 شخصاً بینهم جهاد، والحمد لله هو أیضاً كان من مؤسسی المقاومة والدّاعمین لها.
أما الشهید فؤاد فقد شارك في التصدی للاجتیاح الصهیوني لبلدة كفرا في الجنوب، بعد عملیة كونین، التي استشهد فیها الشهید زهیر شحادة والشهید الدیراني شقیق الحاج مصطفى ولم یوفق حینها فؤاد للشهادة.. لكنه استشهد على ید «إسرائیل» التي زرعت له عبوة ناسفة أمام مقر عمله في الضاحیة. وأشكر الله تعالى على أنني أم لثلاثة شهداء كان لهم دور كبیر في العمل الجهادی ومع المقاومة. ونحن أم شاء الله من الصابرین وسنظل من الصابرین، وكما كنت أقول منذ البدایة، فان الفضل كل الفضل أولا للإمام الحسین(ع) وأهل بیته الكرام، وكذلك للثورة الإسلامیة في إیران، التي شكلت قاعدة إیمانیة لنا، وأیضا كان للسید موسى الصدر دور هام في التأسیس والدعم للسیر على هذا النهج.
وأعربت الحاجة أم عماد عن اعتقادها بأن للثورة الإسلامیة في إیران دورا هاما فی استمراریة المقاومة فی لبنان ولكل الانجازات التي تحققت على أیدیهم، وأضافت: لقد دخلت «إسرائیل» إلى بیروت زمن المقاومة، وخرجت منها على أیدي المقاومین. والآن نحن حین نمر في الجنوب ننظر إلى الجبال الودیان فنستذكر المقاومین الذین تسلقوها حاملین الزاد والعتاد كل ذلك بفضل الله تعالى الذی كان یمدهم بالقوة والعزیمة .
ولا شك أن كل ما حصدناه من انتصارات لم یكن من صنع الإنسان، بل كان ثمرة من ثمار ثورة الإمام الحسین(ع) ودمائه الزكیة التي سالت في كربلاء. أن المقاومین البواسل وهؤلاء الشهداء السائرون على نهج الإمام الحسین(ع) ما زالوا أحیاء بیننا، ویستحضرني منام رأته إحدى قارئات العزاء، حیث كانت رأت الشهید عماد حاملا بیده حقیبة ملیئة بالعتاد، فسألته عن وجهته؟ أجابها بأنه ماض لنصرة شباب مصر.. لقد أخبرنا الله تعالى بأن الشهداء أحیاء، وهم كذلك إن شاء الله.

وعن تلقیها نبأ استشهاد الحاج عماد، تقول الحاجة المجاهدة:
كان أمراً صعباً للغایة، لقد كان والده في المشفى، وقد أجریت له عملیة جراحیة. خرجنا من المشفى نهار السبت. في المساء جاء الحاج وزوجته للاطمئنان (كان مع زوجته مفتاح المنزل)، دخلا وكنّا نائمین لشدة التّعب، فقال لها الحاج: لندعهم نائمین ونأتي لزیارتهم في الغد إن شاء الله. لیل الأحد جاء الحاج عماد وتناولنا العشاء سویةً وسهرنا طوال اللیل ثم غادر المنزل. وفي نهار الاثنین شاهدت على التلفاز الانفجار الذي حصل في سوریا، وكان الخبر یقول: أن الانفجار استهدف أحد قیادیي حماس، أطفأت التلفاز ثم توجهت إلى النوم. صباح الیوم التالي أي الثلاثاء، زارنا الحاج علي عمار وأخبرني أن الحاج تعرض لحادث وسیكون بخیر، لكنني طلبت إليه أن یكون صریحاً معي ویخبرني حقیقة الأمر، فأعلمني أن الحاج عماد قد استشهد.
لم احتمل الخبر في البدایة... لكنني دخلت للصلاة وتوسلت بالزهراء(ع) ثم جلست مع نفسي قلیلاً، فأحسست أني لو أنهار أو أضعف فإن «إسرائیل» ستشعر بالانتصار، لذلك اتخذت قراري وهو أن أظل قویة وشجاعة، كما أم المصائب زینب(ع)، وقد أعانني الله على ذلك. لقد استشهد الحاج عماد في الخامس من صفر وهو ذكرى استشهاد السیدة رقیة(ع)، أما فؤاد فكان استشهاده في 23 رجب وجهاد في 11 شهر رمضان.

وأكدت الحاجة المجاهدة قائلة:

لم یكن للمال أهمیة في حیاة الحاج، وحتى أنه لم یحب یوما اقتناء شيء، ولم یعترض یوما على طعام أو شراب ولم یطلب أیضا ثیابا جدیدة، وقد كان متفهما للوضع المادي الذي نعیشه حتى أنه كان یقنع إخوته أیضا في ذلك. وفي العام 1982 كان الحاج عماد خاطباً، فأخذ خطیبته إلى إیران وتزوجا هناك، وقد كان لزوجته دور مهم في حیاته، وكانت السند له وكانت نصف مسیرته، لقد عاشا في بیت متواضع في إیران، وحین عادا إلى لبنان كانت امرأته حاملا بطفلتها الأولى، سكنا معنا في منزلنا في الشیاح وكان المنزل صغیرا ومتواضعاً، أقفلت له الشرفة بالزجاج ووضعت له فیها تختا وخزانة من نایلون لوضع ثیابه كان منزله وزوجته شرفة المنزل حتى تسنى لنا تأمین منزل لهما في برج البراجنة. كانت حیاته بسیطة ومتواضعة، كان متمیزا وقنوعا وكل من عرفه وصادقه كان یعلم عنه ذلك.

ثم عادت الحاجة المجاهدة إلى سجل الذكریات لتروی لنا حادثة لم یطلع علیها الكثیر فقالت:
كنا یوما في سیارة أجرة وكان معي الحاج عماد وعمره آنذاك 14 عاماً، سمعنا عبر المذیاع أن العدو الصهیوني قصف مدینة بنت جبیل، ولم یكن أحد من الركاب یعرف أین تقع بنت جبیل، فأخبرتهم أنها في الجنوب.. ثم مرت أیام وهدأت الأحوال في الجنوب، فذهبنا إلى هناك، وعندها، رأیت الحاج عماد یجهز حقیبته فسألته إلى أین؟ وكان أبوه في بیروت، قال: إلى مكان ما، حاولت ثنیه عن الذهاب، لكن عندما وجدته مصراً سمحت له، وعندما عاد أعلمني أنه كان في دورة تدریبیة وأنه ذهب إلى بنت جبیل حتى لا یكون كركاب السیارة لا یعرفون أین تقع بنت جبیل. وفي هذا السن (الرابعة عشرة)، انضم الشهید عماد إلى حركة فتح وعمل مع مجموعة من المقاومین الفلسطینیین، بعدما اشترط علیهم العمل وفق تعالیم الإسلام، قائلاً لهم: "نحن جماعة مؤمنة، وسنعمل معا على هذا الأساس، ولسنا شیوعیین، ولا غیر ذلك".

وفی الختام توجهت الحاجة المجاهدة والعارفة الفاضلة بكلمة إلى شباب ومسؤولی الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة، قائلةً:
حافظوا على هذا النّصر وعلى هذه الثورة وعلى الجمهوریة وعلى ما تركه الإمام الخمیني الذي ضحّى من أجلكم أیها الشباب، ولم یأخذ معه شيء حین رحل، لكنه ترك لنا ولكم كل تلك النعم التی تعیشونها وتنعمون بها. لقد تعرض الإمام للإساءة ونفي خارج إیران وتعذّب من أجل الإسلام، وإن شاء الله ستحافظون أیها الشباب على الأمانة التي تركها لكم ولنا، وإن الله سینصرنا دوما على الطغاة والظالمین. وحذرت والدة الشهداء عماد وفؤاد وجهاد مغنیة المسؤولین في الجمهوریة الإسلامية الإيرانية من الوقوع فی "الفخ" الذي نصبه الأمريكان، وشددت على عدم الثقة بهم أو التعویل علیهم أو الاطمئنان إليهم. كما شددت على الالتزام بنهج قائد الثورة الإسلامية سماحة آیة الله الإمام الخامنئي واعتبرت إيران الإسلامية مصدرا یبعث الأمل لكافة المسلمین والأحرار في العالم وأكدت إنها تتابع التطورات الجاریة في إيران بمنتهی الدقة.  

      
المصدر: موقع الولاية.

التعليقات (0)

اترك تعليق