مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

الصحابية نسيبة بنت كعب

الصحابية نسيبة بنت كعب

الصحابية نسيبة بنت كعب

وهي أم عمارة الأنصارية، صحابية جليلة، ومجاهدة كبيرة، ذات صلاح ودين ونسك واجتهاد واعتماد على النفس. أسلمت قديما، وحضرت ليلة العقبة، وبايعت رسول الله صلى الله عليه وآله.
وشهدت أحدا مع زوجها زيد بن عاصم(١) وابنيها، فخرجت في أول النهار تريد أن تسقي الجرحى، فانتهت إلى رسول الله وهو في أصحابه، والدولة والربح للمسلمين، فلما انهزم المسلمون انحازت إلى رسول الله بالسيف، وأخذت ترمي بالقوس حتى خلصت إليها الجراح، وذلك لما ولى الناس عن رسول الله، وقد أقبل ابن قميئة وهو يصح:
دلوني على محمد، فلا نجوت إلا نجا، فاعترض له مصعب بن عمير وناس معه، وقد كانت أم عمارة فيهم، فضربها ضربة، وضربته على ذلك ضربات، ولكن كان عليه درعان، فاتقى بهما ضرباتها.
وحدثت أم عمارة عن وقعة أحد، فقالت: انكشف الناس عن رسول الله فما بقي إلا نفر ما
يتممون عشرة، وأنا وابناي وزوجي بين يديه نذب عنه. والناس يمرون منهزمين، ورآني لا ترس لي معي، فرأى رجلا موليا معه ترس، فقال لصاحب الترس:
ألق ترسك إلى من يقاتل: فألقى ترسه فأخذته، فجعلت أتترس به عن رسول لله، وإنما فعل بنا الأفاعيل أصحاب الخيل، لو كانوا رجالة مثلنا أصبناهم إن شاء الله، فيقبل رجل علي على فرس فضربني، وتترست له، فلم يصنع سيفه شيئا وولي، وأضرب عرقوب(2) فرسه فوقع على ظهره، فجعل النبي يصيح يا ابن أم عمارة أمك أمك.
قالت: فعاونني عليه حتى أوردته شعوب(3)وظلت أم عمارة تقاتل وتداوي الجرحى وتسقيهم
الماء، حتى جرح ابنها عبيد بن زيد، وجعل دمه يسيل وهي لاهية عنه بقتال الأعداء، حتى نادى رسول الله ابنها فقال: أعصب جرحك، فتنبهت إلى ابنها، وأقبلت إليه ومعها عصائب حقويها(4) قد أعدتها للجراح، فربطت جرحه، والنبي واقف ينظر إليها، ثم قالت أم عمارة لابنها، بني انهض فضارب القوم. فجعل النبي يقول: ومن يطيق ما تطيق أم عمارة؟ ثم أقبل الرجل الذي ضرب ابنها، فقال رسول الله: هذا ضارب ابنك. قالت: فأعترض له فأضرب ساقه فبرك. قالت: فرأيت رسول الله يبتسم حتى رأيت نواجذه، وقال: استقدت(5) يا أم عمارة، ثم أقبلوا يعلونه بالسلاح حتى أتوا على نفسه. فقال النبي: الحمد لله الذي ظفرك وأقر عينك من عدوك، وأراك ثارك بعينك.
وفي رواية: أن رسول الله كان يقول: لمقام نسيبة اليوم خير من مقام فلان وفلان، وكان يراها يوم أحد تقاتل أشد القتال، وإنها لحاجزة(6) ثوبها على وسطها، حتى جرحت ثلاثة عشر جرحا. وكان يقول: إني لأنظر إلى ابن قميئة وهو يضربها على عاتقها. وكان أعظم جراحها فداوته سنة.
ثم نادى منادي رسول الله إلى حمراء الأسد(7)فشدت عليها ثيابها، فما استطاعت من نزف الدم، ولقد مكثوا ليلتهم يضمدون الجراح حتى أصبحوا، فلما رجع رسول الله من الحمراء، ما وصل رسول الله إلى بيته حتى أرسل إليها عبد الله بن كعب المازني يسأل عنها، فرجع إليه يخبره سلامتها، فسر بذلك النبي.
وقيل لام عمارة: يا أم عمار، هل كن نساء قريش يومئذ يقاتلن مع أزواجهن؟
فقالت: أعوذ بالله، لا والله ما رأيت امرأة منهن رمت بسهم ولا حجر، ولكن رأيت معهن الدفاف والإكبار(8) يضربن ويذكرن القوم قتلى بدر، ومعهن مكاحل ومرودا، فكلما ولى رجل أو تكعكع ناولته إحداهن مرودا ومكحلة، ويقلن: إنما أنت امرأة، ولقد رأيتهن ولين منهزمات مشمرات، ولها عنهن الرجال أصحاب الخيل، ونجوا على متون خيلهم، وجعلن يتبعن الرجال على أقدامهن، فجعلن يسقطن في الطريق.
وأتي عمر بن الخطاب بمروط، فكان فيها مرط جيد واسع، فقال بعضهم: إن هذا المرط لثمن كذا وكذا، فلو أرسلت به إلى زوجة عبد الله بن عمر صفية بنت أبي عبيدة:
وقال أحدهم: ابعث به إلى من هو أحق به منها، أم عمارة نسيبة بنت كعب، فقد سمعت رسول الله يقول يوم أحد، ما التفت يمينا ولا شمالا إلا وأنا أراها تقاتل دوني.
وقد شهدت أم عمارة بيعة الرضوان، ثم شهدت قتال مسيلمة باليمامة، وقد جاهدت باليمامة أجل جهاد، وجرحت أحد عشر جرحا، وقطعت يدها، وقتل ولدها.
فسلام عليها يوم ولدت ويوم أسلمت وجاهدت، ويوم ماتت، ويوم تبعث حية.


الهوامش:
1- وقيل: غرية بن عمرو.
2- العرقوب: ما يكون في رجل الدابة بمنزلة الركبة في يدها.
3- الشعوب: المنية.
4- الحقو: الخصر.
5- القود: القصاص.
6- أي لآفة.
7- اسم موضع.
8- الإكبار: الطبول.

التعليقات (0)

اترك تعليق