مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

رهام دوابشة.. المقعد الخالي

رهام دوابشة.. المقعد الخالي

لم يكن اليوم الأول في العام الدراسي الجديد عاديا بالنسبة للمعلم محمود دوابشة (29 عاما) من بلدة دوما جنوب نابلس، الذي اعتاد على مدار خمس السنوات الماضية أن تكون المعلمة رهام دوابشة التي أحرق المستوطنون بيتها، رفيقة دربه في المركبة ذاتها، التي تقلهم من بلدتهم دوما إلى المدرسة.
محمود الذي يدرّس الجغرافيا في مدرسة 'ذكور جوريش' الثانوية أصبح يفكر بالانتقال من المدرسة أو أخذ إجازة، بعد ما تعرضت له عائلة دوابشة من حرق لمنزلهم قبل أكثر من شهر، وما أصاب زميلته رهام من حروق طالت نسبة كبيرة من جسدها، وما زالت ترقد في المستشفى لتلقي العلاج.
محمود الذي عاد بذكرياته سنوات وتحدث لـ'وفا' عن المعلمة رهام التي تدرس الرياضيات من الصف السابع وما فوق، وما كانت تقوم به كل صباح قبل الذهاب إلى المدرسة بعد تجهيزها الطعام لطفليها أحمد (4 سنوات) وعلي (18 شهرا)، وتحضرهم إلى الحضانة، والمشقة التي كانت تتكبدها من السير على الأقدام، وصولا إلى المركبة التي تقلها.
وقال 'في كل صباح كانت تقلنا المركبة بصحبة زميلة أخرى، تدرّس في مدرسة قصرة الثانوية وعلى مدار خمس سنوات كانت دائمة الحديث عن طموحها وأحلامها باقتناء سيارة جديدة، وإكمال تعليمها العالي، وتجهيز بيتها الذي كان في مراحل التأسيس الأولى'.
وتابع 'كانت دائمة الحديث عن طفلها الرضيع الشهيد علي، ومدى تعلقها به رغم أنه طفلها الثاني، وتتحدث عن تفاصيل حياتها مع طفليها، وما يضفيه وجودهما من فرح في المنزل'.
القهوة التائهة
على مدخل مدرسة 'جوريش' الثانوية تقف آذنة المدرسة خلود عازم (43 عاما)، وكأنها تنتظر طيف المعلمة رهام، وتراقب الوجوه علها تجد بينهم من يشاركها في احتساء القهوة الصباحية مع بقية زميلاتها'.
عازم التي أكدت أنه على مدار السنوات الثلاث الماضية، كانت الزمالة والرفقة تحكم علاقات رهام مع زميلاتها وكل من في المدرسة، فكانت مرحة تحب الحياة، واليوم ندعو الله عز وجل أن يمن عليها بالشفاء العاجل، وتعود إلى المدرسة.
مجلة الحائط الفارغة
على مدخل الصف التاسع الذي كانت مربيته رهام، وضعت مجلة الحائط التي كانت تحوي إنجازات وتعليقات الطالبات في مادة الرياضيات التي كانت تدرسها وبدت فارغة وبقي اسم المعلمة المشرفة (رهام)، على الجهة السفلية اليمنى للمجلة.
الطالبة نادية نائل لم تستطع أن تنهي كلمتها في الطابور الصباحي، بعدما سيطرت الدموع على وجهها، وتبعثرت الكلمات بين شفتيها، خلال تذكرها لمناقب معلمتها ومربية صفها، وما كانت تقوم به من أجل شد أزر الطالبات، خاصة خلال تقديم الامتحانات، وما تقدمه من مساعدة تخفف عنهن الخوف والرهبة.
فيما رفع طالبات المدرسة لافتات كتب عليها 'معلمتي رهام دوابشة نحن بانتظارك.. طالباتك المحبات'.
المقعد الخالي
ولم تنس زميلات رهام تفقد جدول الحصص حسب العام الماضي، والوقوف عند أول حصة كانت ستدرسها زميلتهم، والمناوبة خلال الفسحة المدرسية، يتفقدن الغرفة بأزقتها، ويفتقدن حديثهن بعد غياب العطلة الصيفية، وماذا حضرت كل منهن للسنة المقبلة.
مديرة المدرسة أحلام المصري تحدثت عن معلمتها التي عاشت معها وزارتها في بيتها ورافقتها في حملها، وأثناء ولادتها لطفلها الشهيد علي، فقالت: 'صعب جدا البدء بالعام الدراسي مع غياب معلمة كانت تحلم بغد أفضل لطفليها، وترسم لهما مستقبلا في بناء بيت جديد، واقتناء سيارة للتخفيف من عناء ومشقة التنقل من دوما إلى جوريش، ومساعدة والد زوجها في التنقل إلى المستشفى بمدينة نابلس، والذي يعاني من فشل كلوي'.
وأضافت المصري: الحزن يعم المدرسة بطاقمها وطالباتها، معربة عن أملها بعودتها بعد تماثلها للشفاء، وبانتظار مقعدها الفارغ.
يذكر أن رهام دوابشة ترقد في مستشفى 'تل هشومير' في حالة صحية خطرة، وأجريت لها عدة عمليات، بعد أن أحرق مستوطنون متطرفون في الواحد والثلاثين من تموز الماضي منزل عائلتها في قرية دوما، ما أدى إلى استشهاد رضيعها علي دوابشة( 18 شهرا)، وزوجها (سعد دوابشة).


المصدر: وكالة وفا.

التعليقات (0)

اترك تعليق