مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

هل يكفي برنامج «حلاّ» الذي أطلقته الحكومة لإزاحة الظلام عن أيّامهم؟

هل يكفي برنامج «حلاّ» الذي أطلقته الحكومة لإزاحة الظلام عن أيّامهم؟ فقراء لبنان يزدادون سنوياً بصمت في غياب الإحصاءات

تعتبر ظاهرة الفقر إحدى المشكلات الأساسية التي يواجهها لبنان في مرحلة ما بعد الحرب، وبخاصة أن هذه الظاهرة تترك آثارها على مختلف الصعد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
وترتبط هذه الظاهرة عادة بالخيارات الاقتصادية والاجتماعية للنظام القائم في مجتمع ما، سواء على مستوى النظام الضريبي الذي يعتمده هذا النظام والذي يساهم في إعادة توزيع الثروة على هذا النحو أو ذاك، أم على مستوى دور الرعاية الذي تقوم به الدولة والذي أخذ يتراجع في الآونة الأخيرة في مختلف بلدان العالم، بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية التي ما زالت ترخي بذيولها على اقتصادات هذه الدول، إن على مستوى خطط التنمية المتوازنة قطاعياً ومناطقياً التي تساهم في توفير فرص العمل لأكبر شريحة ممكنة من أنباء المجتمع.
إن تعميق ظاهرة الفقر في لبنان أو في تخفيفها، يعتمد على الخيارات الاقتصادية والاجتماعية التي يعتمدها الحكم في لبنان لمواجهة هذه الظاهرة، وأبرزها توزيع الدخل والإنفاق.
وفيما تبقى الإحصاءات المتعلقة بعدد الفقراء في لبنان، غير دقيقة، خصوصا أن الإحصاء الرسمي الأخير أجري في العام 2004، أي قبل سبع سنوات، تقدّر نسبته القصوى، بحسب آخر الإحصاءات، بـ8% من السكان اللبنانيين، أي أن ما يزيد على 300 ألف شخص في لبنان هم غير قادرين على سد حاجاتهم الأساسية من الغذاء وغيره. وهناك نسبة عالية من السكان دون خط الفقر الأعلى، حيث يتقاضى الفرد الواحد ما يوازي أربعة دولارات يومياً.
أما بالنسبة إلى التوزع المناطقي للفقراء، تشهد مناطق الهرمل وبعلبك وعكار النسب الأعلى من الفقراء في حين أنّ هذه النسب تنخفض إلى ما دون الواحد في المائة في بيروت. وتشير البيانات أيضاً إلى تزايد الفقر في المدن لا سيما في أكبر الضواحي في لبنان مثل بيروت وطرابلس وصيدا، وهذا ما تبينه علامات الفقر المختلفة، من الزحمة السكانية الخانقة والأوضاع البيئية المتدهورة بسبب انتشار أحزمة البؤس حول بيروت والمدن الكبرى، وعمالة الأطفال.
كما يؤدي الفقر إلى تفاقم البطالة بين الشباب. ويعدّ نصف الشباب المثقفين وشديدي الفقر (يتراوح سنهم بين 15 و24 عاماً) والذين يحملون شهادة ثانوية، هم عاطلين عن العمل، وثلث الشباب الذين ينتمون للطبقة الفقيرة جداً والحاملين الشهادات الجامعية هم عاطلون عن العمل (مقارنة مع واحد على خمسة أفراد من حملة الشهادات الجامعية الأفضل حالاً). أما نسبة البطالة عند الأشخاص غير الفقراء الذين يحملون شهادة ثانوية، فهي نصف تلك العائدة لشديدي الفقر.
وتواجه الأسر التي تجمع عناصر الخطر الحد الأعلى من خطر الفقر ويتفاعل الموقع مع سوق العمل لإنتاج العديد من مظاهر الرفاهية للأفراد. ومنذ أوائل التسعينات، تبذل الحكومة اللبنانية جهوداً مستمرة من أجل تحسين المؤشرات الاجتماعية من خلال تعزيز التنمية الاجتماعية.
مشروع: "حلّا":
أطلقت الحكومة اللبنانية أخيرا، في اليوم العالمي للحدّ من الفقر، البرنامج الوطني لدعم الأسر الأكثر فقرا الذي يرفع شعار "حلاّ"، والذي يمكن اعتباره خطوة أولى جدّية، على طريق معالجة تفاقم الفقر في لبنان، وتعزيز شبكة الأمان الاجتماعي ولو بالحد الأدنى من التقديمات الاجتماعية والاقتصادية والتربوية والصحية، التي تمكن الفقير من العيش في ظل جنون الغلاء المستشري من دون حسيب أو رقيب.
ويطمح البرنامج إلى استهداف حوالي 80 ألف أسرة تحت خط الفقر (أي حوالي 400 ألف لبناني)، يبدأون بالاستفادة من سلة المساعدات غير النقدية بدءا من منتصف الربيع المقبل، بعدما يتقدمون بطلباتهم بدءا من تاريخ الإعلان، إلى 96 مركزا لوزارة الشؤون الاجتماعية في المناطق كافة، على أن تخضع الطلبات للتدقيق والتحقيق الميداني من قبل 400 عامل ومحقق اجتماعي إضافة إلى موظفي الوزارة، لغربلتها، والتأكد من صحة المعلومات الواردة فيها.
وبالنتيجة، سوف يؤمن هذا البرنامج فرص عمل إضافية والدخول في نمو أكبر، وذلك بتمويل من كل من الحكومة ووزارة الخارجية الإيطالية ـ مكتب التعاون للتنمية، والبنك الدولي والسفارة الكندية.
وهكذا، فان البرنامج يشكل فرصة للأخذ بيد العائلات الأكثر فقرا، ومساعدتها على بناء قدراتها، وكسر حلقة الفقر والمعاناة المتوارثة من جيل إلى جيل.
وأوضحت وزارة الشؤون الاجتماعية أن سلة المساعدات، التي اقترحتها اللجنة الوزارية المعنية بالشأن الاجتماعي، وأحالتها إلى مجلس الوزراء لإقرارها، تستبعد نهائيا خيار المعونة النقدية لألف اعتبار ومحظور، لكنها تتضمن: الاستشفاء المجاني، والرعاية الصحية الأولية وتأمين الأدوية اللازمة، وإعفاء أبناء هذه العائلات من رسوم التسجيل في المدارس الرسمية بكافة المراحل، والتعليم المهني، وتأمين الكتب المدرسية بما يرفع كلفة التعليم عن كاهل العائلات، ويساعد في لجم التسرب المدرسي وعمالة الأطفال، إضافة إلى الإعفاء من رسوم الاشتراك في الكهرباء.
وقد خصص لهذا البرنامج، كرصيد أولي، سلفة مالية تبلغ 28 مليونا و200 ألف دولار لإعداد سلة المساعدات، حملة إعلانية وإعلامية رفعت العديد من الشعارات منها: مش مسموح، وين الدولة، الدولة حدك أنت وين؟ وغيرها، بهدف دفع الأسر الفقيرة للتقدم إلى المراكز في المناطق، لرصد أحوالهم، ثم مساعدتهم، وفق البرنامج.
وفي البرنامج مرحلة ثانية تقضي بدمج القادرين من المستفيدين منه، في عملية الإنتاج، تمهيدا للاعتماد على أنفسهم، وذلك ضمن إستراتيجية تنموية تتشارك فيها الوزارات والهيئات والجمعيات والجهات المعنية، ترتكز على عدم خلق شعور الاتكالية لدى المستفيدين وتحفيزهم على الانضمام إلى ميادين الإنتاج.
يعتمد البرنامج الذي يمنح الحق لكل أسرة للتقدم من الدولة طلباً للمساعدة، حيث تلحظ مجموعة مؤشرات مقاسة تصرح بها العائلة، بالإضافة إلى نتيجة زيارات ميدانية لدراسة أوضاع العائلات المعيشية (موجودات الأسرة، الوضع المعيشي، خصائص السكن)، وهذا الأمر يسمح بتركيز التقديمات على الفئات المستحقة، والتخفيف من تسربها إلى الفئات غير المستحقة، وزيادة نسبة التغطية للعائلات الفقيرة المستحقة، ومزيد من الشفافية والمصداقية والحد الأقصى من التخفيف من إمكانيات الغش، وعدالة أكثر في توزيع المساعدات.


المصدر: جريدة الديار.

التعليقات (0)

اترك تعليق