مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

كنت شاهدا في منى… حج VIP قتل ضيوف الرحمن مرتين

كنت شاهدا في منى… حج VIP قتل ضيوف الرحمن مرتين

هذه ليست موجة لنركبها، وما كان ديدننا ركوب موج خاصة منه المخضب بدماء الناس، بل هي جريمة منكرة ومدانة، وحدث لا محالة يستدعي منا التعبير عن موقفنا بكل وضوح وصراحة وصدق، وكل ما تقتضيه المسؤولية سواء في وجه حكام هذه الأمة تعيسة الحظ بهم، أو عرض شهادة الحق أمام القارئ بكل أمانة وموضوعية.
نعم لدينا تحفظات كثيرة ونعتقد أنها محقة بخصوص إدارة السلطة السعودية للبقاع المقدسة والحرمين الشريفين، وقد أشرنا لبعضها في مقال سابق، منها على سبيل المثال لا الحصر، استغلال السلطة للحرمين الشريفين وهما “وقف على الأمة الإسلامية جمعاء” من يوم وجدت إلى يوم يبعثون، للإشهار لبعض رموز عائلة الملك وتخليد أسمائهم؛ لم ولن نستصيغ تسمية بعض أبواب الحرمين الشريفين بأسماء ملوك عائلة آل سعود، ومن الجهل المركب أن يضاف لاسم الملك صفة “الجلالة”؛ رأينا بأم أعيننا في الحرمين الشريفين ومنها كنا ندخل أبوابا كتب أعلاها اسم مجرد من كل صفة تفخيم أو تعظيم[...] مع أن أصحابها رموز الأمة جمعاء وليس مجرد رموز قبيلة أو منطقة أو حتى شعب، ومع أنه كان بالإمكان إضفاء صفة “أمير المؤمنين” أو”خليفة المسلمين”[...] لكن السادة الأوائل ولعلمهم بعظمة “حرم الله” لم يتجرؤوا على إضفاء تلكم الصفات؛ وفي المقابل وجدنا بعضهم فرض اسمه على أبواب استحدثها وامتنعنا عن دخولها، وقد تقدم بلفظي “باب جلالة الملك كذا”، أي جلالة وأي ملك هذا أمام بيت الله وملكه وجلاله؟ إنها ليست جهالة من المعني فحسب، وإنما كذلكم بؤس وتعاسة علماء البلاط الذين لم يستنكروا سوء الأدب، والغلو في الغرور والتعالي لدرجة العمى. أي أحمق ذلكم الذي يصف نفسه بـ “الملك” في حضرة رسول الله(ص)؟وهل في ذلكم المقام الذي لا يناطحه مقام رفعة وسموا وعظمة مكان لصفة الملك والجلالة؟ لا شك لدينا بأن المعنيين جميعا حكاما وعلماء لا يعون بالمرة في أي بقعة مقدسة هم.
لكن أرواح المسلمين كما سائر البشر غالية وأكثر أهمية مما سبق ذكره، وقد أعادت فاجعة يوم النحر التي وقعت وراح ضحيتها زهاء ألف من ضيوف الرحمن، لذاكرتي مشهدا مروعا كنت قد عشت تفاصيله منذ عقد من الزمان؛ مضى يوم عرفات حينها ككل أيام عرفة التي مرت، سكينة ودعاء وسلامة وعافية، مع أن كل الحجاج هناك، ولعل القارئ يلاحظ معي، أن نفس الحجاج أشخاصا وعددا لا يتسببون في كارثة بحجم التي وقعت، لا في الحرم المكي عند طواف القدوم ولا الإفاضة والوداع، ولا يكون جهلهم كما نعتوا وعدم التزامهم مدعاة لكارثة في السعي ولا في يوم التروية حيث منى كما هي، ولا عند الذهاب إلى عرفة ولا يومه، ولا في النفرة الكبرى على خصائصها الجليلة والعظيمة، ولا بمزدلفة، لا يظهر جهل ضيوف الرحمن وتدافعهم إلا عند رمي الجمرات!!!؟
المهم قضينا ليلتنا بمزدلفة وبعد صلاة الصبح مضينا لمنى؛ أسجل هنا أننا في اليوم الأول لم نقف أي إشكال وقع عند الرمي، وأذكر حينا كان جسرا واحدا بالغ السعة، وشخصيا أديت هذا المنسك من فوقه، ومن كان معي بكل ارتياح وسكينة وهدوء؛ لكن في اليوم الثاني من أيام التشريق وحين ذهبت بعد الزوال تحديدا، لاحظت أن الجسر قد سدته ثلاثة صفوف من الجيش السعودي، وتوهمت وأنا أرى الجسر خاليا تماما إلا من عناصر الجيش، أن هناك إصلاحات ضرورية طارئة لابد من إدخالها على الجسر حماية للحجاج، هؤلاء الذين توجهوا حتما نحو الطابق الأرضي وكنت من بينهم؛ لن أنسى ما حييت تلكم اللحظة من حياتي، حين رميت بالحصاة الأخيرة دفعتني بقوة من الخلف موجة بشرية، فأوقعتني تحت أقدام الناس، ما كنت لأعيش لهذا اليوم، لولا لطف الله الذي أجراه على يد حاج اقتلعني من مكاني اقتلاعا، لأنهض وأغادر طبعا ليس من الاتجاه الذي دخلت منه، ولكن من حيث كان يغادر الحجاج بعد الرمي، هو شبيه بالسيل عليك أن تسيير وتسايره، حتى لا يصطدم القادمون مع المغادرين، تسيير الهي بديع، وضمير جمعي ما لم يتدخل فيه هوى الفرد يمضي كنواميس الطبيعة؛ حين عدت لخيمتي بمنى تلقاني رفاقي بعبارات التهنئة على السلامة، لم أفهم السبب فلا أحد منهم كان معي لحظة وقوعي تحت أقدام الحجاج، ولم أروي الحادثة بعد لأحد وما كنت لأفعل؛ وكانت صدمتي حين علمت بأن الفضائيات تنقل مصرع أكثر من ثلاثمائة حاج على المباشر ساعة كنت هناك؛ وبنفس العبارات والتبريرات التي نسمعها اليوم: جهل الحجاج، تدافعهم، عدم التزامهم بالتعليمات وغيرها من هذه الأراجيف والأباطيل.


المصدر: وكالة سما.
إسماعيل القاسمي الحسني

التعليقات (0)

اترك تعليق