مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

القضبان تلتهم فرحة الأبوّة

القضبان تلتهم فرحة الأبوّة

عام 1980 كتب الأسير طلال طه أبو اسنينة على جدران زنزانته في سجن الخليل، اسم طفلته الأولى الرضيعة 'وجدان'، بواسطة بقايا الشاي، بعد خلطها مع رماد السيجارة، واليوم بعد 35 عاما، يستقبل ابنه الأسير حمزة صورة طفلته الأولى 'جنى'، في زيارة والدته، راسما ملامحها على جدار غرفته في سجن النقب. جنى التي لم يرها، ولن يتابع نموها إلا بالصور.
تقول أم أكرم والدة الأسرى محمد وحمزة وصفوان أبو اسنينة: 'كل ثلاثة أيام أزور ابنا من أبنائي، تعبت من التنقل بين السجون، عدا عن الألم النفسي، فوجع المفاصل والعظام أصبح مرافقا دائما لجسدي. أريد فقط أن يجمعوا أبنائي في سجن واحد'.
يتقافز أسيد (3 سنوات) فوق الكنبة في صالة الضيوف، ليمسك صورة أبيه حمزة، المُعلقة في صدر البيت، والتي تجمع الأشقاء محمّد الذي يقضي حكما بالسجن 12 عاما، أمضى منها 8 سنوات في سجن ريمون، وحمزة وصفوان، المعتقلين إداريا منذ عام، ويقبعان في سجني النقب وعوفر. يدندن أسيد بأغاني الأطفال الصغار التي تعلمها من مشاهدته للقنوات التلفزيونية، يُغني ويُشير بإصبعه الى أبيه، يُغني لصورته!
بالدموع وحدها استقبل حمزة صورة جنى، ثم أخذ يبكي ويبتسم، وأبكي وأبتسم معه طوال فترة الزيارة، 40 دقيقة من صمت تكسره كلمات قليلة أمام شاب يتعرف على ابنته الأولى عبر صورة ومن خلف زجاج، فقد رفضوا إدخالها لأنها لا تطابق مواصفات الصور، تقول أم أكرم.
تتابع: قلت لحمزة من خلف الزجاج الفاصل بيننا: جنى حلوة وبتجنن، وهو يبكي، وتذكرت صورة زوجته لحظة ولادتها، حيث فقدت الزوج الذي يجب أن يقف فوق رأس طفلته لحظة بلحظة ويؤذن في أذنها. كانت زوجته أم أسيد تبحث في عيوننا جميعا عن حمزة، دون أن تبكي في الظاهر كما بكيت، لكن حسرة عينيها وقلبها كانت أشد من بكائي، خاصة أن ولادتها لجنى كانت صعبة. كنت قبل شهر أخذت أسيد لزيارة والده فلم يسمحوا له بالدخول، وأبقيته في قاعة خارج السجن مع رجل غريب، وحين انتهت الزيارة بقيت طوال الطريق أبرر له عدم دخوله، ويرد: 'كذبتوا علي، قلتولي رح تشوف أبوك'.
 في زيارتنا لبيتها، الثلاثاء الفائت، وجدناها في زيارة ابنها صفوان في سجن عوفر، في اليوم الذي ذكرت فيه الأرصاد الجوية أن المنطقة لم تشهد مثل طوزه منذ عشرات السنين، حيث تحولت فلسطين والمنطقة إلى كتلة غبار شديدة الحرارة، ما اضطرنا لمقابلتها هاتفيا، ومقابلة زوجها أبو أكرم وزوجة ابنها حمزة في البيت.
ويعمد الاحتلال إلى إجبار حافلات الصليب الأحمر التي تقلّ أهالي الأسرى إلى سلك طرق طويلة تستغرق يوما بأكمله، مع أنه بالإمكان سلك طرق قصيرة ومريحة، حيث ينطلق الأهالي بعد صلاة الفجر إلى زيارات أبنائهم بشوق وحسرة، ويعودون قبل منتصف الليل مرهقين ووحيدين.
وتحتل محافظة الخليل أعلى نسبة من الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي، مقارنة بغيرها من المحافظات.



المصدر: وكالة وفا.

التعليقات (0)

اترك تعليق