مريم بنت عمران عليها السلام: "إنها من نساء الجنة"
مريم بنت عمران عليها السلام
هي مريم بنت عمران -ويسميه المسيحيون يوهاكين أويوعاشيم- ابن ماثان بن ألعازر بن ألبود بن أخنز بن صادوق بن عيازوز بن ألياقيم، وينتهي نسبها إلى نبي الله سليمان بن داود عليه السلام، وأمها حنة، وقيل: حنانة، وقيل: مرتا، ويسميها المسيحيون آنايا، وهي بنت فاقود بن قبيل، ومعنى مريم العابدة.
هي أن نبي الله عيسى المسيح عليه السلام،عرفت بين قومها بكثرة العبادة والتقوى والزهد والطهارة والصفات الحميدة، وهي من نساء الجنة، وكانت قدماها قد تفطرتا من كثرة قيامها في صلواتها.
كان أبوها عمران من عظماء بني إسرائيل، ومن علمائهم وصاحب صلاتهم، وكانت أمها لا تحبل، فنذرت لله أن هي حبلت تجعل وليدها من خدام بيت المقدس، فلما حبلت بها وأولدتها جعلتها من خدام معبد سليمان عليه السلام، وسمتها مريم، ولم يمض طويلا على ولادتها حتى مات أبوها، وقيل: مات وهي في بطن أمها.
قدمتها أمها إلى سدنة معبد الهيطل، وكان بينهم زكريا والد يحيى عليه السلام، وكان زوجا لخالة مريم عليها السلام، فقبل كفالتها ورعايتها وتربيتها.
اتخذ لها زكريا محرابا في المسجد؛ لتقضي أوقاتها فيه، ولا يدخله عليها أحد سواه، فكانت تسبح الله وتعبده ليلها ونهارها، وإذا جاءت نوبتها تقوم بخدمة البيت وسندانته.
في المدة التي قام زكريا برعايتها ظهرت منها معاجز وكرامات، كتواجد فاكهة الشتاء في فصل الصيف، وفاكهة الصيف في فصل الشتاء، فكان زكريا يسألها عن ذلك، فكانت تجيبه بأنه من عند ربها الذي يرزق من يشاء بغير حساب.
كان الله سبحانه وتعالى يوحي إليها عن طريق الملائكة بأنه قد اصطفاها، وطهرها من الأرجاس والأدناس والخبائث، وكان عز اسمه يشجعها ويحثها على عبادته وطاعته والقنوت له.
نشأت عليها السلام في جو يسوده الطهر والعفاف، بعيدا عن كل دنس وموبق، واستمرت على ذلك طوال حياتها.
ولما بلغت مبلغ النساء وصار عمرها 13 سنة، وقيل: 20سنة، وفي أحد الأيام وهي مشغولة في عبادة ربها، مطمئنة بحراستها من قبل الله عز وجل، وإذا بجبريل عليه السلام يدخل عليها على هيئة فتى، فرهبت منه، وأخذها الخوف والرعب من دخوله عليها، وظنت بأنه يريد بها سوءا وقبحا، فاستعاذت بالله منه، فأخبرها بأنه رسول ربها اليها ليهب لها غلاما، فعجبت من قوله حيث لم يمسها أحد في الرجال، فذكرها بقدرة الله وعظمته وإرادته في كل الأمور، فنفخ في جيب ثوبها فحملت من ساعتها، ثم أخبرها جبريل عليه السلام بأن الذي في بطنها ذكر ويسمى المسيح عيسى عليه السلام، وسوف يكون نبيا مقربا من السماء، ووجيها في الدنيا والآخرة، وستكون له معاجز وآيات، وسببا لخلاص أمة بأكملها من مستنقعات الرذيلة والشر والضلال، والرفعة بهم إلى سلالم الخير والفضيلة.
استمرت في حملها سبعة أشهر، وقيل: ستة أشهر، وقيل: ثمانية أشهر، وقيل: كانت مدة حملها ساعة واحدة، وقيل: تسع ساعات، وبعد مضي تلك المدة التي طالت أو قصرت ولدت عيسى عليه السلام بمدينة بيت لحم في فلسطين، فلما ولدته خافت من لوم اللائمين من قومها، واتهامها بالفاحشة، فجاءها النداء من السماء أن لا تحزني ولا تخافي مما يقولون، وقولي لهم: إني نذرت لله صوما عن الكلام، فلن أكلم أحدا من الناس، وإن الله سبحانه سيدافع عنك، ويبرهن على طهارتك وعفتك.
وعند ولادتها لم يكن لها بيت في بيت لحم تأوي إليه للولادة، فدخلت أحد أمكنة الرعاة الذين كانوا قد ذهبوا بمواشيهم للرعي، فولدت فيه، ويقال: إنها جاءت إلى بيت لحم -مع أجد أبناء عمومتها أو ابن خالتها يوسف بن يعقوب النجار؛ لإثبات اسميهما في دفاتر إحصاء النفوس بموجب أوامر صدرت من أوغسطين ملك ذلك العصر- فولدت عيسى عليه السلام.
لما دخلت على قومها وهي تحمل وليدها عيسى عليه السلام قابلوها بالازدراء والعنف واللوم، واتهموها بالزنى والفاحشة والإثم، فأشارت إلى عيسى عليه السلام وهو في المهد، طالبة توجيه أسئلتهم إليه، فتعجبوا من طلبها بتكليم طفل في المهد، فلم يمهلهم عيسى عليه السلام حتى أخذ بالدفاع عن أمه وعن براءتها ونزاهتها، ثم أخبرهم بأنه سيكون نبيا عالما يأتيه الله الكتاب من السماء.
إن الملك هيرودس أصدر أمرا بقتل كل طفل يوجد في بيت لحم، فعند ذاك رحل يوسف النجار ومريم عليها السلام وطفلها عيسى عليه السلام إلى مصر خوفا من بطش هيرودس بعيسى عليه السلام، فدخلوا مصر واستقروا بها في مدينة عين شمس مدة 12 سنة، فلما هلك الملك رجعوا إلى فلسطين.
ولم تزل مواظبة على ولدها في تربيته ونشأته حتى بلغت 51 سنة فتوفيت في مصر.
لها جملة من الألقاب كالعذراء والقديسة والبتول وغيرها.
قال النبي المصطفى(ص) عنها: "إنها من نساء الجنة"
وكانت من جملة النساء اللواتي حضرن لمساعدة خديجة الكبرى عليها السلام ـزوجة النبي(ص)ـ عند ولادتها لفاطمة الزهراء عليها السلام.
القرآن العزيز ومريم بنت عمران
﴿فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾ (سورة آل عمران، الآية: 36).
﴿فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ (سورة آل عمران، الآية: 37).
﴿وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ﴾(سورة آل عمران، الآية: 42).
﴿يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾ (سورة آل عمران، الآية: 43).
﴿ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ﴾ (سورة آل عمران، الآية: 44).
﴿إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ﴾ (سورة آل عمران، الآية: 45).
﴿قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاء إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ﴾ (سورة آل عمران، الآية: 47).
﴿وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا﴾ (سورة النساء، الآية: 156).
﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ انتَهُواْ خَيْرًا لَّكُمْ إِنَّمَا اللّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً﴾ (سورة النساء، الآية: 171).
﴿مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾ (سورة المائدة، الآية: 75).
﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا﴾ (سورة مريم، الآية: 16).
﴿قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا﴾ (سورة مريم، الآية: 18).
﴿قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا﴾ (سورة مريم، الآية: 19).
﴿قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا﴾ (سورة مريم، الآية: 20).
﴿فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا﴾ (سورة مريم، الآية: 22).
﴿فَأَجَاءهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا﴾ (سورة مريم، الآية: 23).
﴿فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا﴾ (سورة مريم، الآية: 24).
﴿وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا﴾ (سورة مريم، الآية: 25).
﴿فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا﴾(سورة مريم، الآية: 26).
﴿فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا﴾ (سورة مريم، الآية: 27).
﴿يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا﴾ (سورة مريم، الآية: 28).
﴿وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا﴾ (سورة مريم، الآية: 32).
﴿وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾ (سورة الأنبياء، الآية: 91).
﴿وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ﴾ (سورة المؤمنون، الآية: 50).
﴿وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ﴾ (سورة التحريم، الآية: 12).
المصدر: موقع الهدى القرآني.
تأليف سماحة الشيخ عبد الحسين الشبستري
اترك تعليق