مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

شو بدنا نعمل؟

شو بدنا نعمل؟

أنهت أمّي أعمالها البيتيّة، تحمّمت، أعدّت عشاءً خفيفاً تناولته مع والدي ونامت. ماتت ليلاً. هكذا فجأة. كان عمرها حوالي الخمسين عاماً. ماتت ودُفنت قبل عودتي بثلاثة أشهر إلى بنغلادش. كان قد مضى على وجودي في لبنان ثلاث سنوات ونصف. خسرت خلال هذه الفترة أمّاً وأختاً صغيرة. في عودتي الثانية إلى لبنان، أحضرت أختي الصغيرة معي. هذه هي هنا في الصورة، صوّرتها الأسبوع الماضي ونحن نتمشّى في بيروت. أختي جميلة ولكنّها نحيلة جداً. لم تتزوّج بعد. ربّما تفعل عندما نعود إلى بنغلادش. مضت سنوات ثلاث ونحن نسكن بيتاً صغيراً في منطقة سليم سلام. نعمل ستّة أيام في الأسبوع ونخرج يوم الأحد. شو بدنا نعمل؟ الأسبوع الفائت خرجتُ أنا وأختي وصديقتين. اشترينا أربع زجاجات عصير بألفيّ ليرة. دفعت الصديقتان للسرفيس بعد إصرار منهما. وصلنا إلى وسط بيروت. هناك جلسنا وأكلنا ما كان في الكيس الذي ملأته أختي بالبزورات والـ "شيبس" والعصائر. أحبّ لو يأتي أولادي وزوجي إلى هنا. لبنان جميل وأحبّ أن أرى البحر. لا أعرف كيف أصل إليه. أراه وأنا ذاهبة إلى وسط البلد أحياناً وعن بُعد. شو بدنا نعمل؟
هذا أبي في الصورة، وأمّي إلى جانبه قبل موتها. تبدو صغيرةً جداً. بابا كان صبيّة وأمّي كان صبيّة أيضاً. أعرف أنّ الصورة غير واضحة، فهي صورة لصورة معلّقة على حائط بيتنا. صوّرها لي والدي وأرسلها كي يريني أنّه وضع صورتي داخل الكادر. هذه زوجة أبي، وفي حضنها ابنها، أخي. رأيتِ الأرض؟ هكذا هي بلدتنا في بنغلادش، أرضها رمليّة، لا تشبه لبنان وأرضه المُبلّطة والمرتبة. شو بدنا نعمل؟ وهذه صور لمناطق في بنغلادش. ورود وبوابات جميلة وطرق واسعة. لم أذهب إليها ولا مرّة فهي تحتاج كثيراً من المال. أختي نقلت هذه الصور إلى هاتفي. أتفرّج عليها بين حين وآخر. وهذه صورتي بالزيّ البنغلادشي في لبنان. وهذا سريري وأختي تأكل إلى جانبي على التخت. شو بدنا نعمل؟ الحمد الله.
تزوّجت وأنا في الخامسة عشرة. انتقلت إلى بيت زوجي الذي يكبرني بسنة ونصف. منعني والدي من النوم معه. انتظرنا خمس سنوات حتّى سمح لنا والدي بممارسة الجنس. وفعلنا. بعدها بخمسة أشهر حملتُ بابني. لا صور له على هاتفي. لكنّه ولد ذكي ويتفوّق على أخته. أرسلهما إلى المدرسة، وأرسلهما إلى مدرسة لحفظ القرآن. شو بدنا نعمل؟ اتصلت بهما قبل أيّام، يوم الأحد. سألتهما عن المدرسة وعن والدهما، وطلبت منهما ألاّ يتشاجرا مع أحد وألاّ يذهبا إلى أمكنة بعيدة مع أحد غريب. وتكلّمت مع أبي على الهاتف. طلب منّي أن أنتبه لنفسي كما كل مرة. وطلب منّي أن أصلّي وأصوم وألاّ أتعاطى مع أناس لا أعرفهم.
عندما وقع تفجير البوليس في الأشرفية (وسام الحسن) كنت هناك. خفتْ. وصل الخبر إلى أهلي عبر التلفزيون. بس عادي. أنا لا علاقة لي.
عند عودتي إلى بنغلادش لن أعمل. سأجلس في البيت أنظر إلى أولادي. سأشتري قطعة أرض بما سأجمعه من لبنان وسأزرعها ونأكل منها. لا أريد أن تعمل ابنتي إلاّ في حال تزوجت من رجل غير جيد. سأرسلها إلى لبنان حينها.
أحبّ البامية والملوخيّة والباذنجان كثيراً. وأحبّ اللحم بعجين والمشاوي. عندما أرجع، هذه المرّة، إلى بنغلادش سآخذ معي ماكينة لفرم اللحمة و"نقّارة كوسا" لإعداد الطبخة هناك.
لحظة تلفوني يرنّ: "ألو، مرحباً. منيحة. الحمد الله منيحة. آه أوكي ما بيأثّر. إي فيكي تحكّيني بعد شوي؟ أوكي أوكي. باي". هذا صاحب المكتب. شو بدنا نعمل؟ الحمد الله".

المصدر: جريدة السفير.

التعليقات (0)

اترك تعليق