مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

خديجة تروي تفاصيل هجرتها من بلدة لفتا بالقدس المحتلة

خديجة تروي تفاصيل هجرتها من بلدة لفتا بالقدس المحتلة

لم تتجاوز خديجة التاسعة من العمر حين خرجت وعائلتها من قريتها لفتا المقدسية، إلا أنها لا تزال تحتفظ بكامل تفاصيل الحياة فيها، "كانت بلدنا كبيرة وفيها كل العز".
خديجة محمود أسعد "67" عاما، ومن منزلها إلى الشمال من مدينة القدس في البيرة تحدثت لنا عن تفاصيل "الخروج الأخير" لها من قريتها المقدسية الجميلة... والتي كانت عامرة قبل أن تتحول لقرية "مهجرة" ويتحول سكانها "للاجئين".
تقول:" خرجنا قبل مذبحة دير ياسين، ففي البلدة دخلت عصابة من الصهاينة وقتلوا أربعة من "كبار البلد" مخاتير الحمايل، والذين كانوا يجتمعون في قهوة البلد، فخاف الناس وخرجوا".
في البداية رفض والد خديجة الخروج مثل أهالي البلدة: "أبي أنتقل بنا إلى البلدة القديمة "الحارة القديمة" ولم يمض يومين حتى هجموا علينا من جديد هناك فخرجنا إلى البيرة".
وتذكر كيف كانت أمها تضع أغراضهم في الشاحنة ويقوم هو بإرجاعها، إلا أنه وافق في النهاية تحت إصرار والدتها التي كانت تخشى على أبنائها الخمسة.

أقفل الباب ولم يفتحه أبدا:
تقول: "أبي كان يعمل في "المحاجر" ووضعنا المادي جيد وقبل أيام من خروجنا من البلدة سبقنا خالي واستأجر لنا بيوتا هنا في البيرة على أمل أن نعود إلى البلد بعد "يومين أو ثلاثة".
لم تخرج العائلة معها مما تملك الكثير، إلا ما هو ضروري "غيارات وبابور وفرشات وحرامات: "تركنا كل شيء وخرجنا من البلدة" البقر والدجاج والأغنام والأرانب، أغلق أبي البيت وأحتفظ بالمفتاح جيدا، ولم نفتح الباب بعدها".
خرجت خديجة مع أختها الكبرى يسرى وأشقائها وكان أصغرهم مصطفى سبعه أيام، ووالدتها ووالدها وأخوالها وأعمامها، إلى البيرة، ورغم أن وضعهم كان أفضل من الكثيرين من الذين هجروا من بلادهم.
عام فقط قضتها عائلة خديجة في البيرة واختارت فيما بعد بضيق العيش وقلة العمل السفر إلى الأردن، فوالدها لم يجد عملا والمال الذي أخرجه من بلده لم يكفيه طويلا.
وبالعودة إلى حياتها في البلاد، تتذكر خديجة جيدا المدرسة، وكانت تسمى بالمدرسة الأميرية، وكان يدرس فيها أبناء البلدة والقرى والبلدات المجاوزة أيضا، وقبل النكبة بعام كان قد أفتتح فيها صفوفا لتعليم البنات، درست الصف الأول فيه.

أجمل البلاد... وأكبرها:
وتتحدث خديجة عن بلدتها، وتقول إنها كانت من أكبر البلدات المحيطة بمدينة القدس، حيث تمتد حتى واد الجوز وحي الشيخ جراح، وطلعة المستشفى المقاصد.
وفي لفتا عين الماء والتي تقع في وسط البلدة، وبحسب خديجة فإن هذه النبع كانت مشهورة بأن مياهها خفيفة وكان السكان يتداولون بعض المقولات عن أنها "تشفي المرضى" فكانت النساء يجتمعن حولها لنقل المياه للشرب، وتغسيل أبنائهن تبركا بها.
وتذكر أيضا أن لهذه النبع كان نفقا طويلا "لا يعرف له نهاية" كما تصف، وعلى جانبيه حافة يستطيع الناس المشي على طول امتداد جريان المياه في النفق، وفي صغرها كانت تسمع قصصا عن الثوار والفدائية الذين كانوا يختبئون فيها ولا تستطيع القوات البريطانية الإمساك بهم.
ومن أجمل ذكرياتها، ذهابها ووالدها إلى المسجد الأقصى والصلاة فيه، قالت كنا نذهب مشيا على الأقدام، وأن والدها مات وهو يردد أمنيته بزيارته والصلاة فيه وأن يدفن في لفتا.

أعراس لم تكتمل:
ولتفاصيل الأعراس التي لم تعشها في البلاد كان في ذاكرتها الكثير، تذكر الثوب الذي كانت العروس تلبسه "ثوب أبو قطبة" لا تزال تحتفظ بثوب منها يتجاوز عمره 70 عاما، تخرج من منزل والدها فيه، وهناك في منزل العريس تلبس العروس فستان الزفاف الأبيض.
بينما تلبس النساء ثوب "الغبانة" وهو ثوب القرية الرسمي، وكانت العروس قبل يوم تذهب للحمام في القدس وثم تحتفل في منزل أهلها بالحنا، وفي بيت العريس يكون العرس والغداء.
ومما كانت النساء تغني للعروس: "قومي أطلعي ما همك وأحنا حطينا حقوق أبوكِ وعمك... قومي أطلعي لحالك وأحنا حطينا حقوق أبوكٍ وخالك".
وخلال حديثها تذكرت كيف كانت القرى المجاورة يضربوا المثل على الغنى "العز" اللي كانت تعيشه القرية بالقول إن "بناتها يزيين أحذيتهن بالذهب" وقالت إن هذه المقولة لا أساس لها من الصحة، ولكن بسبب الوضع الاقتصادي الجيد للسكان والذي يسمح لهم بالسفر للخارج، حيث كانوا يجلبون "الخرز" الذهبي اللامع من الشام وكانت النساء يخطنه على أخذيتهن، فيقول أهالي القرى المجاورة أنه الذهب".
منذ خروجها من البلدة لم تزور خديجة بلدتها الأصلية أبدا، فمنزل والدها والذي يقع في حارة "وعر الضبع" حولها المستوطنين لقهوة، قالت إنها كان تمر من أمام البلدة أثناء زيارتها لأبنها عبد الله والذي قضى 21 عاما في سجون الاحتلال.


المصدر: وكالة فلسطين اليوم.


التعليقات (0)

اترك تعليق