مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

مياه المدارس ملوّثة: أولادنا يشربون من المجارير

مياه المدارس ملوّثة: أولادنا يشربون من المجارير

أكثر من نصف المدارس توفر مياهاً ملوّثة لطلابها، وذلك بحسب لوائح نتائج العينات التي أُخذتها وزارة الصحّة من 289 مدرسة رسمية وخاصة في المناطق المختلفة، والتي أظهرت أن 152 منها غير مطابقة للمواصفات، علماً أنّ 72 مدرسة يوجد فيها تلوث جرثومي كامل وخطير يؤدي إلى أمراض عديدة. أما الفضيحة الكبرى فهي أنّ 43 مدرسة تحتوي مياهها على البراز، أي أنّ الطلاب يشربون مياهاً مختلطة بالصرف الصحي!
في 30 نيسان فتح وزير الصحة العامة وائل أبو فاعور ملف المياه في المدارس ضمن حملة سلامة الغذاء، ليكشف في مؤتمر صحافي مشترك مع وزير التربية الياس بو صعب أنّ 49% من العينات التي أُخذت من المدارس غير مطابقة للمواصفات و26% من العينات خضعت لتحاليل فيزيائية- كيميائية أظهرت أن 24% من الـ 26% غير مطابقة للمتطلبات التقنية. فقد ثبت، وفق كلام الوزير، «احتواء بعض المياه في المدارس على البراز البشري».
آنذاك أعلن أبو فاعور أن المراقبين الصحيين التابعين لوزارة الصحة أخذوا عينات، في المرحلة الأولى، من «190 مدرسة رسمية وخاصة منتشرة في مختلف الأقضية اللبنانية»، وعلى غير عادة لم يعلن الوزير اسم أيّ من المدارس الواردة في اللائحتين أو نتائج التحاليل لعدم إثارة الهلع مكتفياً بالقول إنّ «المياه تحتوي على بكتيريا مضرة بالصحة العامة المسببة لأمراض خطيرة». بعد المؤتمر وصلت لائحة ثالثة إلى وزارة الصحة شملت نتائج 75 مدرسة ما رفع نسبة العينات غير المطابقة إلى 52%. العدد الإجمالي وفق اللوائح الثلاث التي حصلت عليها «الأخبار» بلغ 289 مدرسة من أصل نحو 2600 مدرسة في لبنان، وكان أبو فاعور أعلن سابقاً في المؤتمر أنّ هذا العدد (190 مدرسة) هو مجرد عيّنة وهي غير كافية.
إذاً، من أصل 289 مدرسة تبيّن أنّ مياه 152 مدرسة غير مطابقة للمواصفات، كما أنّ مياه 72 مدرسة من الـ 152 تحتوي على بكتيريا تشير إلى وجود تلوث جرثومي كامل عال وخطير وتؤدي إلى أمراض عدة أبرزها الإسهال. أمّا الأخطر فهو أنّ 43 مدرسة تحتوي مياهها على براز ما يعني أن هذه المياه هي مختلطة مع مياه صرف صحي لا تصلح حتى للاستعمال لغسيل الأيدي فكيف إذا للشرب!
وبحسب التحاليل الجرثومية، تبيّن وجود 7 أنواع من الجراثيم في المياه بنسب تتعدى الحد الأقصى المسموح به، هي الأحياء المجهرية الهوائية والبكتيريا اللاهوائية المختزلة للكبريت التي لا تشكل أي خطر حقيقي وفق رئيس جمعية حماية المستهلك الدكتور زهير برو، «ولكن هذا لا يعني أن المياه مطابقة، إنما صالحة للاستعمال الخارجي فقط مثل غسيل الأيدي لكن ليس للشرب». كذلك أظهرت التحاليل وجود القولونيات التي تشير إلى أن المياه مخلوطة بالمجارير، وبكتيريا Pseudomonas aeruginosa التي تعني وجود «تلوث جرثومي كامل عال وخطير». إضافة إلى الايشيريشيا كولي والمكورات العقدية البرازية وهي تعني البراز ما يؤكد أنّ «المياه ملوّثة كلياً ويمكن تصنيفها على أنها مياه صرف صحي». وأخيراً تبيّن وجود النباتات المجهرية الإجمالية التي تأتي نتيجة الرطوبة وعدم تحرك المياه وتعني أنّ المياه ملوّثة بالصرف الصحي. وعليه، يؤكد برو أنّ «خطر الاسهالات قائم حتماً ما إن يشرب الأولاد من هذه المياه أو عندما يستعملونها لغسل أيديهم ويضعونها على أفواههم ما يعني انتقال البكتيريا إلى داخل الجسم، ما يشكل خطراً على الصحة». يرى برو أنّ «التحرّك يجب أن يحصل أولاً لمعالجة الخزانات في المدارس وثانياً لملاحقة مصادر المياه التي لا علاقة لها بمياه الدولة إذ أننا فحصنا مياه الدولة ولم يتبيّن وجود أي مشاكل فيها، إلّا إذا كانت القساطل المستخدمة لإيصال المياه غير سليمة».

خطر الإسهالات قائم حتماً ما أن يشرب الأولاد من هذه المياه

وقد أظهرت اللائحة الأولى التي ضمت 156 مدرسة وجود بكتيريا Pseudomonas aeruginosa والمكورات العقدية البرازية في العديد من المدارس، ففي منطقة بعلبك هناك مدرسة بعلبك الرسمية، بعلبك الشروق، بريتال المتوسطة الرسمية وحوش العرب الرسمية. إضافة إلى مدارس راشيا مثل مدرسة عيحا، كفرقوق، ينطا، بكا وعزة. كذلك في مدرسة جزين الابتدائية الرسمية، معهد حلبا الفني، ثانوية عمشيت الرسمية، مدرسة ليسيه عمشيت والجامعة اللبنانية شعبة عمشيت. أما في منطقة الشوف فقد تبيّن وجود عدد كبير من المدارس التي تحتوي مياهها على البراز منها شوف ناشيونال كولدج، اوكلاند أكاديمي، تكميلية بعقلين الرسمية ومدرسة المرج. وفي صيدا تبيّن وجود بكتيرياPseudomonas aeruginosa في ثانوية كفرحن، المدرسة الكويتية اللبنانية، ثانوية الزعتري ومدرسة عين الحلوة. كذلك أظهرت اللائحة أنّ المياه في مدرسة cantine Sabis- أدما، lycee franco libanais كسروان وراهبات القلبين الأقدسين جزين تحتوي على نسبة تتجاوز الحد الأقصى المسموح به من الأحياء المجهرية الهوائية التي تجعل المياه صالحة فقط للاستعمال الخارجي وليس للشرب.
أيضاً، شملت اللائحة الثانية 58 مدرسة في أقضية الشوف، صيدا، الهرمل، البقاع الغربي، بنت جبيل، راشيا وعاليه… واتضح وجود تلوث جرثومي كبير في مدارس الهرمل مثل مدرسة البراعم، معهد الهرمل الفني النموذجي، متوسطة الهرمل الرسمية، ثانوية الهرمل الرسمية، مدرسة الإمام موسى الصدر، التقدم، تل مسعود...
أما اللائحة الثالثة فضمت 75 مدرسة منها 27 مدرسة تحتوي مياهها على بكتيريا Pseudomonas aeruginosa مثل مدرسة المقاصد- القرعون، ثانوية القرعون الرسمية، ثانوية جب جنين الرسمية، مدرسة عين وزين، مدرسة مرجعيون الوطنية جديدة، كاردن سيتي، ارده المارونية الخاصة، الفرير-كفرياشيت وغيرها من المدارس.
من هنا، يبرز اليوم الدور الأكبر أولاً للجان الأهل في المدارس من ناحية الضغط المستمر على وزارتي الصحة والتربية للبحث عن أسباب التلوث ومعالجتها بأسرع وقت كي يحصنّوا أولادهم من المخاطر الصحية التي تنتج عن هذا التلوث. وقد أعلن أبو فاعور مؤخراً عن اتفاق سيتم توقيعه بين وزارتي الصحة والتربية ونادي الروتاري بقيمة مليون دولار، من أجل تقديم فيلترات مياه لعدد كبير من المدارس الرسمية، داعياً المراقبين إلى «إعداد لائحة بالمدارس التي تحتاج إلى هذه الفيلترات والموجودة في المناطق الأكثر فقراً». يشكّل إعلان أبو فاعور اعترافاً رسمياً واضحاً بالتمييز الحاصل في المدارس الرسمية الواقعة في المناطق الفقيرة ما يؤكد سياسة التهميش التي تمارسها الدولة على هذه المناطق حتّى في ما يتعلق بنوعية التعليم الرسمي وحاجيات المدارس.
اللافت في اللوائح الثلاث هو عدم شمل العينات لأي مدرسة في مدينة بيروت كما لم تشمل أكثرية المدارس الخاصة المعروفة بارتفاع أقساطها، ما يطرح تساؤلات بدأت منذ انطلاق الحملة التي ابتعدت قدر الإمكان عن بيروت ما عدا مرات قليلة جداً ذُكرت فيها بعض المطاعم والمؤسسات في المدينة عرضاً.
كذلك فإن العينات المأخوذة شملت عدداً قليلاً جداً من المدارس (289 مدرسة من أصل نحو 2600 مدرسة) ما يؤشر إلى أنّ نسبة التلوث قد تكون أعلى بكثير، وبالتالي يفرض هذا الأمر مسحاً شاملاً وعاجلاً لجميع المدارس وليس مجرد عينة «عشوائية».


المصدر: جريدة الأخبار.

التعليقات (0)

اترك تعليق