لا شك في أن النهضة الحسينية أحدثت تغييراً جذرياً في مجرى التاريخ والحضارة البشرية, حتى أصبحت نموذجاً لكل إنسان يسعى إلى تفعيل دوره الحضاري من أجل أن يعيش بكرامة وعزة. ولا يزال الملايين حتى يومنا هذا, ورغم مصي 1400 سنة على هذه الثورة, يتخذون من الإمام الحسين(ع) مثالاً للقائد الذي تخلى عن كل شيء بهدف الإصلاح في الأمة وإعلاء كلمة الحق. لكن تعزيز أهداف هذه الثورة إنما يكون عبر تطبيق القيم والمبادئ التي من أجلها استشهد الإمام الحسين (ع), وترجمتها ممارسة وسلوكاً على أرض الواقع.
ومن جملة الساعين إلى نشر الوعي حول النهضة الحسينية, وبعيداً عن أسلوب المحاضرات والدروس الدينية, تبرز منظمة " من هو الحسين" التي تتطلع إلى عالم مستوحاة قيمه من شخصية وأعمال إمام ضحى بحياته وبحياة أهله من أجل نصرة المستضعفين والمظلومين. ولعل ما يميز هذه المنظمة هو توجهها للمعتقدات والعواطف الدينية نحو عالمية من الأشخاص الشغوفين والمهتمين بمن حولهم, بغض النظر عن أي عامل سطحي يعمل على تقسيم إنسانيتنا المشتركة.
بدأت منظمة "من هو الحسين" في لندن عام 2012, من قبل مجموعة من السكان المسلمين وغير المسلمين, الذين ألهمتهم شخصية الإمام الحسين (ع) فوقفوا وقفة واحدة من أجل التغيير الإيجابي, متخذين من الحسين (ع) مثلاً أزلياً, محلياً ودولياً.هؤلاء الأشخاص ينتمون إلى ثقافات, ولغات, وأديان, وجنسيات ومواقع اجتماعية مختلفة, ولا ينتمون إلى أي حزب سياسي. وأصبحت المنظمة تتواجد اليوم في نحو 40 مدينة حول العالم.
تم إطلاق الفرع اللبناني عام 2013 وهو يضم أكثر من 250 متطوعاً ومتطوعة يتعاونون على إقامة النشاطات والمشاريع التي تقر في بداية كل سنة وفق الميزانيات المتاحة. وتتركز النشاطات في ثلاث مناسبات أساسية, هي شهر محرم, فترة الميلاد المجيد, وشهر رمضان المبارك, يتخللها توزيع الحلويات على العائلات الفقيرة خلال الأعياد, كعيدي الفطر السعيد والمولد النبوي الشريف..
في اليوم العاشر من محرم, تقام حملة سنوية للتبرع بالدم حيث يصل عدد الوحدات إلى 100 وحدة يتم التبرع بها إلى الأطفال المصابين بالسرطان. كما توزع قناني مياه في مختلف المناطق اللبنانية كتبت عليها أقوال عن شخصية الإمام الحسين (ع) وشرح عن رسالته الإنسانية, بالإضافة إلى توزيع حصص من الطعام على الفقراء خلال أيام وقد قامت المنظمة في محرم 2013 م بإرسال شخص غير قادر على دفع تكاليف زيارة الأربعين ضمن رحلة مدفوعة التكاليف إلى كربلاء المقدسة. وفي محرم 2014 م, أطلقت مشروع جمع أغطية قناني المياه التي تستخدم في المجالس العاشورائية لاستبدالها بكرسي كهربائي مدولب لذوي .“Arc En Ciel” الاحتياجات الخاصة بالتعاون مع جمعية
أما في شهر رمضان, وإضافة إلى إقامة وجبات الإفطار وتزيين الأحياء الفقيرة لإضفاء روح هذا الشهر الفضيل عليها, أطلقت المنظمة في العام الماضي برنامج "أطعم عائلة لشهر كامل", الذي ساهم بتزويد 150 عائلة بكافة المنتجات الغذائية اللازمة لتحضير وجبات الطعام خلال هذا الشهر المبارك. وفي هذا العام, نظمت منظمة من هو الحسين إفطاراً مشتركاً مع جمعية "فرسان مالطا" المسيحية", حضره محتاجون من مختلف المناطق والمذاهب.
إيماناً منها بأن ذكرى عاشوراء تمثل فرصة مثالية لتكريس أنفسنا لفعل شيء ذي قيمة وذي فائدة للمجتمع, وبأنها ذكرى تتجسد كل يوم وفي كل مكان بسبب طبيعة الحياة التي نعيشها والتي تجعلنا جميعاً, على اختلاف جنسياتنا وانتماءاتنا, نشترك في نفس الهموم والمشاكل, تعتبر منظمة "من هو الحسين" أن رسالة الإمام الحسين(ع) لا تنحصر بالمسلمين وحدهم بل تتخطاهم إلى كل مستضعف في الأرض, وكل فقير أو مسكين...
لهذا السبب, تخصص منظمة "من هو الحسين" نصيباً مهماً من نشاطاتها لمساعدة الفقراء والمساكين المسيحيين, خصوصاً في فترة الميلاد المجيد حيث توزع عليهم حصصاً غذائية وتحتفل معهم بهذه المناسبة المباركة.
كما تسعى دائماً إلى التعاون مع المنظمات غير الحكومية المختلفة ذات الخلفيات الدينية المتعددة, من أجل تمتين التكافل والتآخي ضمن المجتمع اللبناني.
إن حفظ فضية الحسين (ع) يكون بالاهتمام بأوضاع الناس وقضاياهم وبحفظ كرامتهم. ونحن اليوم نعيش في عصر مشاكله لا تقل خطورة عن تلك التي واجهها الإمام(ع) في عصره, ونعيش في ظروف لا تقل ظلماً وفساداً... لذلك فإننا مسؤولون أكثر من ذي قبل أن نتحرك في خط رسالة الإمام الحسين(ع) من أجل إصلاح الأمة؟ والوقوف إلى جانب المستضعفين في الأرض. فأين نحن من هذه الأمة؟

تحقيق: فدوى السبع
المصدر:مجلة نور الإسلام,العدد 189-190