مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

ما الذي يحتاجه الأهل إلى معرفته حول أذني الطفل؟

ما الذي يحتاجه الأهل إلى معرفته حول أذني الطفل؟

التهابات الأذن:
لطالما كان أحد الآباء يزورني لمعالجة التهابات الأذن المتكررة التي يعاني منها طفله وقال لي هذا الأب في إحدى المرات: "أذنا طفلي يا دكتور يشكلان الجزء الأغلى ثمنا من جسمه وتكلّفني معالجتهما الكثير".
هذا صحيح ولكن لو أخذنا بعين الاعتبار حاسة السمع القيمة والكلام اللذين تؤمنهما لنا الأذنان لاعتبرنا أنهما تستحقان كل فلس ينفق لمعالجتهما.

ما الذي يحتاجه الأهل إلى معرفته حول أذني الطفل؟

أن تفهمي كيف تعمل بنية الأذن وكيف تختلف أذن الطفل عن أذن الراشد أمر يساعدك حتما في تقدير سبب تعرض الأطفال لالتهابات الأذن وأهمية علاج هذه الالتهابات كما يجب. لنرتحل مع الجرثومة من الأنف والفم الى الأذن فنرى كيف يتطور الالتهاب. تدخل الجرثومة الأنف والحنجرة وتسافر في القناة السمعية لتصل إلى الأذن الوسطى. والقناة السمعية هي التي تصل الحنجرة بالأذن الوسطى وتعمل على معادلة الضغط بين كلا جانبي طبلة الأذن. ومن دون هذه القناة، نشعر بألم في أذنينا ونشعر بانسداد الأذنين كما هي الحال عند تسلق المرتفعات أو أثناء السفر في الطائرة. إضافة إلى تعديل الضغط تعمل هذه القناة على حماية الأذن الوسطى فتنفتح وتنغلق بحسب الحاجة وتصرف الإفرازات غير المرغوبة من السوائل أوالجراثيم.
أم السبب في تعرّض الأطفال الصغار لالتهابات الأذن أكثر من الأطفال الأكبر سناً فمرتبط بهذه القناة الصغيرة نفسها. فقناة الطفل السمعية لا تفتح أو تغلق بفعالية كما أنها قصيرة المدى وواسعة ومتمركزة باستواء أكثر مع الحنجرة كل تلك الميزات تسمح للجراثيم والافرازات بسهولة الوصول إلى الأذن من الحنجرة. ومع نمو الطفل تطول القناة السمعية وتضيق وتتمركز في زاوية سفلية بالنسبة إلى الحنجرة بحيث لا تصل الإفرازات إلا إذا تسلقت تلك الهضبة.
عند إصابة الطفل بالزكام أو بنوبة من الأرجية، يتراكم السائل في المجاري التنفسية كلها وفي الأذن الوسطى. والأشياء نفسها التي تسد أنف الطفل تتمركز خلف طبلتي الأذنين. هذا ما يحدث عندما يبلغك الطبيب بالقول "يعاني الطفل من تراكم السوائل خلف طبلة الأذن" تسمى هذه الحالة الطبية Serous otitis media أو الإفرازات في الأذن الوسطى. عند هذه النقطة قد لا يبدو طفلك مريضاً. إلا أن إحساسه بالضغط في أذنه يوقظه من النوم ويزعجه. وقد يختلّ توازنه وهو يمشي لأن السائل المتحرك في الأذن الوسطى يؤثر على التوازن. غير أن الأطفال في هذه المرحلة يتصرفون وكأنهم مصابون بالزكام ليس إلا. وقد يصرف السائل وحده بعد أن تقوم خلايا الطفل المكافحة للجراثيم بطرد أي جرثومة موجودة في السائل وتتحسن حالة الطفل. هذه هي الأخبار الجيدة. غير أن غالبا ما لا تسير الأمور على هذا المنوال. ففي حال أغلقت القناة السمعية يحبس السائل في الأذن الوسطى. وثمة مبدأ عام في جسم الإنسان يقول بأن السائل الذي يحبس في أي مكان من الجسم يلتهب. ويتحول هذا السائل المحتبس إلى غذاء للجراثيم التي تنمو وتكبر فيه وتجعله ثخيناً كالقيح. ويمارس هذا السائل الثخين الضغط على طبلة الأذن فيحصل الوجع لا سيما عندما يتمدد الطفل. لهذا السبب تظهر التهابات الأذن ليلا عندما ينام الطفل وتتحسن على ما يبدو في ساعات النهار. وغالبا ما تتمثل الأعراض في الألم والتقلقل والأرق هي أحيانا (وليس دائما) مرتبطة بالحمى وسيلان الأنف والتقيؤ. وتظهر الإشارات الأكثر دقة لدى الطفل الذي يرضع من الثدي فيمص بشكل مختلف ويرفض الإستلقاء. شدّ الأذن لا يمثل إشارة يعول عليها. يلعب الأطفال بآذانهم عند بروز أسنانهم.
في بعض الأحيان وتحت تأثير الضغط يندفع القيح عبر طبلة الأذن وتلاحظين السائل القيحي يسيل من قناة الأذن. قد يحصل هذا الأمر ليلاً فيخلط بينه وبين الإفرازات التي تخرج من الأنف. وفي العادة يشعر الطفل بتحسن بعد تمزق طبلة الأذن بسبب تحرر الضغط. مهما يكن من أمر اصطحبي طفلك إلى الطبيب للمعالجة في صباح اليوم التالي. (قبل المداواة بالمضادات الحيوية كان الأطباء يشقون طبلة الأذن لتحرير الضغط والألم الشديد).

في غضون ذلك، في عيادة الطبيب
ينظر الطبيب في داخل أذن الطفل ويلاحظ احمراراً وانتفاخاً في الطبلة فيكون خير دليل على أن أحدا لم ينم في الليلة الماضية. يصف الطبيب للطفل مضادا حيويا ويعتمد في تحديد النوع والجرعة على خطورة الالتهاب واستجابة الطفل السابقة للدواء. ومن ثم يضيف الطبيب قائلا: "وسنفحص أذني طفلك ثانية بعد أسبوعين أو ثلاثة". تذكري ثلاثة أمور بشأن التهاب الأذن: المتابعة ثم المتابعة ثم المتابعة.
بعد يوم أو يومين من تناول الدواء، يجب أن يشعر الطفل بالتحسن. ولكن إن لم يتحسن الطفل بعد ٤٨ ساعة استشيري طبيبك واتصلي به قبل ذلك حتى لو ساءت حالة الطفل. من النظرة الأولى إلى التهاب أذن طفلك حاول الطبيب أن يصف مضادا حيويا ينسجم مع الالتهاب ولكن وحدها استجابة الطفل للدواء هي التي تحدد ما إذا كان الطبيب قد قام بالخيار الصائب. ولكن لا تتوقعي تحسنا فوريا فالدواء يتطلب أربعاً وعشرين ساعة ليباشر مفعوله. والحمى في حال وجدت تدوم ليوم أو يومين. المضادات الحيوية لا تعمل على تخفيف الحمى بل تعالج الجراثيم أما الحمى فتزول مع رحيل الجراثيم.
لنفرض أن طفلك يشعر بالتحسن لا بل يعود إلى طبيعته بعد ثلاثة أيام من بدء العلاج بالمضاد الحيوي. هل تفكرين في وقف الدواء الآن؟ إياك أن تفعلي! فالسائل والجراثيم ما زالت تتجول في مكان قريب وستعود حتما إن أوقفت العلاج في وقت مبكر.

هل تحتاج التهابات الأذن كلها إلى مضادات حيوية؟
كلا. فقد أثبتت الدراسات والأبحاث الحديثة العهد أن الالتهابات الطفيفة غالبا ما تزول من دون علاج بالمضادات. وثمة تيار جديد يقول بمقاربة الانتظار لرؤية ما يحدث. في حال أصيب طفلك بالتهاب أذني طفيف ولا يبدو لك مريضاً جداً قد يؤثر الطبيب الانتظار لأيام وإخضاع الطفل للمراقبة من غير أن يصف أي دواء. في هذه الحالة يمكنك معالجة الألم والحمى بالأدوية وقطرات الأذن المخدّرة. أما إذا زاد قلق الطفل ودامت الحمى وازدادت سوءًا فلا بد من اللجوء الى العلاج بالمضادات الحيوية.



المصدر: موسوعة الطفل: كل ما تريدين معرفته عنك وعن طفلك من يوم ميلاده حتى بلوغه العامين، د. ويليام ومارثا سيرز، ترجمة: سوزان قازان، ج٥. دار الخيال، بيروت، لبنان.

التعليقات (0)

اترك تعليق