مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

"قوافل النور".. ملحمة الوجود وانتصار الدم على السيف.. دروس حقيقية في الإيمان والالتزام والتضحية والصبر والإيم

تروي الباحثة التونسية سهام بنت محمد بن عزوز ذكرياتها عن رحلتها إلى جنوب إيران ضمن " قوافل النور" التي تتوجه إلى المناطق التي دارت عليها رحى الحرب الطاحنة التي شنها النظام الصدامي المقبور ضد الجمهورية الإسلامية في إيران، حيث لا تزال آثار الحرب المفروضة تذكر الزائر بقساوة الحرب وعمق المقاومة وطعم النصر. تقول سهام بن عزوز في مقال يتحدث عن ذكرياتها في هذه:
وصلنا إلى قوافل النور... هنا بدأت كل الحكاية، ملحمة الوجود، ملحمة انتصار الدم على السيف، معراج الشهداء، طريق الوصول إلى كربلاء، حقا كنا نراها قريبة جدا حتى إننا خلنا أنفسنا قادرين على المشي إليها دون توقف.
"اخلع نعليك فانك في الواد المقدس طوى" رسمت على قلوب الزائرين لهذا المكان المقدس، نعم أنت تمشي على أرض مقدسة، أرض ارتوت بدم الشهداء ولم ترتو، ارض تخال نفسك وانت تمشي بين ثناياها، إنك تدوس على مكان مقدس، على أثر لشهيد أو مكان شهادته، تخلع نعليك فعلا وتمشي مسلماّ روحك لأرواح تستقبلك، تحس بوجودها هناك، حتى إنك من شدة التأثر تخال نفسك بينهم مستمعا لبطولاتهم وصبرهم وإرادتهم، تشعر بالخجل، ترتبك كل حواسك ولا تتوقف.
موقف لم أعشه في حياتي، موقف جعلني لأول مرة أشعر بأنني بحق من البشر  وكأن كل العمر الذي عشته لا معنى له ولا وجود، معراج الشهداء معراج الحق معراج الوجود الحقيقي والتضحية، أعجز حقاً عن التعبير عن قيمة هذا المكان ووصفه بما يليق به. حقا إنه مكان لم يجهز للزيارة فقط، ولا للتبارك بآثار الشهداء وتضحياتهم، إنما جعل مكانا مرسوما ليعلم كل الأجيال التي لم تعش الحرب ولم تذق مرارتها ولم تعش آلامها، أن تدرك قيمة الشهداء وقيمة ما قدموا وما تركوا، إنه حقا قطعة من الجنة، قطعة من نور، لو أمكنني البقاء فيه لمدة أطول لن أتردد أبدا ولن أرفض أبدا، ولعلني أتمنى بحق العودة له دوما علني آخذ من بركة هذا المكان ما يكفيني لأستمر في حياة للأسف أصبحت أعجز من أن تقدم لنا الجميل الحقيقي والصادق... إنه عصر مختلف عن زمن الشهداء وأثرهم....
في حضرة شهداء مجهولي الهوية تشعر بالخجل وأنت تتصفح آثارهم في كل مكان حولك، هؤلاء ليسوا شهداء إنهم ملائكة من السماء، نزلوا ليصنعوا مجد كربلاء جديدة على ارض رويت بالرايات الحسينية والنداء، إنهم شهداء قوافل النور طريق عطّر بدمائهم الزكية ولم يرتو.
تاريخ المسلمين حافل بالجهاد والشهادة، وليس غريباً إن يظهر لك جلياّ معنى الشهادة الحقيقي، كلمات ترسمها ذكرى كربلاء المقدسةّ، "القتل لنا عادة"، فمدرسة عاشوراء هي المعين الذي لا ينضب، وهي الخزان الأكبر للمعاني الأخلاقية الأسمى، فمنها يتعلم الحياة الإنسان القيم الدينية والإنسانية كالتضحية والإيثار والبذل وعزة النفس والاستقامة.
يقول الإمام الخميني(قدس) الشهادة هي أقرب طريق للوصول إلى ثمرة العبادة وهي القرب من الله عز وجلّ: "إن الاستشهاد بالنسبة لنا فيض عظيم". ولكن هذا لا يعني أن الله سبحانه وتعالى يمنحها لآي كان وبشكل عشوائي، فالامام الخميني ذكر في هذا الشأن أنّ "الشهادة هدية من الله تتوفر فيها صفات الشهيد ويكون أهلا للشهادة حتى يهبها تبارك وتعالى لمن هم أهل لها".
زيارتك لقوافل النور هي تجديد عهد وتذكير بقيمة الشهادة والشهداء، هي مدرسة العشق لله عز وجل ولجنة الخلد، إنك حقا عندما تزورها تتعلم المعنى الحقيقي للحياة. وقطعاً على تلك القطعة من أرض إيران ستدرك معنى الشهادة، المعنى الحقيقي لقيمة الأسماء الدنيوية لهم، فلقد باتوا معروفين بمجهولي الهوية وإن كان الإسلام والثورة  رسمت على خطاهم نحو كربلاء، هم الآن معروفون عند ربهم، في الحقيقية شهداء هذه الأرض هم أصحابها وفي باطنها عز وبركة لهم بجوار سيد شهداء كربلاء، هنيئا لها على سطحها آثار للكرامة وحفظ للهوية والعقيدة.
وفي محضر الشهداء يغمرك إحساس الاعتزاز بهم أمواتا وكأننا نحن البشر الأحياء أموات نأتي لزيارتهم علنا نصل إلى حقيقة، علّنا نشتمّ بعض من الكرامة والعزة والإبّاء والوجود الحسيني، الشهداء هم القدّيسون ملائكة وأمراء الجنة بجوار محمد وال بيت محمد، يا الله إنها مدرسة حقيقية في الفداء والتضحية والصبر والوجود.
استضافنا هناك مسؤول التعبئة الشعبية في الحرس الثوري (البسيج) فسألناه عن معنى إحيائهم لذكرى الشهداء فقال: هي فقط فرصة لاستذكار الماضي والتعريف بها لأجيال الشباب خاصة الذين لم يعيشوا هذه الحرب، مضيفاً: نحن نربي أجيالا من الشباب على حب التضحية والقيم والأخلاق التي زرعها الإمام الخميني(قدس) فينا وينادي بها الإمام القائد (دام ظله الشريف)، ونحن لا نريد أن نقدم لهم عروضا للذكرى والتاريخ، نحن نريد منهم أن يتعلموا الدروس الحقيقية في الإيمان والالتزام والتضحية والصبر والإيمان، هؤلاء الشهداء الذين استشهدوا لو لم يتحملوا عناء وشقاء الحرب لما قدموا التضحيات، هذه عقيدتنا عقيدة المدرسة المحمدية الحقيقية مدرسة آل البيت سلام الله عليهم جميعاً.
نعم هذه الجمهورية الإسلامية التي تحاربها كل ذئاب العالم الاستكباري، لأنها أرض عقيدة أرض تضحية وإرادة بقاء، ولولا هذه العقيدة لما خشي العالم منها، ولما ارتبك الصديق قبل العدو، بالفعل هي أمة لا ولن تهزم أبدا بمشيئة الله.


المصدر: وكالة تنا.

التعليقات (0)

اترك تعليق