الصحابية أروى بنت الحارث بن عبد المطلب
الصحابية أروى بنت الحارث بن عبد المطلب
صحابية جليلة، من سيدات نساء المسلمين، في إقدامها وشجاعتها وحسن منطقها وفصاحتها، وقد عرفت بالولاء والاخلاص لأمير المؤمنين علي عليه السلام، وفدت على معاوية فوجهت له ولأصحابه سهاما من القول، عجزوا عن ردها على كبر سنها ضعفها، وقد فاخرتهم بقومها بني هاشم، غرة العرب، وأعظم الناس حظا في الدين ونصيبا في الاسلام، وأعلاهم كعبا وقدرا وشرفا، وعرضت في كلامها محنة أهل البيت عليهم السلام وما لاقوه بعد النبي الأكرم صلى الله عليه وآله من العنت والعذاب والمحن والبلاء، فأوضحت حقهم بأفصح بيان وأعذب لسان.
قال ابن طيفور: روى ابن عائشة، عن حماد بن سلمة، عن حميد الطويل، عن أنس بن مالك، قال: دخلت أروى بنت الحارث بن عبد المطلب على معاوية ابن أبي سفيان بالموسم(1). وهي عجوز كبيرة، فلما رآها قال: مرحبا بك يا عمة.
قالت: كيف أنت يا ابن أخي، لقد كفرت بعدي بالنعمة، وأسأت لابن عمك(2) الصحبة، وتسميت بغير اسمك وأخذت غير حقك(3) بغير بلاء(4) كان منك، ولا من آبائك في الاسلام، ولقد كفرتم بما جاء به محمد، فأتعس الله منكم الجدود(5)، وأصغر منكم الخدود(6)، حتى رد الله الحق إلى أهله، وكانت كلمة الله هي العليا، ونبينا محمد هو المنصور على من ناوأه(7) ولو كره المشركون، فكنا أهل البيت أعظم الناس في الدين حظا ونصيبا وقدرا، حتى قبض الله نبيه مغفورا ذنبه، مرفوعا درجته، شريفا عند الله مرضيا، فصرنا أهل البيت منكم بمنزلة قوم موسى من آل فرعون، يذبحون أبنائهم ويستحيون(8) نساءهم، وصار ابن عم سيد المرسلين(9) فيكم بعد نبينا بمنزلة هارون من موسى حيث يقول: يا ابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلوني، ولم يجمع يعد رسول الله لنا شمل، ولم يسهل لنا وعز، وغايتنا الجنة، وغايتكم النار.
قال عمرو بن العاص: أيتها العجوز الضالة، أقصري من قولك، وغضي من طرفك.
قالت: ومن أنت لا أم لك؟
قال: عمرو بن العاص.
قالت: يا ابن اللخناء النابغة(10)، أتكلمني؟ أربع على ظلعك، وابن بشأن نفسك(11)، فوالله ما أنت من قريش في اللباب(12) من حسبها، ولا كريم منصبها، ولقد ادعاك ستة من قريش كلهم، يزعم أنه أبوك، ولقد رأيت أمك أيام منى بمكة مع كل عبد عاهر (أي فاجر) فأتم(13) بهم، فإنك بهم أشبه.
فقال مروان بن الحكم: أيتها العجوز الصالة، ساخ بصرك مع ذهاب عقلك، فلا يجوز شهادتك.
قالت: يا بني، أتتكلم! فوالله لانت إلى سفيان بن الحارث بن كلدة أشبه منك بالحكم، وإنك لشبهه في زرقة عينيك وحمرة شعرك مع قصر قامته وظاهر دمامته، ولقد رأيت الحكم ماد القامة(14)، ظاهر الأمة(15)، سبط الشعر، وما بينكما قرابة إلا كقرابة الفرس الضامر من الأتان المقرب(16)، فأسال أمك عما ذكرت لك، فإنها تخبرك بشأن أبيك إن صدقت.
ثم التفتت إلى معاوية فقال: والله ما عرضني لهؤلاء غيرك، وإن أمك القائلة في أحد في قتل حمزة رحمة الله عليه:
نحن جزيناكم بيوم بدر * والحرب يوم الحرب ذات سعر
ما كان عن عتبة لي من صبر * أبي وعمي وأخي وصهري
شفيت وحشي غليل صدري * شفيت نفسي وقضيت نذري
فشكر وحشي علي عمري * حتى تغيب أعظمي في قبري
فأجبتها:
يا بنت رقاع(17) عظيم الكفر خريت في بدر وغير بدر
صحبك الله قبيل الفجر * بالهاشميين الطوال الزهر(18)
بكل قطاع حسام يفري(19)
حمزة ليثي وعلي صقري
إذ رام شبيب وأبوك غدري * أعطيت وحشي ضمير الصدر
هتك وحشي حجاب الستر * ما للبغايا بعدها من فخر
فقال معاوية لمروان وعمرو: ويلكما، أنتما عرضتماني لها وأسمعتماني ما أكره، ثم قال لها: يا عمة، أقصدي قصد حاجتك، ودعي عنك أساطير النساء.
قالت: تأمر لي بألفي دينار، وألفي دينار، وألفي دينار.
قال: ما تصنعين يا عمة بألفي دينار؟
قالت: أشتري بها عينا خرخارة في أرض خوارة(20)، تكون لولد الحارث بن المطلب.
قال: نعم الموضع وضعتها، فما تصنعين بألفي دينار؟
قالت: أزوج بها فتيان عبد المطلب من أكفائهم.
قال: نعم الموضع وضعتها، فما تصنعين بألفي دينار؟
قالت: أستعين بها على عسر المدينة وزيارة بيت الله الحرام.
قال: نعم الموضع وضعتها، هي لك نعم وكرامة.
ثم قال: أما والله لو كان علي ما أمر لك بها.
قالت: صدقت، إن عليا أي الأمانة، وعمل بأمر الله، وأخذ به، وأنت ضيعت أمانتك، وخنت الله في ماله، فأعطيت مال الله من لا يستحقه، وقد فرض الله في كتابه الحقوق لأهلها وبينها، فلم تأخذ بها، ودعانا -أي علي- إلى أخذ حقنا الذي فرض الله لنا، فشغل بحربك عن وضع الأمور مواضعها، وما سألتك من مالك شيئا فتمن به، إنما سألتك من حقنا، ولا نرى أخذ شيء غير حقنا، أتذكر عليا فض الله فاك، وأجهد بلاءك.
ثم علا بكاؤها وقالت:
ألا يا عين ويحك أسعدينا * ألا وابكي أمير المؤمنينا
رزينا خير من ركب المطايا * وفارسها ومن ركب السفينا
ومن لبس النعال أو احتذاها * ومن قرأ المثاني والمئينا
إذا استقبلت وجه أبي حسين * رأيت البدر راع الناظرينا
ولا والله لا انسى عليا * وحسن صلاته في الراكعينا
أفي الشهر الحرام فجعتمونا * بخير الناس طرا(21) أجمعينا
قال: فأمر لها بستة آلاف دينار، وقال لها: يا عمة، أنفقي هذه فيما تحبين، فإذا احتجت فاكتبي إلى ابن أخيك يحسن صفدك(22) ومعونتك إن شاء الله.
فسلام عليها يوم ولدت، ويوم عاشت سعيدة، ويوم ماتت، ويوم تبعث حية.
____________________
1- أي موسم الحج بمكة.
2- تعني أمير المؤمنين عليا عليه السلام، وكان معاوية قد قاد القاسطين انتقاضا على خلافته عليه السلام.
3- أي الخلافة.
4- أي بغير عمل واجتهاد.
5- الجدود: الحظوظ.
6- أي أذهب صعرها، والصعر: الكبر.
7- ناوأه: عاداه.
8- أي يستبقونهن للخدمة.
9- تعني عليا أمير المؤمنين عليه السلام.
10- اللخناء: الأمة لم تختتن، والنابغة، البغي.
11- أربع: أقم، وظلعك: تهمتك، والمعنى اسكت على ما فيك من عيب.
12- أي الخالص.
13- أي اقتد.
14- أي طويلها.
15- الأمة: الهيئة والنعمة.
16- الضامر: الدقيق، والمغرب: التي قربت ولادتها، فيكون بطنها كبيرا.
17- الرقاع: الكثير الحمق.
18- الزهر: الحسان، البيض الوجوه.
19- أي يقطع.
20- الخرارة: الجارية: والخوارة: المنخفضة، والمراد الأرض التي تصلح للزارعة وليست وعرة.
21- أي كلهم.
22- أي عطائك.
اترك تعليق