مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

منتهى حوراني: أول شهيدة بعد النكسة

منتهى حوراني: أول شهيدة بعد النكسة

تتبعت الحلقة الـ27 من سلسلة 'كواكب لا تغيب' لوزارة الإعلام حكاية منتهى عوض حوراني، أول شهيدة في الضفة الغربية بعد النكسة.
ونقلت شقيقتها عفاف أحزان العائلة وذكريات شهيدتها، حين سقطت بزيها المدرسي، قبل أن تقترب من أحلامها بالوصول لمقاعد الثانوية العامة، ودراسة الصيدلة التي شغفت بها منذ الصغر.
تروي عفاف، وهي تحمل مطرزة أبدعتها منتهى قبل رحيلها، بجوار صورة تحتفظ ببقايا دمها: خرج أبي إلى العمل في منجرته، وذهبت منتهى إلى المدرسة، ولم يمض غير وقت قصير، إلا وعاد والدي مسرعًا على غير العادة، وأخبرنا باندلاع مظاهرة مع جنود الاحتلال وسط مدينة جنين، وقبل أن يكمل إقفال باب منزلنا، سمع أصوات أعيرة نارية، فقال لنا: 'منتهى راحت'.
تتابع عفاف: بعد وقت قصير، حضر الجيران وأهالي الحي والمدينة، وكان معظمهم يعرفون باستشهاد منتهى في المواجهات التي دارت صباح يوم 11 تشرين الثاني 1974، على مقربة من دوار مدينة جنين، وأخفى والدي الأمر عنا، ووصلت أنا ووالدتي إلى المستشفى، وأخبرنا هناك باستشهادها، وطلب من جارنا أبو عصام أن يعيدنا للمنزل، دون أن نرى منتهى في دمها.

يُصادرون 'المريول'
ووفق الأخت المكلومة، فإن منتهى صاحبة الترتيب الخامس من عائلة البنات الثماني والأخوين، سقطت ليست ببعيد عن مدرستها فاطمة خاتون، وسط  جنين، بعد إصابة بالرأس، فيما أصيبت فتاة أخرى من عائلة أبو فرحة. ويومها طلب جنود الاحتلال من والدها، بأن تدفن العائلة ابنتها بعد ساعة فقط، وهو ما لم يحدث، فخرجت لوداعها الأخير جماهير غفيرة، ودارت مواجهات عنيفة، وشن الاحتلال اعتقالات، طالت أحد المصورين. فيما صادرت مريولها الأخضر المُقلم بالأبيض، الذي سقطت به، وأعيدت كتبها إلى مدرستها، ووصل قبرها أكاليل زهور من مدن الوطن، واتحادات المرأة.
ترسم عفاف صورة لشقيقتها، التي تسكن صورها وفستانها ومطرزتها قلب العائلة وجدران منزلها، والمولودة في 20 شباط 1958 فتقول: كانت أمي تنادي أختي 'سدرة المنتهى'، وكنا نلعب معاً الطميمة، والحجلة، والسبع حجار، ولا أنسى ضحكتها، وقامتها، وشعرها الأسود الساحل، وابتسامتها التي لا تغادرها، وطيبة قلبها، وعيونها الواسعة البنية، وكلما أشاهد صورتها وآثار بقايا دمها، أتذكر حلمها بدراسة الصيدلة، وتفوقها قبل عام واحد في 'المترك' إعدادي.

منتهى واحدة
وتضيف: رفضت أمي خديجة رحمها الله (توفيت عام 2008) أن نعيد تسمية منتهى على بنات الأخوات والأخوة والأقارب، وكانت تقول: هذا الاسم هبة من الله، وربنا أخذ أمانته، ولن نعيده في البيت. وقبل أن ترحل عن الدنيا، أعادت الوصية، أن نحافظ  على منتهى واحدة في العائلة.
وبحسب ما تجمعه الأخت من ذكريات ومواقف، فإن الأم التي سافرت بعد أربعين يوما من استشهاد صغيرتها لتأدية فريضة الحج، شاهدتها في منامها تطلب منها أن لا تنسى هديتها، وتحضر لها بلوزة وبنطالاً، وهو ما فعلته الأم، وعادت من الحجاز بهدية منتهى، التي نقلتها لفتاة في عمرها.
تقول عفاف التي أبصرت النور بعد سنتين من ميلاد منتهى: ولدت ابنة أختي ربى أبو زيد، بعد وقت قصير من رحيل منتهى، ورغم أنها لا تحمل اسمها إلا أنها تكاد تكون نسخة طبق الأصل عنها، بوجهها وعيونها وشعرها وقامتها، وحين نراها نخبرها بذلك، فنحزن وندعو الله لأختنا.

دموع وأزهار
تخصص عائلة حوراني وقتًا لذكرى ابنتها، فتذهب الأخوات والجيل الثاني الذي ولد بعد استشهاد منتهى، إلى الخزانة لتفقد فستانها، وللإمعان كثيرًا في مطرزتها التي سهرت على نسجها، فتتوزع بين الألم والترحم على روحها. مثلما سبق وأن حافظت الأم على تقاليد الذهاب إلى المقبرة، للترحم والدموع وزراعة الأزهار.
واللافت في حكاية منتهى، أن إحدى زميلات الشهيدة على مقاعد الدراسة، واسمها فاطمة العمار، انتقلت لتكون مديرة مدرسة تحمل اسمها، افتتحت حديثًا في جنين. فيما ينقل أهالي من المدينة أن حوراني سقطت جراء تعرضها للدهس من دبابة إسرائيلية وسط المدينة، خلال قمع جيش الاحتلال لمظاهرة جماهيرية.

قصص إنسانية
بدوره، أفاد مُسير أعمال وزارة الإعلام في جنين عبد الباسط خلف، بأن سلسلة 'كواكب لا تغيب' انطلقت قبل عامين في محافظة طوباس والأغوار الشمالية، أعادت كتابة قصص 34 من شهداء طوباس وطمون وتياسير وعقابا ومخيم الفارعة، الذين سقطوا بعد النكسة وخلال انتفاضة الحجارة.
وأضاف: إن السلسلة تنتقل اليوم إلى محافظة جنين لتبدأ بقصة منتهى الحوراني، التي اختطفت لقب أول شهيدة في الضفة الغربية، بعد احتلالها عام 1967، وستشرع في تتبع السير الإنسانية لشهداء الانتفاضة الشعبية عام 1987.



المصدر: وكالة وفا.

التعليقات (0)

اترك تعليق